For anyone who hurt my mother - 11
ماذا إن عاش طفل دون أم محبة؟ …
قد يستطيع الطفل عيش حياته بدون أب لكن الأم فالأمر أصعب…
موقنة هي أن معاناتها لا شيء بالنسبة لما عانته والدتها….
💔💔💔
العائلة كلمة عظيمة… ليس الجميع قادرا على عيشها… ربما حين نطقها يجول في الخاطر أب وأم وطفلهما معا… لكن هناك حالات مختلفة… استثناءات… كانت عائلتها بوجود والدتها و إيميلي وهيروك… فقط… ستكذب إن قالت إنها لم تتمنى وجود أب بجانبها… رأت العديد من الأطفال يتم ضمهم واللعب معهم من قبل آباءهم… كيف يضمونهم… يضحكون معهم… يلعبون إن أرادوا ذلك… ربما يوبخونهم قليلا ولكنهم يعودوا ليحضنوا بعضهم… كانت الفتيات كالأميرات… أجل لم تكن أميرة ولكن عند والدها كانت كأميرة في القصص المصورة… أرادت أب يحميها يحبها يعانقها إن حزنت… يهدئها إن بكت… يحملها إن نامت…
هي تدرك جيدا بأنها لم تكن سوى مجرد أحلام تافهة… أحلام ليست مخصصة لها بل للأطفال الآخرين… ربما لأن نظرتها لم تعد تخص طفلا… أرادت القوة وطلبت المزيد منها… حاولت التدريب لعامين تحت اشراف هيروك طالبة التدريب القاسي… لكن هل استمع لها… كلا، بل استخدم طريقته في التعبير عن الاستخفاف بها… رغم أن هيروك لم يقصد شيئا من ذلك…
“هل ستشرح أم تريدني أن أبقى و أنتظر“
نظرت إيزيل الى هيروك بنظرات قاتلة وحادة مطالبة إياه بالتحدث وبسرعة وإلا أكلته بتحديقها القاتل.. في النهاية تنهد وجلس على الأرض العشبية وقال وهو يفرك رأسه بقوة وبلا حيلة:
“سيدتي ، أعلم أنك تشعرين بالظلم من ناحية تدريبك و لكني لم أفعل شيئا خاطئا صدقيني“
“هل تقول هذا و تريدني أن أصدقك بعد ما سمعت ما تفعله للفرسان؟“
“سيدتي لدي هدف مما فعلته، أمرتني أن أعلمك و أنت تعلمين جيدا أنني لا أستطيع أن أعصي أوامرك، تدريبك يختلف عن البشر العاديين لذا استخدمت أسلوبا يعتمد على بنيتك و قوتك البدنية قبل التدريب”
عقدت حاجبيها باستغراب… متسائلة عن قصده… ما الشيء المختلف بينها وبين بقية البشر؟ … أرادت أن تسأل فورا لكن كلماته الغريبة التي سبقتها خرجت من شفاه الآخر:
“آنستي ، تتذكرين ذلك الوشم الذي على يدك اليمنى… صحيح؟“
عند ذكر ذلك الوشم تجمد الدم في جسدها… كان ذكره فقط يعيد بذاكرة مروعة حدثت في الماضي… الوشم المرسوم على يدها اليمنى… لطالما ارتدت قفازات لتخفي ما تحتها…أخفته لأنها تحاول تناسي الماضي بذلك… نظرت ليدها المقصودة بشرود وترددت قليلا في نزع القفازات ليظهر نقش جميل بلون أخضر… بالرغم أنه كان نقشا جميلا… إلا أنه السبب في عذاب الضمير الذي يخلف جوارحها…
هذا الوشم حصانة من الجروح… كنز قُدم لها من قبل والدتها… كنز لم ترده يوما في حياتها… والدتها قبل رحيلها عن هذه الحياة حولت كل ذرة أو جزء من المانا في جسدها إلى جسد طفلتها…مانا لا تنفذ أبدا… العلاج التلقائي في حال التعرض للإصابات…
هل تعلمون قيمة الأم… كيف هي عظيمة ولها قيمة كبيرة… من أجل أن تعيش إيزيل ضحت موريانا بنفسها… قدمت حياتها من أجل ابنتها…
التفكير في الأمر وحده يسبب لها حرقة في قلبها… في العادة يقولون بأن المرء لا يدرك الشيء قيمته إلا عند فقدانه…. لم يكن مجرد شيء…. لقد كانت والدتها… ولم تكن تنقص من قيمة والدتها طوال السنوات العشر التي عاشتها… كانت أكثر شيء ثمين لها… لكن بعد فقدانها ندمت لأنها لم تعتز بها أكثر من ذلك… ندمت لأنها لم تستطع حمايتها….
ربما شعرت بكل عذاب الضمير هذا… لكن يبقى لديها مساحة في عقلها توقن بأنها لم تكن الملامة الوحيدة… الامبراطورة والكونت وزوجته وامبراطور لوان وكل من تدخل في أذية والدتها…
ضغطت قبضتها بقوة جاعلة من عينيها تحدق لرعشة يديها التي تحمل النقش الذي حفر في جسدها بدون أن ترضى… كرهته.. كرهت رؤيته… لكن مع ذلك كان هذا الشيء هو جزء من والدتها… رقت عينيها لتذكرها أنها تحمل جزء منها… تنهدت لتنظر لهيروك وأردفت:
“إذا قدرة احتمالي لها علاقة بسحر أمي “
“يمكنك قول أن كلامك نصف صحيح“
“ماذا تعني؟“
ضاقت عيناها محاولة فهم ما يقوله دون سؤال لكن لا جدوى فسألت منتظرة كلماته التالية:
“امبراطورة لوان ، والدة سيادتها ، هي من الآلجين… من فئة الإليف“
“مااذا؟“
صوت باهت خرج من حلقها من هول الصدمة…
انفتحت عيناها على مصرعيها… ربما لأنها مازلت تجهل العالم الخارجي فهي لا تدري بعض الأمور… كانت هذه حقيقة لم تكن تعلمها ولكنها الآن اكتشفت شيئا لم تكن تدري ان كان لمصلحتها أو لا..
“أنت أيضا تملكين نفس دمائها لذلك فأنت تملكين مثل تلك البنية التي تسمح لكي لتكوني هجينة، لهذا فالمانا الخاصة بك غير نقية و لكن مع ذلك فإمبراطورة لوان ليست بحليف لنا”
كلماته التالية جعلت الجدية ترتسم على ملامحها… وبالتحديد كانت آخر عبارة منها توحي أن الأمر كان واضحا… صمتت لتنظر اليه بنظرات حادة مليئة بالترقب من كلماته التالية:
” أنها أحد من جعل سيادتها تعاني“
ربما لأنها توقعت هذا لم تدلي بأي كلمات إضافية… بقي الاثنان يحدقان ببعضهما البعض دون قول أي شيء… الكلمات لم تجدي نفعا في هاته اللحظة… نظرتهما هي من كانت تتحدث…. كسيدة وتابعها….
مرت بعض من النسمة العليلة بين هذا الجو الخانق جعلت من شعرها يتمرد في الهواء يروي للرياح شكواه… كان كلاهما ذوا شعر أسود وكان هذا نادرا جدا في إمبراطورية كارتا…. السواد… الظلام الحالك… القتمة… كل من رأى هذا اللون لا يخطر بباله سوى هاته العبارات…. لكن ندرته سمحت له بأن يكون ذو اعجاب شديد لدى الناس… وبالأخص الفتيات…
لكن بالنسبة لإيزيل فهذا اللون لا يصف سوى المعاناة التي يحملها ممتلكه… هي وهيروك ووالدتها… ثلاثتهم عانوا بما فيه الكفاية ليكون دليلا أن الشعر الأسود ليس إلا لعنة لممتلكيه… معاناة هيروك قبل ولادتها والتي إلى حد الآن مازالت تجهلها… أما هي تخلى عنها والدها ولم يعتبر لها وجودا يوما… ووالدتها لم تحس يوما بطعم المحبة من قبل من أنجبوها… هل تقارن نفسها بوالدتها… طبعا لا… والدتها أقوى منها كثيرا… رغم كل ما حصل لها إلا أن الابتسامة لم تفارق وجهها واللمعة لم تفقد عينيها… صحيح أنها ورثت الجمال منها لكن لم ترث تلك العزيمة والقوة التي لديها…
تتساءلون متى أدركت بما يحصل مع أمها… لقد كان قبل خمس سنوات… في ذلك اليوم الذي افترقت فيه عن الجميع وبقي الجميع يبحث عنها في كل مكان… كان عمرها خمس سنوات… في ذلك الوقت الذي كانت تأمل في والدها… ذلك اليوم الذي انطفئ فيه بريق براءتها… انتهت طفولتها عندها…
فقط التفكير بالأمر جعل ذكريات سيئة تتغلغل داخل عقلها… أغمضت عينيها بسرعة وهزت رأسها بعنف لتخرج كل ما هو سلبي… حركتها تلك جعلت القلق يتسلل لداخل هيروك لكن الأمر لم يدم طويلا لتفتح عينيها وتتنفس بهدوء وعادت لتفتح فمها قائلة وعيونها القرمزية تشع بوميض قارس دليلا على غضب داخلي:
“الآن أنا أدركت جيدا أن رزيف هو الوحيد الجيد بتلك العائلة المقرفة… و لن أهتم للبقية… بل سأجعلهم يعانون ما عانته أمي أضعافا“
تركت كلماتها القوية ورحلت تاركة إياه وحده جالسا على أرضية العشب ينظر لظهرها الذي يبتعد شيئا فشيئا… ثواني حتى ارتسمت ابتسامة فخورة هامسا برضا:
“سيادتك… لقد تركت وراءك لبؤة شرسة“
******
تقدمت نحو الفرسان بخطوات ثابتة جاعلة من الاستغراب يرتسم على وجوههم جميعا… نظرت الى كليف ثم زين مشيرة إليهما بالتقدم… لم يكن لديهما أي سبب لرفض طلبها… تحدثوا لبعض الوقت في مناقشة هادئة عن أمر ما أقلق بعض الفرسان…
ابتسم زين في النهاية بتسلية جعلت من بعض الانزعاج يبرز على وجهها… في النهاية استمع لطلبها والتفت الى الفرسان متحدثا بصوت يسمعه الجميع:
“هل يمكن لجميعكم الاقتراب؟“
شعر البعض بالغرابة ولكن في النهاية تقدموا واقفين قبالة الثلاثة الآخرين تاركين مساحة صغيرة تبعد عنهم…
ابتسامة زين المستمتعة لم تمحى من وجهه رغم انزعاج إيزيل… كليف الوحيد الذي بدا جديا في تعبيره…
هيروك أيضا تقدم ناحية زين وإيزيل ووقف بجانبهما.. شعرت به والقت بنظراتها نحوه قليلا.. ركزت انتباهها على الفرسان قائلة بصوت يصل للجميع:
“ما حصل لكم من متاعب بسبب هيروك سابقا فأنا أعتذر“
اعتذرت بصدق لما حصل لهم من متاعب بسبب تابعها… لكن اعتذارها الذي قدمته جعلت الاضطراب يعم الجميع… مرتبكين… ومستغربين.. ربما أيضا لأنهم لم يعلموا كيف يردوا على ذلك… فقد أتى على حين غرة…
لم ينته الأمر عند هذا الحال وأضافت قائلة لتفسر لهم أكثر:
“هيروك قد يكون قد طغى عليكم بعبء كبير ، لكن كان هذا من أجلكم… تحقيق حلم… هدف… و ربما ما تريدون أن تصبحوه كفرسان …حلمكم ما هو؟… أعني ما هو هدفكم من أن تصبحوا فرسانا؟”
جملة جعلت الصمت يستقبل الساحة الشاسعة المملوءة… لأن تفكيرهم لم يركز على هذا الأمر… ربما بعضهم فقط من فكر في سبب وجوده هنا.. ولما كان عليه أن يكون فارسا من بين كل المهن…
الصمت الذي خيم جعلها تدرك بأنهم لن يستطيعوا شرح ما يريدون.. تجولت بعينيها بين الفرسان لتسقط عينيها على فتاة تبدوا أصغر منها ترتدي زي المتدربين، فلم تكن من الفرسان الرسميين…. موجهة اصبعها ناحيتها فنادتها:
“أنتِ …. “
“…أنا…ن… ن … نعم؟؟…”
فزع أطل على جسدها وشعرت بالرعب يتسلل لجسمها… أحست بجميع الأنظار تتجه نحوها فارتجفت تلقائيا… كانت المرة الأولى التي تكون فيها تحت الأنظار:
“هل يمكنك اخبارنا لما تريدين أن تصبحي فارسة؟“
“…أوه… حـ… حاضر…”
اقترب زين منها وهمس بابتسامة مستمتعة:
“هيا إيزيل أنتِ تخيفينها… عدلي وجهك قليلا…”
رفعت حاجبا ونظرت إليه باستنكار وكأنها تقول ‘أوه، هل أنت جاد؟’… ابتسم من حركتها ليهمس مرة أخرى قائلا:
“أنظري اليها إنها تبدوا كأرنب خائف“
نظرت لارتجافها الشديد مشبهة إياها بالأرنب الخائف حقا مثلما قال زين… والتفتت إليه تهمس بصوت شبه مسموع:
“تذكر جيدا سيد زين الحيوانات لا تخاف مني بل تخاف من تهديد البشر الآخرين“
رفع حاجبيه باندهاش من ثقتها الكبيرة بنفسها ونظر للفرسان ليدرك جيدا ما تعنيه.. فحقيقة أن الفتاة الصغيرة خائفة من نظرات الآخرين وليس من نظرات إيزيل… إدراكه لذلك جعل البسمة تتسع على شفتيه ليجد صعوبة في عدم الشعور بالفخر اتجاهها…
” لا تقلقي لن آكلك لذا تحدثي براحة“
الكلمات المريحة التي صدرت من شفاهها الصغيرة سمحت للطفلة بأن تشعر بالأمان حتى مع وجود نظرات تراقبها… انبهرت بمدى شجاعة الفتاة التي كانت أمامها كثيرا هذا اليوم، صحيح أنها أكبر منها لكنهما متقاربتان في العمر، احترمتها داخليا بسبب نظرتها التي لا تعرف الخوف…
شعرت بالغيرة منها قليلا ولكنها لم تلقي بالا كثيرا للأمر لأنها تعلم بأن عالمهما مختلف لكل شخص ظروفه في نمو شخصيته…
استجمعت شجاعتها وأحكمت قبضتها لتتحدث قائلة:
“لقد أردت أن أصبح فارسة منذ أن كنت في السادسة …. أخي الأكبر كان فارسا من الدوقية ومات جراء قتاله مع الوحوش الشيطانية قبل سنوات …. كنت أعيش تحت كفن جداي لكنني انتقلت لأصبح فارسة لكي أحمي الناس الضعفاء … أريد أن أصبح أقوى…فـ …في رأيي.. هذا …هو.. حلمي“
عباراتها جعلت من الاستغراب والحيرة يتسلل لبعض الفرسان ذوي البصيرة المنعدمة.. ربما لأنهم لم يعيشوا يوما فقدان شخص عزيز بسبب السحر الأسود الذي طغى على القارة لم يدركوا جيدا معنى القتال من أجل حماية الآخرين… لقد كان هدفها نبيلا إلا أن هذا لم يعجب البعض فهدفها يتعارض مع مبادئهم:
” هذه سخافة ، هل تعتقد بأن الفرسان مجرد لعبة أطفال؟“
“سوف تستسلم في النهاية “
كلمات قيلت بدافع الغيرة… لأنه ليس لديهم هدفا… ربما سبب وجودهم هنا لأجل المال فقط… قد يكون البعض جشعا لذلك وقد يكون البعض الآخر من أجل إعالة الأسرة إلا أن الأنانية لا تزال تصدح في المكان… مثلما يقال إذا لم يعجبهم يخربون الجميع إلى أن ينال رضاهم، هكذا هم بعض البشر…
كلماتهم الهامسة كانت مسموعة للجميع.. ولم يخفى على المقصودة من شيء أبدا… أنزلت رأسها محبطة من ذلك… هذا لأن شخصيتها السلبية تفعّلت الآن…
تجعدت حواجب زين وعبس كل من فرانك ولين… ولم يخفَ على أحد عدم رضا كليف عن ذلك… فرانك الوحيد الذي بقي هادئا فهو يعلم جيدا حقارة البشر وليس مستغربا… شعرت هينا بالانزعاج من هؤلاء الرجال وحاولت التحدث لإخراسهم جميعا لكن صوتا آخر سبقها:
“لما لا ؟“
انفتحت العديد من الأعين على مصرعيها ونظروا الى إيزيل التي ألقت كلماتها للرجل الذي تكلم بغطرسة في البداية مضيفة بعدها:
“لما لا تستطيع ان تواصل؟ أنا برأيي أعتقد أن حلمها كاف ليجعلها تواصل ما بدأته؟“
الفتاة الصغيرة التي وجدت المنقذ من نظرات الاستصغار التي هجمت عليها رفعت رأسها والدهشة تعلوا ملامحها… نظرت لمنقذها الذي لم يكن يكبرها كثيرا بالعمر… نظرة احترام اعتلت وجهها وتقديرا لكلماتها… ربما لم يبدوا لها الأمر بأنها تدافع عنها… كفتاة بطبيعة سلبية فقد عاشت تنظر لنفسها باستصغار… نظرت إليها تتحدث بثقة عكسها تماما:
“أعتقد أن لكل حلمه و سببه في أنه أصبح هنا ،… لين“
“نعم ، آنستي“
ابتسم لين مجيبا بنبرة محترمة في نداءها… لقد كان أكثر الفرسان معرفة بإيزيل، لذلك اختارته من بين الجميع موضحة:
“هل يمكنك ان تخبر الجميع السبب الذي جعلك تصبح فارسا؟“
“أجل… كان هذا لأنني أردت أن أحمي الأرض التي أحببتها… هذه الامبراطورية التي ولدت بها و التي كانت سببا في سعادة من حولي ، أريد أن تكون الامبراطورية أكثر سلاما“
نظرت اليه تستمع إلى كلماته الصادقة بعيونه التي تشع اصرارا لفعل ذلك… لم تتوقف عند هذا وسألته مرة أخرى:
“إذا هل تريد أن تصبح أقوى من الآن لحماية هذه البلاد التي تحبها؟“
“بالتأكيد“
“حتى و لو اضطررت لتحمل تدريبات هيروك القاسية؟“
“أجل“
لم تختلف اجابة لين أبدا ولم يتردد في الاجابة… اجابته جعلتها تشعر بالرضا.. منذ البداية هذا ما أرادت سماعه، أردت اصرارا وقوة عزيمة مشابهة لما مع لين لتحثهم على التالي:
“حصيلة القول… أن الأسبوع الذي مضى من التدريبات القاسية ،كانت من أجل تقوية قدرة تحملكم ، و تسريع وتيرة تعلمكم، و هذه التدريبات قد تكون فرصة لتصبحوا فرسانا أقوى من أي فرسان بالإمبراطورية… إذا كنتم تريدون أن تحققوا مرادكم من أجل أن تصبحوا اقوى فلن اقول إنه لن يكون عليكم سوى مجاراة تدريبات هيروك و إلا فإنه من الممكن أن تموتوا و انتم في أحد المهمات المكلفة لكم بسبب ضعفكم… لأنه في العالم لا يوجد شخص أقوى من الآخر… فحتى لو عشت حياتك و
تقول بأنك الأقوى فتذكر بأنه سوف يظهر من هو أقوى منك… لذا وبأي فرصة فلتزيلوا تلك الشكوك الموجودة داخلكم… ولتواصلوا هذا حتى النهاية لتثمروا الجهود التي ستبذلونها مع هذا… هذا لمصلحتكم ولمصلحة الدوقية ولمصلحة كارتا… لذا أتمنى أن تعيشوا تحت تدريبه وتعتادوا عليه…. وبالنسبة لطرق العقاب، فأنا لن أسمح لهيروك بفعل ذلك بعد الآن سيكون السيد كليف مسؤولا عن ذلك بدلا منه “
كلمات بسيطة منها حملت وزنا ثقيلا في قلوب الحاضرين… كلمات وطدت داخل القلوب الاحترام والتقدير… كلمات أردعت كل التصريحات التي خرجت من شفاه بعض الفرسان… بسبب ذلك التقط كل منهم نظرات نفور من قبل من حولهم… شعروا بالحرج من تصرفهم غير اللائق منزلين روسهم للأرض… شعر زين بالرضا لما حدث و كانت ابتسامته اشارة لذلك… منذ الصباح كان يخشى ألا تنسجم إيزيل مع الفرسان لكن خوفه هذا كان في غير محله لأنهم الآن ينظرون اليها على أنها ابنة سيدهم الدوق… آنستهم الصغرى حتى قبل أن يتقرر ذلك… و كل هذا حصل في يوم واحد… كان لدى إيزيل جاذبية كبيرة و هالة تسمح للناس بأن يحترموها من أول مرة… في النهاية تحدث جاعلا تركيز الجميع نحوه:
“إذا ألا تريدون أن تعطوا رأيكم لآنستكم الجديدة“
أمر واحد منه جعل جميع الفرسان يركعون على ركبهم قائلين بصوت واحد:
“نحن نقبل بهذا التدريب بكل فخر“
تنهدت براحة ما إن سمعت الجواب الذي أرضاها… بينما نظر اليها هيروك الذي كانت لديه تعبيرات منزعجة شعر زين بموجاتها ليردف متسائلا بحيرة:
“لما أنت مستاء هكذا؟“
التفت جانبا بعبوس مردفا:
“لا شيء“
اعتاد زين على طريقة حديثه ونظر لإيزيل مطالبا شرحا إذ قالت في اللحظة التالية ملقية نظرها ناحية تابعها:
“إنه غاضب لأني قيدته بعدم عقاب أي فرد منهم إن حدث و قاموا بأي مخالفات“
“أوه هكذا إذا“
تفهم بهدوء والبسمة اعتلت وجهه والتسلية لم تخلوا منها… لقد كان ممتعا وهذا جميل بالنسبة لزين… بينما بدا الانزعاج واضحا على هيروك وقال بصوت صدح أرجاء المكان:
“لليوم هذا يكفي ركضا تكريما لما طلبته سيدتي“
لم ينتظر ردا وغادر بسرعة دون ان يستمع لرأي أي شخص آخر… غادر مخلفا غبارا في مكانه… تصرفاته الغير مسبوقة من قبل الفرسان أشعرتهم بالغرابة لأنهم اليوم رأوا جانبا آخر من مدربهم القاسي…
نظر زين تاليا الى كليف وأشار بعينه للتحدث ففهم كليف مغزى كلامه وأمرهم بالراحة وأن لا يخالفوا تعليمات هيروك وإلا فانهم سيتعرضون للعقاب… لم يكن لدى الفرسان أي حيلة مع هذا، لذا نفذوا ما أمرهم به وانتشروا الى المسكن الخاص بهم…
انتظرت إيزيل قليلا ونظرت الى زين متحدثة:
” زين هل ستبقى؟… أنا سأغادر الى القصر“
“لدي حديث مع القائد كليف لبعض الوقت… اسبقيني“
أجاب مبتسما عليها رغم تردده قليلا… لأنه كان يود الذهاب مع إيزيل لكن حديثا مهما كان يريد أن يتحدث به مع كليف..
“المعذرة“
التفت كلاهما ناحية الصوت لينظروا الى هينا الواقفة بابتسامة واسعة… انحنت بأناقة لكليهما:
“أحيي سيدي الشاب و الآنسة الصغيرة“
“لا بأس ، ارفعي رأسك هينا“
ابتسامة أخرى ذات مغزى تسللت لوجه زين فهو الآن علم مقصد هينا من رؤيتهما… استقامت هينا تحت أمر سيدها الشاب ونظرت إلى إيزيل التي تساءلت عن هويتها… بدت كآنسة نبيلة لكن إيزيل لم تسألها وانما نظرت الى زين مطالبة بذلك… كان زين سريع البديهة وتحدث موضحا:
“إنها هينا أديت بلادون ابنة الكونت بلادون الوحيدة… إنها من أحد العائلات التابعة للدوقية… و هي الآن فارسة بمستوى عال تملك الآن منصب قائدة الفرقة الثالثة في الدوقية “
نظرت إيزيل اليها وحيّتها بهدوء:
“تشرفت بلقائك“
“كلا… “
فزعت بقوة من ردها القوي والفوري وأتمت هينا كلماتها بسرعة كبيرة وعينين تلمعان كالنجوم:
“أنا من تشرفت بمقابلة الآنسة و التحدث معها… لقد سمعت عن الأميرة موريانا و طيبة قلبها من عامة الشعب، سمعت عن جرأتها في معاداة زوجها و إنقاذ العامة رغم كل المصاعب… كانت أقوالهم تتردد على أنها جميلة جدا… لكني الآن اتشرف برؤية ابنتها ، عيون قرمزية شعر أسود فاحم رغم أنها ليست مثل الزمرد الذي عاينوه في الأميرة إلا أنها جميلة و نادرة… شفاه وردية دائرية صغيرة… انف حاد… و بشرة بيضاء شاحبة… و كأنها دمية مصنوعة من حرفي محترف ، أنت حقا كما وصفها الآخرون لي… كلا بل أجمل من ذلك بكثير… بالتأكيد تشبهين والدتك و إلا كيف سيكون مثل هذا الجمال الأخاذ سيأتي من مجرد قمامة كالكونت هازل… ذلك الرجل لا يستحق امرأة كالأميرة موريانا، و ابنة جميلة مثلك و بلا بلا بلا …… “
لأول مرة تشعر إيزيل أنها محاصرة دون دفاع.. لطالما كانت هي من تسبق الناس بخطوة وتتحدث بطريقتها اللبقة التي تدهش متلقي كلماتها… فهي من تُحَاصِر دائما ولم تُحَاصَر من قبل هكذا… منذ بدأت هينا بالحديث ولم تسمح لإيزيل بالإجابة… صمتت غير قادرة على الكلام منتظرة نهاية حد لكل هذا لكنها حتى الآن لم تستطع أن ترى نهاية لهذا الكلام… تقدم زين نحو أذن إيزيل وهمس بنظراته المستمتعة:
“إن مشكلتها أنها فتاة ثرثارة حينما تتحمس لشيء ما“
“أوه حقا… يبدوا ذلك“
كانت شخصية هينا صريحة ومراعية في نفس الوقت… لكن ثرثرتها هي عادة سيئة لها لأنه إن بدأت يصعب أن تتوقف…
“…لكن… “
انقطاع كلماتها بصوت حزين مع كلمة قد تعاكس فحوى ذلك الحماس جعل كلاهما ينتبهان إليها ينظران بِحيرة… حزن ملء وجهها مع كلمتها التالية:
“أنا آسفة لما حصل لوالدتك“
اتسعت عينا إيزيل قليلا من ذكر ذلك… عاد شبح الضمير يتلوى بينها مذكرا إياها بما يؤلمها دائما…عادت عينيها للبرود مبعدة نظراتها عن هينا … واصلت الأخرى دون أن تدري بأنها أربكت مشاعر طفلة حاول نسيان عذابها:
“أعلم جيدا كيف تفقد أما… لقد فقدت والدتي في سن صغيرة و شعرت بالوحدة كثيرا منذ ذلك… شعرت و أن السماء قد وقعت من مكانها… في بعض اللحظات تمنيت الموت و التخلص من حياتي … “
الصمت أكثر ما قدره زين في هاته اللحظة بينما كان ينظر الى هينا وإيزيل التي تتحاشى النظر للأخرى وهو يعلم ألم الاثنين في فقدان أعز الناس لديهما…
“لكن مع ذلك ألمي لا يعتبر شيئا من ألمك آنستي “
تفاجأت إيزيل ورفعت رأسها لتنظر الى عيني هينا التي واصلت بتعبير متألم:
“لقد كان لدي أبي و إخوتي معي و لكنك كنت وحدك… والدتك ماتت امام عينيك و لم يكن أحد بجوارك… عيشك بمنزل كمنزل الكونت هازل الذي لم يتقبلك يوما كابنته و محاولته لقتلك مرارا و تكرارا… تحملت خيانات الخدم و طغيانهم عليك… لقد احتملت كل الآلام وحدك دون بالغ يؤويك… أنا لا أظن أن ما شعرت به في صغري قد يقاس مع ما مررتِ به في حياتك… أنا حقا آسـ….”
“انتظري…. من أخبرك كل هذا؟ كيف تعرفين هذه الأشياء عني؟“
قاطعت كلماتها في المنتصف ووجهها يوحي بمئة علامة استفهام… ما أدهش إيزيل لم يكن ما قالته بل معرفتها لكل هذه الأشياء…
“بشان هذا… “
“إذا قبل ذلك إيزيل لما تتحدثان بينما تتناولان الشاي؟“
تحدث زين قبل أن يحدث أي سوء فهم بينهما كان زين شخصا مراعيا وأراد للاثنتين أن تتقربا من بعضهما وخاصة من أجل إيزيل لكي تتعرف جيدا على النبلاء التابعين للدوقية…
لم تمانع إيزيل وطلبت من ليز تحضير طاولة شاي في الحديقة الخلفية للقصر الرئيسي.. لكن قبل ذلك تحدثت هينا أولا:
” من فضلك هل تسمحين لشخص آخر أن ينظم الينا“
“لا مانع لدي “
ردت ببرود ناظرة للشخص الجديد… كانت نفس الفتاة التي طلبت إيزيل رأيها بحلمها كفارسة… نظراتها الحادة أشعرت الفتاة بالحرج والارتباك منزلة رأسها… ابتسمت هينا وهي تنظر الى تعابير إيزيل اللامبالية…
“على كل ، لنذهب الآن“
“حاضر آنستي“
غادرت إيزيل برفقة الاثنتين تاركة زين وحده ينظر لظهرها الذي يبتعد شيئا فشيئا والابتسامة بشوشة ترسو ملامح وجهه…
*****************
انتهى الفصل
الفصل يحوي أكثر من 3100 كلمة…
رأيكم في الحكمة في البداية🥰؟
من المقصودة هنا؟ هل هي إيزيل أم شخص آخر🤔؟
ماذا عن فعلة موريانا و تضحيتها بنفسها😔؟
إيزيل و آلامها المكبوتة؟😥
في الحقيقة قد يبدوا الأمر هنا بسيطا لكنني لحد الآن لم أكشف المساعر الحقيقية لإيزيل فهذه السلبية ما هي إلا نقطة في بحر واسع… لأن ما تخبؤه بطلتنا في أعماقها أكبر من أن يعرفه أحد و ستعرفون الأمر تدريجيا فقصة كيفية سير حياتها في قصر الكونت ستأتي بالتأكيد سترون ما الذي عاشته هذه الكفلة ذات العشر سنوات لتصبح بمثل هذه الظلمة القاتمة😢…
جدة إيزيل إمبراطورة لوان التي لم تظهر بعد؟
شخصيتين جديدتين أطلتا على إيزيل…
هينا و الفتاة الجديدة….
فما دورهما في هاته القصة؟…
يتبع……
رابط الرواية على الواتباد:
حسابي على الأنستغرام: