I Reincarnated As The Blind Princess - 1
“السيدة فيانا، السماء زرقاء جدًا اليوم.”
“كيف يكون شكل اللون الأزرق؟”
كل ما أراه هو الظلام الممتد بلا نهاية، فعمّ تتحدث هذا الشخص؟
لقد كنت عمياء منذ ولادتي لا أستطيع أن أفهم ما يعنيه الناس حين يقولون إن السماء زرقاء، أو أن التفاح أحمر، أو أن الضوء أبيض.
ثم، في أحد الأيام، حدث أمر غيّر كل شيء استعدتُ ذكريات حياتي السابقة.
ومعها، أدركتُ معنى الألوان.
حدث ذلك عندما تعثّرتُ بقدمٍ مدّتها أختي، لينا، عمدًا في طريقي.
“آه!”
“أنتِ لستِ عمياء فحسب، بل لا تستطيعين حتى المشي بشكلٍ صحيح الآن.”
قالت ذلك بسخرية قبل أن تنطلق ضاحكة في الممر.
في تلك اللحظة—حين جعلتني أختي المبصرة أتعثر، وارتطمت رأسي بالأرض—اجتاحت ذهني موجةٌ من الذكريات الغريبة.
انجرفتُ وسط هذا السيل الجارف، بالكاد أتمسك بوعيي.
اجتاحني شعورٌ بالغثيان، وكأن هويتي نفسها تتمزق كتمتُ رغبتي في التقيؤ، وتمتمتُ بضعف:
“ما… كل هذا؟”
تحسّستُ وجهي بأصابع مرتجفة كان جلدي ناعمًا، خاليًا من العيوب، دليلًا على حياةٍ مترفة عبقُ أزهار الليلك كان لا يزال عالقًا في شعري، بفضل الخادمات اللواتي يعتنين به يوميًا.
لكن… هذا لا يشبه أبدًا الشخص الذي كنتُ عليه في حياتي السابقة.
“أرجوك، سامحني! لا تقتلني!”
“كنتُ أظنك مفيدًا، لكن إن لم تتمكن من دفع فائدة اليوم، فقد كسبتَ نصيبك من الضرب!”
“آااه! أنقذوني!”
في حياتي السابقة، كنتُ متسوّلة في الأحياء الفقيرة.
عشتُ في القذارة، جلدي مغطى بالأوساخ والجروح المتقيحة، وشعري متشابك هشّ بسبب سوء التغذية ملابسي الرثة لم تكن تحميني من البرد، وكانت تتمزق بسهولة تحت المطر أو الثلج.
كنتُ غارقة في الديون، تستغلني العصابات بلا رحمة حتى حين كنتُ أستجدي رحمة المارة، لم أحصل سوى على قطعة خبزٍ واحدة في الأسبوع.
وذات يوم، بعد أن سرقت العصابات آخر ما أملك من طعام، قضيتُ أسبوعًا كاملًا دون أن آكل شيئًا صرتُ أضعف من أن أمدّ يدي طلبًا للصدقة، ثم جاء أولئك الأوغاد أنفسهم، وضربوني حتى فقدتُ وعيي.
حتى في لحظاتي الأخيرة، صرختُ واستغثتُ، لكن أحدًا لم يلتفت إليّ.
وهكذا، متُّ، باردة ووحيدة.
والآن، وُلدتُ من جديد كابنةٍ عمياء لدوق عائلة لوتشيانوس، إحدى ركائز الإمبراطورية.
لكن المشكلة الحقيقية هي…
على عكس حياتي السابقة، لم يعد باستطاعتي الرؤية.
لم أعد أرى زرقة السماء المتسللة عبر شقوق الأحياء الفقيرة الرمادية، ولا خضرة الربيع النضرة، ولا وجوه الناس المليئة بالحياة في العاصمة.
كل تلك المشاهد التي ملأت عيني ذات يوم… أصبحت الآن مجرد ظلام.
اجتاحني يأسٌ جديد، فأغلقتُ باب غرفتي على نفسي لأيام.
“ألا ترين أن السيدة فيانا تتصرف بغرابة مؤخرًا؟”
“حقًا؟ لم تتحدث كثيرًا، وبقيت محبوسة في غرفتها منذ أربعة أيام.”
“هشش! كوني حذرة في كلامك ألم تسمعي أن سمعها حادٌ جدًا؟”
التقطتُ همسات الخادمات خلف الباب رغم انخفاض أصواتهن، استطاعت أذناي التقاط كلماتهن بوضوحٍ يثير الغضب.
استعادة ذكريات الألوان لم تُغيّر حقيقة أن عالمي ظلّ مظلمًا.
هل يمكنني حقًا الاستمرار في العيش هكذا؟
بعد تردد، مددتُ يدي وسحبتُ حبل الجرس بجانب سريري.
فُتح الباب على الفور تقريبًا، وسرعان ما سمعتُ وقع خطوات خادمتين تدخلان الغرفة.
“هل ناديتِ، سيدتي؟”
“ساعداني في الاستعداد للخروج قليلًا.”
“بالطبع، سيدتي.”
رغم أن صوتي كان خافتًا ومشبعًا بالعاطفة، لم تسألني الخادمتان شيئًا ببراعةٍ معتادة، أخرجتاني من قميصي الخفيف، وألبساني ثوبًا مريحًا مناسبًا للحركة.
“تم الأمر، سيدتي.”
“شكرًا لكما.”
رغم أنني لم أستطع رؤية الملابس، إلا أن ملمس القماش الناعم على بشرتي أخبرني بأنها كانت فاخرة وبما أن الحاشية تلامس ركبتي بالكاد، فلا شك أن الخادمات افترضن أنني ذاهبة إلى الغابة مجددًا.
“إليكِ عصاكِ، سيدتي.”
“شكرًا.”
قدّمت لي إحدى الخادمات عصاي، فقبضتُ عليها بثبات كنتُ أستخدم عصا لاستكشاف محيطي منذ صغري، لذا كان ملمسها مألوفًا.
“طَرق… طَرق…”
بمفردي، دون أي مرافق، شققتُ طريقي نحو الغابة، مستندةً إلى عصاي في كل خطوة.
خرجتُ من القصر، ثم تابعتُ السير حتى وصلتُ إلى الغابة.
“لقد وصلتُ.”
تردد صدى صوتي بخفوت، لكن لم يجبني أحد واصلتُ التقدم إلى الداخل، خطوةً بعد خطوة.
وأخيرًا، ارتطمت عصاي بشيءٍ ما، فسمعتُ صوت ارتطامٍ خافت ربما كان جذر شجرة.
عندها، ارتسمت على شفتي ابتسامة.
حتى لو مددتُ ذراعيّ بكل اتساعهما، فلن أتمكن من احتضان جذع هذه الشجرة بالكامل لا بد أنها ضخمة.
“قلتُ إنني وصلت ألم تسمعني؟”
وضعتُ عصاي على كومةٍ من الحجارة، وتمتمتُ متذمرة.
لم تُجبني الشجرة لم تفعل سوى همسةِ أوراقها مع الريح، وكأنها ترحبُ بي.
مددتُ يدي، وتحسّستُ لحاءها بخشوع، ثم أغلقتُ عينيّ، وركّزتُ.
من بعيد، سمعتُ زقزقة طائر.
أصوات الأوراق المتمايلة مع النسيم أصبحت أكثر وضوحًا.
وكأن الزمن قد تباطأ.
وأخيرًا، استجاب لي الكائن العتيق، الحارس الصامت لهذه الأرض منذ ألف عام.
“لقد أتيتِ، يا صغيرتي.”
“كيف حالك؟”
“كنتُ نائمًا حتى وصولك، لذا يمكنني القول إنني كنتُ بخير.”
“ههه… أي نوعٍ من الإجابات هذه؟”
ابتسمتُ برقة، ثم جلستُ على أحد الجذور البارزة، وبدأتُ أتحدث مع الشجرة كعادتي.
كان هذا سرًا لم أُخبر به أحدًا قط—سرًا لا يعرفه سواي.
بإمكاني سماع أصوات الأشجار.
“يا صغيرتي، إني أقلق عليكِ البشر خُلقوا ليعيشوا بين بني جنسهم، ومع ذلك، ها أنتِ هنا، تتحدثين إلى أشجارٍ تحتضر مثلنا هذا أمرٌ مقلق.”
“لا داعي لأن تقلق عليّ.”
أجبتُ وأنا أتأرجح بقدميّ في الهواء بمرح:
“في يومٍ ما، سأغادر هذا الدوقية وأجد حريتي.”
بعد أن استعدتُ ذكريات حياتي السابقة، عقدتُ العزم:
سأهرب من هذا المنزل البائس.
تحدثت الشجرة مجددًا، ونبرتها مشوبة بالقلق.
“يا صغيرتي، بغض النظر عمّن كنتِ في الماضي، فأنتِ ما زلتِ أنتِ.”
“أنا أحبكِ لأنكِ دائمًا في صفي.”
“الأشجار تنحني في اتجاه الريح، يا عزيزتي.”
“كنتُ أعلم أنك ستقول شيئًا كهذا.”
ربما لأنها شجرة عاشت ألف عام؟
شيءٌ واحد تعلمته من حديثي مع الأشجار هو أن كلما ازداد عمرها، ازدادت حكمتها.
“فلماذا أنا، وقد بُعثت من جديد، ما زلتُ في هذه الفوضى؟”
لقد متُّ متسوّلةً في الخامسة عشرة من عمري، وأنا الآن في الثالثة والعشرين، أي أن عمري الإجمالي هو ثمانية وثلاثون عامًا.
تنهدتُ بأسى على حالي، وفجأة، سمعتُ صوت الأوراق تتكسر تحت وقع خطواتٍ قريبة التفتُ فورًا نحو مصدر الصوت.
“سيدتي فيانا، لقد كنتُ أبحث عنكِ في كل مكان.”
“ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
عند سماع صوت الخادمة المفاجئ، لم أستطع إخفاء انزعاجي تسلل إلى داخلي شعورٌ بعدم الارتياح لا يمكنني تبديده.
“الدوقة تطلبكِ، سيدتي.”
ارتجف جسدي لا إراديًا.
المرأة التي تدير هذا المنزل ليست أمي.
“الدوقة… تطلبني؟”
أختي، لينا، ليست شقيقتي الكاملة، فنحن نتشارك نصف الدم فقط أما والدتي الحقيقية، المرأة التي أنجبت فيانا لوتشيانوس، فقد رحلت عن هذا العالم منذ زمن.
تردد صدى النقر الحاد للأحذية على رخام الممر، متزامنًا مع صوت طرقي بعصاي على الأرض.
طَرق… طَرق…
توقفت الخادمة التي تمشي أمامي وطرقت على الباب جاء صوتٌ من الداخل يأذن لنا بالدخول.
وما إن فُتح الباب، حتى اجتاح أنفي عبق عطرٍ خانق، مما جعلني أشعر بالغثيان.
“فيانا، لقد أتيتِ.”
“دوقة…”
كان صوتها ناعمًا، لكنه مشبعٌ بإغراءٍ خبيث شددتُ قبضتي، وجعلتُ جسدي متصلبًا بينما تقدمتُ خطوة إلى الأمام.
“سيدتي، هل لي أن أسأل سبب استدعائكِ لي؟”
أطلقت الدوقة ضحكةً خافتة ساخرة، وكأنها تذكرني بأن لا شيء سيتغير مهما فعلت.
“فيانا، اليوم لديكِ أمرٌ يستحق الاحتفال، ولهذا استدعيتكِ.”
تعالت ضحكةٌ ساخرة من يساري ومن خلال رائحة الزهور الثقيلة، أيقنتُ أن أختي كانت تستمتع بتدليك قدميها من قِبل الخادمات.
“فيانا لوتشيانوس.”
ما إن سمعتُ اسمي كاملًا، حتى انكمشتُ لا إراديًا.
“لقد فقدتِ والدتكِ، وعاجزة عن الرؤية، وتُهدرين الطعام، وتُلطّخين كرامة اسم لوتشيانوس إن كنتِ حقًا ابنة هذه العائلة، ألا يجدر بكِ على الأقل أن تحاولي أن تكوني ذات فائدة؟”
”…أنا آسفة.”
في مثل هذه اللحظات، يكون الاعتذار هو الوسيلة الوحيدة لتهدئة الدوقة إن سمحتُ لمشاعري بالظهور، فسأكون أنا الخاسرة.
لحسن الحظ، بدا أن انحناء رأسي قد أرضاها، فغيرت الموضوع
“حسنًا، لا بأس على الأقل، أخيرًا، هناك من جعل تربيتكِ أمرًا يستحق العناء.”
“خِطبة؟ ماذا تعنين؟”
لم أتمكن من منع نفسي من السؤال، وقد تملكني الاضطراب خِطبة؟ أقرروا زواجي دون إخباري حتى؟
“ألا تفهمين؟ هذا يعني أن هناك شخصًا مستعدًا لأخذ عمياء حمقاء مثلكِ.”
من منحهم الحق في تقرير مصيري؟
بدأ رأسي ينبض بألم وكأنه سينفجر لا بد أن الدوقة ولينا كانتا تستمتعان بمراقبتي وأنا أرتجف بضعف.
“أليس هذا خبرًا رائعًا، فيانا؟ كنتُ أظن أنكِ ستتعفنين هنا إلى الأبد بمفردكِ، لكن انظري إليكِ الآن!”
“أختي…”
كان صوتها مليئًا بالسخرية، لا التهنئة.
قبضتُ على عصاي بقوة، واشتدت أصابعي حولها، أكاد أضربهما بها.
“دوق غلاسياس.”
توقفتُ عن التنفس للحظة رفعتُ رأسي باتجاه الصوت.
“الدوق نفسه أبدى رغبته في اتخاذكِ زوجةً له سيتم عقد الزفاف في قلعة غلاسياس، لذا عليكِ المغادرة غدًا لتصلي في الوقت المناسب.”
“د-دوق غلاسياس…؟”
طاغية الشمال، الذي يترك عواصف الدم في كل مكانٍ يحلّ فيه.
لطالما سعى الكثيرون خلف سلطته ومجده، لكن إحدى خطيباته السابقة ارتكبت خطأً فادحًا، وانتهى بها الأمر بالإعدام.
اهتز جسدي بلا سيطرة.
هذه ليست خطبة… بل حكمٌ بالإعدام.
رأت الدوقة ردّ فعلي، فأطلقت ضحكة خافتة، راضية ثم اقتربت مني وهمست في أذني:
“إذن، اخرجي من هذا المنزل فورًا.”
ومنذ تلك اللحظة…
بدأ عالمي الرمادي يرى لمحةً من لونٍ جديد.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].