Don't let your husband know! - 86
“……”
لم يكن هناك أيّ ردٍّ من إسكاليون، الذي كان جالساً ووجهه لا يزال بين راحتيه. كان واضحاً أنها قد باغتته باعترافها، وبالنسبة له قد يبدو أكثر غرابةً ممّا تتصوّر.
تردّدت بيلادونا للحظةٍ قبل أن تبدأ بالكلام مجدداً. كانت قد هدأت كثيراً بحلول تلك اللحظة.
“لديّ ما أقوله. وقد يكون حديثاً طويلاً جداً.”
“لا بأس. الليل طويل.”
أجاب وهو أخيراً يرفع يده عن وجهه. لم يكن من السهل تحديد المشاعر التي تنعكس في عينيه الذهبية تحت كفّيه.
ابتلعت بيلادونا ريقها بجفاف. كان قرارها نصف عفوي، لكنها شعرت أن الوقت الآن هو الفرصة الوحيدة لإفشاء سرّها.
‘ولأنه هو … أريد أن أخبره بكلّ شيءٍ بصدق.’
لم تعد ترغب في تعذيبه، وأرادت منحه الطمأنينة التي يفتقر إليها.
وكانت هذه الطريقة هي السبيل الوحيد لذلك.
“هل يمكنكَ المجيء إلى هنا قليلاً؟”
عندما تحرّكت ببطءٍ لتترك مساحةً بجانبها على السرير، تصلّبت ملامح وجه إسكاليون على الفور.
تنهّد بمرارةٍ وسأل.
“هل تطلبين مني أن أستلقي بجانبكِ على نفس السرير؟ طوال الليل؟”
“آه، فكّرتُ فقط في أن الجلوس على الكرسي الصلب قد يكون مزعجًا لك …”
“أن أستلقي بجانبكِ وأنت ترتدين هذا الثوب الرقيق يبدو أكثر إزعاجاً.”
“إذًا … فقط استمع لي من هناك …..”
نظر إسكاليون إليها بصمتٍ لفترةٍ وجيزةٍ قبل أن ينهض من كرسيه. توقّعت أنه سيتّجه نحوها، لكنه استدار عكس الاتجاه وفتح الباب، وأطلّ برأسه إلى الخارج.
“هاي أنت.”
“نعم؟”
ارتبك الكاهن الذي كان يجلس بعيداً في الممرّ وردّ متلعثماً. أشار له إسكاليون بيده وقال.
“وجودكَ هناك في الممرّ يجعلني غير مرتاح. سأحرسُ الليلة، لذا اذهب ونَم مطمئناً.”
“لـ لكن …”
“الضوضاء التي تصدرها أثناء التجوّل طوال الليل تزعج القديسة أكثر.”
“مـ ماذا؟ القديسة منزعجة؟ حقًا …؟”
“نعم، صحيح.”
ضحكت بيلادونا بخفّة دون أن تدرك ذلك.
أعتقد أنه يبذل كلّ ما في وسعه لتجنّب أن يسمع صوتي أحدٌ ما.
“عُد في الصباح.”
“فـ فهمت.”
من خلال فتحة الباب نصف المفتوح، سُمِع صوت الكاهن وهو يجمع أغراضه بشكلٍ خافتٍ ويغادر.
تابعت بيلادونا عودة إسكاليون إلى الغرفة بعد أن فعل ما أراد.
كانت تتوقّع أنه قد يتّجه نحو السرير، لكنه جلس على الكرسي مجدّداً. نظرت إليه بيلادونا بشيءٍ من خيبة الأمل.
“أخبريني الآن.”
“ألن تأتي إلى السرير حقاً؟”
“لا تجبريني على تكرار كلامي مجددًا.”
قال ذلك بنبرةٍ باردة، لكن عندما انخفضت زوايا شفتي بيلادونا بخيبة، بدا عليه الارتباك وأشاح بوجهه. رفع يده ليعيد شعره المتساقط عن جبينه وفتح فمه.
“ليس لأنني لا أحبّ ذلك. لكنني أخشى أن أؤذيكِ فقط.”
“تؤذيني؟”
“أنتِ مصابة، وقد سبّبتُ لكِ الألم من قبل.”
عند سماع ذلك، تذكّرت بيلادونا الحادثة في وقتٍ سابق من اليوم. عندما كانا في هذا الغرفة، أمسك بفخذها بقوّةٍ بينما كانا يتبادلان قُبلة، وقد انكمشت بمفاجأة عند الألم الشديد ااذي شعرت به بسبب الجروح هناك.
“إذا كان الأمر كذلك، فلا بأس …”
“سأستمع من هنا. سيكون الأمر أكثر راحة.”
“لكن من الصعب التحدّث وجهًا لوجهٍ وأنتَ بعيدٌ هكذا. ألن تقترب وتستمع؟ قد يكون الحديث طويلاً …”
بينما كانت بيلادونا تهمس بصوتٍ خافت، نظر إسكاليون إليها ثم أطلق تنهيدةً واستدار.
“لقد أصبحتِ أكثر براعةً في مضايقتي منذ آخر مرّة.”
بعد لحظةٍ من التحديق في الأرض، تنهّد مجدّداً وحرّك جسده الكبير.
ياللراحة…
تحرّكت بيلادونا سريعاً لإفساح المكان بجانبها ورفعت الغطاء وجلست.
عندما جلس إسكاليون على السرير، شعرت بانخفاض المرتبة تحت ثقله. وفي الوقت نفسه، أحاطها دفء جسده ورائحته المميّزة ممّا جعل بشرتها تشعر بوخزٍ خفيف.
تأثّرت بيلادونا بشدّة بتلك المشاعر التي لم تشعر بها منذ زمنٍ طويل، فارتعشت كتفاها قليلاً.
“هل تشعرين بعدم الراحة؟”
سألها إسكاليون متوقّفاً عن الحركة عندما رآها هكذا.
نفت بيلادونا برأسها سريعاً.
“لا، ليس كذلك.”
“إذن ابدئي بالكلام. ماذا تقصدين بأنكِ لستِ القديسة بيلادونا التي أعرفها؟”
رمشت بيلادونا عدّة مرّاتٍ بنظرةٍ مصمّمةٍ قبل أن تفتح فمها بهدوء.
“ربما تظنّ أنني أستخدم تعبيراً مجازياً، لكنه المعنى الحرفي. أنا لستُ القديسة بيلادونا. قبل نصف عامٍ من زواجنا … كنتُ قد مِتُّ بالفعل.”
عند سماع كلماتها، أخذ إسكاليون نَفَساً متفاجئاً بصمت. كان صدره القويّ يرتفع ببطء.
لقد كان من الأفضل عدم مواجهة عينيه أثناء الحديث.
لم تكن تعلم أيّ تعبيرٍ كان يرتسم على وجهه الآن، ولم تكن تملك الجرأة لمقابلته مباشرة.
“أراهن أنكَ تفكّر أنني أقول هراءًا الآن، أليس كذلك؟”
“……”
“الشيء المؤكّد هو أنني لا أعرف جيداً ما الذي حدث أيضاً. كنتُ ابنة فلاحٍ فقيرٍ عانيتُ طوال حيات، ومِتُّ شابة. وعندما فتحتُ عيني، وجدتُ نفسي القديسة بيلادونا. لا أعرف أين ذهب جسدي الأصلي.”
توقّفت بيلادونا عند هذه النقطة، وسرعان ما امتلأت الغرفة بالصمت.
هل يعقل أنه نام؟ إنه هادئٌ جداً…
بقيت جالسةً وحدها ونظرت إلى وجهه بعناية. لم يكن نائماً، بل كان يحدّق في الفراغ بخفّةٍ مع تقطيبٍ بسيطٍ في حاجبيه.
“لماذا … لا تقول أيّ شيء؟”
سألته بيلادونا، فحوّل إسكاليون عينيه الذهبية نحوها.
“لا أعرف ماذا أقول.”
“لا تصدّقني، أليس كذلك؟ ربما تظنّ أنني فقدتُ عقلي؟”
“لم أقل ذلك.”
قال وهو يغطّي عينيه بيده. من الواضح أنه كان مرتبكاً للغاية من هذا الاعتراف المفاجئ.
علاوةً على ذلك، كان محتوى هذا الاعتراف لا يُصدَّق، لذا لم يكن يعلم كيف يجب أن يتفاعل.
“بالتأكيد ستفعل. لو أخبرني أحدهم أن إسكاليون كان يحمل روح شخصٍ آخر، لكنتُ تصرّفتُ بالطريقة ذاتها.”
“إذن …”
أطلق إسكاليون تنهيدةً مصحوبةً بأنينٍ وهو يقول.
“تقولين إنكِ لستِ القديسة بيلادونا؟ إذن أين هي القديسة بيلادونا؟”
“لا أعرف ذلك أيضاً.”
“الا يمكن أن يكون مجرّد حلم؟”
“لا، ليس كذلك.”
كانت بيلادونا تجيب عن كلّ الأسئلة فوراً ودون تردّد. إلّا أن إجاباتها السريعة جعلت إسكاليون نفسه معقود اللسان.
“إذن … مَن يعلم أنكِ لستِ القديسة بيلادونا؟”
“الآن أصبح عددهم ثلاثة.”
فتحت بيلادونا راحة يدها وبدأت تطوي أصابعها واحدةً تلو الأخرى.
“أنا، والساحر التابع للفاتيكان الذي يساعدني، وأنت.”
نظر إسكاليون إليها بصمتٍ ثم أطلق تنهيدةً أخرى.
لم يكن يعلم إن كانت تمزح معه لأنه قد مرّت فترةٌ طويلةٌ منذ آخر لقاءٍ لهما، أم أنها تعني حقاً ما تقول.
وفي النهاية، لم يكن أمامه سوى أن يساير حديثها.
“كيف عشتِ منذ أن أصبحتِ القديسة بيلادونا؟”
“عندما فتحتُ عيني لأوّل مرّة … كانت صوتي طبيعيًا تماماً. لكن لم أتمكّن من استخدام القوّة المقدّسة. ربما لأن القديسة الأصلية فقدت صوتها مقابل الحصول على تلك القوّة، بينما أنا، التي أمتلك الصوت، كنتُ أفتقر إليها.”
“لم تتمكّني من استخدام القوّة المقدّسة؟”
“نعم. لذلك لم أستطع التحدّث مع أحد. لو علموا أن لديّ صوتاً، لشكّوا مباشرةً في قواي المقدّسة.”
قطّب إسكاليون حاجبيه.
كانت القديسة بيلادونا، ابنة البابا بالتبنّي، شخصيةً لا غنى عنها بالنسبة للفاتيكان، خاصةً في استقرار انتقال السلطة إلى البابا الحالي. ولو فقدت قواها المقدّسة فجأة، كان ذلك يعني ضياع هيبة البابا نفسه.
“إذا كانت القديسة قد فقدت قوّتها المقدسة … وكانت مجرّد قديسةٍ مزيّفة، فهذا كان ليشكّل تهديداً على حياتكِ، أليس كذلك؟”
“نعم، لذلك كنتُ أخفي حقيقة أنني أستطيع التحدّث وعشتُ بصمت.”
“كيف استطعتِ …”
تنهّد إسكاليون بصوتٍ خافت.
“ثم بعدها التقيتِ بي؟”
“صحيح.”
أومأت بيلادونا برأسها. كانت تتذكّر بوضوحٍ كيف التقت إسكاليون فجأةً بعد أن تكيّفت بالكاد مع حياة القديسة.
لو لم ألتقِ به في ذلك الوقت … هل كنتُ سأظلّ أسيرةً داخل قفص الفاتيكان كطائرٍ محبوس؟
“إذاً، لهذ السبب كنتِ تغّنين في مكانٍ منعزلٍ ظننتِ أنه ليس به أحد؟”
“لقد أرعبتَني! ذلك المكان مخصّصٌ للبابا والقديسة فقط. كيف بحق خالق الأرض استطعتَ الدخول إليه؟”
على استفسارها المتأخّر بالفعل، ابتسم إسكاليون ورفع كتفيه بلا مبالاة.
“ظننتُ أنني سأستطيع النوم بسلامٍ هناك لانه بدا مكانًا هادئًا. كنتُ متعباً في ذلك اليوم.”
هاا … له من شخصٍ وقح!
عبس إسكاليون للحظةٍ وهو يتذكّر ذلك الوقت، وسأل فجأة.
“إذًا أغنية العمل التي كنتِ تغنيها ….. هل كانت أغنيةً تعرفينها من حياتكِ السابقة؟”
“نعم، كنتُ أغنّيها أثناء العمل …”
“أين كنتِ تعيشين؟”
قاطعها إسكاليون مجدّداً، وسأل. فتحت بيلادونا عينيها بتعجب على تصرّفاته التي بدت متعجّلة.
“… مـ ماذا؟”
“قبل أن تستيقظي كالقديسة بيلادونا، أين كنتِ تعيشين؟”
لــ لماذا تبدو هكذا؟
نظرت إليه بيلادونا بحذر وهو يسأل بإلحاح. ثم أجابت.
“فـ في أستانيا … كانت هناك قريةٌ زراعيةٌ قريبةٌ من الفاتيكان.”
“أستانيا …”
تغيّرت ملامح إسكاليون بشكلٍ غريب وهو يردّد خلفها بصوتٍ غامض. ثم رفع عينيه الذهبية لينظر إلى بيلادونا بتمعّن.
“لماذا … لماذا تسألني هذا؟”
“هل تعلمين أنه عندما تغنين، لديكِ عادةٌ صغيرة؟”
“عادة؟”
“نعم، دائماً ما تنهين آخر نغمةٍ من كلّ جملةٍ بلطفٍ وبصوتٍ مرتفعٍ قليلاً.”
“حقاً؟”
“وهذا شيء … أظن أنني سمعتُه من قبل.”
ما الذي تتحدّث عنه بحق خالق الجحيم؟
تساءلت بيلادونا في نفسها، وهي تحدّق فيه بدهشة.
لكنه، وبعد لحظة، هزّ رأسه وكأنه ينفي بارتباكٍ ما قاله، ثم اكمل.
“لا، لا شيء … أيّ نوعٍ من الهراء امبس به الآن …. استمري بما كنتِ تقولين.”
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.
شعر أن قصة بيلادونا السخيفة أشبه بضربٍ من الخيال بينما لم يستطع حتى أن يتبيّن ما إذا كان هذا حلمها أم خيالها.
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. أن أفكّر في أنني قد قابلتُ امرأةً ربما تكون هي في حياتها السابقة.
هزّ إسكاليون رأسه مرّةً أخرى.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1