Forest Fairy - 2
في فترة الظهيرة، كانت جوليا مستلقية تحت إحدى الأشجار الضخمة التي لا تبعد كثيرًا عن منزلها. بينما كانت تحاول أن تأخذ قيلولة قصيرة، انتبهت إلى صوت خيول وعربات تقترب منها. سرعان ما انتابها القلق، فقامت من مكانها وتسارعت خطواتها نحو الشجرة الكبيرة لتتسلقها. وفي أثناء ذلك، راحت جوليا تتحدث إلى نفسها قائلة: لماذا جاؤوا الآن؟ لم يكن من المفترض أن يأتوا في فترة العصر، فلماذا هم هنا مبكرًا؟ كيف سأعود الآن إلى منزلي؟
بينما كانت جوليا جالسة على غصن الشجرة، مرت أمامها العديد من الخيول والعربات التي كانت تحمل النبلاء. ولحظها السيئ، قرر هؤلاء النبلاء قضاء الليلة بالقرب من الشجرة وبيت جوليا. عندما أدركت جوليا ذلك، فكرت في النزول والذهاب لزيارة جدها. ولكن ما إن قررت النزول، حتى جاء شخص ما وجلس تحت الشجرة التي كانت تتواجد عليها. أطرقت جوليا برأسها وتساؤلاتها تتزايد حول هوية هذا الشخص. من يكون؟ تساءلت في نفسها. لقد كان واضحًا أنها كانت تعتقد أن النبلاء يتسمون بالتفاخر ولا يحترمون العامة من الناس، ورؤيتها لهذا الشخص يجلس على الأرض المتسخة كانت مفاجئة لها، إذ كان يغلب على ظنها أنهم لا يقبلون النزول إلى هذا المستوي من الحياة.
ظلت جوليا تحدق في الرجل الذي يجلس تحت الشجرة، حيث كان يحول بينها وبين النزول. لم تكن ملامح الرجل واضحة؛ فقد ارتدى قبعة وكان وجهه مائلًا نحو الأرض. حتى وإن كانت ملامحه واضحة، لم تكن جوليا لتعرفه، فمعرفتها بالنبلاء محدودة، ودائرتها الاجتماعية صغيرة للغاية.
مع مرور الوقت، بدأت جوليا تشعر بالأمل، حيث انطلقت مسابقة الصيد التي تستمر لمدة ثلاثة أيام. وهذا يعني أن ذلك الرجل الجالس تحت الشجرة سيتوجب عليه مغادرة المكان، مما سيمكنها من النزول بحرية.
عاد الإحباط ليكتنف جوليا من جديد، بعدما قرر جميع الآخرين الانطلاق إلى رحلة الصيد، حيث لم يتبقَ سوى عدد قليل من النبلاء والخدم. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك رجل يجلس تحت الشجرة، مما حال دون تمكن جوليا من النزول.
بعد مرور نصف ساعة، اتخذ ذلك الرجل قرار المغادرة. وعندما نهض، قاومت جوليا باندفاع ووقفت بسرعة، مما أدى إلى فقدانها لتوازنها وسقوطها. أغمضت جوليا عينيها وهي في انتظار أن تشعر بارتطامها بالأرض، إلا أنها لم تحس بأي ألم. وعندما بدأت تفتح عينيها ببطء، اكتشفت أنها بين أحضان ألبرت الذي تمكن من الإمساك بها قبل أن تسقط على الأرض. وعندما نظر ألبرت في عيني جوليا، انتابته موجة من الهدوء والسكينة، وكأن العالم من حوله قد تلاشى. لم يعد يسمع سوى أصوات العصافير وخرير المياه، واحتل شعور بالراحة مكان الإرهاق الذي كان يشعر به سابقاً.
ظلَّ ألبرت غارقًا في عيون جوليا الجميلة، وهو يحتضنها بقوة، رافضًا إبعادها عنه. ولكن سرحانه لم يستمر طويلًا، إذ قاطعته صوت جوليا الخجول التي قالت: من فضلك، انزلني سيدي. كان صوتها عذبًا وناعمًا، مما جعله يتمنى أن يسمع المزيد منه. بعد أن استجمع ألبرت تركيزه بعد سماع كلماتها، أنزلها بلطف. وما إن وضعت قدميها على الأرض، حتى انطلقت سريعًا نحو منزلها. ضحك ألبرت في نفسه، فقد كانت جوليا تشبه الأرنب الذي يهرب من مخالب الذئب.
♧♧◇♧♧
هرعت جوليا إلى المنزل بسرعة ودخلت، ثم أغلقت الباب خلفها بإحكام. كان قلبها ينبض بقوة، ووجهها مبلل بالعرق. رأت جدها وهو يراقب حالتها الفوضوية، فابتسم وضحك على منظرها. قال لها متهكماً: ما الذي حدث لك؟ هل واجهتِ أحد النبلاء في طريقك؟
ردت جوليا وهي تجلس بجانب جدها، قائلة: نعم! لقد حبسني ذلك النبيل فوق الشجرة!
ضحك جدها وقال: يبدو أن نبيل يتمتع بشجاعة حقيقية، فقد تركك تغادرين دون أن يسلمك إلى الحراس، رغم دخولك موقع الصيد من دون الحصول على إذن من الإمبراطور.
فردت جوليا بانفعال، قائلة: لماذا يجب أن أطلب إذن الإمبراطور حتى أتمكن من التجول في المكان الذي ولدت فيه؟
اكتفى جدها بيتر بالصمت ولم يبد أي رد فعل. وبعد دقائق قليلة، دوى صوت الرصاص في المكان، مما أثار فزع الطيور وجعلها تطير بعيداً.
لم تتمكن جوليا من إخفاء حزنها على حيوانات الغابة، فقررت الهروب إلى غرفتها وقامت بإغلاق الباب خلفها.
♧♧◇♧♧
انضم ألبرت إلى شقيقه روبرت والإمبراطور ثيودور في رحلتهم للصيد. وخلال مسيرتهم، التفت روبرت إلى ألبرت وقال له بنبرة منخفضة يكاد لا يسمعها سواهما: أين كنت يا أخي؟ إن الإمبراطور غاضب ولا يتوقف عن السؤال عنك.
رد ألبرت وهو يتقدم نحو فرس الإمبراطور، مستندًا إلى نبرة تحمل قليلًا من السخرية: كنت أنقذ أرنبًا عالقًا على الشجرة. ثم ابتعد ألبرت وأصبح يسير بجانب الإمبراطور، تاركًا روبرت في حالة من الحيرة والتساؤل.
♧♧◇♧♧
في موقع التخييم، كان جميع الخدم منشغلين بتحضير وجبة العشاء للنبلاء الذين خرجوا لممارسة هواية الصيد. أثناء ذلك، كانت هناك مجموعة من الفتيات النبيلات اللواتي حضرن للمساعدة في تجهيزات الحفل الختامي لفعاليات الصيد، والذي سيقام في آخر يوم من الصيد بحضور جميع النبلاء. ومن بين هذه الفتيات، كانت هناك فتاة تتميز بكونها تسعى لتحقيق هدف خاص من وراء حضورها هذه الرحلة. إنها فتاة شقراء بجمال رائع وبشرة بيضاء ناعمة، وهي معروفة بين صفوف النبلاء بلقب أجمل فتيات المجتمع الراقي. بالإضافة إلى ذلك، هي الابنة الوحيدة لدوق الإمبراطورية، الدوق ديلان.
تُعتبر الأميرة إليزابيث المرشحة الأولى لتولي منصب ولي العهد، ولكن بالرغم من ذلك، فإنها لم تتوقف عن محاولة الارتباط بالأمير ألبرت. وقد أصبحت تُعرف بلقب المهووسة إليزابيث، نظراً لإصرارها على التقرب منه. وقد حضرت إلى هنا بهدف تعزيز علاقتها به، إلا أن ألبرت كان يردها ويبتعد عنها، حيث لم يكن يفضل الحديث معها أو مع أي من بقية الفتيات.
همست: انظري إلى هناك، أليست هذه هي إليزابيث؟
أجابت: نعم، إنها هي. لكن لماذا تخرج من خيمة ولي العهد ألبرت؟
ردت: هذا صحيح، حتى إن الأمير لم يعد بعد من رحلة الصيد.
قالت: نعم، ولكن هل هم بخير؟ لقد أخذت الشمس في الغروب وهم لم يعودوا بعد من الصيد، صحيح؟
أجاب: لا أعرف، ولكن لا أعتقد أنهم في خطر، فنحن في غابة لا توجد بها حيوانات خطيرة أو مفترسة.
♧♧◇♧♧
كان الوقت منتصف الليل عندما استيقظت جوليا بسبب الحرارة العالية التي كانت تحيط بها في تلك الليلة الصيفية. مما جعلها تشعر برغبة قوية في الذهاب إلى البحيرة التي توجد في قلب الغابة. لم تعتد جوليا على التفكير كثيرًا، فقررت القيام من سريرها بحذر شديد، خائفة من أن تزعج جدها الذي كان نائمًا في الغرفة المجاورة. تسللت جوليا بهدوء، وحرصت على أن تكون خطواتها خفيفة حتى تمكنت في النهاية من الخروج من المنزل. بعد خروجها من المنزل دون أن تكشف عن وجهتها، بدأت جوليا تتجول بهدوء في الغابة، حيث كانت معتادة على زيارة هذا المكان في ساعات الليل. بينما كانت تتنقل بين الأشجار والنباتات، لمحت نيراناً تتلألأ من معسكر يقع في الجهة الشمالية، ولكنها لم تعر الأمر أي اهتمام وواصلت سيرها نحو البحيرة.
بعد مسافة طويلة ابتعدت فيها عن منزلها والمخيم، وصلت جوليا إلى ضفاف البحيرة. وما إن اقتربت من المياه حتى قررت أن تتخلى عن حذائها وتدخل المياه بملابسها، مرددة بصوتٍ مفعم بالارتياح: الماء منعش وبارد.
استمرت جوليا في السباحة بمرح وسعادة حتى وقع سمعها على صوت يناديها، قائلاً:
– يكفيكِ اللعب، ستصابين بالزكام إذا استمريتِ في الماء لفترة طويلة.
عندما سمعت جوليا ذلك، توقفت عن السباحة ولفتت رأسها نحو مصدر الصوت، لكنها لم تتمكن من رؤية أي شخص. وهذا جعلها تشعر بالحيرة، فترددت قليلاً قبل أن تسأل:
– من أنت؟ وما الذي تريده؟
رد صاحب الصوت قائلاً:
– هل يجب عليّ أن أساعدكِ للخروج من تلك البحيرة؟
– لماذا تتمسك بوجوب خروجي منها؟
– لأنها تندرج ضمن ممتلكاتي، وأنا لا أحب أن يتدخل أحد في أملاكي.
– كيف يمكن أن تكون ملككِ، في حين أني لم أشاهدك هنا من قبل؟
– هل يجب أن أكون قريبة منها لتكون ملكي! إنها بالفعل ملكي، وقد منحني إياها والدي.
– كيف ذلك، بينما لم ألتقِ بأي شخص سواي وسوى جدي في هذه الغابة منذ طفولتي؟
– …طفولة؟… هل عشتِ في هذه الغابة منذ كنتِ طفلة؟ نعم… هذا صحيح، فما المشكلة في ذلك؟
_ كم عمركِ؟
_ سأبلغ من العمر 22 عامًا هذا العام… وما شأنك أنت في ذلك؟
فجأة، سمعت جوليا صوت ارتطام شيء ما بالماء، وعندما نظرت إلى السطح، ظهر الأمير ألبرت أمامها. بدا مشهده مدهشًا، حيث كانت قطرات الماء تتلألأ عليه تحت ضوء القمر. لم تستطع جوليا أن تفكر في شيء سوى أصابعه التي احتضنت خصرها ورفعته عن الماء. كانت في حالة من الدهشة، وعجزت عن إبعاد نظرها عن وجه ألبرت الذي كانت تتساقط منه قطرات الماء. ابتسم ألبرت عندما رأى وجه جوليا الذي بدا محمرًا وهو في قبضة يديه، وقال:
_ كنت أظن أنك لن تخرجي، لذا جئتك لأخرجك.
لم تتمكن جوليا من الرد بسبب شعورها بالخجل، بينما استمر ألبرت في التقدم حتى خرج من البحيرة وهو يحملها بين ذراعيه. اتجه نحو شجرة قريبة وجلس، ثم جعلها تجلس في حضنه، ولف ذراعيه حول جسدها وقال لها:
أنا آسف، لكنني عادة لا أفعل هذا، ولا أدري لماذا أشعر بالإندفاع لفعل ذلك الآن، على الرغم من أنني لم أشرب أي كحول اليوم. كما أنني أشعر بالنعاس، وهو شعور نادر بالنسبة لي منذ فترة طويلة.
بعد هذه الكلمات، لم تسمع جوليا سوى صوت تدفق المياه وأزيز بعض الحشرات في الغابة. أدركت جوليا أن هذا الرجل الغريب قد غط في النوم وهو يحتضنها. حاولت جوليا أن تتملص منه، لكن قبضته كانت قوية جدًا ولم تتمكن من الإفلات.
عندما أشرقت شمس الصباح، استيقظ ألبرت الذي شعر بثقل يجثم على صدره. كان نصف عارٍ، وعندما فتح عينيه، وجد جوليا نائمة في حضنه، ورأسها مستند إلى صدره. ابتسم ألبرت عندما استعاد ذكرياته عن أحداث الليلة الماضية. بدأ يمرر أصابعه بين خصلات شعرها البرتقالي اللامع، حتى وصل إلى وجنتها الناعمة. ثم استقرت أصابعه الطويلة برفق عند شفتيها، بينما ظل يتأمل وجه جوليا النائم، الذي بدا له كوجه ملاك.
بينما كان ألبرت يتأمل جوليا، تزايدت في ذهنه العديد من الأسئلة، من بينها كيف تمكن من النوم دون أن يحتاج إلى شرب الكحول، ودون أن يصل إلى حالة السكر وفقدان الوعي. وضع ألبرت يده برفق على رأس جوليا، وبدأ يمسح عليها بحنان، لكن سرعان ما قاطعه صوت حارسه الشخصي، زاك، قائلاً:
تحياتي، سمو ولي العهد ألبرت. يجب عليك العودة قبل أن يشعر الإمبراطور بغيابك.
تحدث ألبرت بصوت خافت بينما كان يحمل جوليا النائمة في حضنه، رافعًا إياها بين ذراعيه. ثم وجه حديثه إلى زاك قائلاً:
– عليك أن تذهب أولاً، وسأتباعك لاحقًا.
استغرب زاك وسأله:
– إلى أين ستذهب بمفردك، يا سيدي؟
أجاب ألبرت بثقة:
– سأعيد هذا الأرنب إلى جحره، ثم سأعود لألحق بك.
رد زاك باحترام:
– كما تشاء، سيدي.