I Shall Master This Family - 99
انتظرتُ لوقت أطول قليلاً ثمّ خرجتُ برويّة.
كانتْ الشّمس تغرب ببطأ و تطلي السّماء بلون أحمر.
أصبح المكان هادئًا و ساكنًا في الخارج بعد أن تمّ الانتهاء من تفريغ حقائب السّفر من العربة.
رأيتُ سربًا من الطّيور تطير في جماعات بينما كنتُ أمشي و أنا أنظر إلى الأعلى نحو السّماء و يداي وراء ظهري كرجل عجوز خرج ليتمشّى.
الطّيور في صدد الهجرة.
تزور الطّيور التّي تعبر القارّة كلّ سنة قصر لومباردي لتريح أجسادها المتعبة بسبب الطّيران.
لقد كان ذلك بسبب أنّ منطقة لومباردي تحتوي على عدد قليل من النّاس و على الكثير من الأشجار.
“أنتم يا رفاق سترتاحون في القصر اليوم ، أليس كذلك؟”
و أنا أشاهد الطّيور تختبأ بين أشجار القصر ، فحصت محتوى الحقيبة التّي كنتُ أحملها في يدي.
ما جهّزتُه خصّيصًا لهذا اليوم موضوع بشكل جيّد.
“إذن كلّ شيء جاهز.”
تأكّدتُ من أنّ بيلساك قد أفرغ كلّ الحقائب التّي أحضرها ، و حينها حان الوقت.
توجّهتُ نحو الإسطبل بقلب مبتهج.
لقد كان من عادة بيلساك أن يتوقّف عند الإسطبل ليفحص حالة حصانه الحبيب بعد الصّيد.
انتظرتُ في الشّارع الذّي يستخدمه بيلساك عادةً ليذهب إلى الإسطبل.
كان هناك الكثير من الأشجار ، لكن لا أحد يمكن رؤيته.
هذا هو الطّريق الصّحيح.
بعد وقت ليس بطويل ، بدأتُ في التّمكّن من رؤية بيلساك.
لكنّه لم يكن وحيدًا.
“احمله بشكل جيّد! إنّه يلامس الأرض!”
“هاه…”
كان كريني يمشي إلى جانب بيلساك ، و هو يتذمّر حاملاً شيئًا ثقيلاً.
بالنّظر بتمعّن ، إنّه سراج حصان.
لقد كان ثقيلاً جدًّا لأنّه مصنوع من الجلد.
“إنّه ، إنّه ثقيل…”
لقد كان حملاً غير معقول لكريني الذّي ما يزال طفلاً.
و حينها…
بام-!
ضرب بيلساك رأس كريني الصّغير و قال مهدّدًا.
“هل تريد أن تُضرب أكثر؟”
“أوه ، لا! هم!”
انفجر كريني بالبكاء.
و نفذ صبري أيضًا.
“كريني.”
قلتُ متّجهةً نحو الشّخصيْن.
“ارمِ ما تحمله و تعال إلى هنا.”
“تيـ ، تيا…؟”
مسح كريني ، الذّي فتح عينيْه على مصرعيْهما متفاجئًا ، دموعه بكمّ ملابسه.
“ما الذّي تفعلينه بحقّ خالق الجحيم؟”
تجعّد وجه بيلساك و هو يراني.
أنا لا أهتمّ.
استمررتُ فقط في النّظر إلى كريني.
“أووه ، وونغ!”
زمّ كريني شفته السّفليّة ليشحد شجاعته و رمى السّراج أمام بيلساك.
“هاي ، أنتَ مجنون!”
أصبح بيلساك غاضبًا بشدّة ، لكنّ كريني قد هرب بالفعل.
“بيلساك ، كم كنتَ تضايقه؟”
ممّا رأيتُه قبل قليل ، أمتلك هاجسًا قويًّا بأنّ ما أعرف هو فقط الجزء الظّاهر من جبل جليديّ. ( بمعنى أن اللي تعرفه جزء صغير جدا من شي أكبر بكثير.)
ابتسم بيلساك ابتسامة متكلّفة و ضحك عليّ.
“لماذا؟ هل تريدين أن تعاقبيني بدلاً منه؟ ها ، هذا الزّوج من المعقّدين**…”
** بالأصح مكتوبة نيرد ( بالإنجليزية : nerd ) بس ما حصلت كلمة عربية مرادفة لها ، بس المعنى أن النيرد هو شخص انطوائي للغاية و ما يختلط في المجتمع ، غالبا يكون ذكي بس بطريقة توكسيك ( مهووس باختصار ) ، تقريبا بمعنى دافور عندنا بس الدافور حالة أخف من حالة النيرد. بيلساك يقصد هنا أن كريني و تيا انطوائيين و يخافون من الاختلاط في المجتمع و كل اللي يعرفونه هو يقرون الكتب.
لقد كان هادئًا مؤخّرًا ، لذلك فقد اعتقد بأنّع قد نضج قليلاً.
كما هو متوقّع ، لم يتغيّر بيلساك.
كلّ ما تغيّر هو أنّ هدف التّنمّر قد تغيّر منّي إلى كريني.
“نعم ، يا أيّتها الهجينة. أنتِ أحضريها.”
قال بيلساك لي ، و هو يركل السّراج.
“هاه ، يا بيلساك. ألا تمتلك عقلاً؟”
“ماذا ، ماذا؟”
“لقد أوضحتُ الأمر لكَ. لا تنادني هجينة. يا أيّها الأحمق.”
“أنتِ ، يا أيّتها الفتاة الغريبة الأطوار!”
عندما ازداد حنقه ، رفع بيلساك قبضته مهدِّدًا ، مظهرًا تفوّقه الجسديّ.
لكنّني قلتُ ، و أنا أزيد من صلابة عنقي.
“اضربني إن استطعتَ.”
“إيككك!”
“لا يمكنكَ ضربي ، لأنّكِ إن ضربتَني ، ستُعاقب. سيكون جدّي هو أوّل من يعاقبكَ. و والدي ليس شخصًا صبورًا بعد الآن.”
ابتسم بيلساك ، الذّي أطلق صوتًا كالشّخير على كلماتي ، بطريقة مثير للرّيبة.
“حقًّا. لكن لا يوجد أيّ من الجدّ أو والدكِ هنا؟ إذا أرجحتُ قبضتي بضعة مرّات ، سترتعبين لدرجة أنّكِ لن تكوني قادرةً على الرّكض و إخبارهما.”
لمعتْ عينا بيلساك.
تذكّرتُ هذيْن العينيْن.
لقد كانتْ نفس العينيْن و نفس الكلمات التّي كان يقولها بينما يضحك في حياتي السّابقة ، بينما أنا أبكي بسبب الألم و الخوف.
كما هو متوقّع ، لم يتغيّر على الإطلاق.
تأكّدتُ من الحقيقة الدّائمة ، و وضعتُ يدي في حقيبتي.
ثمّ أخرجتُ حفنة من محتوياتها و أسقطتُها شيئًا فشيئًا قبل أن أرميها على وجه بيلساك المقترب.
“بوووه ، ما هذا؟ سعال!”
فجأةً ، تمّ رشّ شيء كمسحوق خشن عليه ، و بدأ بيلساك ، الذّي كان يسعل متفاجئًا ، في الضّحك عليّ.
“ها! هذا كلّ… ككك! فقط مسحوق… سعال!”
مزعج ، فقط اخرس.
استمررتُ في رشّه على وجه بيلساك حتّى لا يستطيع التّكلّم.
“توقّفي…”
رششتُ المسحوق المتبقّي بعناية في كلّ زاوية من جسد بيلساك.
لقد بدا الأمر كرشّ ملح خشن على الكيمتشي**.
** الكيمتشي : الكيمتشي طعام كوري تقليدي وأساسي لا تكاد تخلو منه مائدة فقير أو غني وهو عبارة عن طعام أشبه ما يكون بالمخلل عند العرب وأساسه مادة الملفوف والثوم الكثير والفلفل الأحمر الحار. الكيمتشي هو عبارة عن طعام تقليدي مخلل يحفظ في مكان بارد.
“فيو ، لقد انتهى.”
توقّفتُ عندما انتهى محتوى الحقيبة أخيرًا.
“بووه ، أنتِ مجنونة! ماذا تفعلين!”
“هاي يا بيلساك. أتعلمين ما هو ذلك المسحوق؟”
“أنا لا أهتمّ! أنتِ ميّتة…!”
“لماذا لا تشمّه؟ إنّه مرشوش على كلّ جسدكَ.”
على كلماتي ، شمّ بيلساك المسحوق الذّي كان كمّه.
“شمّ. حبـ ، حبوب؟”
“أوه ، لقد عرفتَها. إنّه مزيج من حبوب الذّرة ، بذور دوّار الشّمس ، الدّخن** و أشياء أخرى كثيرة. ستكون لذيذةً جدًّا ، تلك الحبوب؟ هل تعلم كم من الصّعب الحصول على حبوب سوشو في هذه الأيّام؟”
** الدّخن : الدُّخن أو الجاوَرْس أو البشنة، كلمة تطلق على حبوب بعض الأنواع النباتية من أجناس تنتمي إلى الفصيلة النجيلية هي الثمام والثيوم وذيل الثعلب، ويضم كل منها عدداً من الأنواع. ينتج حبوباً دقيقةً جداً. ينبت خاصة في المناطق الجافة في قارتي إفريقيا وآسيا. ومن أنواعه الثيوم الأغبر .
“ماذا ، ماذا؟!”
“لكن مؤخّرًا ، كنتُ أشتري الكثير من الحبوب من هناك. لقد أخذتُ هذه الحبوب من بينها خصّيصًا.”
“عمّاذا تتكلّمين بحقّ خالق الجحيم؟”
صرخ بيلساك الذّي لم يستطع فهم ما كنتُ أقوله.
قلتُ بابتسامة عريضة و أنا أبتعد عنه بثلاث خطوات.
“ما رأيكَ؟ يا طعام سرب الطّيور؟”
رفرفة ، رفرفة.
من مسافة ، يمكن سماع أجنحة تقترب أكثر فأكثر فأكثر.
“هييك ، هييك!”
قد يكون بيلساك قد سمعها أيضًا ، فوجه قد شحب.
“إذن ، فأنتَ خائف من الطّيور ، أولستَ كذلك؟”
إنّها إحدى نقاط الضّعف التّي يخفيها بيلساك.
هو يخاف كثيرًا من الطّيور.
إنّ خوفه مستعصٍ جدًّا لدرجة أنّه لا يأكل الدّجاج الموضوع على الطّاولة.
“أوه ، لا!”
حاول بيلساك أن يهرب عندما رأى الطّيور تطير ، لكنّ ساقاه قد ضعُفتْ بالفعل و تدحرج في الشّارع بطريقة سيّئة.
“إلي أين أنتَ ذاهب؟ لقد جعلتُكَ وجبة رائعةً بكلّ أعماق قلبي.”
“انـ ، انقذيني!”
باددوك! باددوك!
حوالي 30 طيرًا كانوا يستريحون في شجرة قريبة قد هرعوا إلى بيلساك مرّة واحدة.
الطّيور لا تمتلك أيّ رحمة.
فيبيك! زقزقة! جووجوو!
من الرّائع جدًّا أن ترى كلّ أنواع الطّيور المتنوّعة ترفرف!
طارتْ الطّيور ، التّي كانتْ تنقر بعناية على ملابس ، يديْ ، و شعر بيلساك ، بعيدًا دون ندم بعد أن نفذتْ الحبوب المبعثرة.
باددوك!
و عندما غادرتْ الطّيور ، استلقى بيلساك المسحوق.
كان شعره ممزّقًا و مبعثرًا ، و ملابسه ذات النّهاية الطّويلة ممزّقة ، و كان وجهه مليئًا بالدّموع و مخّاط الأنف.
“هاه…هاه…”
“لقد قلتَ بأنّكَ تريد أن تضربني. لكن ألستَ من ضُرب الآن؟”
حتّى مع كلماتي المغيظة ، كان بيلساك مذعورًا و غير قادر على الحراك.
“لقد استمتعتَ بألم و خوف الآخرين. ماذا عن يلحقكَ أنتَ الألمُ و الخوفُ؟ هل استمتعتَ بهما؟”
“هاه ، هاه!”
اقتربتُ من بيلساك و نظرتُ إلى الأسفل نحو الولد المستلقي على الأرض بعينيْن باردتيْن.
تمامًا كما فعل لي.
“إذا ضايقتَ كريني مرّة أخرى ، لن ينتهي الأمر بسهولة كهذه المرّة.”
قلتُ ذلك ببطأ ، كلمة بكلمة ، حتّى تعلق في ذهن بيلساك الغبيّ.
“لأنّني سأبعد الفئران و الطّيور دون أن تعلم ، ثمّ أرميكَ في عشّ طيور كبير ، أدهن جسدكَ بحبوب الطّيور ، ثمّ أربطكَ بإحكام إلى الأعمدة. هل فهمتَ؟”
“هيك ، هيك ، هيك!”
لقد كان من المرعب تخيّل ذلك ، و لمع الخوف في عينيْ بيلساك.
نظرتُ إلى الصّبيّ بازدراء للمرّة الأخيرة ، ثمّ استدرتُ و مشيتُ.
أوه ، هذا منعش.
شعرتُ بالخفّة دون حقيبة الحبوب.
الآن ، من المستحيل لبيلساك أن يضايق كريني مجدّدًا.
إنّه مفزوع كأستاليو.
شخص ما عليه أن يحمي كريني ، لكنّ أخاه أستاليو لا يمتلك الشّجاعة ليحتجّ أمام بيلساك.
أمّا الوالدان ، لوريلز و رونيت ، فهما مشغولان بتلبية أوامر فيزي.
لذلك لم يكن لديّ خيار عدا أن أواجهه بنفسي.
“عمل جيّد. صبيّ جيّد.”
لقد كان أكثر من انتقام للتّنمّر الذّي لحق بكريني.
“ماذا يجب عليّ أن أقوله…”
شعرتُ بجروحي من حياتي السّابقة تتعافى أيضًا.
بدا أنّ فلورينتيا الصّغيرة ، التّي لم يكن هناك أيّ شخص ليساعدها ككريني ، قد ارتاحتْ ، على الرّغم من أنّ الأوان قد فات.
*******
بعد بضعة أيّام.
ذهبتُ إلى مكتب بيليت.
“لهذا السّبب شركة بيليت خاصّتنا تمتلك الآن أكبر محصول للقمح الجنوبيّ هذه السّنة.”
“واو ، عمل رائع! كلاكما!”
لم يكن الأمر سهلاً حقًّا.
كان الجنوب سوقًا يقام بصرامة من قبل القمم المتوسّطة حتّى المرتفعة المكانة التّي كانتْ تتاجر لأجيال.
لكن كنتيجة للعمل الجادّ لموظّفي شركة بيليت ، بمن فيهم كليريفان و فيوليت ، لقد كنّا قادرين على شراء كميّات كبيرة من القمح.
“و كما هو متوقّع ، عدد من القمم قد أرسلوا رسائل إلينا مهتمّين بنا.”
“إذا أردتَ بيعه إلى الشّرق ، يجب عليكَ أن تشتريه بمال إضافيّ.”
“ذلك صحيح.”
سلّم كليريفان إليّ قائمةً على ورقة.
“هذه هي القمم التّي طلبتْ منّا حتّى الآن.”
“هذا كثير جدًّا. حسنًا ، لنرى…”
تصفّحتُ القائمة الطّويلة.
ثمّ وجدتُ الاسم الذّي كنتُ أبحث عنه في نهاية القائمة.
“هذه ، اكتب لهم بأنّكَ تبيع لهم حوالي ربع ما نمتلك. من فضلكَ أعطهم خصمًا.”
“ماذا؟ ذلك المقدار؟”
“نعم ، بالتّأكيد ، سيتوجّب علينا إعطاء القليل إلى القمم الأخرى. لأنّنا نعيش معًا.”
في الحقيقة ، لقد فعلتُ ذلك لأقلّل من الإزعاج و الغيرة.
أمالتْ فيوليت رأسها و فتحتْ عينيْها على مصرعيْهما عندما رأتْ اسم القمّة التّي أشرتُ إليها.
“أوه ، هذه من المرّة الأخيرة…”
ثمّ نظرتْ إلى عينيّ.
ابتسمتُ إلى فيوليت ابتسامة تحمل معنى ‘ثقي بي’.
سرعان ما أجابتْ فيوليت بإيماءة صغيرة.
“حسنًا ، سأرسل رسالةً كما قلتِ إلى قمّة الحمر.”