I Reincarnated As The Blind Princess - 3
انبعثت إلى أنفي رائحة شهية.
كانت رائحة الحساء الغني، كما لو أن لحم الضأن والبطاطس والجزر قد تم طهيها معًا لساعات وأضفى عليها عبق الفلفل الحاد لمسة جعلت فمي يسيل بمجرد استنشاقها.
آه… تدفقت إلى ذهني ذكريات مألوفة.
عندما كنت محتجزة في قصر الدوقة، محبوسة في غرفة مهجورة لسبب سخيف، أبكي بحرقة، كان الطاهي يتسلل إليّ بوعاء من الحساء يحمل الرائحة ذاتها.
“ولكن، إن كان هذا حلمًا، فهو يبدو نابضًا بالحياة بشكل مذهل.”
كان صوت العاصفة الثلجية العاتية في الخارج يتداخل مع صوت فرقعة الحطب في الموقد أما هواء الغرفة الدافئ فكان يلامس بشرتي بلطف.
حواسي المتوقدة، التي ازدادت حدة لتعويض فقداني للبصر، أكدت لي بما لا يدع مجالًا للشك…
“هذا ليس حلمًا!”
تلك الفكرة جعلتني أهب جالسة.
“أمي! يا إلهي!”
تحطم!
دوى صوت حاد لتحطم الخزف، تلاه صوت امرأة مذعورة هل كان هناك شخص آخر في الغرفة معي؟
مهلًا، أين أنا؟
ركعت على الأرض، وبدأت أتحسس المكان لأستوعب أين أكون كان أول ما شعرت به هو دفء ونعومة الأغطية التي كنت مستلقية عليها.
اجتاحتني فيضٌ من الأحاسيس.
واقعية كل شيء تعني أنني على قيد الحياة لكن كيف وصلت إلى هنا؟ وأين عصاي؟
“آنسة فيانا، هل تبحثين عن هذا؟”
ظننت أن الغرفة تحوي امرأة واحدة فقط، لكنني الآن شعرت بحضور شخص آخر يقترب بدا لي رجلًا، استنادًا إلى نبرته العميقة والناضجة.
“م-من أنت؟”
“أنا فراتر.”
“ماذا؟”
جعلتني إجابته المفاجئة أرتبك حاولت جاهدًة أن أستعيد أي ذكرى لهذا الاسم، سواء في هذه الحياة أو في حياتي السابقة، لكنني لم أجد شيئًا.
“لا، هذا ليس المهم الآن إنه ليس الصوت ذاته الذي سمعتُه عندما أنقذني أحدهم… أو هذا ما أظنه.”
وكأن فراتر شعر بارتباكي، أطلق صوتًا خافتًا وهو يجلس على كرسي قريب.
“الجدران الخارجية للقلعة مطلية باللون الأسود، أما الأرضيات فهي مصنوعة من ألواح البتولا البيضاء بعد اجتياز الدرج، ستجدين الهيكل محصنًا ليكون معقلًا دفاعيًا عند الحاجة جدران القلعة شُيدت من الحجارة الصلبة، كما أن هناك حواجز سحرية أنشأها السحرة تحيط بالمحيط، مما يمنع أي تدخل خارجي أما بالنسبة—”
“م-مهلًا، عن ماذا تتحدث؟”
كان صوته الهادئ والثابت يسرد تفاصيل القلعة وكأنه معتاد على تقديم الشروحات، لكن أليس هناك ما هو أكثر أهمية لنناقشه الآن؟
“بما أنك لا تبصرين، فقد رأيت أنه من الضروري وصف القلعة لكِ بالتفصيل.”
“ليس هذا ما أقصده! قدّم نفسك لي كما ينبغي أولًا!”
شعرت بأن رأسي يثقل وكأنني قد نمت طويلًا، لكن رغم احتجاجي، حافظ الرجل على هدوئه، وكان صوته يحمل نبرة رسمية مهذبة.
“أعتذر على تقصيري أنا فراتر، خادم دوق غلاسيس وأنتِ الآن في قلعة غلاسيس، آنستي.”
“أنا… في الشمال؟ كيف وصلت إلى هنا؟”
“جلالته، الدوق، هو من أحضركِ بنفسه لقد كان هو وفرسانه في انتظارك، لكنه قال إنه شعر بشيء غير مألوف.”
“الدوق غلاسيس أحضرني إلى هنا؟”
كاد ذلك يكون مستحيل التصديق لكن، وأنا أقف الآن في القلعة، لم أجد تفسيرًا آخر سوى أن الأمر قد حدث بالفعل.
بشيء من التردد، خاطبت الرجل مرة أخرى.
“إذن، هل لي أن…؟”
“رجاءً، لا تترددي في مناداتي فراتر.”
“حسنًا، فراتر.”
مددت يدي لأتلقى العصا التي ناولني إياها، وشعرت بالراحة لأنها لم تضِع.
وبينما كنت أمسك بها، سمعت صوت احتكاك كرسيه وهو ينهض.
“أهلًا وسهلًا بكِ في قلعة غلاسيس، الليدي فيانا.”
كانت هذه أول تحية ترحيب أتلقاها في الشمال.
“هل أنتِ واثقة أنكِ بخير وقادرة على الذهاب إلى قاعة الطعام؟”
“نعم، أنا بخير.”
“هذا مطمئن.”
اتكأت على يد الخادمة التي أسقطت الطبق سابقًا، بينما كنت أمسك بعصاي في اليد الأخرى، وأسير بحذر.
أما فراتر، رغم رسميته وتحفظه، فقد بدا وكأن دفئًا خافتًا يتخلل أسلوبه.
“لو كنتُ قد طلبتُ الراحة حتى موعد العشاء، لربما كان فراتر في مأزق حقيقي.”
طَرق، طَرق.
تردد صوت عصاي وهي تلامس الأرضية الهادئة للممر الطويل وبعد مسافة من السير، توقف فراتر، فتوقفتُ بدوري.
“لقد وصلنا، آنستي.”
سمعت صوت الباب الثقيل وهو يُفتح، فانتظرت حتى يفتح بالكامل، ثم خطوتُ إلى الداخل مستندةً إلى الخادمة.
على الفور، أحاطني هواء دافئ يختلف عن برودة الممر اجتاحتني رائحة الطعام الشهية.
التفتُّ إلى الخادمة التي كانت تساندني.
“عذرًا، كيف تبدو قاعة الطعام؟”
“حسنًا، أممم…”
ترددت الخادمة، غير متأكدة من كيفية الإجابة كنت قد سألت بدافع الفضول، إذ راودتني رغبة في تخيل هذا المكان الجديد، لكن ربما بدا سؤالي غريبًا بعض الشيء.
“الجدران مطلية باللون الأبيض، والسقف عالٍ لا توجد سجاد على الأرضية، لذا لن تواجهِ مشكلة في السير أما في نهاية طاولة الطعام، فيجلس جلالته، الدوق لقد أراد أن يتناول العشاء معكِ وحدك، لذا لا يوجد أي خدم آخرين هنا.”
لم أكن أتوقع حفلة ترحيب ضخمة، لكن الأمر كان أبسط مما تخيلت.
ولكن، كيف يبدو الدوق غلاسيس؟
“وماذا عن الدوق؟ كيف يبدو شكله؟”
“أوه، حسنًا…”
ترددت الخادمة مرة أخرى تُرى، هل هو شخص مرعب، مغطى بدماء الحيوانات أو البشر كما تقول الشائعات؟ هل لهذا السبب لا تستطيع وصفه؟
“ه-هو… وسيم…”
”…ماذا؟”
منذ قدومي إلى الشمال، فقدت العدّ من كثرة المرات التي فوجئت فيها بردود فعل غير متوقعة وبالنظر إلى الارتجاف الطفيف في صوتها المليء بالإعجاب، بدت كلمات الخادمة صادقة تمامًا.
“إلى متى تنوين الوقوف هناك فحسب؟”
قاطعني صوت بارد ومنخفض كان يحمل في نبرته سلطة لا تقبل الجدل، مما جعل كتفيّ يتيبسان تلقائيًا.
استدرتُ نحو مصدر الصوت.
“إنه الصوت الذي سمعته من قبل.”
على الرغم من افتقاده لأي عاطفة، كان بلا شك صوتًا جميلًا—طبقة باريتون عميقة ومريحة، بعيدة كل البعد عن النبرة العالية لصبي صغير كان صوتًا وجدته مرضيًا بشكل غريب.
“اجلسي، آنسه فيانا.”
طَرق، طَرق.
رافق صوت عصاي الملامسة للأرض خطواتي، بينما أمسكتُ بيد إحدى الخادمات التي أرشدتني إلى الكرسي.
وقبل أن أجلس، وضعت عصاي تحت ذراعي ورفعت طرف ثوبي.
“أنا، فيانا لوسيانو، أحيي دوق غلاسيس—”
“لا أحب هذا اللقب خاطبيني بطريقة أكثر بساطة.”
مرة أخرى، رد فعل غير متوقع أربكتني كلماته، وبعد لحظة تردد، حاولت التصحيح.
“إذًا… جلالتك…”
“ولا حتى ’جلالتك‘. ناديني راسل.”
أن أخاطب شخصًا التقيت به اليوم باسمه الأول فقط، بدلًا من لقبه؟
غير متأكدة مما ينبغي فعله، اخترت حلًّا وسطًا.
“ر-راسل… سيدي.”
”…افعلي كما تشائين وسأناديكِ فيانا.”
كان في صوته زفرة خفيفة، فجلستُ على الكرسي بارتباك.
“من المستحيل فهمه.”
التخلي عن الرسميات أصعب أحيانًا من الالتزام بها فالألقاب تمنح على الأقل لمسة من الاحترام، فما الذي يسعى إليه بطلبه مني أن أتركها؟
“ربما يحاول معرفة مشاعري الحقيقية.”
تمسكتُ بحافة الفستان الذي ساعدتني الخادمة على ارتدائه، وغرقت أكثر في أفكاري.
ثم جاء صوته مرة أخرى.
“فيانا، أنتِ لا تأكلين شيئًا هل أنتِ بخير؟”
“لا… لستُ جائعة فحسب.”
“من الصعب تصديق ذلك لم تأكلي شيئًا منذ يومين، حتى الحساء الذي أعدته آشا من أجلك.”
إذًا، الفتاة الصغيرة التي أحضرت لي الحساء وساعدتني سابقًا تُدعى آشا.
ابتلعتُ ريقي بتوتر، وقررت التطرق إلى الأمر الذي يشغل بالي.
“أنا… لا أستطيع الرؤية.”
“أعلم.”
كنت قد ذكرت ذلك تحسبًا لاحتمال ألا يكون فراتر أو آشا قد أخبراه، لكنه كان يعلم بالفعل… ورغم ذلك، وافق على هذه الخطبة.
تركني هذا الإدراك أكثر حيرة من أي وقت مضى.
“ظننت أن الدوقة أخفت حقيقة فقداني للبصر لترتيب هذه الخطبة.”
وفي هذه الأثناء، استمر صوت الملاعق والشوك في الارتطام بالأطباق حتى وسط هذه الأجواء المتوترة، كان يتناول طعامه بهدوء.
“لا بد أنه يملك دافعًا خفيًا.”
استجمعتُ شجاعتي، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم تحدثت بثبات قدر استطاعتي.
“إذا كان لديك هدف من هذه الخطبة، فمن الأفضل أن تصرّح به الآن.”
”…ماذا قلتِ للتو؟”
نبرة الانزعاج في صوته جعلتني أنكمش لا إراديًا كان ذلك رد فعل تلقائيًا اكتسبته على مر السنين بسبب تعنيف الدوقة لي بنفس الحدة.
“لكن لا بد لي من قول هذا.”
أجبرتُ نفسي على تعديل جلستي، ورددتُ بثقة.
“شخص مثلي—شخص معيب—لم يكن ليتم اختياره كخطيبتك لولا وجود سبب وإذا كان هناك سبب، فمن الأفضل أن توضحه الآن.”
ساد الصمت، ولم أتمكن من معرفة ما كان يفكر فيه رغبة في دفعه إلى الحديث، واصلت قائلة:
“أفترض أن شخصًا مثلك لا يحب الاحتفاظ بالأسرار.”
عند سماع صوت أدوات المائدة تُوضع على الطاولة، تجمدتُ، متوقعة غضبه.
لكن على غير المتوقع، انبعثت منه ضحكة خافتة، وكأنني أثرت اهتمامه.
“كنت أخشى أن تتصرفي كما تفعل باقي النبيلات—بشكل ممل ومتوقع—لكن يبدو أنني لم أكن بحاجة إلى القلق.”
هل كان هذا مدحًا أم إهانة؟ التزمتُ الصمت، غير متأكدة من كيفية الرد استعاد راسل نبرته الجادة وهو يكمل حديثه.
“أنتِ على حق لقد عقدتُ صفقة مع الدوق كاليدوس لجعلك دوقة صورية.”
“دوقة صورية.”
كانت تلك الكلمات أشد وقعًا من حقيقة أن والدي قد تاجر بي قبضتُ يداي على حافة ثوبي بقوة.
“إذًا، الأمر نفسه يتكرر في هذه الحياة كما كان في السابقة لا شيء يأتي بسهولة.”
رفعتُ رأسي، وتحدثتُ بنبرة ثابتة.
“أود منك أن تشرح ذلك بوضوح أكثر.”
“الأمر كما قلتُ تمامًا سأمنحكِ المال والسلطة كدوقة، لكن ليست لدي أي نية لخوض زواج حقيقي.”
ثروة وسلطة مقابل عدم السعي وراء زواج حقيقي؟ هل كان هناك من يجبره على هذه الخطبة؟ كانت الأسئلة تتزاحم في ذهني، حتى قطع أفكاري بقوله الحاسم:
“وبطبيعة الحال، ليست لدي أي نية لمشاركتكِ الفراش.”
لقد أنقذني، أنا التي تخلت عني عائلتي، ولم يبقَ لي شيء سوى جسدي.
ومع ذلك، فعل ذلك فقط ليجعلني دوقة صورية.
“لكن لا يزال عليّ أن أكون ممتنة لأنه حررني من قصر الدوقة.”
لولا ذلك، لكنت لا أزال محتجزة في قصر لوسيانو، أحيك الخطط عبثًا للفرار.
لكن… دوقة صورية؟ كان هناك شيء غير منطقي في الأمر.
جمعتُ شجاعتي، وتمكنتُ من طرح سؤالي بصوت مرتجف.
“هل لديك سبب يجعلك بحاجة إلى دوقة صورية؟”
“لسنا قريبين بما يكفي لأكشف لكِ عن ذلك.”
سمعت صوت الكرسي وهو يُسحب إلى الخلف، لا بد أنه نهض من مقعده.
تناهت إلى مسامعي خطواته تبتعد، ثم وصلني صوته مرة أخيرة، باردًا ولا مباليًا.
“اقضي بعض الوقت مع آشا واستريحي الآن.”
فُتح الباب وأُغلق، تاركًا إياي وحدي في الغرفة.
خفضتُ رأسي، غارقة في التفكير.
لا بد أن هناك سببًا يجعله بحاجة إلى دوقة صورية وإلا، فلماذا كان سيتكبد عناء إنقاذ شخص معيوب مثلي، واتخاذه كخطيبة؟
وبينما كنت أتأمل في الأمر، ترددت في ذاكرتي همسات صوت لطيف.
“حتى إن كنتِ بلا قوة، فلا بأس طالما لديكِ الشجاعة لأخذ خطوة واحدة إلى الأمام، فلا يوجد مكان للخوف.”
حتى ولو كنتُ مجرد دوقة صورية… هل سأتمكن من العثور على ذلك الشخص من ذكرياتي الباهتة؟
لقد بدا وكأنه يرى عالمًا مختلفًا عن عالمي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].