Don't let your husband know! - 69
أخفت بيلادونا ملامح وجهها المُتعَبة وحاولت جاهدةً أن تبتسم وهي تنظر إلى الكاهن تيموثي الذي كان يقترب منها.
توقّف على مسافةٍ معيّنةٍ منها، وكأنه يتساءل عن مدى القرب الذي سيكون مقبولاً.
رفعت بيلادونا جسدها الذي كان مستنداً على الحائط، وأخذت وضعية وقوفٍ مستقيمة.
قال تيموثي بتردّدٍ وهو يمدّ يده نحوها.
“هلّا سمحت القديسة لي بدعمها …؟”
اقترب منها بحذرٍ وهو يمدّ يده، فأسرعت بيلادونا بهزّ رأسها رافضةً بلطف.
رغم كلّ الظروف، كانت بيلادونا متزوّجة ولا يمكنها الاعتماد على أيّ شخص.
“إذاً، امسكي بطرف ردائي على الأقل.”
مدّ طرف ردائه الأبيض لها فجأة، فأمسكته بيلادونا دون أن تفكّر كثيراً.
بدا أن تقديم العون بكرمٍ غير متوقّعٍ هو عادة تيموثي، كما فعل من قبل عندما حمل الأمتعة الثقيلة التي كانت مع سيندي.
سارت بيلادونا وهي ممسكةٌ بطرف ردائه عبر الممرّ الفارغ في الفاتيكان.
لم يكن يُسمَع في الممر الطويل المغمور بأشعة الشمس سوى صوت خطواتهما المنتظمة وهي تدوي على الأرضية الرخامية.
“أنا سعيدٌ بعودتكِ.”
في ذلك الوقت، قال تيموثي وهو يسير أمامها.
التفتت بيلادونا، التي كانت تنظر إلى ضوء الشمس المتدفّق عبر النوافذ المربّعة الموضوعة بانتظامٍ في الممر، برأسها.
لم تستطع رؤية سوى ظهر تيموثي العريض، لذلك لم تستطع معرفة التعبير الذي كان يصنعه عندما نطق بكلماته.
“أصبح الفاتيكان فارغًا في غيابكِ، حتى أن عدد الزوّار من المؤمنين قلّ كثيراً.”
آه، لا بد أن النبلاء قلّ تردّدهم أيضاً.
ضحكت بيلادونا باستهزاء حينما تذكّرت النبلاء الذين كانوا يأتون إلى غرفة الاعتراف.
حالما تنتشر شائعة عودتها، سيعودون مجدداً إلى الفاتيكان، خاصّةً مع حلول فترة الاحتفالات الوطنية، سيكون هناك المزيد من الزحام.
عندما فكّرت في الكاردينال نيكولاس الذي كان يستعد لإعادة فتح غرفة الاعتراف، شعرت بإرهاقٍ ثقيلٍ يغمرها.
“لقد اهتممنا بتنظيف المكان الذي كنتِ تقيمين فيه، أنا والكهنة نقوم بذلك بانتظام. ربما هو ليس كما كان من قبل، لكنه سيظلّ مناسِباً لإقامتكِ في الوقت الحالي.”
“……”
“عندما أشعر بالضيق، لا أجد مكاناً يضاهي هذا المكان راحةً ….”
واصل تيموثي حديثه مع نفسه، وشعرت بيلادونا بالدفء وهي تسير خلفه.
كان من الممكن أن يكون البابا أو الكاردينال نيكولاس قاسيين، لكن الفاتيكان يضمّ كهنةً طيبين حقاً يحبّون الإله.
“أتمنى ألّا تبذلي مجهوداً كبيراً كما كنتِ تفعلين من قبل. فأنتِ الآن لستِ قديسة أستانيا فقط، بل أيضاً دوقة وسيدة جريبلاتا.”
‘دوقة وسيدة جريبلاتا…’
تردّدت كلمات تيموثي في ذهن بيلادونا.
كانت تخطّط للبقاء حتى انتهاء عيد ميلاد الإمبراطور، ثم العودة إلى جريبلاتا فوراً، لكنها لم تكن متأكّدةً من إمكانية تحقيق ذلك.
‘اشتقت بالفعل لرؤية إسكاليون …’
لحظة، ما هذا…!؟’
وفجأة، وهي تحدّق بلا مبالاةٍ خارج النافذة، توقّفت بيلادونا عن المشي. كان ذلك لأنها رأت شخصًا مألوفًا جدًا خارج النافذة.
“سيدتي القديسة…؟”
عندما توقّفت، شُدَّ طرف رداء تيموثي الذي كانت تمسكه بشدّة، توقّف تيموثي عن السير والتفت ناظرًا خلفه.
لم تُجِب بيلادونا، بل نظرت خارجاً واتسعت عيناها، وشعرت بنبضات قلبها تتسارع.
“….!”
كان هناك رجلٌ برداءٍ أزرقٍ داكنٍ قديم، ذو لحيةٍ بيضاء طويلة وجسمٍ صغير الحجم.
لقد جاء الساحر فابيون إلى الفاتيكان.
‘كـ كيف …؟’
تأكّدت بيلادونا من رؤيته، وابتلعت ريقها بقلق.
لم يكن ذلك أمرًا غريبًا على الإطلاق، لأن فابيان كان احد السحرة الذين يزورون الفاتيكان منذ البداية. لكن مجرّد التفكير في أن ساحرًا يعرف سرّها موجودٌ هنا بالذات، جعلها تشعر بعدم الراحة والانزعاج، وكان هذا طبيعيًا تمامًا.
وبينما كانت بيلادونا تحدّق في فابيون دون وعي، إذ به يلتفت فجأةً نحوها.
و قبل أن تتمكّن من تفادي نظره، التقت عيناهما.
‘آه!’
التفتت بسرعةٍ إلى الجهة الأخرى، لكن كان قد فات الأوان، فقد التقت عيونهما بالفعل وتأكّدت بيلادونا من أنه رأها.
أزاحت بيلادونا نفسها من النافذة وملامحها مرتبكة.
“القديسة؟”
فلنذهب، تيموثي!
توجّهت بيلادونا إلى تيموثي وهي تشير بيدها نحو نهاية الممر. علينا مغادرة هذا المكان!
“لقد مرّ وقتٌ طويل، أيّتها القديسة.”
لكن، على الرغم من استعجالها، اقترب فابيون، الذي دخل بالفعل إلى المبنى، منهما وقام بتحيّتها.
أيمكن أن يكون هذا الساحر قد استخدم سحر النقل الآني؟ كيف وصل إلى هنا بهذه السرعة؟
اقترب فابيون من بيلادونا وألقى بنظرتهِ عليها من تحت جبينه المجعد.
“آه، السيد الساحر! لقد مرّ وقتٌ طويل.”
انحنى تيموثي، الذي بدا أنه يعرف فابيون، له محيّيًا وابتسمت بيلادونا ابتسامةً متكلّفة.
“كنتُ أظن أن القديسة ستعود إلى أستانيا مع اقتراب احتفال ميلاد الإمبراطور، ويبدو أنني لم أكن مخطئًا.”
لذا، هذا يعني …… أنكَ جئتَ إلى هنا لرؤيتي خصيصًا؟ لماذا بحق الخالق!؟
“هممم ….”
لم أحبّ أنه يحاول التحدّث معي في كلّ مرّة. دعني وشأني!
أطلق فابيون صوتًا غامضًا وهو يتفحص بيلاّدونا بتمعن. وبعد لحظة، من التأمل فتح فمه.
“يبدو أن هناك شيئًا تغيّر فيكِ يا قديسة.”
“تغيير؟”
سأل تيموثي بدلًا من بيلادونا التي كانت صامتة.
“نعم، تغييرٌ يجعل حتى القديسة نفسها تتساءل عنه وتود معرفةَ سببه بشدّة.”
تغيير؟ أيمكن أنه يقصد …. فقداني لصوتي واكتسابي قوّة السحر؟ إلى أيّ مدًى يعرف هذا الساحر عني؟
نظر تيموثي إليها بنظرةٍ محتارة، لن يقول أيّ شيءٍ غربب في هذا الموقف، صحيح؟
“قديسة، أرجو أن تخصّصي لي بعضًا من وقتكِ الثمين، لديّ ما أودّ أن أخبركِ به.”
ربما لاحظ وجهها المتوتّر، فتراجع فابيون قليلًا.
“لكن بما أنكِ عدتِ للتوّ، ربما من الأفضل أن تستريحي أولًا.”
“نعم، بالتأكيد. سأطلب من الكاهن المساعد في ترتيب الوقت المناسب لكما.”
“شكرًا جزيلاً لك، أيها الكاهن.”
أومأت بيلادونا، وهي تفكّر في التحدّث مع الكاهن لإلغاء الموعد بمجرّد أن تسنح لها الفرصة. أرادت فقط أن تخرج من هذا الموقف وتشعر ببعض الراحة.
“إذن، سأرحل الآن.”
أجبرت بيلادونا زوايا شفتيها بالارتفاع وهي تنظر نحو فابيون. كان وجه الساحر العجوز يحمل ابتسامةً غامضة.
***
“سيدي، هل عدت؟”
عند دخول إسكاليون إلى ميدان التدريب في قلعة جريبلاتا، صاح هازل بصوتٍ عالٍ منحنياً، وبعده بدأ الفرسان المتواجدون حول الميدان بتحيّته تباعًا.
“صباح الخير، سيدي!”
“هل تناولتَ طعامك، سيدي القائد؟”
“أوه، نعم.”
استقبل إسكاليون تحيّات الحراس دون اهتمام، وأخذ يمرّر يده على شعره بينما دخل إلى ساحة التدريب.
في إحدى الزوايا، أخرج درعه وأخذ يمدّد عضلات رقبته في حركاتٍ جانبيةٍ استعدادًا للتدريب.
“هاي، نائب القائد! ألم تلاحظ أن القائد بات مختلفًا بعض الشيء مؤخّرًا؟”
عندها، اقترب هازل من غراهام، الذي كان يجلس بجواره، وخفض صوته قائلاً.
غراهام، الذي انضم إلى فرسان جريبلاتا بفضل مهاراته وتدرَّج ليصبح نائب القائد، رفع رأسه من عمله في تنظيف سيفه.
“ماذا تعني؟”
“امم، ما أقصده هو …. أشعر أن حماسه قد خَفَت منذ ذهاب السيدة إلى أستانيا، أو أعليّ القول أنه يمشي هنا وهنا شارد الذهن؟”
“ذلك الرجل؟ أنا لا أعرف.”
قال غراهام هذا وهو ينظر إلى إسكاليون، الذي كان يحرّك ذراعيه القويّتين لتخفيف تصلّب عضلاته.
“…. لهذا السبب تحديدًا تتعرّض للتوبيخ من زوجتكَ دائمًا، لأنكَ تفتقر إلى هذه الدرجة من الفِطنة!”
“ماذا؟ لماذا تغيّر الموضوع فجأة؟”
“انظر جيدًا! ألا يبدو أن تعابير وجه القائد اليوم أكثر كآبةً وغموضًا من المعتاد؟”
“لا أعلم، فهو لم يبدُ من قبل سعيدًا أو مشرقًا طوال حياته.”
“هذا ليس ما أعنيه …”
عند سماع كلام هازل، ضيّق غراهام حاجبيه ونظر بتمعّنٍ إلى ظهر إسكاليون، ثم صاح بصوتٍ عالٍ.
“أيها القائد! هل سنبدأ الآن؟”
“…..”
“هاه، ستتجاهلني إذًا.”
شعر غراهام أن سلوك إسكاليون لا يختلف كثيرًا عن المعتاد، فباغته برمي خنجرٍ صغيرٍ نحو ظهره العريض.
ضرب!
أصاب الخنجر الذي ألقاه غراهام رأس إسكاليون من الخلف مباشرة، وأصدر صوتًا مكتومًا قويًّا قبل أن يسقط على الأرض.
“يا إلهي!”
سرى صوتُ شهيقٍ عميقٍ بين الفرسان في ساحة التدريب الهادئة، تلاه همسات تعجّبٍ صامتة.
“نائب القائد، ماذا فعلتَ للتو؟”
استدار هازل ببطءٍ نحو غراهام وسأله. اتّسعت عينا غراهام، الذي بدا أكثر دهشةً من الشخص الذي ضُرِب نفسه، وراح يبرّر بصوتٍ مضطرب.
“لـ لا، كنتُ أظن أنه سيلتفتُ فورًا ويقبض على الخنجر بيده …”
“مهما يكن، كيف يمكنكَ ضربه على رأس القائد بهذا الشكل؟!”
“في المعتاد، كان سيلاحظه ويلتقطه بيده أو يرميه بسهولة! هـ هذا الرجل يبدو غريبًا حقًا اليوم!”
“ما الذي فعلتَه الآن؟”
بينما كان الاثنان يتجادلان، التفت إسكاليون ببطءٍ وأطلق همهمةً منخفضة.
ارتبك غراهام، فانتفض من مكانه ورفع صوته متظاهرًا بالثقة.
“أيها القائد، بدا لي أنكَ لم تركّز جيدًا، لذا أردتُ أن أختبرك! والآن بما أنكَ استعدتَ تركيزك، فلنبدأ التدريب!”
قال ذلك، وأخذ يبحث بسرعةٍ عن سيفه، إذ كان إسكاليون عادةً يبتسم ساخراً ثم يهاجمه حينها.
“أين سيفي؟ يجب أن أكون في وضعية الدفاع …!”
لكن هذه المرّة، ظلّ إسكاليون واقفًا في مكانه، ناظرًا إليه بوجهٍ خالٍ من أيٍ تعبير، وكأنه لا يشعر بأيّ شيء.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: لينا
تدقيق: مها
انستا: le.yona.1