For you in the cage - 4
كانَ حُكمُ ديلتينوس قاسيًا وَمُنحَرِفًا. لم يَتَحمل حتى فِكرَةَ مُشارَكةِ المَكانِ معَ الضَّيفِ غيرِ المَدعُو.
مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ الضيفَ غَيرَ المَدعُو قد طَمِعَ في اللعبة الّتي يُحِبها ديلتينوس، وهذا أَشعلَ غَضبهُ أَكثر.
بالإضافة إلى ذلك، تَجرأَ يوليف على تحدِّي أَوامره عَلنًا واستِخدام السحر أمامه. وبِالرغمِ من أن الواضح أَن الهُجُومَ كان موجهًا ظاهريًا على الحارس، إِلا أَن مَا حدثَ كانَ في جوهرِهِ مُوَجهًا أَمامَ ديلتينوس نفسه.
ولكنَّ التّعبيرَ على وجهِ ديلتينوس، و هو جالِس على العرش، بدَا هادِئًا للحُضُورِ. لا، بَلْ كانَ يتظاهَرُ بِالهُدوءِ بِقدرِ ما يَستَطيعُ.
التوتر الذي وقعَ بينهُ و بينَ يوليف في قاعة المأدبة تركَ أَثَرًا أَكبرَ مِمَّا توقعهُ. و بينَ الأَرِستقرَاطِيِّينَ، تناقلت قِصةُ سُلوكِ يوليف بِحماسٍ في أَرجاءِ المملكة.
الدوق الذي كانَ مُنكَمِشًا ومُتَرَقبًا للأوضاعِ بِصمت و ينحني أمام التيار، بدأَ أَخِيرًا في التحَرُّكِ.
خَلقَ الأَرِستُقراطِيُّونَ و الدوق أجواءً غريبة في الوليمة. و في تِلكَ الأَثنَاءِ، زادَ ديلتينوس بِشكلٍ غيرِ مقصودٍ من تَسليطِ الضوءِ على مهاراتِ يولـيف عن طريقِ الإِشارَةِ إِلى إِنجازاتِهِ.
فَكَّرَ دِيلْتِينُوس: لا يَنبغي أَن يُمنحَ يولـيف المزيد من الاِهتِمام . وَأَخفى تَوتُّرهُ تَحتَ مظهرِهِ المُستَرخي.
قَالَ دِيلْتِينُوس بِهُدُوءٍ:
“فِي المأدبة، كانت كَلِماتُ هذا الإمبراطور وتَصرُّفاتُهُ مُبالَغًا فيها. أَنا أَعتَذِرُ بِصِدقٍ، أَيها الدوق.”
لم يُجِب يوليف، وحافظَ على انحِناءَةٍ خفيفةٍ في رَأْسِهِ. بدأَت مَعِدَةُ ديلتينوس في الاِنقِلاب بِشَكلٍ غيرِ مُريحٍ.
سَأَلَ ديلتينوس:
“هل يَملِكُ الدوق ما يُقَدمهُ من الاِعتِذارِ لِإِمبراطُورِهِ؟”
رَدَّ يوليف بِهدوءٍ:
“هل تَتَحَدثُ عن إنقاذي لِكانارين، أَم زيارتكَ للإِقليم بِدونِ إِذنٍ و الصيدِ فيه؟”
غَضِبَ ديلتينوس و قالَ بِنَبرَةٍ مُتَحَفظةٍ:
“دوق.”
“أَم أَنكَ تقولُ إِنني قد دَفعتُ الثَّمنَ المُستحقَّ للذينَ رَفعُوا السيفَ تِجاهي؟”
اِرتعدَت شفتا ديلتينوس بِغضبٍ مَكبوتٍ، في حِينِ أَن يوليف واصلَ حديثَهُ دونَ أَن يوجهَ نظرهُ إِليهِ.
“أَسأَلُكَ هُنا مَرَّةً أُخرى.”
تَحدثَ ديلتينوس بِنبرةٍ تَحملُ تظاهُرًا بِالوُدِّ:
“بِتجاهُلِكَ لِيدي المُصَالِحَة، أَنتَ تتناوَلُ المَسأَلةَ في الوقتِ نَفسِهِ. أَخي الوحيد، يَا لِقَسوَتهِ.”
هذا الإمبراطور. متى أَظهرَ مثلَ هذا الحُنُوِّ؟
كانت كلماته غريبَةً و مُزعِجةً ليوليف. فقد كانَ الأَوانُ قد تأَخرَ جدًّا لِخلقِ جوٍّ يَحمِلُ مشاعِرَ مودَّةٍ مُتَبادلةٍ. أَظهرَ يوليف لا مُبَالاةً تَامَّةً.
أَغمضَ ديلتينوس عَينيهِ المُلتَهِبَتَينِ بالغضب، طَاويًا إِيَّاهُما كَهِلالٍ ناصِعٍ.
“ماذا تسأَل؟”
رَدَّ يوليف بِصرامَةٍ:
“سَآخُذُ كانارين. هذا ليسَ المكانَ الذي يَجِبُ أَن تَكونَ
فيهِ.”
مَرَّةً أُخرى، تَردَّدَ الاسمُ المأْلوفُ.
اِستَندَ ديلتينوس بِذقنِهِ على يَدٍ واحدَةٍ و مَالَ بِوَجهِهِ بِلُطفٍ زائِفٍ. تَعمقتِ الاِبتِسامةُ على شَفَتيهِ، و ازدادت الطّاقةُ المشؤُومَةُ حَولَهُ قُوةً.
“يوليف، أَخي الصغير.”
“قُلْ.”
“أَخشى أَنهُ إِذا أَخذتَ تلكَ الفتاة معكَ، و أنتَ لم تَتخِذ زوجةً بِشكلٍ رَسميٍّ بعد، فَستتورطُ في شائِعاتٍ عَبَثيةٍ. أنا لا أَقولُ هذا كأمبراطور، بَل كأَخٍ أَكبر يَخافُ عليكَ.”
رَفعَ يوليف عَينيهِ نَحوَ ديلتينوس. كانَ وَضعُ ديلتينوس، الجالِسِ على العرشِ العالي، مَرهِبًا و مُهيمِنًا. لم يَشعُر يوليف بِذَرةِ مودَّةٍ في تلكَ العُيونِ القِرمِزية، التي كانت تُحَدقُ فيهِ بِنظرَةٍ مُتَسَلطةٍ.
لم يَرَ نفْسهُ في أَعيُنِ أَخيهِ الأَكبرِ، الذي تَظاهرَ فجأَةً بِالاهتِمامِ بِشأْنهِ.
كانَ منَ المُثيرِ للسُّخرية أَن تُروى كِذبة غريبة لا يُصدّقها لا القائلُ ولا المُستمِعُ.
قالَ ديلتينوس بِصَوْتٍ هَادِئٍ مُتَصَنِّعٍ:
“هذهِ الفتاةُ مُجرد عَبدة. أَتَفَهمُ مَشاعِركَ، و لكن بَدَلًا من تَبَنيها، أَلا يَكونُ مِنَ الأَفضلِ أَن تَتزوجَ زَوجةً ذاتَ أَصلٍ نَبيلٍ؟ سأَختارُ لَكَ سَيدةً تَليقُ بِكَ.”
تَظاهرَ ديلتينوس أَنهُ يَتحدثُ لِمصلحةِ يوليف، و في الواقع، أَذَلَّ كانارين بكلماتهِ، و فضَحَ بِكُل و قاحةٍ نواياهُ في جَعلِ اِمرأَةٍ يَختارُها بِذَوقهِ الخاص دوقَةً.
طَحنَ يوليف أَسنانَهُ غَيظًا مِن وقاحةِ ديلتينوس ونَذالتِهِ.
لن يَتخلى ديلتينوس عن كانارين. فإِذا حَاوَلَ أَحدٌ أَن يَنتَزِعَها مِنهُ، سَيُدمِّرُها لِيمنَعَ غَيرهُ مِنَ الحُصُولِ عليها.
كانَ ذلكَ مُشابِهًا لِما فَعلهُ في الماضي.
تَذكرَ يوليف تلكَ اللحظة حِينَ كسرَ ديلتينوس ساقَ حِصانهِ المُفضل و على وجههِ اِبتِسامة بريئة.
فكرَ يوليف بنَفسهِ:
“هذا الوَقِحُ يُحاوِلُ أَن يخدِعَني. إِنكَ تَلعبُ بِالنارِ بطريقةٍ مُتقنة.”
كانَ هذا كُلُّ ما اِحتاجَ ديلتينوس إلى قولهِ. شَدَّ يوليف قبضتَهُ بِقوةٍ.
في نَظرِ ديلتينوس، لم تَكُن كانارين أَكثرَ مِن ذلكَ. كائِنٌ يُربَّى و يُحَبُّ كالحَيوان، شَخصٌ يُمكِنُ تَجاهُلُ إِرادتهِ أَو مَشاعِرهِ بِكُلِّ بساطَةٍ.
تِلكَ الجَناحَانِ اللّذانِ تَدَليا فوقَ العَرشِ قَبلَ أَن يُعيدَ يوليف الزمن كانا مِلكًا لـكانارين. قد مَزَّقَ ديلتينوس جَنَاحَيها، بل و قَتلها أَيْضًا.
كُلُّ ذلكَ لأَنها اِختارت يوليف.
قالَ يوليف بصوتٍ هادِئٍ يخفي تَوترهُ:
“قد قدمَ جلالتُكُم لي هذهِ التوصية بقلبٍ طيبٍ، و لذلكَ سَأَدرُسُها بعناية.”
أَجَابَ يُولِيف ذَلِكَ وَهُوَ يَشُدُّ قَبضَتَهُ بِطَرِيقَةٍ لَا يَرَاهَا دِيلْتِينُوس.
لو كانَ بِإِمكانه أَن يُخرِجَ كانارين من القصر فورًا لكانَ ذلكَ أَمرًا جيدًا، و لكن الأُمورَ لم تَسرِ كما يُريدون.
ليسَ صعبًا حِمايةُ شخصٍ واحدٍ. و لكن ماذا عن سَائِرِ سُكانِ قرية هويرا؟ عندما اختفت كانارين، قام ديلتينوس بالإمساكِ بهم وأَخذهُم كرهائِن. مِثلما فعلَ عندما ذهبَ ليصيد كانارين، كان سيرسِلُ يوليف خارجًا من أَرضِهِ و يستخدِمُ جُنودهُ لِيَدفعَ عن قوته. و في النّهاية، لا يستطيع حتى أَقوى السحرة أَن يُؤَذوا ديلتينوس مُباشرةً.
“نعم، آمُلُ أَن تكونَ كلماتكم صادِقةً.”
في النهاية، قالَ أَنهُ لن يَترُكَ كانارين. هل سيتزوجُ يوليف بِسُهولةٍ فقط لِأَنهُ “تخلى” عن كانارين؟ لا.
تجعدت ملامِحُ ديلتينوس رَدًّا على إِجابَةٍ تَفيضُ بالرغَبة في الحُصولِ على ما يريدُهُ، و مع ذلكَ، لَقِيَ يوليف رَدهُ بِأَدَبٍ.
“آمُلُ أَن لا يُستَخدمَ السحرُ بعد الآن في القصرِ الإمبراطوري.”
فورَ إغلاق الباب، أخرج يوليف زفيرًا طويلًا. كان عليه أن يضغط على صبره، وإلا لكانَ تصرفَ بناءً على رغبته في ضرب ديلتينوس في وجهه. شَدَّ قبضتيهِ بِقوةٍ لم تَسمح لِأَصابعهِ أن تَستَقيم بالشكلِ الطّبيعي.
“…غااااه!”
عِندما عادَ إِلى غُرفتهِ، جلسَ يوليف و قامَ بِقذفِ دمٍ أَسوَدَ من فمهِ. سارعَ إِلى تَغطية فمهِ بمنديله. تحولَ منديلُهُ الأَبيض إِلى السوادِ في غُضُونِ لَحظاتٍ.
حبَسَ يوليف نَفسهُ وَاستمرَّ في قذفِ الدمِ. كان عليه أن يكون حذرًا كي لا يتسرب الصوت.
يجب ألا يعرف ديلتينوس و كانارين عن حالته الجسدية.
تَوقفَ السُّعَال، الذي كانت لَهُ قوَّة لِيَقذِفَ كُل الدمِ الذي يجري في جسدهِ، بعدَ قليلٍ. تَكِئُ جَسدهُ على الباب و وجههُ مَليءٌ بالدمِ. أَخذَ نَفسًا خَشِنًا و أَحرقَ مِنديلهُ بالسِّحرِ.
وضعَ يدهُ على معدتهِ التي كانت ترتعِشُ بِاستِمرار، كأَنها لن تَهدأَ أَبدًا. وبهذا الفعل، شعرَ ببعضِ الرّاحة من أَلالمِ الذي كان يشبه الإِبرَ الحادة.
“يوليف، بشرتُكَ شاحبة. هل تَنامُ جيدًا؟ هل تَأْكلُ بِشكلٍ مُناسِبٍ؟ قد سَمِعتُ أَن السحرةَ يحتاجونَ إلى قَدرٍ كافٍ من الرّاحة لِإِعادةِ شحنِ سِحرِهِم.”
أجاب يوليف :
“أَنا بخير، هل أَنت بخير؟”
“أَنا دائِمًا مُرتاح في القصر الإِمبراطوري. أَوه، خُذ هذا. تَعرفتُ على صديقٍ أَثناءَ تنزهي صباحَ الأَمسِ. قدمَ لي هذا الطفلُ هذه كهدية. أَما… لِأَن يوليف دوق، فهل ترفضُ تناولَ هذه الأَشياء؟”
تذكر يوليف كُل شيءٍ بِوضُوحٍ : تِلكَ التوتاتِ الحَمراءِ التي قدمَتها كانارين في ذلكَ اليوم لم تَكُن حُلوةً، بل مُرَّةً.
لا زال يوليف يتذكرها بوضوح، نهكَةُ غير نَاضِجةً، بلا حامِضةً.
وتذكر كانارين و هي تَبتسِمُ بِلُطفٍ تَحتَ أَشِعةِ الشمْس.
و تذكر كذِبتهَا عليهِ : أَنها تَقضي وَقتًا طَيبًا.
كُلّ شَيءٍ، حتى الكدمة على ذِراعِها، كانَ يَكشِفُ عَنِ الحَقيقة.
“…كانارين.”
تذكرَ ذلكَ بِوضُوحٍ تَامٍّ. لِماذا لم يفعل شَيئًا في تِلكَ اللحظة؟
ابتَلعَ يوليف الكُتلةَ الحارَّةَ مع زَفرَةٍ عميقة. الكُتلةُ الحارَّة، التي قد تكون دموعًا أو دمًا، عَصتْ في صَدرِهِ و لم تحرِكهُ.
رُبمَا كانت نَدمًا. كانت شديدةَ السَّخونَةِ، شديدةَ الألَمِ.
كانَ كلُّ شيءٍ أزرق.
تشكَّلَت قطراتُ الماء على أطرافِ الأوراقِ الصَّفراءِ الخضراءِ الطَّازجةِ. كانت السماءُ الصافيةُ ترتفعُ عالياً وتسطعُ ببريقٍ لامعٍ. البحيرةُ التي تتماوجُ بهدوءٍ في الأسفلِ كانت شفَّافةً وزرقاءَ كأعماقِ المحيطِ.
كانَ شعرُها الذهبيُّ يبرزُ من بينِ الأشجارِ الكثيفةِ. وكان وجهُها الشابُّ مألوفًا، كأنَّه جزءٌ من ذكرياتٍ بعيدةٍ.
“أوه، إنَّها أنا. تلكَ أنا. أنا في طفولتي.”
كانت كانارينُ تغفو في حلمٍ عميقٍ، عائدةً إلى أيامِ صباها.
“هنا. هنا!”
التفتت كانارينُ الصغيرةُ وراءها، وصاحت بصوتٍ يحملُ البراءةَ والشوق. وبعد لحظاتٍ، خرجَ فتىً من بينِ الأدغالِ. كان أطولَ بكثيرٍ من الفتاةِ، يرتدي ملابسَ فاخرةٍ، تغري العينَ برونقِها.
لكنَّ الغريبَ في الأمرِ أنَّ وجهَ الفتى كانَ غيرَ مرئي. حيث كانَ يجبُ أن يكونَ الوجهُ، كان الظلامُ يحيطُ به، يتساقطُ كظلالٍ كثيفةٍ تبتلعُ كلَّ ما حولها.
“البحيرة ما زالت مُخيفة…”
“لَن تَقتربي مِنهَا. أَنا جانِبكِ. أَليسَ ذلِكَ أَفضل لَكِ؟”
“نَعم. أَظُن أَنني سَأَكونُ بِخَيرٍ ما دُمتَ أَنتَ جانبي، لذا لا بأْس.”
يَبدو أَن الفتى فَهِمَ اللُّغة الإِمبراطورية المُتَعَثرة التي كانت تَتَحدثُ بِها كانارين. و بينما كانت لا تَزالُ تَشعُرُ بالخوفِ منَ البحيرة البعيدة، أَمسكَ يوليف بيدِ كانارين بِرِفقٍ. ضحكت كانارين بخجل.
أَخرجَ الفتى منديلًا و وضَعهُ على العُشبِ. ثُم وضعَ كانارين، التي كانت على وَشكِ الجُلوسِ، فوقه. ابتسمت كانارين ابتِسامةً عَريضةً.
“الأَميرُ يَفعلُ هذا. رَأَيتُ ذلكَ في كتابٍ.”
“لَم أَرَهُ في كتابٍ. بل تعلمتُهُ.”
“تعلمتَهُ؟ لماذا؟”
“فقط… أَليسَ هذا مِن آدابِ التصرف؟”
“ذَكي. تَشبَهُ الأَمير.”
“كأَميرٍ” كانت أَفضلَ مَدحٍ قدمَتهُ كانارين لَهُ.
اِبتسمَ الفتى بِرقةٍ. و إِن كانت لا تَستطيعُ رؤيةَ وجهه، فإِنها في طريقةٍ ما عَلِمت أَنهُ كان يبتسم
“كانارين، هل تَستَطيعينَ أَن تُغني لي اليوم؟”
“هل تُعجبكَ الأُغنية؟”
“أُحِبهَا عِندما تُغنينها.”
“إِذًا أَنا أُحُبها أَيضًا!”
قفزت كانارين و أطلقت صرخةَ فرحٍ بصوتٍ عالٍ. فأمسكَ الفتى يدَ الفتاة وَجرها ليعيدها إِلى مَقعدِها. فكما حدثَ كثيرًا أَثناءَ غِنائِها – كانت كانارين تَنشِرُ أَجنِحتَهَا و تُحلقُ عاليًا.
لم يَمضِ وقت طويل حتّى اِنسابت أَنغامُها العذبة، و انفرجت أَجنِحةُ كانارين. كانت أَجنِحَتُها صغيرَةً ، تناسِبُ حجمَ طِفلٍ.
ظَلَّ الفتى يُحَدقُ في أَجنِحتِها البيضاءِ. و كأَنَّ تِلكَ الأَجنِحة الصغيرة تَلتفُّ حَولهُ بِرقةٍ، تَضُمُّهُ ضَمًّا دافِئًا. شَعرَ بالحرارة و السَّكينة.
“كانارين.”
“نَعم؟”
“شُكرًا لِأَنكِ أَنقَذتِني. إِذا حدَثَ لَكِ أَيُّ سُوءٍ، فَسوفَ أُساعِدُكِ بالتأْكيد.”
“حَقًّا؟”
“حَقًّا. أَعِدُكِ.”