I picked up the emperor's nephew one day - 91
اجتاح الهواء البارد الذي هب عبر ممرات القصر الإمبراطوري غرفة نوم كاليكس.
على السرير، كانت لوسينا نائمة، و تصدر أنفاسًا ضعيفة، و وجهها شاحب.
جلس كاليكس على حافة السرير يحدق بها.
كانت هزيلةً لدرجة أنها بدت وكأنها ستنهار في أي لحظة.
مد يده ليبعد خصلةً شعر انزلقت على جبهة لوسينا، لكنه توقف عندما رأى يده.
“هاه……”
لقد أصيب بحروق أثناء تحضير شاي الإنديل في اليوم السابق، مما تسبب في تفجر بثور على راحة يده، فتسربت منها السوائل.
تدلت يده للأسفل، ثم أكثر، وكأنها تعكس حال قلبه الحزين.
“لوسينا……”
لم يكن يعلم كم من الوقت مضى منذ أن فقدت وعيها. و كل ما في الأمر أن الوقت استمر في المضي، بينما ظل هو مستيقظٌ طوال الليل بعينين مفتوحتين.
بدت لوسينا كالأميرة النائمة التي قرأت عنها ذات مرة في إحدى الدروس التي حضرها لها.
لم يعد يسمع ضحكتها الرنانة، ولا صوتها الصافي والنقي لدرجة تجعله يشعر بالحرج، ولا وجنتاها المتورّدتان، ولا ابتسامتها التي كانت تضيء وجهها.
لم يتبقَ سوى أنفاسها الضعيفة، التي كانت الدليل الوحيد على أنها لا تزال على قيد الحياة.
خفض كاليكس نظره بحزن، محدقًا بشرود في يده المصابة بالحروق.
حين عثر على لوسينا، كانت قد تسممت بالفعل، فاقدةً للوعي، وممددةً على الأرض.
قام بغلي شاي طبي باستخدام نبتة الإنديل التي أحضرها من الكهف وجعلها تشربه، لكن تعافي لوسينا كان بطيئًا بسبب تعرضها المطول لهالة الساحرة.
في برج السحر، قيل له إنها ستستعيد وعيها طالما كان لديها إرادة للبقاء، لكن لسبب ما، لم تفتح عينيها بعد.
أغمض كاليكس عينيه بإحكام، بينما راودته كلمات لم يكن يريد تذكرها أبدًا.
“الساحرة تستهدف جسد لوسينا. لقد قررت أن تستخدم جسدها طُعمًا للإيقاع بالساحرة، لذا عليك أن تسرع……!”
شعر كاليكس بوعيه يتلاشى للحظة عند سماع كلمات بايسر، لكنه ركض فورًا دون تردد.
وصل إلى هينغتون مباشرةً وبدأ بتمشيط الجبل. أراد أن يقتلع الجبل بأكمله من مكانه، لكن مجرد التفكير في أن لوسينا قد تكون في مكان ما داخله جعله يتراجع.
كلما مر الوقت، ازداد شحوب وجهه وبدأ العرق البارد يتصبب منه. عندها فقط، تراقصت شرارة أمل مضيئة وسط الظلام.
بينما كان كاليكس يمشط الجبل، لمح ضوءًا خافتًا يومض من كُمّه.
كانت أزرار الأكمام التي أهدته إياها لوسينا.
“جلالتك……أنا لوسينا……آسفة……لم أستطع الوفاء بوعدي……”
عند سماع صوتها المألوف، شعر كاليكس وكأن أنفاسه توقفت. ثم بدأت محادثتها مع الساحرة تتردد في أذنيه، مما جعل رؤيته تزداد ضبابية.
عندها، لمح فجأة كهفًا يتوهج بضوء غريب، فانطلق نحوه دون تفكير.
“لوسينا!”
بغريزته، صدّ ضربة الساحرة واندفع نحو جسد لوسينا الملقى على الأرض، ليحتضنها بين ذراعيه. لكن حينها، أدرك أن هناك شيئًا خاطئًا.
يديها سقطتا بلا قوة، ورأسها مال إلى الخلف كدميةٍ خشبية.
“لوسينا……؟”
لم تجبه. بل لم تبدُ حتى وكأنها تتنفس.
ارتجف قلبه المنهار وسقط بلا نهاية. شيئًا فشيئًا.
شعر وكأنه يُسحب إلى بركة سوداء غائرة عند قدميه.
كان ذلك عندما حمل كاليكس لوسينا على عجل، و وجهه شاحب كالثلج، واندفع خارج الكهف.
طَق-!
لكن، يد الساحرة الذابلة أمسكت بطرف سروال كاليكس.
“كح! أيتها الحقيرة الل&ينة……”
ضحكت الساحرة قهقهةً خشنة، وكأنها تخدش حلقها، وحدّقت في كاليكس.
“يالهُ من منظرٍ جميل……! وجهك الشاحب يذكرني بذلك الفقير……! حين عانق تلك الفتاة التي ماتت جوعًا، كان له نفس هذا الوجه تمامًا……! ما الذي كان مهمًّا في ذلك الإنسان التافه……؟!”
“اتركي هذا.”
زمجر كاليكس، و طحن أسنانه بينما اشتعلت عيناه بحمرة غاضبة.
رغم أن الساحرة التي كان يبحث عنها طوال هذا الوقت تقف أمامه، الا أنه لم يشعر بالغضب ولا برغبة في الانتقام. سواء عاشت أو ماتت، لم يكن ذلك مهمًّا له الآن.
كان الخوف من فقدان لوسينا هو الشيء الوحيد الذي سيطر عليه بالكامل.
ابتسمت الساحرة ابتسامةً خبيثة، وكأنها راضية عن إثارة خصمها، وانتفخت عروقها غضبًا.
“أيتها الحمقاء……! تتجرعين السم فقط لأنكِ لا تريدين أن يُسلب جسدكِ…..! هل تظنين أنني سأُقتل بخدعة تافهة من فتاة بشرية……! كح! لن أموت هكذا……! لن أموت أبدًا!”
“آه، هذا كلام يسرني سماعه.”
جاء صوت كاليكس هادئًا وساخرًا، لكن عينَيه المتوهجتَين بين خصلات شعره كانتا حادتين كالشفرة، تشعان بهالة مخيفة.
“لا تنوين الموت بسهولة، أليس كذلك؟”
فوووش-!
في تلك اللحظة، اشتعل جسد الساحرة بنيران زرقاء.
“كياااااااه…!”
تلوّت الساحرة في ألم داخل ألسنة اللهب المتراقصة حولها.
“حين تعيشين في نار لا تنطفئ أبدًا، ستتمنين الموت بنفسكِ. لكن لا تقلقي، فهذه النيران لن تؤذي جسدكِ. أتمنى أن تعيشي طويلًا حتى نهاية حياتك، حتى لا يشعر أصحاب الأجساد التي سلبتها بالظلم.”
“سألعنكَ……! وسألعن تلك المرأة أيضًا……! سألعن كل شيء عزيزٍ عليك……!”
حدّق كاليكس بالساحرة بعينين باردتين قبل أن يستدير عنها. لم يكن لديه وقت ليضيعه، ليس بينما حياة لوسينا على المحك.
“عندما تفنى روحكِ، سأعود لاستعادة جسد لوتان إلبير.”
وبينما تعالت صرخات الساحرة المدوية خلفه، أمر كاليكس فرقة البحث بحماية حقل الإنديل قبل أن يخرج من الكهف.
“تباً……”
تمتم بكلمة شتم وهو ينسحب من دوامة ذكرياته، ثم فتح عينيه ببطء.
و لوسينا كانت لا تزال مغمضة العينين، تتنفس بصوت خافت.
هل يمكن أن تكون الساحرة قد ألقت عليهِ لعنةً حقًا؟
“كنت أؤمن بلوسينا.”
قال بايسر ذلك لكاليكس، الذي كان يضع نصل سيفه عند عنقه، متسائلًا لماذا لم يمنعها من تناول السم.
“لا أقول هذا تهربًا من المسؤولية. فقد كنت أؤمن باختيار لوسينا. و أنها ستنجو حتمًا.”
كان يعلم ذلك أيضًا. كان يعلم سبب إقدام لوسينا على التسمم.
كانت تملك من الذكاء الحاد والشجاعة ما يكفي لاستخدام جسدها طُعمًا للإيقاع بالساحرة.
لا بد أنها فكرت في احتمال أن يُسلب جسدها، فاختارت أن تتناول السم مسبقًا.
لقد رأت أن الموت أهون من أن تعيش الساحرة في جسدها باسم لوسينا.
لهذا، لم يستطع أن يلومها على تهورها، ولا أن يعاتبها على تعريض نفسها للخطر.
الشيء الوحيد الذي استطاع أن يلومه هو نفسه……لأنه كان قد غادر جانب لوسينا.
“لوسينا……”
عندما شدّ كاليكس قبضته المرتجفة على الغطاء بقوة—
طَرَق، طَرَق.
دُقّ باب غرفة النوم.
“جلالتك، إنه يوكار.”
“……ادخل.”
دخل يوكار حاملًا الضمادات، وبدت على وجهه ملامح الكآبة.
تقدم بهدوء، ثم جثا على ركبتيه أمام كاليكس وبدأ بلف الضمادات حول يده.
بعد أن أنهى تضميده، بقي مترددًا للحظات قبل أن يقطع الصمت أخيرًا.
“جلالتك، أعذرني على تطفلي، لكن لم يعد بالإمكان تجاهل رغبة الوزراء في مناقشة الإجراءات لما بعد الحادثة.”
“قلتُ إنني لن أتحرك حتى تفتح لوسينا عينيها.”
“جلالتك……”
أصدر يوكار صوتًا متألمًا وأغلق عينيه بإحكام.
“لكن خبر اكتشاف الإنديل انتشر على نطاق واسع، والدول المجاورة التي أبرمت معاهدات دبلوماسية……”
“هل جاؤوا الآن فقط لأنهم اكتشفوا أنني قد فقدتُ بصيرتي؟”
“…….“
“هذا عمل قامت به شخص واحد.”
“…….”
“لوسينا، هي وحدها من دمرت الساحرة بهذا الجسد الضعيف، وهي التي اكتشفت الإنديل.
لا يحق لأي شخص آخر التحدث عن ذلك.”
توجهت عينا كاليكس الحمراء المائلة إلى السواد بحدة نحو يوكار.
“أو هل تعني أنه يجب أن أضع أولويات هؤلاء الأشخاص العاجزين الذين يفتحون أفواههم فقط ليأخذوا ما يُعطى لهم، بدلًا من حياة المرأة التي أحب؟”
“……أعتذر.”
خفض يوكار رأسه، مظهرًا علامات الندم.
“……هاه.”
تنهد كاليكس ليكبح غضبه، ثم مرر يده بشكل خشن على شعره.
كان يعلم ذلك أيضًا. كان يعلم كم من نصائح النبلاء المزيفة التي تحولت إلى أطماع خاصة كانت قد تجنبها حتى وصل يوكار إليه.
لكنه تذكر يومًا ما، عندما كانت لوسينا مريضة، همساتها التي قالتها له.
“لا أحب……أن أكون مريضة وأكون وحدي……”
لم يستطع أن يكون بجانبها عندما كانت في أمس الحاجة إليه. لذا، هذه المرة، يجب أن يكون بجانبها.
هذه المرة، يجب أن يكون هو من يكون بجانب لوسينا عندما تفتح عينيها.
“امضِ الآن.”
عبس كاليكس وأطلق صوته المكتوم.
في اللحظة التي كان يوكار فيها يغمض عينيه ويؤدي التحية، محاولًا الخروج من غرفة النوم،
“أنت كاذب!”
دخلت روبيلين من الباب المفتوح، تبكي بشدة وهي تجري نحوهم.
“أميرة……أوه!”
حاول يوكار أن يمنعها، لكن بحركة يديها فقط، سقط على الأرض بقوة.
ركضت روبيلين نحو كاليكس وهي تبكي، وتصرخ.
“كاذب…كاذب…كاذب…!”
كانت تضربهُ بقبضتها بعنف شديد، لكن حتى مع قوتها الهائلة التي تفوق قوة البالغين، لم يتحرك كاليكس ولم يُظهر أي رد فعل.
ثم دخلت رينيل وهي تضع تعبيرًا كئيبًا على وجهها.
“أعتذر، جلالتك. لقد أخفينا أمر السيدة لوسينا، لكن أحد الجدد أخطأ في الكلام……”
عندما أشار كاليكس بلا مبالاة بعينه، فهمت رينيل على الفور، فرفعت يوكار وأخذته معها خارج غرفة النوم.
في الغرفة التي حل فيها الصمت، انتشر نحيب لوم روبيلين المملوء بالغضب.
“أكرهك…! كذبتَ على روبيلين! قلتَ إنه بعد خمس ليالٍ ستأتي أمي! كذبت على روبيلين بينما كانت أمي مريضة؟”
“روبيلين.…”
“أكرهك! أكرهك!”
“…….”
كان كاليكس يفتح فمه دون أن يستطيع قول شيء، ثم أغلقه.
ماذا كانت ستقول؟
لو كانت لوسينا هنا، لو كانت هي في مكاني، ماذا كانت ستفعل؟
لم يعرف كيف يهدئ روبيلين وهي تبكي.
كان يعلم دائمًا أن لوسينا ستبتسم بلطف وتخبرهُ بما يجب فعله في مثل هذه المواقف.
فجأة شعر بحرارة في حلقه، فهز رأسه كما لو كان يطرد الأفكار المزعجة، ثم احتضن رأس روبيلين بحنان.
“اتركني! أكرهك!”
“أعتذر.”
“لا أريد أن أعرف، اتركني..! أكرهك!”
“لم أخبركِ لأنني كنت أعرف أنكِ ستقلقين.”
مع لمسة يده الدافئة التي كانت تحيط بها، بدأت روبيلين التي كانت تقاوم تدريجيًا في تهدئة نفسها.
كم مرة كرر كلمة “أعتذر”؟
أخذت روبيلين ترف جفنيها، ثم أسندت رأسها للخلف وبدأت في البكاء بشدة كالبالون الذي ينفجر.
“آآآه…! أكرهك…”
استمرت روبيلين في البكاء لفترة طويلة حتى أصبحت صوتها خشنًا. وبعد فترة، نظرت إلى كاليكس بنظرة غاضبة، وعينين متورمتين.
“……أمي، هل هي مريضة جدًا؟”
“……نعم.”
توجهت روبيلين نحو السرير، وهي ترفع أنفها وتحاول تجنب البكاء.
“……أووه، وجهي أفضل من أبي. إذا رأت أمي روبيلين، ستستيقظ.”
تسلقت روبيلين السرير وركبتيها تتحرك في إشارة إلى أنها على وشك البكاء، ثم حدقت في وجه لوسينا.
“أمي، روبيلين هنا.”
لكن الصوت الذي كانت تأمل أن يعود لم يتردّد. فأغلقت روبيلين شفتيها بإحكام.
لم ترغب في البكاء. كانت تريد أن تقول ذلك بصوت مشرق، حتى تسمع لوسينا صوتها وتبتسم وتنهضُ في استجابة لعودتها.
“أمي، جلبتُ معي النجوم!”
عندما فتحت روبيلين قبضتها، سقطت ورقة ملونة صفراء مطوية بجانب وجه لوسينا.
تدحرجت الورقة حتى استقرت على كتف لوسينا.
“الآن، ما عدت بحاجةٍ إلى أخ!”
“…….“
“أمنيتي هي أن تستيقظي، أمي!”
بدأ صوتها المبلل يهتز بشكل غير مستقر.
“هل سمعتي؟ روبيلين تحتاجكِ أنتِ فقط……”
وأخيرًا، بدأت روبيلين تسقط الدموع، وقد ارتجف شفتاها وهي تحاول كبح حزنه.
___________________________
ياويلي وش ذا الفصل كله دموع 💔
Dana