Forest Fairy - Chapter 5
أمضت جوليا تلك الليلة في حالة من الاكتئاب والحزن، حيث كانت تبكي بحرقة على جدها، متألمة لأنها لن تتمكن من رؤيته مجددًا. كما كانت مشغولة بالتفكير في كلمات ألبرت وما قد يفعله الإمبراطور من أجلها. وبسبب شدة تفكيرها، غفوت دون أن تشعر.
في صباح اليوم التالي، دخل ألبرت إلى الخيمة مصطحبًا أربع خادمات ليقدمن المساعدة لجوليا في التحضير للجنازة. إلا أنه وجدها نائمة على سريرها. اقترب ألبرت منها وقبل جبينها برقة، ثم همس بصوت ناعم: هيا، انهضي يا جنية النوم. كل ذلك حدث أمام عيون الخادمات اللواتي شعرن بالدهشة من تصرف الأمير ألبرت الذي يتنافى تمامًا مع شخصيته المعتادة.
استيقظت جوليا ببطء، وعندما بدأت الأمور تتضح أمام عينيها، رأت ألبرت مبتسمًا أمامها. نهضت على الفور واعتذرت له عما حدث، بينما كانت دموعها تتدفق، وكانت تتحدث بكلمات غير مفهومة بسبب حالة الفوضى العاطفية التي كانت تعيشها.
لاحظ ألبرت ما تمر به من مشاعر، فقام بمد يده وأمسك خدها برفق، ثم مسح دموعها بيده. ثم تحدث إليها بلطف قائلاً:
لا داعي للقلق أو الاعتذار، عليك أن تتوجهي الآن إلى الهدوء وتجهيز نفسك للجنازة. الخادمات هنا سيساعدنك في ذلك، بينما سأنتظرك في الخارج.
بينما كان ألبرت يقف أمام خيمة الانتظار، ظهرت جوليا لتخرج منها. كانت ترتدي فستانًا أسود طويلًا، يتوسطه زهرة بيضاء تضفي لمسة من الأناقة، وأكملت إطلالتها بقفازات سوداء طويلة. كما غطت وجهها وشعرها بحجاب أسود شفاف، مما أبرز جمالها الساحر الذي لا يمكن إنكاره.
بسبب تألقها وجمالها، توقف جميع الحراس الذين كانوا يقفون في المكان لحظة ظهورها، مبهورين بروعة مظهرها. لكنه سرعان ما انتبه لها ألبرت، فتوجه نحوها بسرعة وأمسك بيدها، ليقودها نحو العربة الملكية. كان الهدف هو الذهاب إلى موقع الجنازة، حيث كان الجميع في انتظار ذلك الحدث الحزين. ومهما كانت الضغوط المحيطة، قرر ألبرت أن يبقى في انتظار استيقاظ جوليا، ليتمكن من الذهاب معها إلى الجنازة.
في طريقهما نحو القصر الإمبراطوري، كانت جوليا جالسة داخل العربة الفخمة التي تجرها خمسة خيول بيضاء، بينما يجلس ألبرت أمامها. منذ لحظة استيقاظها، لم تتوقف جوليا عن التفكير في مصيرها وما ينتظرها في القادم. كثير من الأسئلة كانت تدور في عقلها، ولكن بلا أي إجابات واضحة. بدت وكأن ألبرت قد شعر بقلقها، حيث تحدث إليها بصوت عميق وحازم، مختلف تماماً عن نبرته الودية التي اعتادت عليها في المخيم. قال بوضوح:
أنت الآن ستكونين في ضيافة العائلة الإمبراطورية حتى يتخذ الإمبراطور قراره بشأن ما سيحدث لاحقاً.
لم ترد جوليا على ما قاله الأمير، واكتفت بهز رأسها كإشارة على الموافقة. وبعد فترة ليست طويلة من السير، وصلت العربة إلى القصر الإمبراطوري. ونزل منها الأمير ألبرت، الذي سرعان ما سرق القلوب الحضور من النبيلات اللواتي أتوا للمشاركة في جنازة. كان ألبرت في قمة وسامته، حيث ارتدى بدلة سوداء مزينة بخيوط من الذهب، وكان يحمل سيفه الأسود إلى جانبه. كما كانت هناك رداء أسود ينسدل على كتفه، مربوط بخيط من الذهب يتناغم بشكل رائع مع لون شعره.
لم تستطع النبيلات إخفاء فرحتهن، لكن الدهشة سيطرت عليهن عندما مدّ الأمير ألبرت يده نحو العربة، داعيًا جوليا للنزول منها. وفي لحظة من الذهول، أمسكت جوليا بيده ونزلت من العربة، مما زاد من دهشة الحضور. احتضنت يده برفق وهو ينظر إليها بابتسامة.
شعرت جوليا بقلق شديد وخوف متزايد بسبب نظرات الحضور التي تركزت عليها أثناء سيرها برفقة الأمير ألبرت. استحضرت في ذاكرتها تلك الأيام في طفولتها عندما كانت تتوجه إلى المدينة، حيث كان الناس ينظرون إليها بنظرات احتقار ويشيرون إليها ويهمسون بكلمات غير مألوفة. كلما تذكرت تلك اللحظات، شعرت بشيء من الرعب والاختناق، وكأن قلبها يتسارع وأنفاسها أصبحت ثقيلة وصعبة. كان شعور فقدان الوعي يخيّم عليها، حينما سمعت فجأة صوتًا يناديها، يد تمتد وتشدّها، لكنها لم تتمكن من سماع الكلمات بوضوح أو رؤية الأمور تحت سمعها وبصرها. وفجأة، فقدت الوعي وسقطت بين ذراعي الأمير ألبرت.
فقدت جوليا وعيها بين الحضور، الذين كانوا يتبادلون الهمسات باستغرابٍ واضح. أصاب الذعر ألبرت عندما رأى وجه جوليا الشاحب في يديه، فاضطر إلى حملها بسرعة وأخذها إلى غرفته. أمر بإرسال الطبيب، وظل بجانب جوليا التي كانت مغمى عليها دون أن يبتعد عنها لحظة واحدة.
مرت مراسم الجنازة وغادر الضيوف، وحل الليل، لكن جوليا لم تستيقظ بعد. بدأ ألبرت يشعر بعجزه عن تحمل حالة جوليا، حتى أنه كان على وشك الاعتداء على الطبيب عندما أخبره بأنه لا يستطيع تحديد مرضها حتى تستيقظ. لكن زاك تدخل في اللحظة المناسبة وثبته بطريقة ما. بدا أن ألبرت قد فقد عقله تمامًا بسبب قلقه على جوليا.
جاء الصباح واستفاقت جوليا من غيبوبتها، وبينما كانت الرؤية تتضح أمام عينيها، رأت ألبرت واقفًا بجانب الطبيب الذي كان يقوم بفحصها. وسط ذهولها وارتباكها، لم تستطع جوليا أن تقول أي شيء. وبعد أن انتهى الطبيب من فحصها، توجّه بالحديث إلى ألبرت قائلاً:
يبدو أن سبب إغماء الآنسة هو بعض الاضطرابات التي تحدث عادة نتيجة للذكريات المؤلمة التي عانت منها. سأقوم بوصف بعض الأدوية لها لمساعدتها.
بعد ذلك، غادر الطبيب، وبقي ألبرت وحده مع جوليا. ظل ينظر إليها للحظات ثم استلقى بجانبها وأخبرها قائلاً:
أنا متعب ولم أنم بسبك، لذا سأخلد إلى النوم الآن، وعليك أيضًا أن تنامي.
لم ترد جوليا على ألبرت، فنهضت من سريرها وهي تقول: أريد الذهاب إلى جدي، يجب علي فعل ذلك. خرجت من الغرفة وهي تبكي، تنادي جدها في أنحاء القصر. كانت في حالة مؤسفة للغاية، وكانت ملابسها في فوضى عارمة. كانت تركض في أرجاء القصر وكأنها فاقدة الوعي.
وفي خضم حالتها المضطربة، صادفت الأميرة سيلا، التي تكبرها بعامين. اقتربت الأميرة من جوليا واحتضنتها بلطف، وقالت لها بصوت رقيق ودافئ: هل أنت جوليا؟ أنا سعيدة بوجودك هنا، لذلك لست وحدك بعد الآن، فأنا هنا معك وسأساعدك، لا تقلقي.
أخذت جوليا تبكي بحرارة، وكأنها طفلة تعاني من الحمى. ومن بعيد، كان الملك يراقب المشهد؛ حيث انتابته مشاعر من السعادة عندما رأى ابنته سيلا خارج غرفتها، تقوم بمساندة جوليا الحزينة في تخفيف معاناتها بسبب فقدان جدها.
قضت جوليا يومها في غرفة الأميرة سيلا، وقررت أن تبقى معها أيضًا في تلك الليلة. وفي الوقت نفسه، كان ألبرت مشغولاً منذ استيقاظه من نومه، ولم يتمكن من رؤية جوليا بسبب كثرة الأعمال والمهام التي يتوجب عليه إنجازها بوصفه ولي العهد. على الرغم من رغبته في التخلي عن هذا المنصب، إلا أن القوانين والشروط التي تحكم هذا الدور تعيق قدرته على ذلك. وبصفته ولي العهد، يحمل ألبرت مسؤوليات تتطلب منه الالتزام بواجباته الرسمية، مما يجعله غير قادر على الاستراحة أو الانشغال بأمور شخصية في ظل تلك الضغوطات.
في اليوم الذي تلا الأحداث السابقة، شهدت جوليا تحسناً ملحوظاً في حالتها النفسية، حيث بدأت تتقبل واقع حياتها الجديد. أدركت أن هناك بداية جديدة تنتظرها، وأن هذه الفرصة قد تفتح أمامها آفاقاً جديدة. لتحفيزها على الاندماج في المجتمع الأرستقراطي، قامت سيلا بأخذ جوليا في جولة إلى السوق. كانت الزيارة تهدف إلى تسوق وشراء الملابس المناسبة التي ستساعد جوليا على الظهور بشكل لائق في حفل الشاي الأرستقراطي المرتقب. كانت هذه الخطوة مهمّة بالنسبة لجوليا، حيث كانت تحتاج إلى استعادة ثقتها بنفسها والإحساس بالانتماء إلى هذا العالم الجديد.
قامت الأميرة سيلا بجلب معلمة متخصصة في آداب الملكية لتعليم جوليا أصول السلوكيات والتصرفات التي تميز المرأة الأرستقراطية. كانت المعلمة تركز على مجموعة من المهارات الأساسية التي تشمل كيفية المشي بشكل صحيح، وكيفية الوقوف بطريقة أنيقة، وكيفية التحدث بأسلوب راقٍ، إضافة إلى العديد من الأمور الأخرى التي تساهم في تشكيل شخصية جوليا.
كان الهدف من كل ذلك هو تجهيز جوليا بشكل مثالي لكي تتمكن من الظهور بثقة وتحمل نفسها بشكل لائق عند التعامل مع الفتيات الأرستقراطيات الأخريات.
وكانت الأميرة سيلا تشعر بسعادة كبيرة جراء ذلك، حيث كانت تتمنى لو كان لديها أخت أصغر منها. لكن لسوء حظها، كانت هي الفتاة الوحيدة بين ثلاثة أولاد. لذا، كان وجود جوليا بجانبها يُعتبر بمثابة معجزة حقيقية، إذ أعطى لحياتها بعدًا جديدًا وفرصة لتجربة الروابط النسائية التي كانت تفتقر إليها.