Find You, the One Who Abandoned Me - 3
لكن الموت كما هو في الواقع لم يكن هكذا. كان سريعًا، كأن الروح تغادر الجسد على عجل، فتتوقف الجفون المرتجفة فجأة كأنها تجمدت في لحظة.
“أم… أمي.”
لم تسقط الدموع. فقد سبق لها أن اختبرت موت والدتها مرة من قبل. لم يكن فتح والدتها لعينيها في اللحظة الأخيرة نوعًا من رحمة إلهية، بل ربما كان بسبب حبها العميق لكاليوبي، الذي جعلها تقاوم حتى الرمق الأخير. سوليتا، التي شهدت تلك اللحظة، لم تملك الجرأة لتخبر كاليوبي بذلك.
حدقت كاليوبي في وجه والدتها الجامد، الذي لم يعد يحمل أي دفء. كانت حتى قد توقفت عن ملاحظة أنها حبست أنفاسها طوال الوقت. الرياح التي اخترقت النافذة بدت كأنها قد جاءت لتأخذ روح والدتها.
رفعت كاليوبي رأسها فجأة عندما شعرت بصفعة الرياح على وجهها. كان الغروب قد بدأ، والسماء التي كانت مغمورة باللون الأحمر الحي بدأت تظلم شيئًا فشيئًا، كما لو أنها تعلن نهاية حياة ما.
قطرات ساخنة تساقطت على وجنتيها المتجمدتين.
“…أمي.”
سمعت في مكان ما أن السمع هو آخر حاسة تفقدها الروح بعد الموت. حاولت أن تنطق الكلمات التي لم تستطع قولها من قبل، لكنها لم تجد سوى صرخة مليئة بالحزن واليأس.
صرختها المليئة بالألم كانت تشبه صوت شجرة قديمة تنكسر في الرياح. انتشرت صرخاتها في المنزل الخشبي البارد، تملأ المكان بصدى الحزن.
اختفت الشمس تمامًا. والبيت المظلم أضاءته فقط شرارات الموقد الصغيرة.
—
كانت كاليوبي، التي ألقت بنفسها من برج الجرس، قد عادت إلى صباح اليوم الذي توفيت فيه والدتها.
صرخت، كما لو أنها تمزق شيئًا في داخلها. كان الألم والغضب يتدفقان منها بلا توقف.
“الحاكم لم يكن يومًا بجانبي. أبدًا، ولا حتى مرة واحدة.”
—
طَرق، طَرق.
في الصباح الباكر، كانت سوليتا تنظف المنزل عندما سمعت طرقًا على الباب. لم تكن تتوقع زوارًا في هذا الوقت المبكر. فكرت لوهلة: ربما تكون إيتيل؟ فقد كانت قلقة بشأن حالتها الصحية، وربما تحسنت الآن. وضعت المكنسة جانبًا واقتربت من الباب وسألت:
“من هناك؟”
“سيدة سوليتا.”
لم يكن الصوت لإيتيل كما توقعت، بل كان صوت كاليوبي. كان صوت الطفلة البالغة من العمر اثني عشر عامًا متصدعًا، كأرض جافة تشققت من العطش. شعرت سوليتا فجأة بالقلق يغمرها.
“كاليوبي؟ ما الأمر في هذا الصباح المبكر…”
فتحت الباب ورأت كاليوبي واقفة أمامه.
“سيدة سوليتا.”
لكن المشهد قطع أنفاسها. كانت كاليوبي، ابنة إيتيل المحبوبة، في حالة يرثى لها.
ظلت الطفلة الصغيرة طوال الليل ممسكة بيد والدتها الباردة، غير قادرة على فعل شيء سوى البقاء بجانبها بينما مرت الليلة الطويلة.
عندما أشرقت الشمس، قررت كاليوبي أخيرًا أن تنهض. لم يكن بإمكانها البقاء هكذا إلى الأبد. كانت تعرف أن سوليتا الطيبة والحنونة ستساعدها مرة أخرى.
“علينا إقامة جنازة لأمي.”
لم تستطع سوليتا الرد على كلماتها، واكتسى وجهها بتعبيرات منكسرة من الحزن الشديد. شعر كاليوبي البلاتيني، الذي كان يلمع مثل والدتها إيتيل قبل بضعة أيام فقط، أصبح الآن أبيض تمامًا. وعيناها الحمراوان، اللتان كانتا تشعان بالحياة، بدتا الآن وكأنهما احترقتا بالسواد، وكأن روحهما تبعت والدتها إلى العالم الآخر.
“أرجوكِ، ساعديني.”
احتضنت سوليتا ذلك الجسد النحيل الصغير بكل حنان. كان مشهد هذه الطفلة الصغيرة التي بقيت وحيدة بجانب والدتها حتى آخر لحظاتها، وأحرقت كل قوتها فقط لتطلب المساعدة، مؤلمًا للغاية.
بينما كانت سوليتا تحاول كتم دموعها، ظلت كاليوبي تنظر إلى الفراغ بعينيها المحترقتين بالسواد والأحمر. كانت دموعها قد انتهت تمامًا في تلك الليلة. لكن كلمات والدتها الأخيرة تتردد في ذهنها بلا توقف: “اصمدي وعيشي.”
بمساعدة أهل القرية، أقامت كاليوبي جنازة لوالدتها، إيتيل. خلال الجنازة، كانت الثلوج تتساقط باستمرار، وكان البكاء يتردد بشكل متقطع بين الحضور.
مرَّ عام سريعًا على الطفلة.
—
“كاليوبي، هناك!”
“حاضر!”
صاح دالتون، بصوت متوتر مشيرًا إلى جهة معينة. ركضت كاليوبي بسرعة بقدمين ترتديان حذاءً جلديًا، مطاردة الأرنب الأبيض الذي حاول الهرب إلى الاتجاه المعاكس. لكن سهم دالتون أصاب جسد الأرنب بدقة وسرعة، ليسقط ميتًا.
رغم ذلك، لم تتوقف كاليوبي عن الركض.
“دالتون! سهم آخر، بسرعة!”
“أعلم، أنا جاهز!”
اتجهت الأرانب نحو دالتون هربًا من كاليوبي.
وكالصياد المحترف، أطلق دالتون الأسهم واحدًا تلو الآخر، أصاب جميعها ما عدا واحدًا. امتلأت الثلوج البيضاء ببقع صغيرة من الدماء الحمراء.
توقفت كاليوبي وهي تلهث بصعوبة.
“كم عدد الأرانب التي أمسكناها؟”
“دعيني أعد… واحد، اثنان، ثلاثة… أربع أرواح.”
“واو، إنه عدد كبير!”
“بالتأكيد أكثر مما اصطدنا أمس.”
جمع دالتون الأرانب الميتة واحدة تلو الأخرى. كان اليوم هو دور كاليوبي لمرافقته في الصيد. في أيام الإثنين، الثلاثاء، والأربعاء، كانت تذهب للصيد مع دالتون، بينما تقضي أيام الخميس، الجمعة، والسبت في تعلم الدفاع عن النفس وتقطيع الحطب والقيام بالأعمال اليدوية في ورشة الحداد الوحيدة في القرية تحت إشراف دورا.
أخذ دالتون أربعة أرانب، واحتفظ باثنين لنفسه، وأعطى كاليوبي الأرنبين المتبقيين.
“شكرًا لك. سأخذ واحدة منها إلى سوليتا.”
“حتى لو أكلتِ الأرانب كلها، لن تعترض سوليتا.”
“ربما، لكن لا يمكنني فعل ذلك. لقد أعطتني حساءً منذ فترة قصيرة.”
“ذلك الحساء المصنوع من الأعشاب المجففة؟ لابد أنه لم يكن لذيذًا.”
“سأخبرها بذلك حرفيًا.”
“ماذا؟ لا، لا تفعلي!”
ضحكت كاليوبي بصوت عالٍ وهي تنزل من الجبل.
رغم أن الثلج لم يكن كثيفًا هذا العام كما كان العام الماضي، إلا أنه كان عميقًا بما يكفي ليغوص حتى الكاحل. لحسن الحظ، أمطرت كثيرًا في الصيف وكان الطقس جيدًا، مما سمح للمحاصيل بالنمو جيدًا وزاد من أعداد الأرانب في الجبال، ما ساعدهم على تجنب الجوع.
قضت كاليوبي صباحها في التدرب على الرماية مع دالتون وبعد الظهر في الصيد. وبحلول الوقت الذي بدأ فيه الظلام يحل، قال دالتون:
“أعتقد أن الثلج سيتساقط الليلة. يمكنك العودة الآن.”
“حسنًا. إلى اللقاء يا دالتون.”
على غير العادة، بدلاً من قولها المعتاد “أراك لاحقًا”، ودعته كاليوبي بطريقة مختلفة. شعر دالتون ببعض الغرابة لكنه لم يعر الأمر اهتمامًا، ولوح لها بيده.
حملت كاليوبي الأرنبين وركضت إلى منزل سوليتا المجاور.
“سوليتا!”
طرقت الباب بقوة، مما دفع سوليتا، التي كانت تنظف المنزل، إلى فتح الباب وهي تقول:
“يبدو أن قوتك تزداد يومًا بعد يوم.”
“هاها. انظري، لقد أمسكتُ اليوم بأرنبين. خذي واحدًا منهما.”
“يا عزيزتي، مجددًا؟ لا داعي لذلك في كل مرة.”
“لكنكِ قدمتِ لي الحساء في المرة الماضية. كان لذيذًا للغاية!”
كذبت كاليوبي بدون تردد، مما جعل سوليتا تضحك بسخرية.
“حتى أنا لم أجد ذلك الحساء لذيذًا.”
انفجرت كاليوبي ضاحكة. بعدما أعطتها الأرنب، استدارت لتعود إلى منزلها، بينما نظرت سوليتا إلى كاليوبي بعينين مليئتين بالإعجاب.
“متى كبرتِ بهذا الشكل؟”
بلغت كاليوبي الآن الثالثة عشرة من عمرها، وكان طولها قد ازداد بما يقارب قبضة يد عن العام الماضي، متجاوزًا 150 سنتيمترًا. بالنظر إلى أن والدتها إيتيل لم تكن قصيرة، كان من المتوقع أن تستمر بالنمو.
بمجرد أن دخلت كاليوبي منزلها، أغلقت سوليتا الباب أيضًا.
قامت كاليوبي بإغلاق بابها وبدأت في غلي الماء الساخن. باستخدام السكين الذي أهدتها إياه دورا، بدأت في تنظيف الأرانب وتجهيز لحومها. رغم أن الشتاء يجعل الطعام يدوم لفترة أطول، إلا أن تجفيفه مسبقًا كان ضروريًا للحفاظ عليه لفترة طويلة.
لكنها توقفت فجأة عن العمل.
“آه، لا حاجة للحفاظ عليه لفترة طويلة.”
كانت تخطط لمغادرة القرية يوم الأحد المقبل. ولهذا السبب ودعت دالتون بطريقة مختلفة.
ترددت للحظة، لكنها سرعان ما عادت إلى العمل.
قررت أن تقدم اللحم الجاهز إلى سوليتا قبل مغادرتها. رغم أنها أرادت المغادرة بهدوء دون إخبار أحد، إلا أن القرب بين منازلهم كان سيجعل سوليتا تلاحظ أي ضوضاء. فكرت أنه يمكنها تسليم اللحم والوداع في تلك اللحظة، وطلب منها أن تنقل تحياتها إلى الآخرين.
بعد أن انتهت كاليوبي من تنظيف الأحشاء وتجهيز اللحم، غسلت يديها بالماء البارد.
“لقد كان عامًا ليس سيئًا كما توقعت.”
كانت قد فكرت لوهلة أن البقاء مع سكان القرية قد يكون أمرًا ممكنًا. منذ وفاة والدتها، تولى أهل القرية رعايتها بالتناوب. خصوصًا دالتون الصياد، ودورا الحدادة الوحيدة في القرية، وسوليتا الجارة التي اعتنت بها ببالغ الحرص.
لكن لا يمكنني البقاء هنا إلى الأبد. سأرحل دون تردد.
بعد دخولها إلى منزل عائلة الماركيز، لم تستطع العودة إلى القرية مرة أخرى. فبالنسبة لأسرة نبيلة، كان سماع إشاعات عن عيش ابنتهم بين العامة والعمل معهم أمرًا مخزيًا للغاية. لذلك، منعها عائلتها تمامًا من التواصل مع أهل القرية. ومع ذلك، كان لديها سبب قوي للعودة إلى أسرة الماركيز.
إيزاك.
ذلك الرجل الذي كان يومًا ما الشخص الوحيد الذي يفهمها. الرجل الذي كان ينظر إليها وكأنها العالم بأسره قبل قدوم القديسة. لم تفهم أبدًا سبب تغيُّره المفاجئ، سواء في حياتها السابقة أو حتى الآن. لكنها لم تعد تهتم بذلك.
مع عودتها بالزمن، لن تسمح لأي شخص بأن يسلبه منها مرة أخرى.
“سأجعله لي وحدي.”
كاليوبي كانت مصممة على فعل أي شيء لجعله ملكها بالكامل. لم تكن تنوي أن تكون ساذجة وتسمح بخسارته مرة أخرى. هذا ليس خيارًا مطروحًا بالنسبة لها.
أثناء طيها للبطانية الوحيدة المتبقية من والدتها، والتي كانت ملطخة بالدماء، تمتمت قائلة:
“هذه المرة لن أتركه. أبدًا، أبدًا…….”
الانستغرام: zh_hima14