For you in the cage - 6
“آه!”
حاولت كانارين أَن تَفِرَّ مِنهُ على عجل، و لكِن للأسف ديلتينوس كانَ أَسرَع.
ضغط على كتِفيها ليثبتها في مكانها، ثم حرّكَ ديلتينوس يَدهُ مجددًا. جرت أَصابِعهُ على عُنُقِها المُستقيم ثم نقرت على شفتيها بخفة. كانت لمسَةً خفيفةً أشبه بطرق الباب، لكِنَّ كانارين شعرت بِرغبتِهِ الدنيئة تسلل من خلال تلك اللمسة. مهما حاولَ أخفاء تلك النية، لم يستطع طمسها تمامًا.
كانت على صواب في تفكيرها. ديلتينوس جَاءَ إليها بِهدفٍ واضِحٍ.
في البداية كانَ ذلكَ بِسببِ غضبِهِ مِنها و من يوليف.
فالفرسان الذين كُلِّفوا بمراقبة كانارين ومنعها من الفرار، تعرضوا لهجوم من معتدٍ مجهول وأُلقوا في زاوية من مستودع الأسلحة، في حين أن خادماته كنَّ ملقيات في مستودع الطعام بحالة مماثلة. والأسوأ من ذلك، أن يوليف كان يحرس باب كانارين، مانعًا أي شخص من الدخول.
انفجرَ ديلتينوس ضاحِكًا في لحظَةٍ فورَ تَلقيِهِ التّقرير.
مُداهِمٌّ غامِضٌ؟ ما أَظرَفَ ذلِك. لم يَكُن هُناكَ سِوى شخصٍ واحِدٍ في هذا العالم الذي سَيفعلُ ذلك.
ترددت أصوات تحطُّمِ الأشياء في مكتب ديلتينوس. أغلقَ الخادِمُ الباب لِيَمنعَ دُخُولَ أَيِّ أحد.
فكرَ ديلتينوس بينما كانَ يتجول في مَكتبِهِ الفوضَويِّ.
يوليف، الذي كانَ يَظُنُّ أَنهُ لهُ قلبٌ مِصنُوعٌ مِن الفولاذ و الجليد، فجأَةً بدأ يشعر.
و معَ ذلك، لم يَستَطِع نسيان مَنظرَ كانارين و هيَ تَنشُرُ جناحيها و. تُغني في قاعةِ الحفلات.
أقتحم ديلتينوس غُرفة كانارين معَ حُراسِه، و كانَ في غايةِ الفضول. ذلك لِأَنهُ لم يَجِد يوليف، الذي كان يظَنَّ أَنهُ سَيكونُ واقِفًا كحارِسٍ عند الباب.
كانَ هذا شيئًا جَيدًا.
بينما كانَ ينظر إِلى كانارين النائِمة، تَجمَّدَت أَفكارُ ديلتينوس.
“اليوم، عليَّ أَن أَجعَلَ هذا الطائِر الجَميل لِي بالكامل.”
جَاءَ إلى هُنا لِيُفرغَ غَضبهُ على يوليف، و لكِنَّ رُؤيتهُ لكانارين هكذا في الواقع، جَعلتهُ يُريدها حَقًّا.
“أَنا أَوَّلُ من اكتشفَكِ. أَنا من جلبكِ إِلى القصر الإمبراطوري، أَنا الذي لَديهِ السلاسِلُ، و أَنا الذي لَديهِ المِفتاحُ. أَنا، و ليس يوليف، الذي يَجِبُ عليكِ أَن تُطِيعيهِ.”
شدَّ ديلتينوس ذقنَ كانارين إِلى الأسفلِ و أَجبرَها على فتحِ فمِها.
ناضَلت كانارين بِشدةٍ لِتُديرَ رأسها و تتفادَى يدَهُ، و بدأت تَتحسَّسُ تَحتَ وِسادتِها. لامسَ طرَفُ إِصبِعها شيئًا صلبًا.
كانت ساعةَ الجيبِ الخاصّة بيوليف.
“مهما كانَ الوقت أَو المكان، سأَكُونُ هُناك.”
تَردَّدت كلِماتُ يوليف في ذِهنِها. رَفعت كانارين السّاعة أَمامَ عَينيِ ديلتينوس.
لَحظةً، تَوقَّفت حَركةُ ديلتينوس بِسببِ هذا الفِعلِ المُفاجِئِ، ثُمَّ انفجرَ بِالضحِك.
“ما هذهِ؟ تَعنينَ أَن يوليف أَعطاكِ السّاعة التي كانَ يَحمِلُها كأَنها كنزٌ؟ ماذا قالَ لَكِ؟ هَل سَتُنقذكِ هذه؟”
كانَ على كانارين أَن تَفعلَ شيئًا بينما كانَ انتِباهُ ديلتينوس مُركزًا على السّاعة.
تَمنت لو أَنها أَخفَت سِلاحًا أَيضًا.
رُبما لم تَكُن لِتتمَكنَ من استِخدامِهِ على أَيِّ حالٍ، لكِن كانارين شعرت بِلحظةٍ قصِيرةٍ من الندمِ غير المجدي.
“كيفَ تجرُؤينَ على مُحاولة إِيقافي بِساعةٍ مكسورةٍ؟ لا أُصدِّقُ تِلكَ الشّجاعة.”
مَدَّ ديلتينوس يدَهُ. كانَ على وشكٍ أَن يَسحبَ أَصابِعَ كانارين، التي كانت مُمسِكةً بِالساعة، لِانتِزاعِها مِنها و رَميها على الأرض.
وَمَيض ضوءٌ أَحمر انبعث من وجهِ الساعة.
“آآه!”
كما لو أَن يدَهُ كانت تحتَرِق، اجتاحَ أَلمٌ حَادٌّ جسد ديلتينوس. لم ينتَهِ الأَلَمُ عند يديهِ فقط، بَلِ انتَشرَ في عُروقِهِ و جميع أنحاء جسده. تدحرجَ ديلتينوس عن السرير و سقطَ على الأرض. الأَلَمُ المُفاجِئُ كادَ أَن يَخنُقهُ.
كانَ سِحرُ يوليف، الذي اختبرَهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، كانَ فَظيعًا.
بينما كانَ ديلتينوس يَئن على الأرض، التقطت كانارين السّاعة و رَكضت نَحوَ الباب.
“تَظُنِّينَ أَنَّ هذا سيوقِفُني!”
استَفاقَت عَيناهُ من غضَبٍ شدِيدٍ، و امتلَأَتا بِالجُنون. قبلَ أَن تَتمكن كانارين من فتح الباب، زَحفَ عبرَ الأرض و أَمسكَ بِكاحِلِها.
القوّة الكبيرة التي سَحبَتها من كاحِليها تسبّبت في أَن تفقِدَ كانارين توازُنها للِحظةٍ و تسقُطَ أَمامَ الباب. فقدت السّاعة التي كانت تُمسكُها في يدِها. دفعَ ديلتينوس السّاعة بعيدًا بِأستخدام قدمه.
“أَلا تَستطيعينَ أَن تضجَعي بِهُدوءٍ و تتقبلِينَ حُبَّ هذا الإمبراطور! كيفَ تجرُؤينَ على إيذاء جسد هذا الإمبراطور!؟”
“آه!”
أَمسكَ ديلتينوس بِشعرِ كانارين بَقُسوَةٍ بيدٍ واحدةٍ و رَفعها. خرج صراخ الأَلمِ من فمِها.
ابتسم ديلتينوس بِشراسة و صفعها على خَدِّها. تَمزَّقت شِفتاها و سال الدَّمُ منها.
“أَفضلُ طريقةٍ لِترويض حيوانٍ هيَ ضربُهُ. و أَنا أُحِبُّ تَرويض الحيوانات. يَشعُرُني ذلك بالراحة في كُلِّ مرَّةٍ تصبِحُ فيها كائِناتٌ مُشاكسةٌ مثلكِ خاضِعةٍ.”
صرت كانارين على أسنانها. كانَ ديلتينوس يَفرحُ كُلَّما بَكت أَو صَرخت. على الأَقلِّ، لم تَكُن تَرغبُ في أَن تَمنحهُ الرَّدَّ الذي يريده. كانَ ذلك أفضل تمثيلٍ لِلتمرُّدِ الذي تَستطيعُ كانارين فِعلهُ حالِيًّا.
“أَنتِ تعرفينَ ما الذي يرِيدُهُ هذا الإمبراطور أَيضًا. كانَ بِإِمكانِكِ أَن تُعطيهِ لي، فلِماذا أَنتِ بهذا العِناد؟ همم؟”
ضغطَ ديلتينوس على خَدَّي كانارين و فرضَ فَمها لِينفتِح. لاحت أنفاسٌ دافِئةٌ و رائِحَةٌ ملوثةٌ بالكُحولِ على شفتيها.
حاولت كانارين تجنُّبَ شفتان التي اقتربت مِن شفتيها، و لكِنَّ قبضَتهُ على خدَّيها كانت شَديدةً جِدًّا.
“يوليف تَرككِ. يُمكِنُكِ أَن تَشعري بذلك مِن خلال حقيقة أَنَّهُ لم يأتِ حتّى الآن.”
“……آه…..!”
“يَبدو أَنَّكِ لا تَملِكينَ حتّى طاقةً لِلنضال. لا بأس في ذلك أيضًا.”
غرسَ يديه البارِدتين في ثيابها. في كُلِّ مَكانٍ لمستهُ يَدُهُ الشبيهة بالثعبان، سرت القُشعريرة و شعورٌ مُرعِبٌ و مُريبٌ.
أغلقت كانارين عينيها بِشدَّةٍ و حاولت أن تتَّحرك.
‘من فضلك، إذا كان بإمكاني الوصول إلى شيء. ليس بالضرورة ساعة يوليف. من فضلك…!’
صَفِيرٌ. في نفسِ اللحظةِ مع صوت تمزُّقِ القماش المخيف، ومضَ ضوءٌ ساطعٌ أمام عينيها.
“آآآه!”
طَارَ ديلتينوس، الذي كان يثبت جسد كارين، بعيدًا. صدى تحطم شيء ما ارتدّ بصوت عالٍ في الغرفة.
فتحت كانارين عينيها. و في اللحظةِ التي فتحت فيها عينيها، التقت نَظرَتُها مَع نَظراتِ يوليف.
يوليف أعطاها نظرة و معها ابتِسامةٍ خفيفةٍ. كأَنَّهُ يُحاوِلُ طمأَنَتها في وجهِ خوفِها.
خلعَ يوليف رِداءهُ و وَضعهُ على كانارين. التي أخذته بيدين مرتجِفتين.
“آسِفٌ لِتأَخُّري. تعالي خلفي.”
أختبأت كانارين خلفَ ظهرِهِ، و أمسكت بِطرَفِ رِدائِهِ بِإِحدَى يديها.
أصبح تعبير يوليف باردًا عِندما وَجَّهَ نظرهُ إِلى الأمام. و ظَلَّت نظرَتُهُ حادَّةٌ و مُثبتةٌ على ديلتينوس الذي كانَ مُلقى على حطام المكتب المُحطم.
“تبًا… يوليف، هل تَعلمُ ما الذي تَفعلُهُ الآن؟”
إلى ديلتينوس، الذي كان على وشك الوقوف من على الأرض، تحدث يوليف بوجه خالٍ من التعبير، لا يظهر عليه أي شعور.
“أنا أبغَضُ خرق الوعود. كما تعلمون يا جلالتكم.”
“ها! لا أصدقُك! لا بُدَّ أنكَ فقدتَ صوابَكَ! لديكَ نَفسُ المُعتقدات و المبادئُ التي لدَيَّ، أنا أعرِفُ ذلك!”
“كم منَ الوقت يَظُنُّ جلالتكم أن هذه المُعتقدات السخيفة ستظلُ تَحميك؟”
خَطت حِذاء يوليف بِرفقٍ على يَدي ديلتينوس. انطلقت صرخة حَادةٌ و مؤلِمةٌ.
على الرغم من أن ديلتينوس كانَ يَصرخ، كانَ هُناك شيء غريب في الأمر.
بهذا القدر من الضوضاء، كان من المُفترض أن يركض الجنود، لكن لماذا لم يأتِ أحد ليتفقد الأمر؟ لا، أكثر من ذلك. كيف يمكن لهذا الرجل أن يؤذيه؟
“غااااه!”
—
استخدم يوليف قوته في قدميه، ضاغطًا على أصابِعِ ديلتينوس. كانَ صوتُ تحَطُّمِ العِظام يُغطيه صراخ ديلتينوس. تحطمت خمسة من أصابعه، بالإضافة إلى عظام ظهرِ يده.
“لن يأتي أحد. حتّى لو جَاءوا، فلن يكون لذلك فائِدة.”
“يو… ليف!”
“لا يوجد ضَمان بأن هذهِ العِظام فقط هي التي ستنكسر في المرَّة القادمة.”
لم يكُن هذا تهديدًا لتهويل الأمر على ديلتينوس و تَرويعه للحصول على ما يُريدهُ، بل كانَ يوليف يَتحدثُ بِصدقٍ.
كانَ الغَضبُ و الخَوفُ يتصارَعَان بِشِدةٍ داخل ديلتينوس.
كانَ يَعرِفُ مهارات يوليف جَيدًا. يوليف كانَ يَعودُ دائمًا حياً رغم مُحاوَلات الاغتيال العَديدة. لو لم يكُن القسم الذي أجبرته والدته على أن يؤديه يوليف، لكانَ ديلتينوس قد مات في وقت سابق على يد يوليف.
لكن الأمر كانَ أكثرَ غرابةٍ. كانَ يوليف لا يستطيعُ أن يُلحِقَ الأذى بديلتينوس.
اطِعْ أوامر ديلتينوس دون أن تُعرّض حياته للخطر. و مهما حدث، لن يؤذي ديلتينوس.
كانت تلك هي محتويات القسم الذي قَدمتهُ والدته، التي كانت على حافَّةِ الموت، ليوليف.
لقد أطاع يوليف والدته جيدًا. لَعَلها كانت هيَ الإنسان الوحيد الذي يكن له يوليف مشاعر . و لَعلَهُ كانَ ذلك هوَ السببُ في أنه قبل القسم دون مُعارضةٍ و احتفظَ با جيدًا حتى الآن.
‘القسم… هل فُكَّ؟’
مُستحيل… لم يَكُن مجرد قسمًا عاديًا أُدَّي بِكلماتٍ طَيبةٍ، بَل كانَ قريبًا من اللعنة. لا يمكنه أبدًا أن يُحررَ نفسه منه.
تَدفقت الدُّموع من عينَي ديلتينوس، غير قادرٍ على تَحمُل الألم والغضب.
“لقد تحمّلتَ الإيمان بمبادئك جيدًا حتى الآن، فما السبب في هذا كله فجأة؟ هل تفعل هذا حقًا من أجل تلك الفتاة فقط!”
“لن يفهم جلالتكم، لِذلك لن أُجيب.”
—
رفع يوليف قدمه عن ديلتينوس. ثم شفى يديه المكسورتين و الممزقتين سحريًا. لم يكن ذلك لأنه يحب ديلتينوس، بل كان من أجل تدمير الأدلة التي تشير إلى أنه لمس جسد الإمبراطور.
كان ديلتينوس يشعر بالأشمئزاز من مظهر يوليف الهادئ بِشكلٍ مُفرطٍ.
خفض يوليف رأسه وأخفى كانارين وراءهُ مجددًا.
“وتأكد من أنك لن تنادي كانارين بتلك الطريقة المتهورة مرة أخرى.”
عند نهاية تلك الكلمات، تشوهت المناظر المحيطة كما و كأنها ضباب.
زال الصُداع و وجدَ ديلتينوس نفسه مطروحًا خارجَ الغُرفة. استخدم يُولِيف سحر التنقل المكاني لنقله.
“……يوليف، يوليف، يوليف!”
صرخَ ديلتينوس و ألقى بأثاث غُرفتهِ عشوائيًا. ففزعَ الخادِمُ الذي كان يَمُرُّ بِجانبِ المكتب، فركض إلى الداخل مذعورًا. كانَ مَنظرُ ديلتينوس و هوَ يُحَطمُ النافِذة بِعينيهِ الحمراوتين و كأنه مَجنونٌ في حَالةٍ مِن الغضبِ الهائِل.