I picked up the emperor's nephew one day - 93
لوتان كانت تبتسم بلطافة مرتديةً فستانًا مزينًا بالكشكش في فضاء أبيض بلا معالم.
شعرها الوردي الفاتح المتجعد كان مربوطًا جزئيًا، مما جعلها تبدو كفتاة بريئة من جهةٍ ما.
لابد أن هذه هي لوتان إلبير الحقيقية التي أحبها أليك.
“..…هل أنتِ؟ الشخص الذي أراني الماضي؟”
خطت لوتان برقة كما لو أن فراشة تحلق فوق زهرة، فلامست الأرض بخفة.
و تموجت موجات صغيرة عند قدميها.
“أنا آسفة إن كنت قد أفزعتكِ.”
“أين نحن؟”
“إنه فضاء خلقه وعيي.”
“وعيكِ؟”
سحبت لوتان كمّ ملابسها حتى مرفقها، كاشفةً عن وشمها.
للحظة، انعكست لمحة من الحزن في عينيها الرماديتين وهي تحدق في الوشم.
“لقد تركت وعيًا ضعيفًا داخل هذا الوشم. عندما انطلق جسد الساحرة مبتعداً، استيقظ هذا الوعي بسبب الصدمة الجسدية.”
“…….”
“بفضل ذلك، تمكنت من استدعائكِ.”
ابتسمت لوتان بمرارة، ثم أعادت ترتيب ملابسها وأمسكت بكلتا يديّ معًا.
كان الأمر غريبًا. لم يكن من المفترض أن أشعر بالدفء في فضاء الوعي، ومع ذلك، كان دفء يدها كافيًا ليبعث في نفسي الطمأنينة.
فتحتُ فمي بصوت أكثر هدوءًا من ذي قبل.
“لماذا استدعيتني؟”
“أردتُ أن أشكركِ.”
خفضت لوتان بصرها وارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ متجردة من المشاعر.
“لقد كنتُ أراقب طوال الوقت……وأنا أعيش متعايشةً مع الساحرة.”
“….…”
“كل من استُغلوا وضُحِّي بهم على يد الساحرة.”
“….…”
“الأرواح التي سُلبت منها أجسادها، وغرقت في حزن لا نهائي، لا نهائي……”
“….…”
“النهايات البائسة لمن تم استغلالهم ثم التخلي عنهم.”
أغمضت لوتان عينيها بإحكام وكأنها تتألم، وارتعشت جفونها الرقيقة قليلًا.
“ربما الأشخاص الذين ضحوا بحياتهم بسبب جشع الساحرة الأناني لا يختلفون عن الضحايا الذين لقوا حتفهم بسبب الكوارث أو المجاعات أو الحروب، تلك التضحيات غير العادلة التي لا يمكن حصرها في هذا العالم. يُطلقون على ذلك اسم القدر أحيانًا.”
“.……”
“لكن الجميع يتمنى سلامة من يحب.”
بدأ وجه لوتان يتشوه من الألم، ثم انهار شيئًا فشيئًا. و انخفض رأسها حتى لامس جبينها يديها المتشابكتين.
“أنا أيضًا كنت كذلك، يا لوسينا.”
“….…”
“لم أتمكن من أداء واجباتي ومسؤولياتي كأميرة، ولم أستطع حماية وطني ولا شعبي……لكن، رغم أنني كنت أعلم أن ذلك أناني، كنت أتمنى على الأقل أن تبقى طفلتي سالمة.”
انهمرت دموع لوتان الشفافة كقطرات الندى.
في تلك اللحظة، حين لامست قطرات الدموع المتجمعة ظهر يديها، شعرتُ تمامًا بالمشاعر التي كانت مكتومةً داخلها.
“شكرًا لكِ، لوسينا……شكرًا لكِ.”
“….…”
“لأنكِ كنتِ بجانب روبيلين. لأنكِ أوقفتِ شرور الساحرة التي لم أستطع منعها. لأنكِ وضعتِ حدًا لهذه التضحيات.”
“شكرًا لكِ……شكرًا لكِ، لوسينا.”
بعد ذلك، واصلت لوتان تكرار كلمات الامتنان بصوت مُحتقن، وكأنها تنفّس عن مشاعرها المكبوتة.
إحساسها بالعجز القاتل لعدم تمكنها من حماية شعبها وطفلها، والغضب العارم الذي كانت تشعر به تجاه الساحرة، وحتى إحساسها بالذنب تجاه الأرواح التي زهقت بسبب جسدها……
لم أستطع حتى أن أتخيل ثقل المشاعر التي حملتها لوتان وهي تشهد كل ذلك. و فقط مجرد التفكير بأنها تحملت كل هذا العبء على كتفيها الصغيرتين كان كفيلًا بأن يعتصر قلبي ألمًا.
“……لا داعي لأن تخفضي رأسكِ. لقد حميتُ روبيلين لأنني أردتُ ذلك.”
أمسكتُ بكتفي لوتان ورفعتها قليلًا، حتى لا تستمر في تكرار كلمات الامتنان بلا نهاية.
رفعت رأسها وهي تمسح دموعها بأصابعها.
“أعلم ذلك. أعلم أنكِ تعتبرين روبيلين عزيزةً عليكِ بقدر ما أعتبرها أنا كذلك. لهذا……شعرتُ بالغيرة أحيانًا وأنا أراقبكِ.”
ضحكت لوتان ضحكةً جافة، وكأن مشاعرها قد هدأت قليلًا. لكنها سرعان ما مسحت دموعها، واختفت الابتسامة عن وجهها.
“لقد كان هذا كافيًا. عودي الآن، يا لوسينا.”
تركت يدي بحزم، وارتسمت على وجهها نظرةٌ حازمة لم تكن موجودةً من قبل.
“……العودة؟ لكنكِ قلتِ إن هذا هو وعيكِ. أنا حتى لا أعرف كيف أعود، بل ربما أنا بالفعل……”
قد أكون قد متّ بالفعل. لم أرغب في قول ذلك بصوت عالٍ، فعضضت شفتي وأبقيت كلامي حبيسًا داخلي.
“لم تموتي.”
……ماذا؟
رفعتُ رأسي بسرعة مندهشة، فوجدتُ لوتان تبتسم ابتسامةً هادئة، وكأنها كانت تتوقع ردة فعلي.
“لم تموتي، يا لوسينا.”
“كيف يمكنكِ أن تكوني متأكدةً من ذلك؟”
“كل شيء يعتمد على إرادتكِ.”
وضعت لوتان يدها برفق على خدي، بلمسةٍ دافئة مطمئنة.
“لماذا تناولتِ السم؟”
……لماذا تناولتُ السم؟
طرفَت عيناي في ذهول، ثم نظرتُ مباشرةً إلى عينيها بهدوء.
“لأنه لم يكن لدي خيار آخر.”
حتى لو عثرت علينا فرقة البحث، لم يكن هناك ضمان أنهم سيتمكنون من احتجاز الساحرة. وإن كان الأمر كذلك، فعليّ أن أضع في الحسبان احتمال أن تُسلب مني السيطرة على جسدي.
لكن، رغم تناولي أوراق الإنديل، لم أكن أنوي الموت حقًا.
كنت أفكر فقط في حل الموقف……
في تلك اللحظة، تلاقت عيناي مباشرةً مع عيني لوتان. و كانت نظراتها هادئة وساكنة، لكنها ثابتة لا تتزعزع.
“ما الذي يجعلكِ مترددةً في العودة؟”
……أنا مترددة؟
“ماذا تقصدين؟ لستُ……!”
لكن نظراتها الثابتة اخترقتني دون أن تتزحزح، ومعها، بدأت الجدران التي كنت أبنيها حول مشاعري تنهار ببطء.
“……في الحقيقة، أشعر بالخوف.”
“مما تخافين؟”
قول إنني لم أكن أنوي الموت كان كذبة. فلم يكن يهمني إن متُّ.
كان من الأفضل أن أموت بدلاً من أن أفقد جسدي وأؤذي كاليكس و روبيلين بيدي.
وبالإضافة إلى ذلك، إذا تم سلب جسدي، كان على كاليكس قتل ساحرة تحمل شكلي.
لم أرد أن أُثقل عليه بذلك.
كنتُ مستعدةً للموت بشكل هادئ حتى لا أُمزق قلبه.
……لكنني أغمضت عيني بشدة، وكتمتُ المشاعر التي كانت تجتاحني.
ابتعدت يد لوتان التي كانت تحتضن خدي، مكشوفةً لبرودة الهواء.
عندما بدأت أفتح عيني ببطء، رأيت لوالن مبتسمةً ابتسامة دافئة.
“……أنا خائفة.”
تذكرت وجه كاليكس المتجهم الذي كان يركض نحوي قبل أن أغمض عيني. و بمجرد أن تذكرت اللحظة التي سقطت فيها، شعرت وكأن قلبي سينهار عندما فكرت فيما كان يشعر به.
“هل سيلومني؟”
“يا لوسينا، في يوم من الأيام، سألْتُ أليك. سألتُه عن أخيه.”
عندما فتحت عيني ببطء، رأيت لوتان مبتسمةً ابتسامة منعشة.
“قال لي إن أخاهُ صعد إلى العرش وهو يحمل تحاملًا وظلمًا، لكنه يعرف كيف يميز بين قلوب الناس. لذا، عندما يتقاطع نظره مع نظر أحد، يشعر وكأن الشخص مكشوفٌ تمامًا.”
انحنت لوتان برأسها قليلاً، ومسحت دموعي بأطراف أصابعها.
“من المؤكد أن أخ أليك يعرف قلبكِ بالفعل. لن ينكر ذلك، وسيقبل به بكل تأكيد.”
ابتسمت لوتان ابتسامةً رقيقة، ثم فركت عينيها المبللتين قبل أن تبتعد عني. و مع ابتعادها، شعرتُ ببرودة الهواء التي لامست خدي الدافئ الذي بدأ يبرد.
وفي تلك اللحظة، تكوّنت بركة سوداء عند قدمي.
“توقفي عن البقاء هنا، يا لوسينا. أخ أليك في انتظاركِ.”
ضحكت لوتان ضحكةً هادئة، ثم تراجعت بخفة. لكن في تباين، كانت دموعها الحزينة تنهمر بلا توقف على خديها.
“لا تخبري روبيلين عن قصتي، من فضلكِ. عندما تسألكِ يومًا، في وقت بعيد، عندما تكبر الطفلة، عندها يمكنكِ أن تخبريها.”
“لحظة من فضلكِ……”
“وداعًا، يا لوسينا.”
دفعَتني لوتان بلطف على كتفي، فاندفع جسدي إلى الأسفل.
بينما كنت أسقط، رأيت يدها الممتدة في الهواء، وكانت لوتان الجميلة تبكي وتلوح بيدها لي.
ابتعدت شيئًا فشيئًا، وكأنها أصبحت بعيدةً جدًا، بعيدةً جدًا.
“ها!”
ابتلعت نفسي بحدة وفتحت عيني، وكان كل ما حولي يغرق في الظلام.
رمشت بعيني وأنا أحاول فهم الوضع.
تلمستُ السقف وإحساس البطانية الدافئة، وكأنني استيقظت للتو من حلم طويل ومريح.
ثم سمعتُ صوتًا مدويًا عندما انقلب الكرسي فجأة.
حولت نظري ببطء إلى مصدر الضوضاء.
“لوسينا……”
كان كاليكس يقف هناك، يحدق فيّ بعيون متورمة، وكأنّه في حالة من الشلل.
كان وجوده هو نفسه ما كنت أفتقده في الحلم البعيد وفي الواقع أيضًا.
“جلالتك……؟”
كان الصوت المكسور الذي خرج مني يبدو وكأنه ليس صوتي.
اقترب كاليكس بصعوبة، وكأنه يتأرجح، ثم جلس بجانب السرير وكأنّ جسده قد انفصل عن الواقع.
عندما اقترب، لاحظت أنه كان نحيفًا جدًا. و كان شعره المبعثر يلتصق على وجهه، وكان يبدو شاحبًا بشكل لم أره من قبل منذ أن التقيته.
“لوسينا……”
كأنّه كان يحاول التأكد من أنني على قيد الحياة، فحصني كاليكس بعينيه المتأرجحتين، بتمعن شديد.
ثم مد يده ليمسك خدي البارد بلطف.
مرت أصابعه على عيني، ثم انحدرت لتتبع أنفاسي، وكأنّه يتأكد من تنفسي، قبل أن يصل إلى شفتي.
وبينما كان يفعل ذلك، لمس شفتي المتشققة بلطف، وكأنّه يحاول أن يكون حذرًا.
و في يده الخشنة التي كانت ملفوفة برباط، كانت هناك جروح، ما جعل قلبي ينكسر.
حتى وإن كانت يده قد تأذت أثناء غيابي، فإن مجرد رؤيتي لها هكذا جعلني أشعر بالألم. كيف كان حاله هو؟
شعرت بالألم يتصاعد في صدري، ثم أمسكت يده بكلتا يدي.
“……ما الذي حدث ليدكَ؟”
“كنت أستخلص الإنديل……”
قال كاليكس ذلك بصوت شارد، مع عينين مثبتتين على وجهي، وكأنّه في حالة من الغياب التام.
“كنتِ فاقدةً للوعي، كنتُ قلقًا جدًا……ظننت أنني فقدتكِ إلى الأبد.”
“أنا آسفة، جلالتك.”
“كنت خائفًا. كنت أخشى أن تتركيني.”
امتلأ وجهه بالدموع التي ارتفعت من عينيه.
آه، الآن فهمت. بقدر ما كنت خائفة، كان هو أيضًا خائفًا.
أمسكت يده بإحكام، وابتسمت ابتسامةً صغيرة مع الدموع التي تتدلى من عيني.
“كاليكس.”
عندما همست باسمه، ظهرت عينيه الحمراء بشكل واضح. وفي نفس اللحظة، سقطت ٌدمعة من عينيه، لتتساقط على فخذيه وتغرق في السواد.
“آه……لوسينا.”
همس كاليكس بصوت منخفض، ثم خفض رأسه.
“……لوسينا.”
“لوسينا.”
“لوسينا. لوسينا.”
مع الصوت الذي يتسلل إلى أذني، انفجر شعور حارٌ في صدري.
“أنا آسفة. أنا آسفة……لم أرد أن أجعل الأمر يصل إلى أن تقتلني……”
“…….”
“كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أموت بدلاً من أن أؤذيكَ أنت و روبيلين بيدي……أنا آسفة، كاليكس. أنا آسفة.”
انفجرت في البكاء مثل طفل، وألقيت كلمات اعتذارية بشكل غير مرتب. وبعد أن قلت ذلك، لم أعد أتذكر ما قلته.
“هل تلومني على اليوم الذي فكرت فيه في الموت وتركك؟”
كان هذا هو السؤال الأخير الذي أردتُ طرحه.
مرت فترة من الزمن. ثم مسح وجهه بيده ورفع رأسه ببطء.
واجهت عينيه المملوءتين بالدموع حتى آخر لحظة.
فكرة أنه قد يلومني كانت مجرد وهم، ففي عينيه كان هناك فقط حبٌ نقي. كانت عيناه تتحدث أكثر من مئة كلمة.
“هل يبدو أنني ألومكِ؟”
هززت رأسي ببطء.
مع بقاء عينيه الحمراء، ابتسم ابتسامةً سلسة.
“لا تفكر أبدًا في تركي مرة أخرى.”
……نعم، سأفعل.
“إذا كنتِ ستغادرين، يجب أن تأخذيني معكِ أينما ذهبتِ.”
“هل أحملكَ في حقيبتي معي؟”
“إذاً، يجب أن تكون حقيبةً كبيرة.”
ضحكت ضحكةً صغيرة على المزحة الخفيفة.
“أنتِ تبتسمين الآن.”
ابتسم كاليكس ابتسامة باهتة، ثم مسح الدموع اللامعة على عيني بلطف.
“شكرًا لأنكِ بقيت على قيد الحياة.”
أمسكت يده المربوطة بالرباط بيدي. ثم ضغط بشفتيه المتشققتين على ظهر يدي بخشونة.
“أنا أحبك. أحبكِ، لوسينا.”
“أنا أحبكَ أيضاً، كاليكس.”
همسنا لبعضنا البعض بصوت خافت، بالكاد مسموع، مع شعور بالحزن.
وفي اللحظة التي كانت شفاهنا فمنا على وشك الالتقاء،
“اِتركيني، رينيل! سأذهب لرؤية أمي!”
تجمدت عيناي مفتوحةً في مفاجأة من الصوت المألوف، وكنا قريبين جدًا من بعضنا البعض.
ثم سمعت الصوت الحاد، ففجرنا ضحكةً مشرقة بينما كنا قريبين جدًا من بعضنا.
فُتح الباب فجأة، وفي الرياح، تحركت الستائر المعلقة أمام النافذة أسفل السرير.
عندما رفعت الرياح الستائر، اختبأنا وراءها، وضغطنا شفتينا معًا في ضحك.
“أمي!”
دخلت روبيلين فجأة، لكنها لم ترنا.
___________________________
اخيراااا يله باقي العرسسسس
Dana