Encore - 3
الفصل 03
في صباح اليوم التالي، استيقظتُ على صوت العصافير تزقزق خارج النافذة. كانت أشعة الشمس تتسلل عبر الشرفة، وتنشر دفئها في أرجاء الغرفة، مما أزال أي أثر للكآبة التي كانت تسيطر على شقة الكولومباريوم.
بقيتُ تحت الغطاء لبعض الوقت، ثم ارتديتُ ملابس نومي المليئة بالرسوم الكرتونية قبل أن أنهض. وقعتُ عيني على ورقة لاصقة موضوعة على غطاء البيانو.
كانت نفس الورقة التي دفعتها تحت باب شقة 502 بالأمس.
“شكرًا لك. هل يُمكننا أن نلتقي مجددًا الليلة؟”
قرأتُ الكلمات بصوت عالٍ، وابتسمتُ بسخرية على نفسي.
يبدو أنهُ جاء بالفعل بعد أن غفوتُ، لكنهُ أعاد الورقة ليّ.
هل كان هذا رفضًا منه؟
شعرتُ بخيبة أمل، ورميتُ الورقة في سلة المهملات.
“حسنًا، إذا كنتَ لا تريد اللقاء، فليكن. ما المشكلة؟ ابقَ وحيدًا هنا حتى الموت، إذن.”
فجأةً، لمحت بريقًا، كانت هناك كلمات على الجانب الآخر من الورقة.
أخرجتُ الورقة بسرعة من سلة المهملات وقلبتها. كانت هناك ثلاث كلمات مكتوبة بخط يده. ‘لقد تحسنتِ.’
إذن، لقد أستمع ليّ الليلة الماضية بالفعل.
لكن لماذا لم يظهر؟ هل لم يكن يريد التحدث معي؟
“حسنًا، لن أناديك بعد الآن الشبح المتذمر.”
قلتُ للغرفة الفارغة.
“سأناديك معلمي شياو.”
سواء كان موجودًا أم لا، تظاهرتُ بأنهُ يستطيع سماعي.
رغم أن معلمي شياو لم يظهر لمدة ثلاثة أيام متتالية، إلا أنهُ لم يتوقف عن توجيهي.
كل يوم، كنتُ أترك ورقة لاصقة تحت باب شقته، وفي الصباح التالي، أجد الورقة على البيانو.
كانت دائمًا تحتوي على بعض الكلمات المختصرة من النصائح ورائها. رغم أنها قصيرة، لكنها ثمينة جدًا.
شياو لانغ، يا شياو لانغ، هل كنتَ تشعر بالملل من كونك شبحًا لدرجة أنك قررت تعليم طالبة من عالم الأحياء للتسلية؟
بسبب ذلك، عملتُ بجد أكبر، لم أكن لأدع لطفه يضيع هباءًا.
في تلك الليلة، قدمتُ أفضل أداء ليّ على الإطلاق لمقطوعة سيمفونية الحلم. بينما كنتُ أراقب الستائر وهي تتأرجح برفق، شعرتُ كما لو كان هناك.
“معلمي شياو، معلمي قال إنني أصبحتُ أشبهك بنسبة سبعين بالمئة الآن.”
“معلمي شياو، أعلم أنك هنا. لماذا لا تتحدث معي؟”
“هل يجب أن أحرق بعض الورق الطقوسي من أجلك؟”
“لا، لا، الورق الطقوسي مبتذل جدًا. ما رأيك لو صنعت لك بيانو من الورق…….”
“أصمتِ!”
فجأةً، دوى صوت غاضب.
أخيرًا، لقد ظهرت!
لم يظهر لا قبل ولا بعد، بل في اللحظة التي تحدثت فيها عن صنع بيانو ورقي له، ظهر.
كان غاضبًا كعادته.
“معلمي شياو…….”
“من قال إني معلمك شياو؟”
قاطعني بنبرته التي تحمل استياء غريبًا متبقيًا فريدًا من نوعه بالنسبة للأشباح.
توقف عقلي للحظة، معتقدة أنهُ ربما لا يريد قبولي كطالبة له. بتردد، سألته، “إذن…….أليسَ من غير اللائق أن أناديك بأسمك؟”
“هل تعتقدين أن مناداتي ‘الشبح المتذمر’ فيها أحترام؟”
آه، يبدو أنهُ سمع كل شيء.
بإحراج، حاولتُ أن أشرح، “أنتَ لم تظهر أبدًا، وكنتُ أشعر بالقلق……كان مجرد وسيلة لندائك…….”
“هل يعني ذلك أنني يجب أن أظهر بمجرد أن تناديني؟”
كنتُ أكره الأسئلة البلاغية، كانت مخيفة جدًا.
(يُطرح الشخص الأسئلة بشكل بلاغي، عندما لا يتوقع إجابة حقيقية.)
لكن تذكرتُ أن هذا هو شياو لانغ، رمز في عالم البيانو، ولم أستطع إلا أن أتراجع قليلًا.
“أردتُ فقط أن أشكرك شخصيًا، ولكن بما أنك لم تظهر، لم أجد خيارًا سوى التفكير في حرق بعض……أو ربما صنع بعض الأشياء الورقية…….”
قال بازدراء، “عقل مشتت لن يحقق أي شيء.”
ثم أضاف، “لا تهتمي بمن أكون، ولا حاجة للشكر. اعملي بجد، وحققي أحلامكِ، واجعلي العالم كله يستمع إلى موسيقاكِ ويشعر بروحكِ. حينها فقط، ستصبحين موسيقية حقيقية.”
رغم برودة نبرته، إلا أنني شعرتُ بتلك النصيحة الصادقة. تحت قسوة مظهره الخارجي، كان يحمل اهتمامًا حقيقيًا بي.
لم يكن مجرد أسطورة في عالم البيانو؛ لقد كان إلهًا، على الرغم من مظهره القاسي، كان على أستعداد لإرشادي.
شعرتُ بالسعادة وقلتُ بابتسامة، “حسنًا، شكرًا لك……أيها العظيم.”
هذه المرة، لم يُجيب عليّ بسؤال.
بدلًا من ذلك، أطلق ضحكة خفيفة، وبنبرة مشوبة بالازدراء قال، “ما هذا ‘يشبه شياو لانغ بنسبة سبعين بالمائة’؟ معلمك ذو تفكير محدود للغاية.”
“لكنني سأتقدم لاختبار فرقة مسرح الأحلام. الجميع يأمل في أن أكون شياو لانغ القادم.”
“همف…….”
سخر وقال، “لماذا تكوني شياو لانغ القادم؟ كُنِ نفسكِ. اعزفي موسيقى تنتمي إليكِ.”
ثم أضاف وهو يشير بإصبعه، “حاولي تقوية اليد اليسرى هنا.”
تقلبتُ ورقة النوتة الموسيقية لتتوقف عند صفحة معينة.
رنّت مفاتيح البيانو بينما بدأ في العزف كنوع من العرض التوضيحي.
أخرجتُ هاتفي بسرعة وضغطتُ زر التسجيل بحذر.
في تلك الليلة، علّمني بتفانٍ كامل، وكنتُ كالإسفنجة المتلهفة، أرغب في أمتصاص كل ذرة من موهبته التي فقدها.
قال ليّ أخيرًا، “سأذهب.”
كانت هذه المرة الأولى التي يودعني فيها بشكلٍ رسمي.
“وداعًا……أيها العظيم……معلمي؟”
لوّحتُ بإتجاه الهواء، مقتنعة أنهُ لا يزال هناك.
فجأةً، بينما أعتقدتُ أنهُ لن يُجيب، تردد صوته من بعيد قائلًا، “نادني بـ الشبح المتذمر أنا موافق عليهِ.”
تلاشت صدى كلماته عبر الباب.
كان متجهًا نحو الشقة 502.
لم أستطع أن أجبر نفسي على إغلاق الباب. حتى بعد أن أُطفئت أضواء الاستشعار في الممر وهدأ العالم حتى لم أعد أسمع سوى أنفاسي، لم أرغب في إغلاق الباب.
أعلنتُ أن الأشباح المتذمرة هي أروع نوع من الأشباح.
قبل أن أغفو، ارتديتُ سماعاتي وأعدتُ تشغيل التسجيل على هاتفي.
كان تسجيلًا فريدًا من نوعه، الوحيد في العالم، أداء من حياة أنتهت منذُ زمن، متألقٌ وثمينٌ وخاصٌ بي وحدي.
مع ذلك، أدركتُ أن عزفه كان مختلفًا عن شياو لانغ الذي عرفته.
في حياته، كانت سيمفونية الحلم لـ شياو لانغ متألقة ومليئة بالشغف؛ أما الآن، فقد كان حلم شياو لانغ لا يزال براقًا، لكن تملؤه غضب وتغلغل فيه قوة غامضة، وتوق لكسر الحواجز والوصول إلى النور.
ربما غيرت نصف سنة كـ شبح حالته العقلية.
هذا ما فكرتُ فيه.
يُتبع….