2
“ليندسي كيسيون…”
همست باسمها، كأنها تُعيد نطق حياةٍ سابقة. اسمٌ بدا مألوفًا، لكنه يغمرها بالغربة.
ليندسي كيسيون… كانت قد ماتت قبل خمسةٍ وعشرين عامًا. وبعد موتها، وُلدت من جديد، هناك، في كوريا.
في حياتها الجديدة، كانت تُدعى هان جي-يو… مرشدة من الدرجة S.
ذاك هو الاسم الذي عاشت به في كوريا.
‘لكن… ما الذي يعنيه هذا الآن؟’
مدّت يدها إلى وجهها ببطء، تتحسّس الملامح التي ربما لم تعُد تعرفها.
حينما كانت تعمل مرشدة في كوريا، باتت بشرتها خشنة بسبب المعارك المتكرّرة… ذلك كان أمرًا لا مفرّ منه.
لكن الآن… بشرتها ناعمة، صافية كأنها لم تعرف الألم قط.
رغم احتقارهم لها، إلا أنها كانت ابنة لأحد النبلاء، فكان من الطبيعي أن يكون جسدها بهذه النعومة.
ومع ذلك، شعرت باليأس أكثر من أي وقت مضى.
‘هل عدتُ بالفعل؟’
لم تكن ترغب في العودة.
فحياة “جي-يو” في كوريا كانت أسمى، أكثر امتلاءً، وأكثر صدقًا من حياة “ليندسي كيسيون”.
في كوريا، كانت المرشدات والممسوسين حقيقة معروفة.
الممسوسون… أولئك الذين وُهِبوا قوى خارقة، غامضة.
والمرشدون… من يُهدّئون آلامهم.
وقد أحبت ليندسي عملها كمرشدة. أحبت أولئك الذين وثقوا بها، احتاجوا إليها، وشهدوا قيمتها.
كانت حياتها هناك مليئة بالتحديات… لكنّها كانت حياة تُعاش حقًا.
لم تكن تتمنى العودة.
بل لم يخطر ببالها أنها قد تعود يومًا.
حتى مجرد تخيّل العودة كان إهانة لكل ما بنته جي-يو.
لكن ها هي تعود… كأن شيئًا لم يكن.
عادت لتكون ليندسي كيسيون.
اقتربت ببطء من النافذة، وعيناها تُحاولان احتواء الصدمة.
نظرت إلى ساحة التدريب… وارتجف وجهها حين رأت ما لم ترغب برؤيته.
آزيت… خطيبها.
وكينيان… الرجل الذي نشر الشائعات عنها.
آزيت، الذي لم تره منذ زمن… كان جميلًا، حدّ الألم.
شعره الذهبي يُشبه خيوط الشمس، وعيناه البنفسجيتان تتلألآن كحجارة كريمة لا تُقدّر بثمن.
سيفه يرقص بين يديه في حركات لا يُجاريها أحد في الإمبراطورية.
رجلٌ مثالي، بكل المقاييس.
الجميع يُحبّه، يتمنّى قربه، يتحدّث عنه بإعجاب.
تمتمت ليندسي وهي تحدّق فيه:
” وما جدوى الكمال، إن كان خاليًا من الرحمة؟”
في تلك اللحظة، تذكّرت لماذا تمنّت ألا تعود.
‘لأن أحدًا لم يُرِدني حقًا.’
في كوريا، كانت مطلوبة. بل كانت حاجة لا غنى عنها.
أما هنا… فقد كانت عالة، عبئًا، نجسة في نظرهم.
خطيبها لم يكن يحبها… بل كان يحتقرها.
زواجهما لم يكن سوى عقد… بلا روح، بلا دفء.
قال لها ذات مرة، دون أن يطرف له جفن:
“من فضلك، لا تحبيني…”
“ارتباطنا كان بدافع الضرورة، ليس أكثر.”
“كل ما عليكِ فعله هو رفع هذه اللعنة التي تنهشني. وإن فعلتِ… سأعطيكِ كل شيء، إلا الحب.”
لكنها فشلت. لم تستطع الوفاء بالوعد.
كما كانت كوريا موطنًا للممسوسين والمرشدين، كان هذا العالم موطنًا للكائنات المتسامية والكهنة.
وكانت شروط العقد بينهما تقوم على أن تُظهِر هي قوة إلهية.
لكن تلك القوة… لم تستيقظ فيها.
‘لابد أن الوقت الآن… قبل أن يتم الزواج.’
لذا جاءت إلى دوقية راديان، وتوسلت إلى آزيت… ألا يفسخ الخطبة.
أقسمت أن تُصبح نافعة، أن تُظهر قوتها، أن تُبرهن على جدارتها.
قال الجميع إنها ستُصبح كاهنة. حتى المعبد صدّق ذلك.
الكهنة والمتسامون…
المتسامون، وُهِبوا قوتهم، فاصبحوا يصنعون المعجزات، ويفوقون البشر جمالًا وذكاءً.
لكنّ تلك الهبة جاءت بثمن:
عطش لا ينطفئ.
كان وحدهم الكهنة قادرين على تهدئته… لكنهم لا يملكون القدرة على إروائه بالكامل.
حتى أقوى الكهنة، لم يستطيعوا شفاء أقوى المتسامين دون ألم.
‘الكهنة هنا، كمرشدين من رتبة ضعيفة. لذا، الألم كان حتميًا.’
الممسوس القوي، إن لم يجد مرشدًا يناسب رتبته، لن ينال سوى راحة مؤقتة.
وهكذا، كان آزيت يتعذّب… بلا نهاية.
ولم يكن وحده، بل أغلب المتسامين في هذا العالم يُكابدون الألم ذاته.
حتى هذه اللحظة، كان هو وكينيان يتبارزان، لا للمهارة، بل للهروب المؤقت من آلامهم.
‘عائلة راديان اعتقدت أنني سأُظهر قوتي…’
ولذا أنقذوني من جحيم عائلة كيسيون.
عادةً، تظهر القوى قبل البلوغ.
أما بعده… فذاك أمر نادر، شبه مستحيل.
لكن حتى في عيد ميلادها الأخير… لم تستيقظ.
وفي ذلك اليوم… قال لها آزيت ببرود:
“لم تُحققي شروط العقد. فسخ الخطبة هو القرار العادل. عودي إلى قصر عائلتك مع شروق الشمس.”
كان ذلك، في نظرها، حُكمًا بالإعدام.
ذاك القصر… كان الجحيم ذاته.
توسلت إليه، بدموع صامتة، ألا يعيدها، فقال:
“اصمتي. هل تعلمين كم كذبة سبّبت الأذى للناس؟ زواجي بك، رغم سمعتك السيئة، كان بسبب العقد… لكنّك خذلتِني. ولهذا، ارحلي.”
“أرجوك، آزيت… إن عدتُ، فلن يتركني والدي وشأني.”
“افْعلي ما تشائين. الأمر لا يعنيني.”
لم تجد ما تقوله.
كل من في الدوقية كانوا يرمقونها بنظرات ملؤها الازدراء.
لم يكن هناك أحد إلى صفّها.
قال كينيان، ساخرًا:
“يا لها من مزحة… أن يُقال إن شقيق آزيت سيتزوج فتاة لا تليق به! اخرجي من عائلتنا فورًا!”
الدوقة، أمّ آزيت، لم تكن أفضل منه.
أومأت برأسها، وقالت بابتسامة باردة:
“أمتعتكِ تنتظرك عند البوابة….”
ثم أضافت:
“على الناس أن يعرفوا حجمهم الحقيقي. هل ظننتِ أن فتاة مثلك تصلح لآزيت؟”
وبهذا، طُردت.
كان شتاءً قارصًا.
لم تستطع العودة إلى عائلتها… فانتظرت عند البوابة.
لكنها لم تُفتح قط. حتى فقدت وعيها… وماتت.
ثم عادت… باسم هان جي-يو.
‘كنتُ أظن أن الأمر انتهى… لكن…’
عيناها ما زالتا على آزيت وكينيان، وهما يتبارزان.
تلاقت نظراتهما.
أدار وجهه عنها… لكن جسده… كان يصرخ من الداخل.
شعرت بذلك.
‘لن يجد الراحة… مهما تلقى من الإرشاد.’
لم تكن تفهم ذلك سابقًا، لكنها تعرف الآن.
إنه يتعذّب.
ربما يأسه يمتدّ معه إلى الموت.
كما كان يحدث في كوريا… للممسوسين الذين لم يجدوا مرشدًا يليق بهم.
ربما… طباعه الكريهة كانت السبب.
“مسكين…”
همستها خرجت باردة.
رغم أنها أحبّته.
رغم أنها رأت فيه منقذًا ذات يوم.
لكن وحدها هي من أحبّ.
وهو، في المقابل، لم يبادلها شيئًا… بل كرهها مع الوقت.
‘لقد صدّق الشائعات التي نسجتها سيلفيا.’
سيلفيا راديان… والدة آزيت.
امرأة كرهتها، حتى العظم.
كانت تغذّي أبناءها بالكره.
“آزيت، تلك الفتاة شريرة! ستدمّرنا!”
“تسرف على نفسها، وتعذب الخدم!”
“آزيت وكينيان يظنّان أنني امرأة سيئة…”
لطالما اتُّهِمَت زيفًا…
‘ومع ذلك… ألم يستطيعوا رؤية الحقيقة؟’
نظرت إلى آزيت، ثم همست في داخلها:
“إذًا، لن أشفق عليه بدوري.”
دون أن ترفع يدها، كانت تعرف… أنها قادرة على إنهاء ألمه.
لكن الحقيقة التي لا يُدركونها…
أنها لم تعِش كامرأة تُدعى “هان جي-يو”.
بل كانت دائمًا… كاهنة.
قوتها… فقط تأخرت في الظهور.
ومع أنها كانت تملك القدرة على إنهاء عذاباتهم…
إلا أن ليندسي كيسيون، لم تكن تنوي فعل شيء.
ولن تفعل شيئًا… إطلاقًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"