I assert the innocence of the villain - 1
هناك في هذا العالم مَن يتمنّى بشدّةٍ أن يتورّط بعمقٍ مع مجرمٍ محكومٍ عليه بالإعدام لارتكابه جريمة قتلٍ مروّعة.
مثلما يحدث الآن.
“ماذا قلتِ للتوّ؟”
“وقِّع هنا، من فضلك.”
“… لا، ماذا قلتِ قبل ذلك؟”
“طلبتُ منكَ الزواج.”
في غرفة الزيارة في زنزانةٍ تحت الأرض مليئةٍ برائحة العفن. تقدّمتُ بطلب زواجٍ من قاتلٍ قبل قليل، وأنا الآن بصدد إبرام عقدٍ معه.
“إذاً … تقولين أنكِ ستُثبتين براءتي إذا تزوّجتكِ.”
“نعم، عزيزي العميـ .. سمو الأرشيدوق، كلّ ما عليكَ فعله هو توقيع العقد هنا، وحُلَّ الأمر.”
“……”
نظر إليّ بنظرةٍ مليئةٍ بالشك. لم يكن أمامي خيارٌ سوى رسم ابتسامةٍ تجاريةٍ وأنا أنظر إلى الرجل الذي أمامي. كان رجلاً ذا ملامح قوية وأنفٍ مستقيمٍ وشفاهٍ مرسومةٍ بعناية؛ كان هو الأرشيدوق بنديكت ريتشارد، الشرير من الرواية التي قرأتُها مؤخرًا.
“أضمن لكَ مئةً بالمئة! سأثبتُ براءتكَ يا صاحب السعادة.”
“والشرط أن تحصلي على نصف ممتلكاتي.”
“بالطبع، أليس هذا بسيطًا؟ يمكنكَ الاعتماد عليّ الآن.”
نظرتُ إليه بعينين مليئتين بالثقة والتأكيد، أمسك الرجل العقد وكأنه واقعٌ تحت سحري. وعندما لاحت لحظة توقيعه، لمعت عيناي كَعينَي ضبعٍ جائع، لكنه توقّف فجأةً ورفع رأسه.
“انتظري لحظة.”
“لـ … لماذا؟ ما المشكلة؟”
تفاجأتُ وشعرتُ بالقلق. كانت نظراته جديّةً بشكلٍ غير عادي.
“لنُعدّل شروط العقد.”
عند سماع هذا، زالت الابتسامة عن وجهي على الفور. فالتّخلّي عن جزءٍ من المكافأة لم يكن شيئًا يمكنني قبوله. أجبتُه بجدية.
“آسفة، لكن تعديل مكافأة النجاح غير ممكن …”
“لن يكون هناك أيّ مشاعر شخصيّةٍ بيننا.”
“عُذرًا؟”
كان كلامه غريبًا.
“خاصّةً الحب، غير مسموحٍ أبدًا.”
“نعم … حسنًا، كما تريد.”
بالرغم من غرابة طلبه، إلّا أنني أومأتُ بالموافقة. كان الأهم بالنسبة لي إتمام العقد في الحال.
ولتفسير لماذا احتوى عقدٌ كهذا، الذي عُقِد في زنزانةٍ موحشة، على كلماتٍ مثل ‘الزواج’ و’الحب’، علينا العودة إلى ما حدث قبل بضعة أيام.
***
“هذا بسيطٌ نوعًا ما ليكون جحيمًا.”
كان ذلك ما شعرتُ به حين استيقظتُ فجأةً وألقيتُ نظرةً على السقف الغريب. لأنني مِتُّ بالتأكيد.
كان السبب حادث سيارة، والطرف الآخر كان شاحنة ضخمة. وسط الألم القاسي، تذكّرتُ المادة 3، الفقرة 2، الفقرة الفرعية 2 من القانون الخاصّ بشأن التعامل مع حوادث المرور، كنتُ أنا مَن عبرتُ خط الوسط.
“حضرة المحامية، كان عليكِ اختيار جانبكِ بحكمة.”
أدركتُ من حديث سائق الشاحنة حين اقترب مني أن هذا لم يكن مجرّد حادث بل جريمة قتل.
كنتُ في نظر المجتمع محاميةً مجنونةً بالمال. لم يكن العدالة أو الحقيقة أولويةً لي، بل المكافأة التي يدفعها العميل عند نجاح القضية. لذلك كسبتُ الكثير من المال عبر الدفاع عن الأشرار، فقد كنتُ محاميةً ماهرة.
ومع أنني انتصرتُ في قضيّةٍ دمويّةٍ بين عصابتين متنافستين، إلّا أن العصابة الأخرى قرّرت الانتقام مني عن طريق دفعي تحت شاحنة.
“الطقسٌ رائع، مناسبٌ للذهاب إلى الجحيم.”
كانت تلك آخر جملةٍ سمعتُها قبل موتي، وكنتُ متأكّدةً أنني ذاهبةٌ إلى الجحيم. فبنظرةٍ على حياتي، كنتُ أعلم أن مكاني لن يكون في الجنة.
ألقيتُ نظرةً على المكان من حولي.
“أليس هذا جيدًا ليكون جحيمًا؟”
بالنظر إلى مَن دافعتُ عنهم من أشرارٍ في حياتي السابقة، كنتُ أتوقّع مواجهة جحيم النيران. لكن على الرغم من العفن والأوساخ في المكان، كانت الحرارة والرطوبة مقبولة.
“ما الأمر؟ ألا تزالين مستلقية، أيتها الحقيرة الكسولة!”
حينها سمعتُ صوتًا مدوّيًا قادمًا من بعيد.
آه، يبدو أن الوقت قد حان لظهور حارس الجحيم. ومع كلمات اللوم تلك، فكّرتُ ربما يكون هذا جحيم الكسل.
‘ولكن، لم أكن كسولةً أبدًا في حياتي …’
في اللحظة التي بدأتُ أتساءل عن نوع الجحيم الذي كنتُ فيه، جاء رجلٌ في منتصف العمر، وقد كان في حالة سُكرٍ شديدة، أمسك معصمي بقوّةٍ ورفعني من السرير.
“إيلينا كريستي! يا لكِ من فتاةٍ عديمة الفائدة، ألن تخرجي لجلب المال الآن؟”
ماذا؟ إيلـ … ماذا؟
تجمّدتُ مكاني ورمشتُ بعيني. كان اسمًا مألوفًا. وكانت الأمور على وشك أن تتّخذ مُنحنًى غير متوقّعٍ وأكبر من الجحيم.
***
وجدتُ نفسي فجأةً تحت رحمة هذا الرجل في مزرعةٍ متّسخةٍ أقوم بالأعمال الشاقّة. وبعد تجميع المعلومات من خلال طرح الأسئلة على الناس من حولي، توصّلتُ إلى الاستنتاج التالي:
‘لقد دهستني شاحنةٌ ومُتُّ، وها أنا أتجسد كشخصية في رواية.’
رواية خيالٍ رومانسيٍّ عن ولي العهد والبطلة الشعبية التي تتغلّب على كلّ العقبات، بما في ذلك معارضة القصر ومؤامرات أخيه غير الشقيق الشرير، لتتوّج قصّة حبّهما بنهايةٍ سعيدة.
الشخصية التي تجسّدتُ بها، ‘إيلينا كريستي’، هي مجرّد دورٍ ثانويٍّ ذُكِرت بجملةٍ واحدةٍ في إحدى الذكريات الطفولية للبطلة في الرواية.
“في قريتنا، لا يوجد مَن هو أفقر من إيلينا كريستي سوى فيفيان.”
قدّرتُ الموقف بسرعةٍ بفضل عميلٍ جاءني مؤخّرًا مدّعيًا أن روايته قد سُرِقت. بدا من الوهلة الأولى أن الأمر لا يستحق العناء، وتبيّن لي أنه ليس هناك سرقةٌ فعلية، فرفضتُ مساعدته. ولكن كلّ شيءٍ من حولي أكّد لي الآن أنني داخل تلك الرواية نفسها.
قد تتساءلون، كيف استطعتُ تذكّر اسم إيلينا التي ذُكِرَت بجملةٍ واحدةٍ فقط في روايةٍ قرأتُها بسرعة؟ حسنًا، ذلك لأن لديّ ذاكرةً تصويرية، فأستطيع تذكّر كلّ ما أراه بوضوحٍ تام. وبفضل هذه القدرة، تمكّنتُ من أن أصبح محاميةً ناجحةً في حياتي السابقة.
“ما هو مؤكّد، أن العمل اليدوي لا يناسبني.”
همستُ بذلك وأنا أنتزع الأعشاب الضارّة في المزرعة بجدية، ولكن يبدو أن جسد إيلينا كان ضعيفًا للغاية لدرجة أن كلّ عضلةٍ في جسدي كانت تؤلمني.
بعد جمع المعلومات من المحيطين بي، توصّلتُ إلى التالي:
1. هذا المكان هو الإمبراطورية ‘آريا’ من الرواية، والأحداث تجري بعد نهاية القصة.
2. تزوّجت البطلة من البطل وأصبحت زوجة ولي العهد.
3. والد إيلينا سكير، وأخوها مدمنٌ على القمار.
4. مع زواج البطلة من ولي العهد، أصبحت إيلينا أفقر شخصيةٍ في القرية.
آه، لقد كان هذا الجحيم بعينه. جحيم الفقر لا يقارن بجحيم النار أو الكسل.
“تفضّلي، إيلينا، هذه ثلاثة فضيّات، أجر اليوم.”
بعد العمل طيلة اليوم، بالكاد حصلتُ على ما يكفي لشراء قطعتين من الخبز.
“كيف يمكنني الخروج من هذا الجحيم؟”
عضضتُ على شفتي بتوتر. في حياتي السابقة، لم يكن وضعي أفضل بكثيرٍ من وضع إيلينا، مع والدٍ مدمنٍ على القمار وأخٍ مستهتر. تمكّنتُ من الهروب بعد أن أصبحتُ محاميةً وقطعتُ صلتي بعائلتي.
“لا يمكنني العيش بهذه الطريقة مرّةً أخرى.”
بدأتُ أستثمر ما كسبتُه في شراء الصحف، رغم حاجتي الماسّة للطعام. وقد أثار هذا فضول الناس من حولي.
“ذرّةٌ من الغبار هي مجرّد ذرّةٍ من الغبار.“
تحت ضوء مصباحٍ زيتيٍّ باهت، بدأتُ أُقلِّب الصُّحف بعناية. العمل في الأحياء الفقيرة لا يكفي، ولا أريد أن أعيش حياةً تُهدَر فيها كلّ جهودي لإعالة عائلتي التي تمتصّ مني الحياة.
لذا، سأستهدف ضربةً كبرى.
كيف؟ باستخدام مهارتي الأفضل، مهارة المحاماة!
“لنرى، مَن الذي يمكنني أن أحقّق أكبر مكسبٍ منه؟”
بتركيزٍ حاد، راجعتُ أخبار الاعتقالات والمحاكمات بعناية.
أحد الدروس التي تعلّمتُها كمحاميةٍ هو أن المال لا يأتي من الأبرياء المظلومين، بل من الأشرار الأغنياء. وإذا كانوا يملكون السلطة، فهذا أفضل.
وفي هذا العالم، لا يوجد شخصٌ ينطبق عليه هذا الوصف أكثر من شخصيةٍ واحدةٍ معيّنة.
“وجدتُه. هذا هو عميلي!”
أخيراً وجدتُ المقال الذي أريده، وابتسمتُ بسعادة.
في اليوم التالي،
ما إن بزغت الشمس حتى اندفعتُ خارج المنزل. سيظن والدي أنني ذهبتُ للعمل في المزرعة مجدداً، لكنني كنتُ قد وصلتُ إلى بوابة سجن القصر الإمبراطوري.
كان هناك رجالٌ ذوي عضلاتٍ مفتولة يحملون سيوفاً ضخمة عند خواصرهم ويقومون بتظاهرةٍ صاخبة.
“أوقفوا القمع الإمبراطوري والمحكمة ضد الأرشيدوق ريتشارد! أوقفوه!”
“أطلقوا سراح الأرشيدوق ريتشارد! أطلقوا سراحه!”
صدف أن الغاية من مجيئي إلى هنا كانت نفسها التي يطالبون بها، إطلاق سراح الأرشيدوق ريتشارد. بمعنًى آخر، تحرير الشخص الذي سيكون مموّلي في هذه الرواية.
بنديكت ريتشارد.
الرجل الذي اشتُهِر في ساحة المعركة باسم ‘قاتل المعارك’ لقدرته على القضاء على الأعداء بدمٍ بارد، أصبح ‘قاتلاً’ حقيقياً. في الرواية الأصلية، بعدما تزوّج البطل والبطلة التي كان يحبّها، لم يستطع السيطرة على غضبه فقتل والد البطلة وسُجِن على الفور. وبما أنه قتل والد ولية العهد، فقد كان محكوماً عليه بالإعدام في المحاكمة المُقبِلة.
نظرتُ إلى المتظاهرين وهززتُ رأسي.
‘يبدو وكأنهم يدعون ليُنفَّذ فيه حكم الإعدام.’
كانوا فرسانًا ذوي ملامح قاسية، وأجسادً مليئةً بالندوب، ويرتدون ملابس سوداء بالكامل. من الواضح أنهم جميعاً كانوا جنوداً تحت قيادة الأرشيدوق ريتشارد، هذا الرجل الذي كان رمزاً للرعب في المعركة. ومع ذلك، كانوا يصرخون بأعلى صوتهم أمام سجن القصر الإمبراطوري.
كان المواطنون المارّين، وحتى الصحفيون الذين جاءوا لتغطية الاحتجاج، ينظرون برعبٍ إلى هؤلاء الفرسان وكأنهم قد يستخدمون القوّة في أيّ لحظة.
كان هذا تهديداً واضحاً موجّهًا للقصر والمحكمة.
لكن بفضل ذلك، أصبح من السهل بالنسبة لي الوصول إلى الهدف. اقتربتُ من مجموعة المتظاهرين وألقيتُ نفسي نحو الرجل الذي يبدو زعيمهم.
بوم!
“آه! آنستي، هل أنتِ بخير؟”
“أوه، آسفة، لقد تعثرت.”
“هل أصبتِ بأذى؟”
كان الرجل متوتّراً وهو يساعدني على النهوض. وبينما كنتُ أبدو مرتبكة، تفحّصتُ سريعاً مقتنياته.
“أنا بخير.”
رفعتُ رأسي وابتسمتُ برقّة، فاحمرّ وجهه.
كان الأمر منطقيًا، لأنني عندما نظرتُ في المرآة هذا الصباح، كان وجهي جميلًا. بشرةٌ بيضاء، ملامح رقيقة، وعيونٌ زرقاء فاتحة.
لإشغاله أكثر، قمتُ بتمرير يدي عبر شعري متعمّدة، حيث تمايلت خصلات شعري الذهبي الجذابة في الهواء وجذبت نظره.
“كــ كوني حذرةً في طريقكِ! آنستي.”
أجبتُه بابتسامةٍ وسرعان ما توجّهتُ إلى غرفة الزيارات في السجن. ألقى الحارس الذي كان عند المكتب عليّ نظرةً عابرة.
“هل جئتِ للزيارة؟”
“نعم، أودّ طلب زيارةٍ للأرشيدوق بنديكت ريتشارد.”
“هل لديكِ بطاقة هوية؟”
“بالطبع!”
بثقة، أبرزتُ البطاقة التي استوليتُ عليها من حزام الرجل الذي التقيتُه قبل قليل.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1