أتمنى لو كان زوجي ميتًا - 104
الفصل 104 : ما هوَ الحُب؟ ¹
على الرغم مِن اعترافهِ الجاد، لَمْ تُخرج أيُّ كلمةٍ مِن كورديليا.
“لماذا لا تُجيبين؟ مهلاً، لماذا يبدو وجهكِ هَكذا؟”
أمسك بيدها بسرعةٍ، وقد كانت أبرد مِما توقع. وكان لون بشرتِها شاحبًا جدًا، بلا قطرة دمٍ واحدة.
تمتمت كورديليا وهي تُمسك بيد ليونارد بقوةٍ. لَمْ يكُن في عينيها أيُّ تركيزٍ.
“لا تفعل ذَلك. لا تفعل ذَلك.”
“كورديليا، كورديليا!”
أدرك ليونارد أنْ حالتها خطيرة، فأمسك بكتفيها بقوة. كانت تتأرجحُ مع لمستهِ كما لو كانت دميةً. التفّت ليونارد بسرعةٍ وصرخ:
“بارون!”
“سأستَدعي الطبيب فورًا.”
ركض البارون مُسرعًا إلى الخارج. رمشّت كورديليا ببُطء شديدٍ، وفي خضم شعورها بالدوار، كانت عينَي ليونارد فقط هُما الشيء الوحيد الذي بدا واضحًا أمامها.
***
بدا وكأنها قد نامت لفترةٍ طويلةٍ جدًا.
كان شعور الراحة غيرَ مُعتادٍ لدرجة أنْ كورديليا كانت تتمنى ألا تستَيقظ أبدًا. لكنّها في الوقت نفسهِ شعرت بضغطٍ قوي يُجبرها على الاستيقاظ.
‘مُعلمي.’
ظهر وجهُ ليونارد في ذِهنها، إلى جانب رائحة الفضيعة وأظافرُ نازازبوت الطويلة التي تلّمعُ تحت الضوء. فتحَتْ كورديليا عينيها فجأةً كما لو كانت سمكةٌ قد أُخرجت مِن الماء.
“هاه… هااه.”
كان الجو مِن حولها مُظلمًا، يبدو أنْ الوقت قد كان مُنتصف الليل.
أخذت كورديليا أنفاسًا عميقةً وهي تَنظرُ حولها. كانت ترى سقفًا غيرَ مألوفٍ وغرفةً لَمْ تَرها مِن قبل. لَمْ تستعد وعيّها بالكامل بعد، وكان كُل ما يشغلُ ذِهنها هو ليونارد.
“مُعلمي. مُعلمي.”
بدا أنْ هَذهِ هي الكلمةُ الوحيدة التي تعرفُ كيف تقولها.
نهضّت مِن مكانها، وكان جسدُها يؤلمها كما لو أنّها تعرضّت للضرب بشدة، لكنّها لَمْ تكترث.
خرجت مِن الغُرفة حافية القدمين تبحثُ عن ليونارد. كانت تتجولُ في الممرات مثل شخصٍ يمشي أثناء نومهِ. لَمْ يكُن يُّهم كورديليا أينَ كانت، كان الشيءُ الوحيد المُهم هو العثور على ليونارد في أسرعِ وقتٍ مُمكن.
بِما أنْ المكان كان مُظلمًا للغاية، كانت تتلمسُ الجدران بيدها أثناء سيرها.
لحُسن الحَظ، في المرة الثالِثة التي فتحَتْ فيها بابًا، وجدت الشخص الذي كانت تبحثُ عنه.
“مَن هُناك؟”
“مُعلمي.”
نهض ليونارد بسرعةٍ مُتوترًا عند سماعهِ الخطى المُفاجئة، لكنهُ استرخى عندما أدرك أنْ الدخيل كان كورديليا، فَنزل مِن السرير.
“كورديليا؟ متى استَيقظتِ؟”
“مُعلمي، هل أنتَ بخير؟”
“أنا مَن يجبُ أنْ أسألكِ ذَلك! هل تعلميّنَ كم يومًا مضى منذُ أنْ فتحتِ عينيّكِ؟”
تذمر ليونارد وهو يُشعل شمعةً في الغُرفة، ما جعلّ الضوءًا خافتًا ينتشرُ في المكان.
اقتربت كورديليا منهُ بشجاعةٍ وبدأت تتَحسسُ ظهرهُ. اهتزّ ليونارد قليلاً عِند مُلامسة يدها لهُ، مِما جعلّ ملامح وجهُها تزدادُ حُزنًا لأنّها اعتقدت أنْ حركتهُ كانت بسبب الألم.
“هل هَذا يؤلمكَ كثيرًا؟”
“لا، الألم ليسَ مُشكلةً… ولكن…”
“أنا آسفة، مُعامي. كُل هَذا بسببي. لقد تَسببتُ في كُل هُذا.”
“لماذا تعتذرين؟ ماذا فعلتِ بالتَحديد؟”
لَمْ يفهم ليونارد الشعور بالذنب الذي كان بداخلها، لأنهُ كان يعتقدُ أنْ الجرح في ظهرهِ لا علاقة له ُبكورديليا.
“لقد أصبتَ أثناء حمايتي.”
“كما قلتُ لكِ عدة مراتٍ، أنتِ تلميذتي. ثمَ… على أيِّ حالٍ، حمايتُكِ هي مسؤوليّتي، لذا ليس هُناك داعٍ لتصرفكِ وكأنكِ ارتكبتِ جريمةً.”
رُغم كلماتهِ اللطيفة، ظلّت عيّنا كورديليا مليئةً بالدموع. عندما رأى ذَلك، ضحك ليونارد بهدوء.
“استيقظتِ للتو وها أنتِ تبكين مُجددًا، أيتُها التلميذةُ الباكية.”
“أنا، آهه، أنا لا أبكي.”
مسحَت كورديليا دموعها بسرعةٍ بِكُمِها. رُغم أنْ ليونارد بدا بحالةٍ جيدة، ما زال هُناك قلقٌ في قلبها.
“لكن الجُرح كان كبيرًا، لا بُد بأنهُ سيتركُ ندبةً سيئة، أليس كذَلك؟”
“حسنًا…”
كان على وشكِ أنْ يقول إنْ النُدبة لَن تكون واضحةً تحت الملابس على أيِّ حال، لكن خطرت لهُ فكرةٌ مرحة. فتَعمدَ أنْ يبدو حزينًا وقال:
“رُبما. لَن أتمكن مِن الزواج الآن. مَن ستَقبلُ رجلاً لديهِ ندبةٌ كبيرةٌ على ظهرهِ؟”
“ماذا؟ لكنكَ دوق أتيلي، وسيدُ أكيرون، وأيضًا…”
“هل تلكَ هي حقًا كُل مُميزاتي؟ مُجرد ألقاب؟ ألا يوجدُ شيءٌ آخر؟ فكري جيدًا.”
نظر إليّها بحدةٍ وكأنهُ يُحقق في الأمر.
“آه، صحيح. لديكَ أيضًا وجهٌ وسيم! رُغم أنْ شخصيتكَ مِن الداخل… أحمم.”
“مِن الداخل ماذا؟”
أغلَّقت كورديليا فمها بسرعةٍ وبدأت تُفكر بسرعة. كان عليّها اختيارُ كلماتِها بحذرٍ. ثم ابتسمت وقالت بهدوء:
“وأيضًا قلبُكَ جميلٌ مثلُ سوك-ريو.”
“سوك-ريو؟ هل تعنين الرُمان؟”
“آه. ألا تعرفُ ذَلك؟ في الشمال، نسمي الرُمان ‘سوك-ريو’.”
“ها، يا للغرابة. لو كنتِ لا تعرفيّن ما تقوليّن، مِن الأفضل أنْ تصمُتي.”
على الرُغم مِن أنهُ فهم ما كانت تعنيّهِ، تجاهل ليونارد الأمر.
“حسنًا. ولكن حتى لو كان قلبي جميلاً مثل الرُمان، فَما الفائدة؟ لديِّ ندبةٌ كبيرة على ظهريّ الآن. ألا تعتقدين أنه يجبُ عليكِ تحملُ بعضِ المسؤولية؟ مثل… الزوا-…”
“سأفعل.”
قاطعت كورديليا كلامهُ وهي تهزُّ رأسها بسرعةٍ قبل أنْ يُكمل جُملّتهُ.
كانت على استعدادٍ لقبول أيِّ مسؤوليةٍ يُطلب مِنها تحمُلّها. بل إنْ ليوناردو تفاجأ وتوقف عن الكلام فجأةً.
“ماذا؟ هل كنتِ تعتقدين بأنني سأقولُ شيئًا مُحددًا؟”
“أنتَ قد أنقذتَ حياتي مرةً بالفعل. هل هُناك شيءٌ لا يُمكنني فعلهُ مِن أجلكَ يا مُعلمي؟”
كانت جادةً في كلامِها. في الواقع، لقد حصلّت منهُ على الكثير لدرجة أنها لَمْ تكُن تعرفُ كيفَ تردُ الدين. لَمْ يكتفِ بمنحها فرصةً لحياةٍ جديدة، بل أنقذها مِن موتٍ حتمي، لذا حتى لو طلب ليوناردو حياتُها، كانت على استعدادٍ لتقديمها لهُ.
“حقًا؟ مهما كان طلبي؟”
في ذَلك الظلام، كانت عينا ليوناردو البنفسجيّة هي الشيء الوحيد الذي يُضيء.
رفع ذقنَ كورديليا. شعرت بأنْ وجهَهُ كان قريبًا جدًا، لكنّها لَمْ تتجنب النظر في عينيهِ. مال ليوناردو رأسهً قليلاً.
“إذًا، أغلقي عينيّكِ.”
بلا ترددٍ، أغمضت كورديليا عينيّها. شعرت بنَفَسهِ يُلامس أنفها.
لكن، مهما مرّ الوقت، لَمْ يتغيّر شيء. كُل ما سمعتهُ كان تنهداتِ ليوناردو.
“هِذا يكفي. لا أعرفُ ماذا أفعل مع طفلةٍ مثلكِ.”
“لماذا؟”
فتحَت كورديليا عينيّها. وعندما نظرَ إلى عينيها البريئتين، شعر ليوناردو بالضعف تمامًا.
في النهاية، كان يُخطط للعودة إلى النوم لأن الوقتَ قد تأخر. ولكن الكلمات التي خرجت مِن فمِ كورديليا جعلتهُ يتجمَّدُ في مكانهِ.
“ألَمْ تكُن تُحاول تقبيلي؟”
“…أنتِ.”
رُبما إذا كان عليهِ اختيارُ أكثر لحظةٍ مُحرجةٍ في حياته، لكانت هَذهِ اللحظة هي الآن. كان ليوناردو في حالة ارتباكٍ شديد لدرجة أنْ شفتيهِ كانت تتحركان بلا كلام. حتى أنْ العرق البارد بدأ يظهرُ.
لَمْ يكُن يعرف ماذا يقول، فظلّ يقبضُ ويفتَحُ يديه عدة مراتٍ قبل أنْ ينجحَ في نطق شيء. ومع ذَلك، كان يتلعثم.
“أ-كنتِ تعلميّن؟”
“بالطبع. هل تظُن أنني غبية؟”
هزّت كورديليا كتفيها بخفةٍ.
“لقد تزوجتُ وفقدتُ زوجي مِن قبل. لستُ طفلةً.”
“حسنًا، إذًا كنتِ تعلميّن. حسنًا، كنتُ… أحاول التحدث. ولكن الوقت لَمْ يكُن مُناسبًا. كنتُ أبحث عن اللحظة المُناسبة لذَلك….”
كانت يداهُ تتعرقان بشدةٍ. وتلعثمَ في حديثهِ.
لقد تخيّل تلكَ اللحظة عشرات المرات في ذهنهِ، عندما يعترفُ لها بحبهِ، لكن لَمْ يكُن يتوقع أبدًا أنْ يكون في موقفٍ سخيفٍ كهَذا. والأسوأ مِن ذَلك، أنْ كورديليا اكتَشفتهُ بهَذا الشكل.
لقد كان يُخطط لشيءٍ آخر. أراد أنْ يُقدم لها الزهور في مكانٍ أكثر روعةٍ وأناقةٍ عندما يعرضُ عليّها الزواج.
“آسف، لَمْ أكُن مُستعدًا…”
“أنتَ ترغبُ في علاقةٍ جيدة، أليس كذَلك؟”
“ماذا؟”
“الرجُل الذي التقيّتُه في المطعم مِن قبل، آه، ما كان اسمُه؟ على أيِّ حال، قدم ليِّ عرضًا مُشابهًا. قال إنْ هَذهِ الأمور رائجةٌ بين السحرة.”
قالت كورديليا وهي تبتسمُ كأنْ الأمر لا يهُم.
“علاقةٌ جيدة… هل تعرفيّن حقًا ماذا تعني؟”
“بالطبع أعرف. أنا بالغةٌ، يا مُعلمي.”
عندما أدرك ليونارد أنْ كلامها كان جديًا، برُدت ملامحُ وجههِ فجأةً.
“أنتِ تعلميّن ذَلك، ومع ذَلك أغمضّتِ عينيّكَ؟”
“أنتَ مَن طلب مني إغماض عينيّ.”
“هل هَذا يعني أنهُ إذا طلب منكِ روزنبلور إغماض عينيّكِ، ستفعليّن؟ هل هَذا بالنسبة لكِ مُجرد لعبةٍ رائجة؟”
“…لماذا أنتَ غاضب؟”
لَمْ يكُن مِن الصعب أنْ تُلاحظ أنْ صوتهُ كان باردًا تمامًا كما كان وجهه. أصيبت كورديليا بالارتباك. لقد أغلقت عينيّها بناءًا على طلبهِ، لكّنها لَمْ تفهم لماذا أصبح غاضبًا وتحدثَ عن روزنبلور الآن.
“لأنكَ مُعلمي فعلتُ ذَلك. كيف يُمكن أنْ يكون روزنبلور مُشابهًا لكَ؟”
حاولت أنْ ترفع مِن شأنهِ، ظنًا مِنها أنهُ رُبما يغار مِن روزنبلور، لكن تعابيّرُ وجههِ الباردة لَمْ تتغيّر.
“لأنني مُعلمكِ؟ إذن، إذا طلبتُ منكِ أنْ تقضي الليلة معي، هل ستفعليّن ذَلك؟”
“نعم.”
“لماذا؟”
“…لأنكَ مُعلمي وتَطلّبُ مني ذَلك؟”
أجابت كورديليا بحذرٍ وهي تُراقب ملامح وجههِ. ولكن يبدو أنْ إِجابتها لَمْ تكُن ما كان يتوقع، إذ لَمْ تظهر أيُّ تغيّراتٍ على وجههِ.
“هل تعتقدين أنْ ذَلك لا يعني شيئًا؟ أهَذا شيءٌ بسيطٌ كـ شُرب الماء؟”
لَمْ يكُن الأمرُ كذَلك. بالنسبة لها، كان ليونارد شخصًا ثمينًا لدرجة أنها قد تهبهُ حياتها، ولذا إذا طلب منها علاقةٍ جيدة، كانت مُستعدةً لقبول ذَلك.
ولكن قبل أنْ تتَمكن مِن أكمال حديثها، قاطع ليونارد كلامها. بدا وكأنهُ مجروحٌ.
“هل هَذا فقط ما أعنيهِ لكِ؟”
“ماذا تقصدُ بـ’هَذا فقط’؟ أنتَ أغلى شيءٍ في حياتي.”
“ما الذي تعتقديّنهُ عني؟ هل تعتقدين أنني شخصٌ قد يطلبُ منكِ شيئًا كهَذا؟. آه، كفى.”
نطق كلماتهِ ببُطءٍ شديد وكأنّها تنسابُ مِن بين شفتيه. كانت عيناهُ اللامعتان مُخيفتين، مِما جعل كورديليا تشعرُ ببعض الخوف.
وضع ليونارد يدهُ على جبينهِ وأشار بيدهِ الأخرى نحو الباب.
“أُخرجي.”
“مُعلمي…”
“أُخرجي. أنا مُتعب وأحتاجُ للنوم.”
“آه … حسنًا.”
ترددت كورديليا للحظةٍ بسبب التغيّر المُفاجئ في سلوكهِ، لكن ليونارد أمسك بيدها وسحبها باتجاه الباب. دفعها بلطفٍ خارج الغرفة ثمَ أغلق الباب خلفها. شعرت أنْ الباب قد أُغلق بقوةٍ أكثر مِن المعتاد.
ظلّت كورديليا واقفةً أمام الباب لبعض الوقت، تُفكر في ما حدث ولماذا كانت الأمور غيرَ واضحةٍ، لكنها لَمْ تسمع أيَّ حركةٍ من الداخل. في النهاية، عادت إلى غُرفتها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليجرام》