أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 106
الفصل 106 : ما هوَ الحُب؟ ³
“لا أعلم. هل سأتَزوجُ مرةً أخرى؟”
“ولماذا تقولين ذَلك؟ ما زلتِ شابةً، وقد يتقدمُ لكِ رجلُ رائعٌ رُبنا يكون حولكِ”
لَمْ تكد كلماتُ ليونارد تنتهي حتى ضحكت كورديليا، ضحكةً كانت أقرب للسخرية.
“مِن برأيكَ يُمكن أنْ أتزوجهُ مرةً أخرى؟”
“حسنًا…”
“لا أريد. مرةٌ واحدةٌ كانت كافية، تلكَ التجربة كانت مروعة.”
ظهرت على وجهها تعابير كراهيةٍ واضحة. كان موقفُها السلبي تجاه الزواج أكثر وضوحًا مِما كان يتوقعهً ليونارد، فظلّ صامتًا. وكأنّها تُحاول تغيير الموضوع، رفعت كورديليا المنشفة عن ظهرهِ.
“أعتقدُ أنْ هَذا يكفي. الطبيب قال إنْ الإفراط في ذَلك ليس جيدًا.”
“حسنًا.”
“سأذهبُ لأتفقد لوتي قليلًا. ارتح الآن.”
ابتسمت كورديليا بوجهٍ مُشرق على عكس ما كان منذُ لحظات. بدأت حرارةُ يدها، التي كانت تُمسك به، تتلاشى تدريجيًا، مِما جعلهُ يشعر بعدم الارتياح لمُجرد مواجهتها.
***
“لدي سؤال.”
قالت كورديليا بينما كانت تُقدم قطعًا مِن اللحم المُجفف للوتي واحدةً تلو الأخرى. لوتي كانت مُستلقيةً على المقعد الطويل وتلتهمها بلهفةٍ.
“ما هو؟” (استجابت لوتي)
“لماذا تَحميني؟ في حادثة أرض ديلونا والقلعة، كنتِ تُخاطرين بحياتكِ لأجلي. لماذا؟ لا يوجد سببٌ يجعلكِ تفعلين ذَلك.”
“والآن فقط تسألين؟ حقًا، أنتِ سريعةٌ جدًا، أيتُها الإنسانة الصغيرة.”
“أوه، لَمْ يمضِ سوى بضعة أيامٍ على قدرتي على التحدُث معكِ بِهَذهِ الطريقة.”
عندما أحضرت كورديليا لوتي لأول مرةٍ إلى هَذا القصر، كانت عِظامها مُحطمةً بالكامل تقريبًا، وظنت أنه مِن المُستحيل أنْ تبقى على قيد الحياة. لكن لوتي، بصفتِها مخلوقًا سحريًا مِن الدرجة العُليا، تعافت بشكلٍ ملحوظ خلال أربعة أيام فقط. بعد حادثة نازازبوت، وجدت كورديليا أنّها تستطيعُ التواصل مع لوتي بسهولةٍ أكبر.
“هل لأنني كنتُ أعتني بكِ جيدًا؟ هل ترُدين الجميل؟”
“كل هَذا مِن أجل بعضِ قطع اللحم؟ كم أنتِ مُتبجِحة.”
ردت لوتي بتعابيرِ يدُل على السخرية.
“آه، إنْ لَمْ يكُن هَذا هو السبب، فَما السبب إذًا؟”
“لقد أبرمنا عقدًا.”
“عقد؟ هل يُمكن للكائنات السحرية إبرام العقود؟ ما نوع هَذا العقد؟”
“لا يُمكنني الكشفُ عن التفاصيل. فهَذا جزءٌ مِن العقد.”
“ومَن هو الشخص الذي أبرمتِ العقد معه؟”
لوتي تجاهلت السؤال وأخذت آخر قطعةً مِن اللحم مِن يد كورديليا وبدأت تأكُلها بصمتٍ. أدركت كورديليا أنّها لا تريدُ الإجابة، فقررت عدم الضغط عليها.
“على أيِّ حال، شُكرًا لكِ، لوتي. لولاكِ، كنتُ سأموت مراتّ عديدة.”
“هممم..”
أدارت لوتي رأسها جانبًا كما لو كانت مُحرجةً مِن كلمات الامتنان. رَقتها هَذهِ اللحظة ودفع كورديليا إلى مُداعبتها بلطفٍ. على عكس المُعتاد، حيثُ كانت تتجنبُها، اليوم قبلت لمستها بهدوء.
شعرت كورديليا بالفخر، وكأنْ لوتي بدأت تفتح لها قلبها.
طرق! طرق!
سمعت طرقًا مُهذبًا على الباب. عندما قالت “ادخُل”، فُتحَ الباب.
“بارون؟”
“هل لديكِ بعضُ الوقت؟”
“بالطبع. ما الأمر؟”
نهضت كورديليا مِن على الكرسي وتقدمت نحو البارون، الذي ابتسم برفقٍ وقال:
“الطقس جميلٌ اليوم، هل تودين الذهاب في نزهةٍ للخارج؟ يبدو أنني لَمْ أعرّفكِ بشكلٍ جيد على مدينة ويلآس.”
“فكرةٌ رائعة!”
ضحكت كورديليا وأحضرت بسرعةٍ قُبعتها ومظلتها. ثم استعدت لوتي للوقوف، لكن كورديليا أوقفتها على الفور.
“لا تقلقي، لوتي. لَمْ تتعافي تمامًا بعد، ارتاحي.”
“أنا ذاهبةٌ فقط لأشرب بعض الماء.”
“……”
بالطبع، لا شيء جديدٌ في ذَلك.
حركت كورديليا شفتيها بطريقةٍ مُعبرة، ثم خرجت مع البارون مِن القصر.
كان الطقسُ مشمسًا مع نسيمٍ باردٍ مُنعش، مِما جعل المشي مُمتعًا. البارون كان واسع المعرفة، حتى أنهُ عرف القصص الحزينة المُرتبطة بالتماثيل التي مروا بها على الطريق، مِما جعل الجولة أكثر إثارة للاهتمام.
بينما كانوا يمشون، مروا أمام الحديقة التي دمرها نازازبوت. الأنقاض والأشجار المُكسرة كانت شاهدةً على الفوضى التي حدثت.
توقفت كورديليا لحظةٍ هُناك.
“لماذا قامت ليديا بهَذا الشيء؟”
“حتى لو كان لديكِ تسعةٌ وتسعون رقمًا، فإنْ الرغبة في الحصول على المئة هو ضمن الطُمع البشر.”
“وهل كان الرقمُ الأخير، المئة، هو مُعلمي؟”
“أنتِ تعرفين ذَلك جيدًا.”
نظرَ بارون طويلاً إلى بقع الدماء الجافة على أرضية الحديقة. كان كورديليا تُحدق أيضًا في ذَلك المكان، وظهرت في ذهنها صورة ليديا، التي فقدت سيطرتها على نفسها وجسدها لصالح الشيطان.
في البداية، كانت تبدو كأكملِ امرأةٍ في العالم، ولكن ماذا حولها إلى هَذا الوحش؟
هل هو الحُب؟
هل ذَلك الحُب العظيم هو ما دفعها إلى هَذا السقوط المُدمر؟
“الحُب حقًا مُخيف.”
“ما فعلتهُ ليديا إلفينباوم ليس حُبًا.”
قال البارون بحزم، مِما جعل كورديليا تلّتفتُ إليّه.
“كان مُجردَ عنادٍ وإصرار مُلتفين بهيئة طمع. إنها قد فرضت مشاعرها على الطرف الآخر، وأطلقت على ذَلك اسم الحُب.”
كان هَذا نقدًا لاذعًا وصريحًا. البارون، الذي كان دائمًا يتحدثً بابتسامةٍ هادئةٍ وبلطف، كان مُتوقعًا أنْ يُغيّر الموضوع ، لكن هَذهِ المرة عبرَ بوضوحٍ. نظرت إليّه كورديليا بدهشة.
تابع البارون حديثهُ دوّن توقف:
“بالنسبة لها، كان سيدي مُجرد جوهرةٍ براقة لَمْ تتمكن مِن الحصول عليها بسهولة. لو كانت مكانتُه أقل مِنها، لكانت قد ارتكبت أمورًا فظيعة. آه، في الواقع، قد فعلتها بالفعل.”
“ألقت بكُل شيء لمُجرد طُمع؟”
“هاهاها. البشر غالبًا ما يلقون بأنفسهم في أشياء تافهة.”
ابتسم البارون ابتسامةً دافئة، لكن كلماتهُ كانت تنضحُ بالتَهكُم. شعرت كورديليا فجأةً بالفضول.
“إذن، ما هو الحُب؟”
“ليس بالأمر الصعب. الحُب أبسط مِما قد تتوقعين.”
على الرغم مِن أنْ الحوار أخذ مُنعطفًا غيرَ مُتوقع، كانت كورديليا سعيدةً بهِ. فقد بدأوا بالابتعاد تدريجيًا عن الحديقة التي لا تزال تفوحُ مِنها رائحة الدم.
“إنهُ الشعور بأنكِ تُريدين أنْ تُقدمي كُل شيء لذَلك الشخص، حتى لو كان ذَلك يعني معاناتكِ.”
“هممم؟ هَذا كُل شيء؟”
توقعت أنْ يُسمعها كلماتٍ عن التضحية، لكن إجابةُ البارون كانت موجزةً بشكلٍ مُفاجئ.
“بالطبع، يختلفُ تعريف الحب مِن شخصٍ لآخر، لكن هَذا هو تعريفيِ”
“الرغبة في تقديم كُل شيء.”
“هل هُناك شخصٌ تشعرين تجاههُ بهَذهِ المشاعر؟”
“لستُ متأكدةً.”
تأملت كورديليا حياتها بهدوء. عندما تُفكر في والدها وشقيقها، تشعرُ بالاشمئزاز. وتجاه والدتها الراحلة، كانت مشاعرُها مليئةً بالحنين العميق. أما عندما تتذكرُ ليونارد…
“لا أعتقدُ أنني أشعرُ بذَلك بعد.”
وضعت يدها على صدرها الأيسر، ثم هزّت رأسها.
نظر البارون إلى كورديليا بنظرةٍ غامضة، لكنهُ لَمْ يضغط عليها. فلو كان الأمر شيئًا يًمكن التعجيل فيه، لكانت كورديليا قد سارت بالفعل في ممر الزفاف في أتيلي. فكُل شيءٍ يأتي في وقتهِ.
“حسنًا. أتمنى أنْ تجدِ هَذا الحُب يومًا ما”
ابتسمت كورديليا ابتسامةً خفيفة ردًا على كلماتهِ.
استمر الاثنان في المشي لفترةٍ طويلة بعد ذَلك. وعندما وصلت الشمسً إلى ذروتِها، بدأت الحرارة تجعلُ المشي مُرهقًا قليلًا.
“هل نعود؟”
“أعتقد ذَلك.”
استداروا ليعودوا مِن حيث أتوا، ولكن فجأةً توقف البارون وتجمدَ مكانهُ. نظرَ بسرعةٍ حول الطريق الهادئ الذي سلكوه. شعرت كورديليا بالتوتر أيضًا بسبب رد فعله.
“ما الأمر؟”
“مُستحيل. انتظري هُنا قليلًا.”
“ما الذي يحدُث؟”
“لا شيء، فقط أريدُ أنْ أتحقق مِن أمرٍ ما”
أخذ البارون كورديليا إلى مقهى في الهواء الطلق على جانب الطريق وطلب مِنها الانتظار، ثمَ اختفى بسرعة.
جلست كورديليا على الكرسي وانتظرت بلا حولٍ ولا قوة. كان المكانُ هادئًا للغاية، وكان هُناك قليلُ مِن المارة.
“مرحبًا، سيدتي. هل يمكنكِ شراءُ زهرةٍ واحدةٍ فقط؟ إخوتي الصغار جائعون في المنزل.”
اقترب مِنها صبيٌ مُترددًا. على الرغم مِن أنْ ويلآس كانت مدينةً ميسورة الحال نسبيًا، إلا أنْ الفقراء لِمْ يكونوا غائبين تمامًا.
شعرت كورديليا بالشفقة على الصبي الذي غطى وجهه بالتراب، فأخرجت عملةً معدنية مِن فئة 1 لينكيت وأعطتها لهُ.
“أعطني زهرةً واحدة.”
“شكرًا لكِ! شكرًا جزيلاً، سيدتي!”
أعطاها الصبي الزهرة وهرب بسرعة.
نظرت كورديليا إلى الزهرة التي قدمها لها الصبي. كانت زهرة ديزي بيضاء عادية.
وضعت الزهرة على أنفِها واستنشقت رائحتها. كان عبيرُها ممزوجًا برائحة الأعشاب الخضراء غيرِ الناضجة مع لمسةٍ خفيفةٍ مِن الحلاوة.
في تلكَ اللحظة أدركت شيئًا. هَذا ليس عبيرَ زهرة الديزي.
“ماذا؟”
بدأت الأرضُ تميل. أو بالأحرى، جسدُها هو الذي بدأ يميل بلا سيطرة.
حاولت كورديليا أنْ تَمُّد يدها في الهواء، لمحاولة أمساك أيِّ شيء، لكن العالم مِن حولها بدأ ينهار بسرعة.
كانت الأرض تقتربُ مِنها بسرعة. أغمضت عينيها بإحكام، لكن قبل أنْ تصطدمَ بالأرض، أوقفها شيءٌ ما. كانت هُناك ذراعٌ قويةٌ تمسكُ بها.
رفعت رأسها بصعوبةٍ لترى مَن الذي أنقذها، لكن بسبب الضوء لَمْ تستطع رؤية وجههِ بوضوح. لَمْ يكُن ذَلك بسبب الضوء فقط، بل أيضًا لأنها شعرت بضعفٍ في جسدها، وكانت جفونُها قد ثقُلت لدرجة أنّها لَمْ تعُّد تملك الطاقة لرؤية أيِّ شيء.
شعرت وكأنّها تسقطُ في هاويةٍ لا نهاية لها.
“لقد مرّ وقتٌ طويلِ”
ذَلك الصوت…
تذكرت كورديليا فورًا لِمَن كان هَذا الصوت، لكنّها لَمْ تتمكن مِن نُطق اسمه.
حاولت الحفاظ على وعيّها، لكن عقلُها قد غاب تمامًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》