Don't tame the shrew - 54
بعد فترة قصيرة، أدرك كل من نيكولاي وبابتيسكي فجأة أنهما قد بقيا وحدهما دون أن ينتبها. كانت المحادثات التي كانت تدور بينهم وبين الآخرين قد توقفت منذ فترة، إذ كانوا يعتقدون أن هناك من يستمع خلفهم.
في ذلك الوقت، كان كل منهما يجلس بصمت يراقب صنارته، والأسماك تتراكم في دلائهم دون أي حديث. قطع نيكولاي الصمت فجأة:
“كما تعلم، والدايّ كلاهما قد رحلا.”
“ماذا؟”
“لهذا، أردت أن أسألك كيف يمكنني أن أكون زوجًا صالحًا. فأنت أب وزوج جيد، أليس كذلك؟”
هز بابتيسكي رأسه رافضًا.
“لو كنت قد منعت زوجتي من الإنجاب عندما أرادت ذلك، لربما كانت ستعيش لفترة أطول. كنت أعتقد أن علينا الحفاظ على سلالة العائلة. لو أنها لم تتزوج برجل وحيد مثلي، لما شعرت بهذا العبء الثقيل.”
“لم ألتقِ بدوقة سميرنوف من قبل، ولا أعرف الكثير عنها، لكنها لم تكن لتنجب فقط لتواصل سلالة العائلة، أليس كذلك؟”
“…….”
“عندما يقع المرء في الحب، يرغب في تكوين أسرة مع من يحب، ويريد رؤية أطفال يشبهون ذلك الشخص.”
كان نيكولاي أحيانًا يتخيل مثل هذا المستقبل، حيث يركض أطفال يشبهون كاتيا في حدائق القصر. ولكن، كان هذا مجرد حلم بعيد المنال.
بينما كان بابتيسكي يستمع لكلام نيكولاي، ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة. رغم أنه كان يبدو على ما يرام، إلا أن الحنين لزوجته كان يعود إليه في بعض الأحيان كأمواج عاتية.
كانت دوقة سميرنوف قد اختارت إطالة عمرها قليلاً لتحصل على سعادتها المزدوجة. كان هناك أشكال مختلفة من السعادة لكل شخص في هذا العالم. عندما احتضنت طفلتها الأولى بعد الولادة، أدركت أن سعادتها لم تكتمل إلا بوجود زوجها المحبوب وأطفال يشبهونها.
مشاهدة بناتها يكبرن كانت متعة لا تقدر بثمن بالنسبة لها، لذلك، لم تندم على قرارها حتى في لحظات رحيلها، بل كانت تشعر بالحزن فقط لأنها لم تستطع البقاء مع أحبائها لفترة أطول.
في تلك اللحظة، بينما كان بابتيسكي يسحب الصنارة، شدّ الخيط بشدة وكاد أن يسقط من كرسيه، فركض نيكولاي ليساعده. عمل الرجلان معًا، مستخدمين كل قوتهما لإخراج السمكة الكبيرة التي قفزت من الماء ثم قطعت الخيط وعادت إلى الأعماق.
سقط الاثنان أرضًا معًا من جراء الجذب المفاجئ.
“هل رأيت ذلك؟”
“نعم، رأيته. كان ذلك المخلوق الأسطوري. هل رأيته من قبل؟”
“لا، إنها المرة الأولى التي أرى فيها شيئًا كهذا.”
تبادلا النظرات بدهشة، ثم انفجرا بالضحك معًا. وقف نيكولاي أولاً، وساعد حماه على النهوض.
“يبدو أن هذه الأرض تمتلك مخلوقات أسطورية. اليوم هو يومك.”
“ماذا؟”
“لقد فزت.”
وأشار إلى دلوه الذي كان نصفه ممتلئ، بينما كان دلو بابتيسكي ممتلئًا بالأسماك. كانت المنافسة محسومة لصالحه.
بدأ نيكولاي في جمع الصنارة بسرعة، لكن بابتيسكي لاحظ أن الطُعم كان مفقودًا منذ البداية. كان من الواضح أن نيكولاي لم يكن مهتمًا بالفوز، بل أراد قضاء وقت ممتع مع عائلة كاتيا.
تمتم نيكولاي معتذرًا.
“يبدو أن الأسماك الماكرة سرقت الطُعم وهربت.”
راقب بابتيسكي نيكولاي لبعض الوقت قبل أن يربت على كتفه قائلاً.
“قد لا أتمكن من الحديث معك بدون رسميات، ولكن سأعتبرك من اليوم كابن لي.”
رغم الارتعاش الخفيف في صوته، إلا أنه كان يحمل الصدق والدفء.
“يُقال إن الحماة هي من تحب الصهر، ولكن بما أنه لا يوجد حمات، سأتحمل هذه المسؤولية إن سمحت لي.”
ابتسم نيكولاي ابتسامة لطيفة، وردّ.
“ليس لدي والدين، لذا سأحب وأحمي تيا بكل قلبي، وسأجعلها سعيدة.”
نظر بابتيسكي إلى عيني صهره الصادقتين، وشعر بالثقة في عهده. تذكر عندما زار حماة زوجته لأول مرة ليطلب يدها، هل كان هو أيضًا يحمل هذا التعبير الجاد على وجهه؟
من الصعب على الوالدين أن يتركا مستقبل أبنائهم في يد شخص غريب دون القلق. تذكر بابتيسكي ما قالته ابنته في المحكمة:
“إنه الرجل الذي يحبني كما أنا ولا يحاول تغييري ليُرضي ذوقه. هذا هو الدوق الأكبر.”
أدرك بابتيسكي أخيرًا أن فكرة أنه كان يسلم حياة ابنته لصهره كانت خاطئة. الزواج ليس أن يسلم الزوجان حياتهما لبعضهما البعض، بل أن يسير كل منهما في طريقه معتمدًا على الآخر كشريك في الرحلة.
نيكولاي كان الشخص المناسب لمرافقة ابنته في تلك الرحلة.
“لقد اصطدت الكثير من الأسماك. عندما نعود، سأعد لك حساءً بنفسي.”
كان بابتيسكي قد اعتاد على إعداد الطعام لزوجته الراحلة، وخاصة حساء السمك، وكان يجيده. ولكنه كان يفعل ذلك أيضًا لأسباب أخرى.
في هيرسن، كانت التقاليد تقتضي أن الحماة تقدم وجبة من صنعها للصهر قبل الزواج. أن يقوم الحمو بإعداد الطعام بنفسه لصهره كان أمرًا نادرًا.
كان بابتيسكي يُظهر بالفعل التزامه برعاية نيكولاي كصهر. لاحظ نيكولاي ذلك، وابتسم بحرارة.
“إنها وجبة من صنعك، وأنا أتطلع إليها بشدة.”
في تلك الأثناء، بعيدًا في التلال، كان قاتل يختبئ في الأعشاب موجهًا بندقيته نحو الرجلين. تمكن من معرفة مكان صيد الدوق بعد أن رأى بائع صنارات يدخل منزل الدوق بالأمس.
كان القاتل يترقب في المكان المناسب لتجنب أعين الحراس. عندما همّ بالضغط على الزناد، فوجئ بوجود شخص خلفه قبل أن يلاحظ أي شيء. ركلته قدم بحذاء جلد صلب على وجهه، مما أطاح به.
حاول القاتل الوصول إلى بندقيته التي انزلقت من يده، ولكن الشخص الذي هاجمه كان أسرع منه. قبل أن يتمكن من الوصول إلى السلاح، دفع المهاجم البندقية بعيدًا وسحب سلاحًا ووجهه نحو رأسه.
رفع القاتل بصره ليرى من هاجمه، وذهل لرؤية امرأة شقراء يعتقد أنها حبيبة الدوق.
سألت كاتيا وهي تضغط على السلاح فوق جبهته.
“من أرسلك؟ إن أردت البقاء على قيد الحياة، فمن الأفضل أن تخبرني بالحقيقة.”
في النزل، لم يكن في البندقية الفارغة أي بارود، وبسبب غفلتها، تم دفعها بسهولة، لكن الآن كان الوضع لصالحها. رغم أن العشب كان زلقًا بسبب الندى، إلا أن الأصوات المتصدعة التي تنتجها الخطوات على الأرض الجافة خُفّضت.
كانت أصوات بوریس وأفراد الحرس الذين كانوا ينتظرون على مقربة تقترب شيئًا فشيئًا.
“هنا!”
في اللحظة التي أدارت فيها كاتيا رأسها لفترة وجيزة لتصرخ، ابتلع الرجل السم الذي كان يخفيه في فمه. كان ذلك شرطًا من الجهة التي كلفته بالاغتيال منذ البداية. عند القبض عليه، يجب أن ينتحر فورًا.
إذا تم القبض عليه واضطر للاعتراف بمن يقف وراءه، فإن عائلته وأقرباءه سيعانون، لذا كان هذا الخيار لا مفر منه للقتلة.
“استيقظ! تماسَك!”
أدركت كاتيا أخيرًا أن حالته كانت غريبة، فتراجعت عن توجيه البندقية وضربته عدة مرات على وجهه. لكنه تقيأ دمًا داكنًا وتوفي وهو مفتوح العينين.
“جلالتكِ!”
“هل أصبتِ بأي أذى؟”
هرع أفراد الحرس حولها وأبعدوها عن الجثة التي تجمدت أمامها. جلست كاتيا على الأرض وهي في حالة من الصدمة.
لماذا قد يدفع شخصٌ ما القاتل للانتحار لمجرد تنفيذ عملية اغتيال؟ أو بالأحرى، من هم الذين دفعوا هذا الرجل لاختيار الموت بدون تردد بمجرد اكتشافه؟
“كم يكون الإنسان قاسيًا ليتمكن من التعامل مع حياة الناس بهذه الوحشية؟”
بدأت كاتيا تدرك تدريجيًا طبيعة العائلة الدوقية التي هي على وشك الانضمام إليها، حيث يختبئ الأشرار في كل مكان، يستهينون بأرواح البشر.
“هل أنتِ بخير يا جلالة الدوقة؟”
سألها بوریس بنبرة مليئة بالقلق.
أثناء خروج بعض الحرس للبحث عن رفقاء القاتل المحتملين، بدأ الآخرون بجمع الجثة. بدوا وكأنهم معتادون على هذه المواقف، حيث كانوا يتحركون بسلاسة وتنسيق.
لم تكن كاتيا تعلم حتى أن القاتل الذي واجهته في النزل قد انتحر. وفوق كل ذلك، رؤية مشهد الموت المباشر كان صادمًا بالنسبة لها.
“من الذي أرسل هذا القاتل؟”
“لا أعرف، يا جلالة الدوقة.”
رغم أن بوریس كان يتوقع من أرسل القاتل، فضل التزام الصمت. توجيه الاتهامات دون دليل ضد الدوقة الراحلة والبيانين كان جريمة في حد ذاتها. كما أمر نيكولاي رجاله بالحذر الشديد وعدم التحدث علانية حتى لو كانت هناك أدلة تشير إلى أن هناك من أمر بالاغتيال، حرصًا على سلامتهم.
في هذه الأثناء، كانت بيانكا تتجول على الجانب الآخر من البحيرة مع لوكا وليكا. لا يزال لوكا يشعر ببعض الخوف من ليكا، لكن مع مرور الوقت، تأقلم على رؤيتها كثيرًا، وكان قادرًا على التواجد معها في نفس المكان بشرط أن يبقى على مسافة معينة.
تبادل الشابان العديد من الأحاديث البسيطة خارج الدروس. رغم أن معظمها كان حديثًا عابرًا، إلا أن لوكا كان سعيدًا للغاية بتمضية الوقت مع بيانكا.
“هل كنت تتنقل في الشمال كمعلم خصوصي؟”
“نعم.”
“إذًا، لا بد أنك تعرف العديد من النبلاء.”
“نوعًا ما.”
بينما كان لوكا يحاول فهم السبب وراء هذه الأسئلة، سألت بيانكا مجددًا:
“هل سمعت عن فتى أنقذ فتاة من الغرق منذ 13 عامًا؟”