Falling to paradise - 9
──────────────────────────
🌷 الفصل التاسع –
──────────────────────────
لقد مر وقت طويل منذ أن تذوقت إنجي اللحم، لذلك شعرت أن طعمه المليء بالعصارة والمتبل كان رائعًا للغاية.
لقد وصل بها الأمر لدرجة أنها كادت أن تنفجر في البكاء من تدفق عواطفها الجياش.
بالكاد تمكنت إنجي من استعادة رباطة جأشها والتحكم في مشاعرها. ثم، ببطء ورشاقة، قامت بتقطيع قطعة أخرى من اللحم حتى لا تبدو مفترسة وتفتقر لآداب الطعام.
‘هل أشعر هكذا لأنني آكل طعاماً أحبه جداً لم أذقه منذ فترة طويلة بينما أنا جائعة؟’
أم أن السيد آيدن ماهر في الطبخ لتلك الدرجة؟
نظرت إنجي إلى قطع اللحم التي كانت تختفي بداخل فمها في لحظة وأطفأت شهيتها بخيبة أمل.
لحم مدخن بشكل مثالي وذو قوام هش بما يكفي لتقطيعه ومضغه بينما ما يزال يحتفظ بعصارة متبلة غنية بالنكهات وبدون رائحة كريهة بما أنه قد تم طهيه بشكل ممتاز …
لو كان آيدن هو رئيس الطهاة في مقر إقامة الدوق جلاستير، فربما كانت إنجي لتقوم باستدعائه شخصياً لمدحه وإعطائه علاوة.
راقبها آيدن بطرف عينه متظاهرًا بالتركيز على وجبته.
في اللحظة التي وضعت فيها إنجي اللحم في فمها، فتحت عيناها على مصراعيهما وأشرق وجهها، بينما لم تتوقف يداها عن تقطيع اللحم ووضعه في فمها.
حتى دون أن تقول أي شيء، كان من الواضح أنها كانت راضية عن الطعام.
“مهما كان الشخص رفيع المستوى، فهو لن يكون قادرًا على تناول شيء ألذ من لحم منزلنا.”
فجأة، تذكر آيدن كلمات جده الذي كان يبتسم بفخر بينما يعلمه أسرار تدخين اللحوم التي توارثها عبر الأجيال.
حتى عندما كان يحاول آيدن التغلب على تحديات الحياة ومجابهة الموت في ساحة المعركة، كان قلبه متعلقاً دائمًا بهذه المزرعة.
لذلك كان اعتراف الأميرة الصامت مرضيًا بالنسبة له؛ هو الذي عاش متمسكاً بشغفه الكبير للعناية بهذا المكان مثل جده.
لذلك …
“… هل تريدين المزيد؟”
في الأساس، لم يكن لدى آيدن أي نية لأن يتصرف بلطف معها بشكل خاص، لكن النظرة المليئة بالرجاء التي وجهتها له إنجي بعد تناول كل حصتها من اللحم كانت مرهقة للغاية.
كانت عيونها شديدة اللمعان وفمها المغلق بإحكام وكأنها تصارع رغباتها الداخلية في طلب المزيد يذكره بتعابير رفقائه الجنود عندما رؤوا الطعام لأول مرة بعدما كانوا جائعين لعدة أيام في أرض المعركة.
كما أنه كان هناك الكثير من اللحم المطبوخ الذي لن يستطيع تناوله بمفرده على أي حال، لذلك لن يضره أن يشاركه معها.
لكن إنجي هزت رأسها بحزم عند اقتراحه.
“ليست هناك حاجة لذلك. لقد أكلتُ كثيرًا بالفعل. لكن .. امم .. حسنًا … إذا كنتَ مصراً على أن تعطيني بعضاً منه ….”
على الرغم من أنها كانت تتظاهر بالرفض، إلا أن يدها كانت تدفع الطبق الفارغ نحو آيدن بعيون مليئة بالترقب.
وضع آيدن شريحتين إضافيتين من اللحم في طبقها وبعض الخضار المشوية.
“ليس عليك أن تعطيني البصل أيـ …”
ارتجف صوت إنجي كما لو أنها كانت سوف تبكي في أي لحظة، لذلك رفع آيدن حاجبه.
“هل أنتِ حقاً انتقائية في طعامكِ إلى هذه الدرجة؟”
“لا! أنا لستُ طفلة، لذا فأنا آكل كل شيء دون تمييز!!”
جواب إنجي المندفع الذي جعلها تقفز من مقعدها لم يثبت أي شيء سوى أن ما قاله آيدن صحيح.
في الواقع، كانت إنجي تكره الخضار و تحب اللحوم والحلويات منذ صغرها.
لم يكن من الواضح ما إذا كان هناك أحد قد حاول تعليمها كيفية تصحيح عاداتها الغذائية الانتقائية …
لكن من المؤكد أن أحداً لن يجرؤ على إجبار إنجي، التي نشأت بشخصية متمردة للغاية منذ الطفولة، على تناول الأطعمة التي لا تحبها.
“لا! أنا لن آكل هذا. أحضروا الكعكة! الكعكة!!!”
بعد أن بدأت دورتها الشهرية الأولى، قلل الدوق من مقدار تناولها للّحوم، والتي كان يُنظر إليها عمومًا على أنها طعام “غير أنثوي”، ولذلك بدلاً من اللحم، ملأت إنجي وجباتها بتناول الخبز والحلويات وكميات صغيرة من الفاكهة.
ربما كانت إنجي مدركة أن عادات أكلها هذه لم تكن ناضجة، لذلك بدأت في تقليب كومة البصل بالشوكة متجنبة نظرات آيدن.
‘أعتقد أنني أستطيع التظاهر بأكل بعض اللقيمات وترك ما بقي منها.’
إذا أكلته مع اللحم، فقد يكون مذاق البصل لا بأس به.
وضعت إنجي بضع قطع من البصل واللحم معًا على شوكتها ووضعتها في فمها قبل أن تتلاشى شجاعتها.
‘اععع، إنه ليس … لذيذًا؟’
ربما بسبب تأثير اللحم، كان للبصل البني المكرمل قوام مقرمش غير مألوف، لذلك كان يمكن بلعه.
لا، أن تقول بأنه يمكن بلعه لم يكن كافياً.
كان المزيج بين البصل المتبل والمشوي مع طعم اللحم المدخن متوازناً حقاً.
لقد قام آيدن بقطف بعض البصل الطازج من الحقل هذا الصباح وطهيه، لذلك كانت نكهته واضحة ولذيذة للغاية.
استمرت شوكة إنجي بالتحرك بنشاط عبر الطبق.
لقد كانت تلتقط الفطر ثم اللحم والبصل ثم الفطر مرة أخرى مع بعض الخس …
ثم مرة أخرى البصل واللحم.
استمر آيدن في النظر إلى المرأة التي كانت تجلس أمامه باهتمام، مع الحرص على عدم الكشف عن أنه كان يراقبها.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها شخصًا يأكل أمامه، لكن رغم ذلك لفتت إنجي انتباهه بطريقة غريبة.
‘أعتقد أن هذا لأنها تستمتع بالطعام كثيرًا.’
لقد نشأت إنجي في بيئة تم تلقينها فيها بأنها سوف تصبح عضوة في العائلة الإمبراطورية، لذلك على الرغم من أنها كانت انتقائية في الطعام، إلا أن أخلاقها في تناول الطعام كانت مثالية.
ربما لهذا السبب استمر آيدن في مشاهدتها.
‘إن شفتيها صغيرتين.’
عندما خطرت لـآيدن هذه الفكرة الغريبة للحظة، جفل في مكانه ثم خفض عينيه وغض بصره.
لكن لم يكن بيده من حيلة سوى أن يلاحظ ذلك …
لقد كانت شفاه إنجي الصغيرة وخدودها الممتلئة مشغولة بالمضغ دون توقف، مما جعلها تبدو وكأنها طائر صغير يتلقى الطعام من أمه …
لكن كان هذا كل شيء.
دفع آيدن الكرسي بقوة ووقف في مكانه.
كان كل من طبقه وطبق إنجي فارغين الآن، لذلك فقد حان وقت التنظيف والمغادرة إلى الحقل مرة أخرى.
“إذا انتهيتِ من تناول الطعام، ضعي الطبق هنا.”
“هل تطلب مني أن أغسل الطبق بنفسي؟”
نظر آيدن، الذي كان يقف أمام المغسلة، إلى إنجي وحاجبيه مقطبان، لكنها أبقت فمها مغلقًا بينما تنظر إليه بعناد.
“طالما أن يديكِ وقدميكِ بصحة جيدة للغاية يا أميرة، لماذا لا تحاولين أن تفعلي ما بوسعك بمفردكِ لمرة واحدة على الأقل في حياتكِ؟”
الكلمات ذات نفسها كانت مهذبة، لكن الطريقة التي تحدث بها آيدن كانت وقحة للغاية، لذلك أصبح وجه آنجي عابساً بقدر ما كان وجهه عابساً.
‘لقد اعتقدتُ أنك طباخ ماهر، لذا حاولتُ أن أكون لطيفة معك. لكن يبدو أن مثل هذا اللطف لا ينفع مع أمثالك.’
“أنا لستُ جيدة! لا يزال المكان الذي سقطتُ فيه سابقًا يُؤلمني للغاية.”
أشارت إنجي إلى ركبتيها بكلتا يديها ثم عقدت ذراعيها بغطرسة أمام صدرها.
كان آيدن على وشك أن يقول لها شيئًا ما، لكنه كبح نفسه بصعوبة.
‘لا تسقط إلى نفس مستواها يا آيدن فيتزروي.’
لقد أراد أن يخبرها بأن عقلها متضرر أكثر من ركبتها، ولكن سيكون من الأفضل بالنسبة له إنهاء غسيل الأطباق بسرعة والذهاب لزرع بذور البطاطس في المزرعة بدلاً من قضاء الوقت في الجدال مع هذه المرأة العنيدة.
قام آيدن، الذي كان قد نظف للتو الفرن، والمقلاة، وأدوات الطبخ، والأطباق التي تناولوا فيها الطعام، بوضع قطعة قماش مبللة قليلاً في يد إنجي.
“يجب أن أخرج الآن، لذا امسحي الطاولة فقط.”
“انتظر، هل سوف تغادر؟ مرة أخرى؟”
لم يكن هذا تهكماً، لقد كانت إنجي متفاجئة حقاً.
لقد غادر آيدن المنزل بمجرد صياح الديك في الفجر، وها هو الآن سوف يغادر مرة أخرى بعد تناول الطعام؟
“نعم، لأنه لا بد لي من العمل في الحقل.”
كان النبلاء أمثالها يقومون فقط بالتدحرج مثل الفقمة طوال اليوم، ولكن عكسها، خلال موسم الزراعة المزدحم، كان آيدن مشغولًا للغاية.
تجهيز الأرض، زرع البذور، اقتلاع الحشائش، والاعتناء بالماشية.
حرفيًا حتى لو كان لديه جسدين فما كانا ليكونا كافيين لإكمال كل شيء.
لقد كان العمل في المزرعة شاقاً، لكنه في الوقت نفسه كان جيداً.
إذا قام آيدن بتحريك جسمه طوال اليوم دون التفكير في أي شيء، فسوف يكون بإمكانه النوم بشكل أفضل في الليل.
“متى يتم تقديم شاي ما بعد الظهر؟”
“شاي ما بعد الظهر؟”
ابتسم آيدن بمرارة.
فقط النبلاء هم الذين يمكنهم الاستمتاع بالشاي والحلوى على مهل في فترة ما بعد الظهر.
“لا يوجد شاي ما بعد الظهر في هذا المنزل. لكن بإمكانك الحصول على بعض الشاي العالي رغم ذلك.”
“الشاي العالي؟”
الشاي العالي.
لقد كان هذا مصطلحاً يطلق على الشاي القوي الذي يشربه عادة عامة الناس مع وجبة العشاء حوالي الساعة 6 مساءً، لكن إنجي التي لم تكن تعرف حتى معنى الكلمة أمالت رأسها في حيرة.
“إذن ماذا سوف أفعل بمفردي هنا حتى ذلك الحين؟ لا يوجد شيء ممتع يمكنني القيام به هنا.”
في العاصمة، كانت النساء يستمتعن بالتسوق وحضور المناسبات الاجتماعية أثناء غياب أزواجهم عن البيت، لكن هذه المزرعة الريفية كانت بعيدة كل البعد عن مثل هذه الرفاهية.
أخذ آيدن نفسًا عميقاً.
هل تظن هذه المرأة أنه مربية أطفال أو مهرج؟
لماذا حتى تطرح عليه مثل هذا السؤال السخيف؟
“هذا أمر متروك لكِ يا أميرة. إنكِ أذكى وأفضل مني بكثير، لذلك أنا متأكد من أنكِ سوف تكونين قادرة على العثور على الأشياء التي سوف تستمتعين بها أثناء تواجدكِ في البيت بمفردكِ.”
“أنتَ … أنتَ هو المالك هنا وأنا ضيفتكَ، لذلك يجب أن تعتني بي!”
على وجه الدقة، كان ينبغي أن تقول إنجي أنهما “زوج” و”زوجة”، لكنها لم ترغب في استخدام مثل هذه الكلمات لتصف نفسها مع آيدن، لذلك استخدمت كلمات تلميحية.
رفع آيدن ببطء زاوية واحدة من فمه وابتسم ببرود.
“أنتِ مخطئة جدًا يا أميرة.”
بدت تلك الابتسامة القسرية أكثر بروداً من جميع تعابيره الجامدة السابقة.
“أنتِ لستِ ‘ضيفة’ هنا. ألا تعلمين جيدًا أنني اضطررتُ للزواج بكِ في المقام الأول؟”
عضت إنجي شفتيها بإحكام.
بالطبع لقد كانت تعرف ذلك أيضًا.
ومع ذلك، كان من المخزي بالنسبة لها أن يعاملها شخص ما، وخاصة رجل أقل مكانة منها، وكأنها ربة منزل.
“إذا كنتِ تشعرين بالملل حقًا، أثناء قيامكِ بمسح الطاولة، قومي أيضًا بمسح الأرضية والأرفف. سوف يمر اليوم بسرعة إذا فعلتِ ذلك.”
بعد أن أنهى آيدن ما كان يريد قوله، غادر عبر الباب الخلفي للمطبخ كما لو كان يهرب من إنجي.
كانت الكلمات التي أخبرها بها مباشرة منعشة ولكن مقلقة إلى حد ما في الآن ذاته.
لقد أزعجته تلك الأميرة الطفولية للغاية، لكنها رغم كل شيء كانت مجرد امرأة لا تجيد إخفاء عواطفها، حتى ولو كان ذلك فقط بسبب عدم نضجها.
لذلك عندما رأى آيدن الحزن والبؤس والغضب على وجه إنجي الذي كان مثل الكتاب المفتوح، شعر بعدم الارتياح كما لو أنه قد ارتكب خطيئة ما.
حدقت إنجي في قطعة القماش المبللة التي كانت في يدها وقامت بضغطها في يدها بعصبية لفترة من الوقت، ثم ألقتها بعيدًا في اتجاه الباب الذي خرج منه آيدن سابقاً.
وبسبب افتقار إنجي إلى القوة البدنية، سقط القماش على الأرض قبل وصوله إلى الباب حتى.
“لماذا يوجد في هذا العالم أشخاص أشرار مثل هذا الرجل؟ ماذا يريد مني أن أفعل؟”
الأميرة، التي خُدِش احترامها لذاتها كثيرًا، أثارت ضجة في المطبخ لبعض الوقت ثم قررت عدم مسح الطاولة التي أمرها به.
هي لم تأتي إلى هنا لتصبح خادمة أو عاملة، لذلك كان عليها أن توضح ذلك له بشكل واضح.
هي لن تفعل أبدًا أي شيء إلا إذا كان أمراً لا مفر منه حقًا.
تنفست إنجي بقوة مثل الأطفال الغاضبين وهي تمسك بخصرها بينما تنفخ خدودها من الانزعاج.
لقد حاولت تكرار عملية الشهيق والزفير الغاضبة لفترة طويلة من الوقت بسبب شعورها المفاجئ بالإحباط.
لكن رغم ذلك، كان من الصعب عليها أن تتنفس بتلك القوة لأنها أكلت أكثر من المعتاد وكان مشد صدرها ضيقا للغاية.
“هل أكلتُ كثيراً؟”
لكن لحسن الحظ، تمكنت إنجي من المشي بعدما قامت بفك الأربطة التي كانت خلف ظهرها بصعوبة مما جعل المشد فضفاضًا.
“يجب أن أكون حريصة على شكل جسدي أثناء تواجدي هنا.”
دعونا نعود إلى غرفتنا ونكتب رسالة إلى والدنا لنطلب منه أن يأتي لاصطحابنا بسرعة.
شعرت إنجي أنها مثيرة للشفقة وبائسة في نفس الوقت، مما جعلها تتأكد من مدى تدهور وضعها.
***
في تلك الليلة بالذات، سلّمت إنجي آيدن رسالة سميكة مكتوبة بشغف وإخلاص كبيرين.
“أرسل هذه الرسالة إلى العاصمة في أسرع وقت ممكن. إنها تحتوي على شيء مهم.”
“رسالة؟”
“يجب أن أخبر والدي أنني وصلت إلى هنا بأمان.”
لم تقل إنجي أنها قد كتبت رسالة لوالدها عمداً لتطلب منه أن يرسل شخصاً ما ليأخذها من هنا.
من وجهة نظرها، كان آيدن، الأخ غير الشقيق للإمبراطور، إلى جانب الإمبراطور وليس إلى جانبها.
إذا اكتشف أنها كانت تخطط للهروب من ليزلي، فقد يخبر الإمبراطور بذلك.
“علي أن أذهب إلى المدينة لإرسال الرسالة بالبريد، هل تظنين أنني … في الواقع، حسناً. سوف أذهب إلى هناك في نهاية هذا الأسبوع.”
آيدن، الذي كان على وشك رفض طلبها، غير رأيه في منتصف الطريق.
كان مصطلح “المدينة” مصطلحًا يستخدمه سكان ليزلي للإشارة إلى منطقة مزدهرة نسبيًا داخل المنطقة.
على الرغم من أنه كان مكانًا صغيرًا جدًا مقارنة بالعاصمة، إلا أنه كان هناك العديد من المرافق الملائمة والضرورية للحياة اليومية، لذلك كان هناك الكثير من الناس يعيشون هناك.
في الأصل، كان آيدن يكره الأماكن المزدحمة ولا يخرج إلى المدينة كثيرًا.
في كل مرة ينظر إليه شخص غريب، كان يشعر بعدم الارتياح والحزن لأنه كان يشعر وكأنهم يشتمونه من الداخل.
「 أنتَ قاتل! 」
وكان هذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يدفن نفسه في مزرعة ديلتون النائية والسبب نفسه الذي جعله لا يقوم بتوظيف أي خادم أو خادمة لمساعدته في الأعمال المنزلية حتى خلال الموسم الحالي: موسم الزراعة المزدحم.
ولكن على أية حال، مع قدوم إنجي للعيش معه، فقد كانت هناك الكثير من الأشياء التي عليه شراؤها.
ولا يقتصر الأمر على المكونات الغذائية مثل الدقيق والملح، بل يشمل ذلك أيضًا المنتجات الصناعية مثل الصابون ومعجون الأسنان.
“إذا وافقتَ على طلبي، فسوف أبقى هادئة لفترة من الوقت.”
بالتفكير في الأحداث الصاخبة التي تسببت بها إنجي اليوم، قبل آيدن الرسالة الذي سلّمتها له دون أي اعتراض.
عندما رأته إنجي وهو يضع الرسالة في جيب سترته، تذكرت شيئًا ما.
“أوه، انتظر لحظة! لا بد لي من إرسال رسائل أخرى إلى جانب تلك الرسالة.”
إذا كان والدها، الدوق چلاستير، لا يزال غاضبًا، فهي سوف تكون بحاجة إلى أشخاص آخرين لمساعدتها.
لسوء الحظ، كانت والدة إنجي من فرنسا، وهي دولة مجاورة، لذلك لم يكن لديها أي اتصالات سياسية هنا.
علاوة على ذلك، فقد ماتت أمها في سن صغيرة جدًا لذلك فقدت إنجي الاتصال بأقارب والدتها منذ فترة طويلة.
وعلى الرغم من أنها كانت ترى أقارب والدها في كثير من الأحيان في المناسبات الاجتماعية، إلا أنهم لم يكونوا ليساعدوها إلا إذا طلب منهم والدها، رب الأسرة، ذلك.
لذلك قررت إنجي استغلال جميع الروابط الاجتماعية التي بنتها في الدوائر الاجتماعية.
“سأعطيكَ المزيد غدًا، لذا أرسلهم فور ما تصل إلى المدينة.”
“هل تعتقدين أنني رسول أبيكِ؟”
سواء تذمر آيدن أم لا، قالت إنجي ما كانت تريد أن تقوله واختفت بسرعة في غرفتها دون أن تكثرت لما كان يقوله.
لقد قررت أن تكتب أكبر عدد ممكن من الرسائل، حتى لو كان ذلك يعني أنه عليها السهر طوال الليل لفعل ذلك.
وبطبيعة الحال، كانت قد تناولت العشاء الذي أعده آيدن بالفعل.
كما أن الشاي المسمى بـ”الشاي العالي”، الذي كان يحتوي على الكثير من السكر والقشدة، والذي شربته إنجي في وقت سابق كان يناسب ذوقها بشكل مدهش.
──────────────────────────
✨ثقافة عامة:
هناك مصطلحات كثيرة يخلط الناس بينها في المجتمع البريطاني، ولعلّ أبرز مثال اها هو الشاي الذي لا يفرق فيه أغلبية الأشخاص بين:
“كريم الشاي” الذي يعتمد على تقديم بعض الكعكات مع الشاي، و “شاي ما بعد الظهر” الذي يُقَدّم مع الساندويشات والكعكات، و “الشاي العالي” الذي يشربه البريطانيين مع وجبة العشاء، و “الشاي الملكي” الذي يُقدّم مع كأس من الشامبانيا بعد الظهيرة.
بينما يعتقد معظم الناس أن “شاي ما بعد الظهر” هو نفسه “الشاي العالي”، لكن في الواقع، هما شيئين مختلفين تماما وبعيدين كل البعد عن بعضهما البعض.
إذن ما هو “شاي بعد الظهر” ؟
بدأت عادة شرب شاي ما بعد الظهر في منتصف القرن التاسع عشر.
في تلك الأيام، كان يتم تقديم وجبة الغداء عند الـ1 ظهراً، ولكن العشاء كان يتم تقديمه في وقت متأخر بعد الساعة الـ8 مساءً.
لذلك وجدت الدوقة آنا بيدفورد نفسها جائعة خلال ساعات ما بعد الظهر الطويلة.
ولهذا السبب، طلبت من الخادمات تقديم الشاي لها مع بعض الخبز والزبدة خلال أوقات ما بعد الظهر لتسد جوعها إلى حين وصول وقت العشاء. وسرعان ما بدأت بدعوة السيدات النبيلات الأخريات للانضمام إليها وتبادل أطراف الحديث أثناء الاستمتاع بالسندويشات والكعكات والحلويات مع فنجان شاي ساخن.
دون أن تدرك ذلك، كانت الدوقة بيدفورد هي التي بدأت عادة تناول شاي ما بعد الظهر عند نساء الطبقة العليا في بريطانيا العظمى.
مما سبق، يظهر بوضوح أن “شاي ما بعد الظهر” كان حكراً على الأغنياء والطبقة الأرستقراطية فقط في القرن التاسع عشر، عكس “الشاي العالي”.
ما هو “الشاي العالي” ؟
على الرغم من أن كلمة “الشاي العالي” أو “الشاي الرفيع” تبدو كلمة أنيقة ونبيلة بشكل خاص، إلا أن هذا النوع من جلسات الشاي يتكون في الواقع من عشاء كامل خاص بعامة الناس والأشخاص الفقراء.
كان عامة الناس في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر مشغولين للغاية بكسب قوتهم اليومي، لذلك كان وقت الشاي ينتظرهم إلى حين انتهاء العمل.
فعلى العكس من “شاي ما بعد الظهر” الذي يتم تقديمه عادة في الساعة الـ4 عصراً، يتم تقديم “الشاي العالي” في حوالي الساعة الـ6 مساءً.
وبحلول تلك الساعة، بعدما يعود العمال من يوم عمل طويل ومتعب، كان يتم تقديم الشاي العالي لهم والذي كان يتكون من أشياء تتجاوز بكثير الشاي والكعك الذي تستمتع به النساء الأرستقراطيات أثناء تبادل أطراف الحديث.
كان العاملون بحاجة إلى القوت لتغدية أجسادهم جيداً بعد يوم من العمل الشاق، لذلك كانت وجبة ما بعد العمل أكثر سخونة وتنوعاً وصاحبها هو وعاء من الشاي الجيد والقوي لإحياء الأرواح المتذبذبة والمتعبة.
كان لا يزال يتم تقديم الشاي في وقت “الشاي العالي”، ولكن إضافة للشاي يتم تقديم اللحوم والأسماك أو البيض والجبن والخبز والزبدة والكعك أيضًا مع بعض الحساء الساخن.
يُعتقد أن إضافة كلمة “عالي” إلى عبارة “الشاي العالي” ترجع إلى اختلاف شرب الشاي بين الطبقة الغنية والطبقة العاملة في المجتمع البريطاني.
حيث أن “شاي ما بعد الظهر” كان يتم تقديمه عادة بينما تجلس النساء على كراسي منخفضة ومريحة أو في ردهة الجلوس أو في الحديقة أثناء الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، عكس “الشاي العالي” الذي يتم تقديمه أثناء العشاء لعامة الناس بينما يجتمعون حول الطاولة ويجلسون على الكراسي العالية لتناول الطعام.
──────────────────────────