For anyone who hurt my mother - 08
قيل لها ذات مرة أن تصير قوية كأبيها وجميلة كأمها…
لكنها أصبحت قوية كنفسها وجميلة كأمها..
لم يكن معنى للأب في قاموسها سوى كلمة الخذلان مرسومة بدمها..
كان ألما صامتا، تحملته بكبرياء عظيم….
❄❄❄❄❄❄
ربما لأنه أحب أخته فقط بسماع اسمها ابتسم… ولرؤية ضحكتها يوما فرح… ولرؤية سعادتها سعد أيضا… لم يكن يوما منافقا مثل والده ولا غيورا مثل والدته ولا أنانيا مثل أختيه التوأم… كان يرى حينما ينظر إليها مبتسمة الشمس تشرق حتى وإن كان ليلا… أهمية ابتسامتها كانت أكثر من أي شيء مضى … راقبها في كل شيء وتتبع حركاتها مثل طفل صغير سعيد برؤية أخته الكبرى يتعلم منها ما يريد…حتى أنه علم سرها الذي هو هيروك ولكنه أخفى الأمر عن الجميع… كان مختلفا عن أي واحد من عائلته.. ربما كان طفرة.. لكنه جاء حقا من صلب رجل عذب ابنته وأدخلها زنزانة مظلمة…
لم ينم جيدا لمدة عشر أيام الماضية لكثر تفكيره فيها.. هل هي بخير؟ هل أصابها مكروه؟ … وهل إيميلي معها؟ … ربما راودته العديد من الهواجس ولكنه حاول نفيها مبعدا الأفكار السلبية عنه.. ربما هربت؟ سيكون سعيدا لذلك لأنه لطالما أرادها أن تفعلها..
لكنه الآن ها هو يسمع سيرتها على لسان هذه المرأة قائلة بأنها عادت …لم ينتظر كاراس مزيدا من التوضيح واندفع خارجا على الفور… تاركا والده متجمدا لما قالته:
” أين هي الآن؟”
“ألم تمت بعد؟”
كانت هان من تحدثت هذه المرة بكره شديد لم يخفى على أحد…وانتظر الكونت رد سينا التي قالت ببعض التردد:
“لكن… “
زفر بسخط وهو يحاول استخراج الكلمات بصعوبة من هذه الخادمة اللعينة وأردف صارخا:
“تكلمي بوضوح أكثر”
أنزلت رأسها مغمضة عينيها وقالت سريعا بصوت يسمعه الجميع:
“لقد أتت بعربة الدوق سبينسر”
حسنا، لا يمكن للأمر أن يكون صدمة أكبر من هذه…
شحب وجه الكونت من الأمر الذي لم يتوقعه بتاتا وتجمد المكان لدرجة كبيرة لا توصف وأضافت بتردد أكبر جاعلة من وجه الآخر يزاد زرقة
” …بـ… برفقة الد…د… د… الدوق سبينسر…”
**********************
نزلت إيزيل من العربة بحرج وهي ترى الدوق يحملها ليضعها أرضا دون تردد، لم يسمح لها بأن تنزل بمساعدة السير لين الذي مد يده لوهلة وأبعدها في حرج بعد رؤية نظرة الدوق الحادة… نزل زين وسيباستيان بعدها بلحظات…كانت ترتدي ثوبا بلون الزمرد مع دانتيل أبيض والرتوش ذات اللون أخضر العشبي تم الباسها حليا صغيرة تناسب طفلة بمثل عمرها.. لن ينكر أحد رؤية جمال كهذا في مكان آخر…. تقدمت في وسط اندهاش الخدم والحرس وقالت موجهة حديثها للدوق:
“سأذهب لأحضر أغراضي و آتي بسرعة”
“انتظري ، خذي معك لين و زين “
تحدث ستيفن جاعلا إياها تتوقف وتنظر إليه ثم تنظر للاثنين المذكورين سلفا وأردفت بسرعة معيدة تحديقها ناحية الدوق:
“ليس عليك فعل ذلك”
“كلا ، أنا أوافق أبي… هذا لسلامتك…نحن لا نعلم ماذا يمكن أن يفعلوا على غفلة؟“
لم يبق زين صامتا وتحدث بجدية على غير عادته، وبسبب عناد الأب وابنه لم تستطع الرفض أكثر وأومأت مستسلمة…
“إيزيل”
سماع هذا الصوت المألوف جعلها تستدير بكامل جسدها إليه تجد كاراس قادما ناحيتها وهو يركض بين الأروقة متجاهلا تحذير الخادمات..
“سيدي الصغير!”
صاحت إحدى الخادمات بخوف من سقوطه عند ركضه وأضحى وجه كاراس باردا ينظر ناحيتهم بكل جمود مردفا بسخرية:
“أوه ، أنا سيدكم الصغير ، إذا لما لا يوجد ترحيب لإيزيل بعد اختفاءها لمدة عشرة أيام”
ارتبكت الخادمات في كلامه و خفضن رؤوسهن…لكنه تجاهلهن وعاد بصره لإيزيل لوهلة نظر لمظهرها و هي مرتبة بزينة غالية و أناقة نبيلة … كانت تشبه زهرة تفتحت بالفعل بعد أن كانت برعما مضى عقد على سباته… لقد كان محقا… رؤية وجهها جعله يتنفس براحة…و وجودها أمام عينيه بسلام أشعره بالارتياح…لم يدرك وجود الدوق إلا بعد وقت وجيز من التحديق في شكل إيزيل …و ما إن رآه حتى اندهش لملاحظته لطالما سمع عنه و كان يراه من بعيد حينما يذهب للقصر الامبراطوري لذا فقد تعرف عليه منذ اللحظة التي نظر إليه و قال بتحية نبيلة:
“عذرا لم ألحظ الدوق …آسف لقد كنت مستعجلا لرؤية إيزيل”
لم يقابله ستيفن إلا بنظرة باردة على وجهه… لقد كان يرعب من كان في المكان.. لم يستطع الحراس الموجودين في البوابة ألا يرتجفوا بعد رؤية وجه الدوق البارد ولم تكن الخادمات أفضل منهم فقد كان الشحوب يملؤ وجوه الجميع…لكن الأمر كان مغايرا لكاراس فقد كان ثابتا رغم أن نظراته كانت موجهة نحوه.. شعر زين ولين بالاستغراب لذلك …فقد كان القليل فقط من يستطيع الوقوف ثابتا أمام نظرة الدوق الباردة … ستيفن كان متأكدا أن هذا الطفل لم يكن عاديا.. وكان حقا ليزيد من حدة الهالة لو لم تستوقفه التفاتة إيزيل هامسة بنظراتها المعتادة:
” لا علاقة له”
كان يمكنها أن تخمن بأن الدوق يستعمل جزء من هالته ليطغى على الموجودين هنا وأدركت أن المقصود هنا هو كاراس.. ولأنها تعرف كاراس جيدا تحدثت قبل أن يفعل الدوق شيئا له…في النهاية تحدث دون سحب هالته من المكان قائلا ببرود:
“لقد أتيت لرؤية الكونت هازل ، هل هو هنا؟”
“الكونت في الداخل ، بإمكانك الدخول”
لهجة باردة تفوهت بها شفاه كاراس جعلت الحيرة تطغى على زين ولين المتفرجان على ما يحصل… طريقة المناداة الباردة لوالده ودعوته بالكونت أدهشت حتى سيباستيان الذي كان خلف الدوق تماما… وبقيت نظرات الدوق كما هي.. لكن الآخر لم يهتم ونظر مقتربا من إيزيل قائلا بنبرة قلق مختلفة عما تحدث بما تلفظ به مع والده:
“إيزيل هل أنت بخير؟ لم يصبك خدش أليس كذلك؟”
أوأمت إيزيل إليه بهدوء وصرحت بهدوء:
“كاراس ، أنا بخير الآن”
“هل أنت متأكدة؟”
ربما لأنه أراد التأكد أكثر ألّح عليها بالسؤال ولم تخذله هي مجيبة إياه بكل هدوء:
“سأكون بخير بعد أن أخرج من هذا القصر الفاسد”
ربما تصريحها أدهش بعض الحاضرين من الخدم ولكن كلماتها جعلت كاراس يبتسم بفرحة مصرّحا:
“و أخيرا قد اتخذت قرارك”
ربما فرحته وطريقة تحدثه مع إيزيل جعلت لين وزين يرتخيان لذلك.. بدا لهم أنه لم يكن سيئا معها… فرحه لفكرة خروجها من هذا المكان كان دليلا على ذلك…
ولم يلبث طويلا حتى سمعوا صوت خطوات أقدام من داخل القصر لينكشف وجه الكونت والكونتيسة الشاحب ومن خلفهم هان وهوني برفقة سيلا وبعض الخدم.. نظروا لإيزيل التي كانت بأبهى حلة لديها.. برز جمالها أكثر بعد ارتدائها لملابس جميلة.. شعرت التوأمتان بالغيرة من مظهرها.. فتحدثت كلتاهما على التوالي:
” أنت أيتها اللقيطة الفاسدة…من أين جئت بمثل هذه الحلية و الملابس؟”
“أعتقد أنها سرقتها ، فهي لا تستطيع شراء شيء من هذا”
شعر أربعة أشخاص بانزعاج من كلمات الاثنتين، أولهم كاراس الذي ألقى نظرات ساخطة نحو أختيه ومن ثم سيباستيان ولين وأخيرا زين الذي احتدت تعابيره بابتسامة تعطي المرء شعورا بالرعب.. كانت طريقته في التعبير عن غضبه ..أما ستيفن نظر إليهما ببرود و ألقى نظراته نحو الدوق ناشرا هالة طغت على المكان متحدثا ببرود شديد:
“حضرة الكونت هازل ، يبدوا أنك لم تربي جيدا جرذانك القذرة”
كلماته جعلت الدم يتجمد على جسد الكونت وزوجته وارتجفت الطفلتان من تحديقه المخيف وتمسكتا بثوب والدتهما ببراعة…
إيزيل التي لم تعرهم اهتمامها تحدثت ببرود متوجهة للداخل:
” أريد أخذ أغراضي و الخروج من هذا المكان القذر…لا أريد البقاء أطول فالتنفس فيه أصبح صعبا”
“أنت… “
صاحت الكونتيسة بغضب متناسية وجود الدوق وراء الأخرى لتقاطعها بنبرتها الباردة وهالة صغيرة جعلت عينيها تلمعان تلتفت حولها:
“لا أريد البقاء في مكان الأشخاص الذين أرادوا قتلي ألف مرة”
ارتجفت الكونتيسة من هالتها القاتلة… أجل لقد كانت قاتلة على شخص لم يتدرب على المانا …أما هي تجاوزت الكونت والكونتيسة دون أي تحية وتبعها زين ولين بنظرات اشمئزاز موجهة إليهم …تجاوزت والدها دون النظر إليه.. فهو منذ وقت طويل قد مات في عينيها…لم يمضي على دخولها ثواني حتى تبعها كاراس..
************************
دخلت غرفتها الصغيرة التي كانت تنام فيها… العلية مكان أصغر من الغرفة التي تقيم بها عند دوق بمرات عديدة.. لم تكد تقارنان حتى… نظر لين وزين للغرفة بتجهم …منظر معاملة الكونت لابنته الكبرى كان أمام عيانهم … الغرفة لم تكن حتى بمثل حجم الحمام الذي لديها في الدوقية…نظر زين إليها بأسف شديد لكنه في النهاية محى تعابيره لكيلا يؤذي مشاعرها.. فهو يدرك أن إيزيل من النوع الذي لا يحب الشفقة… لكن لين لم يصمت وسأل:
“هنا كنت تعيشين؟؟ بهذه الغرفة الصغيرة؟”
أومأت بالمقابل دون أن تتحدث…كان ذلك دليلا على عدم رغبتها في التحدث في هذا المكان…أخذت حقيبة صغيرة في أحد أركان الغرفة و فتحتها على السرير، لتتجه تاليا ناحية خزانة و نزعت جميع الأدراج عليها لتجعل الاثنين الواقفين في حيرة من أمرهم …لكنها لم تتوقف و ما إن تخلصت منهم جميعا حتى أخرجت العديد من الأوراق التي ذهب لونها و كانت عبارة عن مجموعة مظاريف مكدسة فوق بعضها…ترتيبها كان مثاليا إلا أن لونها كان ذابلا و ذلك يدل على قدمها أو كثرة تفحصها… لم يسأل الاثنان عن الموجود داخل المظاريف و لم يصدرا صوتا فقط رقباها بصمت…
لم تتوقف هي عند هذا وتوجهت لأحد زوايا الغرفة، ووقفت أمام جدار في نقطة عمياء …نظر الاثنان مستغربين من حركتها ليدهشا في اللحظة التالية…بسطت يدها على الجدار لتظهر دائرة سحرية صغيرة بحجم قبضة اليد، وما إن فعلت حتى انقسم جزء صغير بشكل مربع وانفتح كدرج من الأدراج…. كانت هذه خزنة سرية شكلها هيروك بمساعدة ايميلي التي ركبت مخططا لها… سحبت الدرج لتخرج بعض الأشياء …سوار فضي عليه جوهرة من الياقوت الأحمر وقلادة دائرية كبيرة نوعا ما من الذهب الخالص تحتوي جوهرة حمراء من الياقوت مشكلة على هلال… بالإضافة لخاتم فضي بجوهرة زرقاء لامعة ووضعتهم في الحقيبة…
عادت مرة أخرى وأخذت كتابا بغلاف غريب …كتاب جعل الاثنين الآخرين يشعران بأن النظر لهذا الكتاب يحسان لطاقة غريبة…ربما غلاف الكتاب والهالة التي تطغى من حوله ليست الوحيدة التي جعلتهما يندهشان…الكتابة الغريبة التي كانت على المغلف جعلت عقدة تحتل على ملامحهما… نظرا لبعضهما في صمت مدركين أن الأشياء التي خبأتها في الخزنة السرية كانت بالتأكيد كنوزا لا يستهان بها…
لم يتحدثا وبقيا ينتظران حتى أغلقت الخزنة السرية وأخذت الحقيبة مردفة:
“هذا كل ما سآخذه”
لم يسأل لا زين ولا لين عن أي شيء مما رأوه وفقط أمر الشاب الفارس قائلا:
“لين ، احمل الحقيبة”
“حاضر سيدي الشاب”
انحنى لين لأوامر سيده الشاب ومضى ممسكا بالحقيبة التي بدت صغيرة على يده….
“هل نذهب الآن؟”
تحدث زين مشيرا اليها للمغادرة ووافقته بهز رأسها…وما إن همّوا بالمغادرة حتى دخل كاراس للغرفة ونظر إليهم وبالتحديد ناحيتها وتحدث بلطف سائلا:
“إيزيل ، هل تسمحين لي ببعض الكلمات؟”
نظر زين ولين لبعضهما بتردد ثم نظرا نحو إيزيل ينتظران ردها… بقيت لبرهة مدققة في وجه كاراس وبعد وقت طفيف تنهدت ونظرت للاثنان الآخران قائلة:
“زين ، سير لين لا بأس بتركنا لوحدنا”
ربما لوهلة شعرا بأن تركها وحدها سيكون خاطئا لكنهما تراجعا لنظرتها الجادة… يدركان جيدا بأن إيزيل ليست من تتقبل الاهانات بسهولة وتستطيع حماية نفسها… كما أن كاراس لم يبدوا كشخص قد يؤذيها… لذا تفهم كلاهما وخرجا دون أن يذهبا بعيدا …
بقي الاثنان وحدهما ينظران لبعضهما…وتردد كاراس قليلا في البدء في الكلام وأردف متوترا:
“…حسنا ، في الحقيقة … “
تنهد قليلا وتنفس ببطء ليتحدث جامعا كلماته بطريقة صحيحة متحدثا إليها:
“الى أين أنت ذاهبة بعد أن تخرجي من القصر”
“كاراس”
نادته بنظرات باردة ثم تابعت جاعلة انتباهه ينصب عليها بالكامل:
“كاراس ، أنت تفهم جيدا صحيح؟ لا تتصرف وكأنك لا تفهم”
ارتبك كاراس لبعض الوقت ثم ابتسم وقال:
“إذا هل أنت متأكدة بأن دوقية سبينسر ستعتني بك؟”
“الدوقة كانت صديقة أمي و لم أجد أي شيء كاذب في كلامها”
تفهم كاراس وأردف بجدية سائلا عن الأمر الذي شعر بالفضول منه:
“إذا ، هل تم تبنيك؟”
“ليس بعد ، لن يتم ذلك إلا بموافقة الكونت”
شخر كاراس معلقا بسخرية:
“أشك بأن ذلك الرجل سوف يفعل ذلك”
“لا تقلق الدوق يعرف ما يفعله ، سوف يوافق الكونت رغما عنه”
طمأنته إيزيل بثقة بالغة …لا تعلم ولكنها كانت تثق كثيرا في الدوق لدرجة كبيرة…لنظراتها الواثقة تحدث بعبوس طفيف:
“هل أنت متأكدة … أعني هل ستكونين بخير في الدوقية؟ ألن يتنمروا عليك مثل ما يحدث هنا؟”
“إنهم يعاملونني كأنني ابنتهم بالفعل”
شعر بالارتياح لسماع جواب كهذا لطالما تمنى لها حياة سعيدة وربما ذلك اليوم قريب جدا من حصوله …لكن كاراس لا يدرك بأنها لن تشعر بالسعادة حتى تنتقم من من آذوا والدتها…وربما والدته من ضمنهم:
“جيد ، أرجوا أن تعيشي بشكل أفضل لتصبحي أميرة جميلة كوالدتك”
نظرت اليه ولكلماته التي بدا وكأنه تنفس فيها لتقول مجيبة:
“لكن ليس لدي نية لأصبح مثل أمي”
“هاه؟”
أصابه الذهول من كلامها وأخرج صوتا لا إرادي…
تجاوزته تتقدم باتجاه الباب في خضم ذلك ارتبك كاراس بعد أن عالج الكلمات السابقة في رأسه والتفت اليها سريعا:
” اـ… إيزيل… “
التفتت اليه وهي تفتح مقبض الباب لتضيف مفسرة كلامها بتحديقها القوي وثقة بنفسها:
“أريد أن أصبح أقوى بطريقة خاصة ، مختلفة عن أمي”
غادرت تاركة إياه في ذهول… لوهلة أحس بأن تلك التعابير الباردة هي ما زادت من جمالها وفسرت أناقتها الغير الطبيعية بالنسبة لسنها…إلا أن كاراس ابتسم في النهاية من تعابيرها المذهلة… أحس بأن أخته رائعة بشكل مذهل…يتساءل كيف ستكون حينما تكبر؟؟…
**********************
“إذا تريد أن أوقع على هذه الأوراق؟”
سأل الكونت بتعبير متجهم في غرفة مقفلة لا يوجد سواهما بالإضافة لسيباستيان الواقف وراء ستيفن… وضع أمامه وثيقة يعطيه خيار التوقيع بتنازله في الحق بالوصاية على إيزيل…لم يكلف ستيفن عناء التعبير عن الاشمئزاز التي يشعر بها أمام هذا الرجل وأجابه بملل:
“أجل”
ضغط على قبضتيه بغضب من الاجابة الحازمة وتحدث مرة أخرى ملقيا بغضبه بعيدا:
“تريد مني أن أسمح لك بأخذ ابنتي الكبرى لتتبناها؟”
“أجل”
“تريد أن تأخذها كأميرة لدوقية سبينسر”
“أجل”
سؤال بعد سؤال وفي كل مرة يجيب فيها ستيفن بملل تزداد حدة نظرات الآخر…لكن في هاته اللحظة ضحك بسخرية معلنا عن فقدان عقله بالكامل، فهو قد غفل عن حقيقة الدوق الأكبر للقارة الرجل الذي جمد نصف محيط العالم…. ضحك وتحدث بجرأة:
“ألا تعتقد أن هذا وقح ،أيها الدوق … تأتي من بعيد وتطلب تبني ابنتي”
لا يمكن أن يكون هناك أوقح من هذا الرجل… كان هذا ما بدر في عقل سيباستيان داخليا… اشمأز من كلماته ومنه ومن رائحته وصورته وحتى نظرته… لا يعلم ولكنه فقط كره كل شيء فيه… كان سيباستيان كالكتاب المفتوح… ما يفكر فيه كان مرسوما على وجهه…ألقى نظرة على سيده الذي لم يبالي بالأمر و لم تتغير نظراته الباردة عن سابقتها…. ولم يكتفي هذا الأخير بما قاله وأضاف مصرحا بكل ما تعنيه الوقاحة من معنى:
“من المستحيل أن أسمح لك بأخذها ، فهي تظل ابنتي”
أظلمت عيون ستيفن حين رؤيته يقول كلاما عن الأبوة والرعاية… هل نسي ما فعله لها؟ … هل نسي بأنه أدخلها زنزانة مظلمة ويجهل ستيفن ما الذي حدث في ذلك المكان؟ أليس هو من كان يضطهد ابنته ويعذبها…حتى زوجته السابقة عانت بسببه…
يحاول أن يجعل منه الشخص الذي يحاول اختطاف ابنته…هذا الرجل حقير جدا…هو بالتأكيد لا يريد إيزيل وإنما يريد شيئا آخر منها… تبعا لمحاولة القتل السابقة فهو يبحث عن موتها… وإن حدث وأصبحت إيزيل من دوقية سبينسر فسيصبح صعبا فعل ذلك…ولن يكون في الأمر خير لأنه لا يريد غضب الامبراطورة… ولا ننسى أن مكانته بين الأرستقراطيين ستنزل بالتأكيد… فسبب ارتفاع مكانته بينهم هو زواجه من الأميرة موريانا… وبما أنها فارقت الحياة فابنتها كانت الوسيلة لذلك…. كان يريد تلفيق كذبة أنها لم تستطع العيش بعد موت أمها وماتت من الاكتئاب…لكن يبدوا أن الرياح لم تجري بما اشتهت سفينته… في نظره إذا توفت إيزيل وهي لا تزال تحت رعايته فهذا لن يشكل تهديدا، يمكنه حينها ايجاد ذلك الشيء الذي خبأته والدتها والذي كان يبحث عنه طوال هذه السنين العشر…
لكنه لا يعلم أنه الآن بدل أن يكون بحوزة إيزيل فهو بحوزة الدوق بنفسه، وستيفن يعلم جيدا ما مدى أهمية ذلك الشيء بالنسبة له وللإمبراطورة.. فذلك الشيء ليس هذين المذكورين سلفا من يريدون تملكه، هو شيء من الممكن أن يقلب رأس القارة كلها على عقب..
لو كان شخصا آخر لما بقي هادئا بعد سماع كلام كهذا لكن هو بقي هادئا يحدق به ببرود شديد وتحدث رادا على هراءه:
“تذكر جيدا أيها الكونت هازل من أكون ، بإمكاني أن أفقدك ثروتك هذه التي تتفاخر بها في ومضة عين”
لم يرتجف الكونت بل رد ساخرا:
“أيها الدوق سبينسر، تذكر جيدا في أي مكان أنت و في أي مكان أنا”
ربما لن يفهم كلامه أي شخص ولكنه علم مقصده…موضوع الفصائل…كان الكونت محميا من قبل الامبراطورة الحالية …فحتى لو فعل الدوق سبينسر ما قاله فهو لا يزال عليه تخطي أمر الامبراطورة…
ورغم ذلك فالكونت رجل مغتر بنفسه كثيرا لدرجة كبيرة كونه من أكثر النبلاء فائدة للإمبراطورة… لو لم يكن له فائدة لقامت الامبراطورة برميه والالتجاء الى حل آخر غيره… هو مجرد بيدق بيدها تحركه متى أرادت…
أما الآخر فقد اعتبر كلامه مجرد هراء لا معنى له يخرج من كلب غبي كثير النباح وتحدث جاعلا إياه في دهشة:
“ألا تلاحظ ما تفعله حضرة الكونت”
“هاه”
“حين يعلم مجتمع الأرستقراطيين بطريقة تصرفك للأميرة موريانا و طفلتها الوحيدة….”
انحنت شفاه ستيفن بابتسامة ساخرة وأضاف متمما:
“و حقيقة أن إيزيل لا تشبهك هي أكثر ما يزعجك”
ماذا؟؟…
ماذا يعني هذا؟؟؟…
أحس الرجل الواقف خلفه بأن كلام سيده كان مبهما فتجعدت حواجبه… من ناحية أخرى ارتبك الكونت أكثر وشعر وكأن صفعة تلقاها توا…
استمتع ستيفن من مظهر الكونت المثير للشفقة وأضاف مستفزا إياه:
“إن سمع أي من النبلاء الحقيقة؟ ماذا سيكون رد فعل الامبراطورة؟”
كلامه جعل فكرة خطيرة تتلوى داخل رأس الرجل الثالث الواقف بينهما… جعل ذلك سيباستيان ينظر إلى سيده ويطلب تفسيرا إلا أن الآخر لم يره فهو يعطيه ظهره غير عالم بما شكله تابعه من تعبير في هاته اللحظة… الكلمات التي لم يفهمها أحد غير ستيفن والكونت فقط…
وقف ستيفن وأخذ الورقة من الطاولة مقدما إياها لسيباستيان ونظر للآخر ببرود مصرحا:
“إذا كان هذا قرارك …أراك بالمحكمة حضرة الكونت هازل”
ارتجف الكونت لما سمع بأمر المحكمة، هل سيصل الأمر الى المحكمة؟ بالطبع إن الأمر خطير إذا خسر هذه المحكمة… هو لن يسمح أن تأخذ إيزيل جانب دوقية سبينسر… أليس كافيا أن دوقية سبينسر لها قوة كبيرة…إذا أصبحت إيزيل عضوا منها “كأميرة لدوقية سبينسر” فسترتفع مكانتها في مجتمع الأرستقراطيين أكثر من السابق…
بالإضافة أن قوة ولي العهد ستصبح أقوى من قبل… لو كان يعلم بأمر هيروك وأنه من أحد شروط إيزيل أن يكون مدربا للفرسان… أي أن مستوى الفرسان سيصبح أقوى لكان قد نتف شعره من شدة الغضب
إذا تم وحدث انقلاب بعد وفاة الامبراطور فسيكون فصيل ولي العهد هو المنتصر من حرب أهلية كُتِبَت نهايتها قبل وقوعها…
خرج الاثنان تاركان وراءهما الكونت الذي يشعر وكأنه على وشك الانتهاء بسبب الصدمة التي خلفها ستيفن في كلامه الأخير… يشعر بأن نهايته قد اقتربت…
********************
نزلت من الدرج بعد أن أخذت أغراضها برفقة زين ولين في منتصف ذلك قابلت صراخ الكونتيسة:
“أنت أيتها الوضيعة ، ماذا تريدين أن تفعلي بوالدك”
لين انزعج من كلامها وعبس زين من كلامها وانتظرا ردة فعلها… أما هي لم تهتم بكلامها بل قابلتها ببرود ولا مبالاة وفتحت فمها ترد عليها بسخرية:
“والدي؟ … منذ متى كان كذلك؟”
اندهش جميع الموجودين من ردة فعلها بالأخص الكونتيسة والخدم المجاورون، كانت سيلا الوحيدة التي تشعر بالرعب منها ولم تتحدث منذ أن رأتها… وشعرت التوأمتان بالغضب من حديثها الوقح مع والدتهما … صرخت الكونتيسة بغضب متجاهلة وجود زين ولين:
“هل أصبحتِ الآن تفرضين قوتك بعد أن أصبح الدوق سبينسر بصفك؟”
كلماتها جعلتها تشعر بالقوة وظنت بأن الأخرى لن ترد ولكن خاب ظنها بعد سماع جواب إيزيل البارد:
“لا تفكري بعيدا ، الدوق سبينسر هو الشخص الذي أنقذ حياتي فقط ،ثم منذ متى و أنا أختبئ وراء الآخرين… يبدوا أنك نسيت حقا ما حصل في الثلاثة أشهر الصارمة”
تجمدت الكونتيسة وشحب وجه سيلا لأنها أكثر من عانى ما حصل في الثلاثة أشهر الماضية وارتجفت الشقيقتان ملتصقتان بفستان والدتهما لتضيف وهي تنظر إليهم واحدا واحدا”
“منذ البداية بعد وفاة والدتي و المعاملة اللطيفة التي تعاملتم بها معي آنذاك جعلتني أقرر ترك هذا المكان… بوجود الدوق أو بدونه …هذا القصر لم و لن يكون مناسبا أبدا للعيش به…أقذر من الاسطبلات”
عضت الكونتيسة شفتها مناظرة إيها بسخط وعيونها تشع غضبا …وصرخت هان بغضب طفل في السابعة محتكة بفستان أمها متجاهلة خوفها:
“كيف تجرئين على قول أن قصرنا عبارة عن اسطبل قذر؟”
نظرت اليها إيزيل بطرف عين وتحدث زين بابتسامة ساخرة جاعلا الأخرى تنتفض من نبرته.. بدت ابتسامته أقرب من همس الشيطان:
“لا عجب بأن الوقاحة تخرج من الآباء الى الأبناء”
تابعت إيزيل تغير نظراتها للأسوأ ولاحظت أن زين ليس سهلا مثلما يكون معها… وعادت لتنظر لجميعهم تناظرهم، تدققهم، تنظر لتفاصيلهم لكيلا يفوتها شيء مردفة ببرود شديد:
“الكونتيسة هازل…هان شير هازل… هوني ريتش هازل… بالإضافة للخادمة سينا و جميع خدم هذا القصر و على رأسهم سيدهم الكونت هازل”
نبرتها الحادة جعلت رعشة تتغلغل في أوصال جميع من تم ذكرهم بدون استثناء.. كلامها كان ناقصا وكان بالتأكيد هناك إضافة متحدثة بعيونها التي لمعت وسط غضبها الذي يعتريها وهالة قوية انتشرت أرجاء المكان:
“أنا لن أسامحكم لبقية حياتي”
كلماتها كانت نابعة من كره وحقد تلملم وتطور على مدى عشر سنوات…كلماتها جعلت الخوف ينهش الجميع دون ذكر الاثنين اللذين خلفها فهما نظرا إليها بقلق مرة واحدة منتظرين كلامها القادم الذي أتى بنبرة سخط وحقد واضح:
“لكل من أساؤوا لأمي و لكل من قام بتدمير حياة ايميلي و لكل من جعل حياة أحبائي في المظالم… أقسم بأنني سأدمركم جميعا واحدا واحدا و أجعلكم تعانون أضعافا من المعاناة السابقة”
شحب وجه الكونتيسة وابنتها من هول هذه الهالة القوية والتي تحبس الأنفاس… وسقطت الخادمة سيلا متذكرة ما حصل في السابق وما حدث لها مع إيزيل جعل الارتعاش يزداد على جسدها…
“كالأميرة الجديدة لدوقية سبينسر ، سنلتقي قريبا في المحكمة ، و أرجوا أن لا أراكم بعدها أبدا”
لم تهتم لهم وأضافت مغادرة غير آبهة لهم جاعلة من زين ولين يلحقانها ووجوههما المبتسمة تبرز استمتاعهما لما رأوه الآن…
*****************
انتهى الفصل
أقل فصل حتى الآن أكثر من 3200 كلمة…
رأيكم بالحكمة في البداية فهي تلخص الكثير من الأمور و الأحداث التي سنعلمها لاحقا…
حب كاراس الأخوي لإيزي؟
لقد كان مختلفا عن أمه و والده منذ البداية كان له تفكير مختلف… فنظرته لإيزيل مثل فخر أخ صغير لأخته الكبرى…
كاراس أيضا من أكثر الشخصيات التي تستحق الاعجاب و ستعرفون ذلك في الفصول القادمة…
ما رأيكم بردة فعله عند معرفته بأن الدوق سيتبناها؟
ردة فعل الدوق لسخرية الكونت هازل؟
إذا ماذا عن الكلمات الغامضة التي فجرها و رحل بتهديد بسيط فحواه ‘المحكمة’؟
رأيكم بالتهديد الأخير لإيزيل لجميع قاطني منزل الكونت، هل تعتقدون أنه لا يزال ينقصه شيء ما؟
***
يتبع…..
رابط الرواية على الواتباد:
حسابي على الأنستغرام: