أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 105
الفصل 105 : ما هوَ الحُب؟ ²
عددُ القتلى كان سبعة عشر، والمُصابين تجاوزوا ثلاثة أضعافِ ذَلك.
انتشرت أخبارٌ أنْ ليديا إلفينباوم قد استدعت شيطانًا وأحدثت فوضى عارمةً أمام مبنى الجمعية السحرية، ليس فقط في جزر ويلآس بل في جميع أنحاء إيرشيه. أصبح الحديث عن ذَلك الأمر يتصدرُ الأحاديث لدرجة أنْ الناس كانوا يقضون الليالي وهم يتحدثون عنه.
أعلن روزنبلور رسميًا، بصفتهِ رئيس عائلة إلفينباوم، أنهُ سيتحملُ كامل المسؤولية. التقى شخصيًا بأسرِ الضحايا، وزار الملاجئ المؤقتة للمُصابين ليُقدم اعتذاراتهُ وتعازيه. ونتيجةً لذَلك، لَمْ يُرَ وجهُ روزنبلور لمدةٍ تجاوزتُ العشرة أيام.
“يا لهُ مِن شخصٍ مسكين، أنهُ يُعاني بسبب أختهِ.”
“صحيح، مُعلمي أيضًا يُعاني كثيرًا بسبب ماكسيميليان.”
“ما الذي تفعلينه؟ ذراعي تؤلمني.”
ألقى ليونارد نظرةً غاضبةً على كورديليا التي كانت تقفُ خلفه.
يبدو أنّها كانت تُدلك كتفهِ لمدة ساعةٍ كاملة، لكن مُعلمها القاسي لَمْ يكُن لديهِ نيةٌ للتساهل معها. تنهدت كورديليا في سرِها مئات المرات لكنّها بالكاد تمكنت مِن رفع زوايا شفتيها بابتسامةٍ.
“هاه؟ لَمْ أكُن اقصد، كنتُ على وشك تدليك ذراعكَ اليُمنى الآن.”
“آه، ظهري بدأ يؤلمني فجأةً.”
“هل تُريدني أنْ أحضر لكَ كمادة ثلج؟”
“هل يجبُ عليّ أنْ أطلب ذَلك بنفسي؟ اذهبي وأحضريها بسرعة.”
“سأعود حالاً.”
خرجت كورديليا بسرعةٍ مِن الغرفة. بِمُجرد رحيلها، تنهد البارون الذي كان يقفُ بهدوء على بعد بضعة أمتار.
“سيدي، هل تُفكر في جعل كورديليا خادمةً لك؟”
“إذا كنتَ لا تعرفُ شيئًا، فابقَ صامتًا. هل تجرؤ على قول ذَلك ليّ؟”
“هل حدثَ شيءٌ ما؟”
“كيف تجرؤ!”
صاح ليونارد بغضبٍ وهو ينظرُ إلى الباب الذي خرجت منهُ كورديليا. كُلما تذكر تلكَ الليلة قبل بضعة أيامٍ، ازداد غضبهُ.
كيف كانت تُفكر في مُعلمها حتى تربطَ الأمر بتلكَ الطريقة دوّن أيِّ تردد؟ لقد كان الأمر مُثيرًا للغضب لدرجة أنهُ شعر بالضياع.
“أليس مِن الطبيعي أنْ يُفكر الشخص العادي بأنْ مَن يهتمُ بهِ لديهِ مشاعرٌ رومانسي؟ إذا كانت تعرف عن القُبلات، فَلماذا لا تفهمُ مشاعري؟ هل تفعلُ ذَلك عن قصد؟”
نسي ليونارد أنهُ لَمْ يعترف بمشاعرهِ بشكل مُباشرةً، وبدلاً مِن ذَلك، كان يركلُ الأغطية بلا فائدة. هزّ بارون
رأسهُ بعدم تصديق على طبيعتهِ الغاضبة.
“ألَمْ يُشفى ظهرُكَ تمامًا؟ إلى متى تُخطط البقاء هَكذا وخداع كورديليا؟”
“مَن قال ذَلك؟ مَن قال إنْ ظهري قد شُفي؟”
“الطبيب الذي زاركَ هَذا الصباح. لقد كان مُعجبًا بسرعة شفاءكَ الخارقة.”
“ابقي فمكَ مُغلقًا. لا تدعها تكتشفُ الأمر. حسنًا، مع فهمِها البطيء، ماذا يُمكنها أنْ تكتشف؟”
يبدو أنْ هُناك شيئًا ما يتعلق بـ كورديليا يزعجهُ بشدة.
“على أيِّ حال، إلى متى ستبقى في ويلآس؟ اذهب وقُم بالمهمة التي كلفتُكَ بها. أوه، قبل ذَلك، عُد إلى القلعة.”
“هل هُناك شيءٌ آخر تأمُرني به؟”
“اذهب وأحضر الخاتم. الخاتم الذي كانت والدتي ترتديهِ عندما تزوجت. الخاتم اللامع ذو الألماسة الكبيرة، أحضرهُ ليّ.”
“ماذا؟”
“وأثناء وجودكَ هُناك، أخبرهم أنْ يقوموا بالتحضير لحفل الزفاف. إذا بدأنا التحضيرات الآن، يُمكننا إقامة الحفل في الربيع المُقبل. سنجعلها حفلةً كبيرة، لذا تأكد مِن أنْ كُل شيء جاهز.”
“……”
كان بارون مذهولًا للغاية لدرجة أنهُ فقد القدرة على الكلام. رُغم أنهُ كان قد طرح هَذا الأمر مِن قبل على سبيل المُزاح، إلا أنهُ لَمْ يتوقع أنْ يأخذ ليونارد الموضوع بجديةٍ هَكذا.
بعد تفكيرٍ طويل، قال بأدبٍ وبصوتٍ هادئ:
“عذرًا، هل عثرتَ على العروس التي ستدخُل معكَ الحفل؟”
“نعم، لقد ذهبتَ الآن لتُحضرَ الثلج. ستعودُ قريبًا.”
بكُل جرأةٍ، تحدث وكأنهُ قد انتهى بالفعل مِن عرض الزواج عليها. بحثَ بارون طويلًا عن الكلماتٍ المُناسبة ليرُد على سيدهِ بها.
“ألا تعتقدُ أنه مِن الأفضل أنْ تسأل كورديليا عن رأيّها أولاً؟ يبدو أنْ هَذا ما يجبُ فعلُه.”
“ستقول نعم دوّن أنْ تُفكر. لَن تسألني عن السبب حتى.”
“لا أعتقدُ ذَلك. مهما كانت كورديليا بطيئة الفِهم كما تصفُها، لَن تقبل بِهَذهِ السهولة.”
“بلى، ستعتقدً أنني أستخدمُها فقط لأنني أحتاجُ إلى زوجةٍ. قد تسألُني حتى إذا كان الخاتم يحتوي على سحرٍ أو شيءٍ مِن هَذا القبيل.”
كان يُمكنه بسهولةٍ تَخيُل هَذا الموقف، مِما جعله يشعر بالإحباط. لديهِ شعورٌ سيء أنه حتى لو اعترف لها بمشاعره، فَلَن تُصدق.
“يا سيدي، في هَذهِ الحالات، يجبُ عليكَ أنْ تُظهر لها جاذبيتك. بدلاً مِن إرسالها لجلب الثلج، عليكَ أنْ تُظهر لها مشاعركَ بوضوح. كيف ستفهمُ كورديليا مشاعركَ إذا بقيت على هَذا الأسلوب؟”
“جاذبيتي؟ أنا مليءٌ بالجاذبية مِن رأسي إلى قدمي! ماذا يُمكنني أنْ أظهر أكثر مِن ذَلك؟”
صاح بغضبٍ، وفي تلكَ اللحظة، فُتح الباب. توقع أنْ تكون كورديليا قد عادت، ولكن ظهر شخصٌ غيرُ متوقع.
“أتيلي! مَن تظنُ نفسكِ لتطلب مِن كورديليا إحضار الثلج؟”
“كـ، كاينون.”
دخل كاينون، ووجههُ مليءٌ بالغضب، وهو يقتحمُ الغرفة. خلفهُ، كانت كورديليا التي تحملُ دلو الثلج، تبدو مندهشةً مِن الموقف.
“هل تعرفُ مكانة كورديليا في الجمعية السحرية؟ وتطلب مِنها إحضار الثلج؟ إذا كنتَ ستفعل ذَلك، اتركها تأتي إلى مدرستي!”
“أيُّ مكانة؟”
استمع ليونارد إلى صراخ كاينون بلا اهتمام، غيرَ مُهتمٍ تمامًا بما كان يقوله. رفع كاينون يدهُ ووضعها على كتف كورديليا، وهو يتفاخر.
“أنتَ لَمْ تعلم لأنكَ كنتَ مُستلقيًا هنا، لكن كورديليا حذرتنا مُسبقًا مِن الشيطان!”
“ماذا؟ سيد كاينون، لَمْ أخبركَ بذَلك أبدًا…”
“بحسبِ ما قالتهُ ماتيلدا، لولا السحر الذي استخدمتهُ كورديليا، لكُنا جميعًا قد لقينا حتفنا. هَذهِ القصة انتشرت في كُل مكان، والآن جميعُ أعضاء الجمعية السحرية يمدحون كورديليا. لكنكَ، بأيِّ حقٍ تجعلُها تقوم بأعمال وضيعةٍ كهَذهِ؟”
“أعتقدُ أنْ الأمر ليس بتلكَ الضخامة…”
شعرت كورديليا أنْ كلمات كاينون أصبحت مُبالغًا فيها شيئًا فشيئًا، ولَمْ يكُن ذَلك مُجرد وهمٍ لديها. كانت تُلامس الدلو الذي تحملهُ بيدها. في تلكَ الأثناء، أشار ليونارد إليّها بأصبعهِ.
“تعالي هُنا.”
“نعم.”
لَمْ يهتم ليونارد بوجود كاينون أو عدمهِ، وخلعَ قميصهُ وتمدّد على السرير.
“إذا انتهيتَ مِن كلامكَ، فَلتذهب. لدي تلميذةٌ واحدةٌ فقط، وأنا بحاجةٍ لأن أحصل على كمادات الثلج منها”.
“أنتَ… أنتَ…”
كاينون كان يرتعشُ غضبًا ووجههُ شحُبَ مِن فرط التوتر.
أسرعت كورديليا بلفّ الثلج في منشفة ووضعتهُ بحذرٍ على جرحهِ. رُغم أنهُ تعافى كثيرًا مُقارنة ببداية الإصابة، إلا أنْ الجرح المُمزق ما زال يبدو مؤلمًا.
اقترب كاينون منها بعد أنْ غمغم ببعض الكلمات عدة مرات.
“لو جئتِ إلى مدرستنا، ما كنتِ لتضطري لفعل هَذا النوع مِن الأشياء.”
“لا تكون قاسيًا على مُعلمي. هَذا الجرح أصابهُ بينما كان يحميني. أشعرُ أنني محظوظةٌ لأنني أستطيعُ مساعدته.”
“يا إلهي، كورديليا انتِ طيبةٌ حقًا. لكن تذكري، مِن واجب المُعلم حماية تلميذهِ!”
“ألَمْ تُغادر بعد؟”
قال ليونارد بصوتٍ خافت بينما كان مُتمدّدًا. كان كلامهُ مليئًا باللامبالاة لدرجة أنْ كورديليا ألقت نظرةً سريعة على كاينون.
“سأغادر. اللعنة، لو بقيتُ أتحدث معكَ أكثر، سأصابُ بالجلطة. بالمُناسبة، ما كان اسم ذَلك الشيطان؟”
“يُدعى نازازبوت.”
“نازازبوت… هل هو أعلى مرتبةً مِن كاندياس الذي عُلِّق على بابكَ؟”
“إنهُ الشيطان رقمُ تسعةٍ وتسعين.”
كانت كورديليا مُنهمكةً في وضع الكمادات على ظهر مُعلمها وأدلت بتلكَ المعلومة بدوّن قصد.
“يا للعجب، استدعاءُ شيطانٍ ضمنَ أعلى مئةٍ في الترتيب نادرٌ جدًا، ناهيكَ عن أنْ الأمر تحول إلى تجسيدٍ كامل، لا عجب أنْ الأمور خرجت عن السيطرة. لا يُمكن أنْ تكون ليديا قد فعلت ذَلك وحدها، يبدو أنْ لـ ماكسيميليان علاقةٌ بالموضوع.”
“تقصد حادثة الانهيار في الجنوب؟”
“نعم، يبدو أنْ هوية المُتعاقد أصبحت واضحةً الآن.”
ماكسيميليان وليديا؟ كان مِن الصعب على كورديليا تَخيُّل تلكَ التركيبة الغريبة.
“سمعتُ أنْ مينوفيو انضمِ لمُطاردة ماكسيميليان؟”
“نعم، وقد انطلقَ إلى آنسين.”
“نحنُ أيضًا نُجهّز فريقًا لمُلاحقة ذَلك الشيطان. يجبُ إيقاف نازازبوت قبل أنْ يقوم بشيءٍ آخر. لكن، مَن كان يتخيل أنْ ليديا إلفينباوم ستكون وراء هَذا؟”
“كيف حال بلّي؟”
“ليس في حالٍ جيدة، أختهُ الصغيرة التي كان يُحبها استدعت شيطانًا، وجعلت مِن ويلآس أنقاضًا بين ليلةٍ وضحاها.”
تنهدً كاينون بعمقٍ وأخذ يهزُّ رأسه، فكان مِن السهل تخيل مدى خيبة أمل روزنبلور.
رغم أنهُ قال إنهُ سيغادر، إلا أنْ كاينون استمر في تبادُل الحديث مع ليونارد لفترةٍ قبل أنْ يُغادر أخيرًا. بعد ذَلك، عادت كورديليا للتركيز على علاج جرح ليونارد بالثلج.
“كيف حال ظهركَ الآن؟”
“أشعرُ بالتحسن.”
“يبدو أنْ الجرح يلتئمُ جيدًا، لا يوجد حُمى أو تورم. بهَذا المعدل، ستتعافى قريبًا.”
كانت كورديليا تبتسمُ بصدقٍ وهي تُعبر عن فرحتها لرؤية تحسُن حالته. فجأةً، لوي ليونارد جسدهُ وبدأ يئن بتصنّع.
“أوه.”
“ما بكَ؟”
“ظهري يؤلمني فجأةً. إنهُ مؤلمٌ جدًا، لا أستطيعُ تحمله.”
في الزاوية، كان البارون ينظرُ إلى سيدهِ بنظرةٍ ساخرة.
عينا كورديليا اتسعت مِن القلق، إذ لَمْ تكُن تتخيل أنْ مُعلمها يتظاهرُ بالألم.
“هل يؤلمكَ كثيرًا؟ هل أحضرُ الطبيب؟”
“لا، فقط اجلسي بجانبي وامسكي يدي.”
“هل يكفي هَذا؟”
“يجبُ أنْ أتحمل، ماذا يُمكنني أنْ أفعل؟ هيا، أعطني يدكِ.”
بسرعةٍ وبراعة، أمسكَ ليونارد بيد كورديليا الناعمة كما لو كان قد قطع طريقًا صعبًا، بينما كانت هي تنظرُ إليّه بقلقٍ شديد.
بعد فترةٍ قصيرة، تلعثمَ ليونارد وسأل:
“كيف كان أول حفل زفافٍ لكِ؟”
“الزفاف؟ لَمْ يكُن هُناك شيءٌ مُميز. ذهبنا إلى المعبد، أدينا عهود الزواج، وانتهى الأمر. لا أعلم إذا كان هَذا يُعتبر زفافًا.”
“ماذا؟ هَذا كَل شيء؟ هل أنتِ مجنونة؟ مَن يُقيّم حفل زفافٍ بِهَذهِ الطريقة؟”
فجأةً، جلس ليونارد بغضبٍ كما لو أنْ الأمر يتعلق بهِ. كورديليا التقطت المنشفة التي سقطت على الأرض وأجابت بهدوء.
“كريج لَمْ يكُن يهتمُ بي على أيِّ حال. لقد قلتُ لكَ مِن قبل، كنتُ مُجرد وسيطٍ لنقلِ دم فاسكويز في أبرامز.”
“كان يجبُ أنْ أقتُلهم جميعًا…”
“ماذا؟”
“لا شيء. إذن، هل هُناك زفافٌ تحلمين بهِ؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》