Don't let your husband know! - 67
كأنه يتسلّل عبر فجوةٍ رفيعةٍ للغاية، استعاد الصوت المسحوق بشكلٍ كارثيٍّ شكله تدريجيًا. كلّما تحدّثتُ، شعرتُ أن حلقي، الذي كان مُغلَقًا بشكلٍ رهيب، انفتح تدريجيًا.
استدار إسكاليون الذي كان ينظر إلى بيلادونا، التي تحوّل وجهها إلى اللون الأحمر وكانت تكافح، بسرعةٍ واقترب من الطاولة. بلمسةٍ غير صبورة، التقط الزجاجة على الطاولة وسكب الماء في كوبٍ فارغ، وعاد إليها بسرعةٍ وسلّمها إياه.
“توقّفي عن الكلام الآن واشربي هذا.”
“…..”
عندما حصلت على كوبٍ منه وشربت الماء الفاتر، شعرت أن حلقها، الذي كان مسدودًا كما لو كان ملتصقًا بغراءٍ ما، أصبح أكثر راحةً قليلاً.
نظر إسكاليون إلى بيلادونا بتنهيدة ارتياح عندما أكّد أنها تتنفّس بشكلٍ أفضل من ذي قبل.
في تلك اللحظة، اجتاح بيلادونا حدسٌ قويٌّ بأن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة.
دون تأخير، رفعت رأسها ونظرت مباشرةً إلى إسكاليون وفتحت فمها.
“لفترةٍ من الوقت … صـ صحيحٌ أن صوتي لم يعد يخرج. لا أعرف متى سيخرج، ومتى سأفقده مرّةً أخرى.”
لقد أصبح التحدّث أسهل كثيرًا من ذي قبل، لكنه لم يعد تمامًا إلى حالته القديمة.
تلعثمت بيلادونا بصوتٍ متحشرجٍ وضعيفٍ لا يزال خشنًا نوعًا ما.
“عن ماذا تتحدّثين؟”
“إذا استمرّ هذا، غدًا، آغه، آه … قد، قد أفقد صوتي مرّةً أخرى.”
“توقّفي.”
رفع إسكاليون يده لتغطية عينيه.
“يبدو من الصعب عليكِ التحدّث. لستِ مضطرّةً لإخباري، لذا لا تبالغي. بِتُّ أعلم أنه لم يكن متعمَّدًا أنكِ لم تقولي لي أيّ شيءٍ في الفترة الماضية لكن ….”
“لا أريد، لا أريد أن أذهب … لا أريد ….”
عند كلمات بيلادونا، توقّف إسكاليون عن الحديث.
وقف صامتًا لبعض الوقت، وكأنه قد تصلّب كما كان، وسحب يده التي كانت تغطّي عينيه. اتّجهت عينيه ذهبيتين العميقتين اللتين كانتا مختبئتين خلف يده نحوها.
بدا وجه إسكاليون، الذي أطلق تنهيدةً صغيرة، غير قادرٍ حتى على معرفة ما يقوله، بدا ان إجابته جاهزةً بالفعل لكنه لم يحمل نفسه حتى على قولها.
كانت بيلادونا قلقةً من عدم إجابته، ففتحت فمها مرّةً أخرى.
” من جـ جريبلاتا … لا، لا أريد الرحيل ….”
“لقد افتقدتِ أستانيا لفترةٍ طويلة. ما الهدف من قولكِ ذلك الآن؟”
لم أفتقد أستانيا أبدًا.
إذا كان يشعر بهذه الطريقة، فذلك لأن جريبلاتا كانت أكثر برودةً بشكلٍ ملحوظٍ من المكان الذي كانت فيه وغير مألوفٍ بكلّ شيء.
“إلى جانب ذلك، ألم يكن الغرض الرئيسي هو حضور عيد ميلاد الإمبراطور؟ كقديسة، يجب أن تقومي بدوركِ.”
دور القديسة.
تذكّرتُ الوقت الذي كشف فيه البابا عن أسنانه المتّسخة وهو يصرخ بهذه الكلمة، ممّا جعلني أشعر بالدوار.
“إ-إذن، لـ، آه، لنذهب معًا … إلى أستانيا … ألا يمكنك؟”
سألت بيلادونا بنزوة. بغض النظر عن مدى صرامة أستانا وكرهها لها، اعتقدت أنه سيكون على ما يرام إذا كان إسكاليون معها.
انتظر، لماذا لم أفكّر في هذا في وقتٍ سابق؟
إذا كان سيذهب معي إلى أستانيا، لكانت قادرة على كسب المزيد من الوقت قبل الطلاق، ولن يكون البابا قادرًا على فعل شيءٍ لي. يمكنني استخدام وقتي مع زوجي كذريعةٍ لتقليص وقتي في غرفة الاعتراف …!
“أنا لن أذهب إلى أستانيا.”
ولكن كما لو كان يرمي بآمال بيلادونا عرض الحائط، أجاب إسكاليون على الفور.
“لأنني لا أستطيع ترك جريبلاتا لفترةٍ طويلة.”
“……”
“نعم. في الواقع هذا عذر، ولأصدقكِ القول، أريد أن أحلّ الأمر معكِ هنا. ما أقوله فقط هو أنني لا أريد أن أستمرّ في علاقةٍ لا معنى لها.”
يحلّ الأمر معي ….؟
بإرادته، وبتصميمٍ أكثر ممّا كان يعتقد، فقدت بيلادونا كلماتها ونظرت إلى إسكاليون.
“بيلّا، أنتِ لا تعرفين كم سيستغرق الأمر مني لأجمع شتات نفسي من بعدكِ. أندم على قراري عدّة مرّاتٍ في اليوم، ثم أحسم أمري مرّةً أخرى.”
“…….”
“إرادتي، التي بُنِيت بقوّةٍ طوال اليوم بدونكِ، تنهار بسهولةٍ كقلعةٍ رمليةٍ أمام موجةٍ ناعمةٍ جدًا عندما أراكِ. أنتِ لا تعرفين كم يجعلني هذا بائسًا.”
حنت بيلادونا رأسها.
استطاعت أن ترى مدى شعوره بالخيانة منها، وكم كان مؤلمًا بالنسبة له أن يرى زواجه، الذي بدأه بإصرارٍ كبير، ينهار بهذه السرعة.
“لكنكِ تمسكين بي وتهزّينني وكأنكِ تضحكين علي. تجعلينني أشعر وكأنني في أعالي السماء تارّةً ثم تَهوين بي إلى أقاصي الأرض عدّة مرّاتٍ في اليوم.”
“……”
“بفضلكِ، جلعتِني أشعر بحماقتي، ولم أعد أعرف ماذا أفعل، ولكن شيءٌ وحيدٌ مؤكَّد، وهو أن عليكِ مغادرة جريبلاتا.”
حدّق إسكاليون بوضوحٍ في بيلادونا وبصق.
“من أجلكِ، من أجلي.”
عضّت بيلادونا شفتها السفلية وضغطت على قبضتها.
شيءٌ واحدٌ مؤكَّدٌ بالنسبة لها، وهو أن مغادرة جريبلاتا لم يكن من أجل مصلحتها على الإطلاق.
في تلك اللحظة، شعرت أن حلقها، حيث يمكنها التحدّث شيئًا فشيئًا، أصبح يضيق مرّةً أخرى.
أوه، لا …..!
رفعت بيلادونا رأسها بفارغ الصبر وأجبرت صوتها على الخروج.
“يـ يـ يمكنني أن أشرح. حتى لو لم أستطع …. في الوقت الحالي …..”
كان إسكاليون لا يزال يحدّق فيها بعيونه الذهبية الداكنة الغارقة.
“سـ سأعود بالتأكيد. أ-أوراق الطلاق أيضًا …. التي أرسلتَها من خلال وولف ….. لن أوقّعها. أنا فقط ….. إ-إن انتهى …. حدث عيد الميلاد، بطريقةٍ ما …. سأعود ….. إلى جريبلاتا …. هاه!”
كلّما نطقت جملةً ما، أصبح صوتها أكثر خفوتًا. نظرت إليه بيلادونا بنظرةٍ حزينة.
وبعد فترةٍ وجيزة، قال إسكاليون بصوتٍ منخفض.
“الكاردينال نيكولاس والبابا سيتمسّكان بكِ.”
“أعلم.”
خرج صوتٌ صغيرٌ بالكاد يُتعبر همسًا. خمّنت بيلادونا أن هذه ستكون كلمتها الأخيرة.
لم تكن بيلادونا الوحيدة التي ظنّت ذلك. حدّق إسكاليون في بيلادونا، التي فقدت صوتها مرّةً أخرى. ساد صمتٌ ثقيلٌ بين الاثنين.
عضّت بيلادونا شفتها السفلية. في تلك اللحظة كان الأمر أشبه بمعجزة، لم يكن بوسعها إلّا أن تتمنّى أن تصل مشاعرها إليه على الأقل.
“….. إذا واصلتِ القدوم إليّ هكذا، فأنا لا أعرف ماذا أفعل. أنا لا أعرف حتى ماذا تريدين مني أيضًا.”
بمرور الوقت، تحدّث إسكاليون، الذي ظلّ صامتًا، بوجهٍ مرتبك. انحنى رأسه وتنهّد.
“نعم، قلتِ إنكِ ستعودين، لذا عودي.”
“…….”
“لأنني أحمق، لذا ربما يتعيّن عليّ أن أعطي زوجتي فرصةً أخرى.”
كان هناك شعورٌ غير معروفٌ في ذهبيّتيه.
نظرت بيلادونا إليه لفترةٍ طويلةٍ دون أن تنبس ببنت شفّة.
* * *
“سيدتي، هل أنتِ متأكّدةٌ من أنكِ لا تريدين مني المجيء معكِ؟ أعلم أن الفاتيكان سيساعدكِ في كلّ شيء، ولن يكون هناك ما أقوم به ولكن …..”
إيماءة.
أومأت بيلادونا برأسها وهي تنظر إلى سيندي، التي خرجت معها بيديها ممتلئتين بأمتعتها. ثم تابعت سيرها، وهي تراقب الكاردينال نيكولاس، الذي كان جالسًا بالفعل في العربة.
كان واضحًا أن نيكولاس لن يرضى عن اصطحاب سيندي حتى إن أجبرته على ذلك.
“أعطِني أمتعة القديسة من فضلكِ.”
ثم خرج أحد الكهنة الواقفين خلف العربة ومدّ يده إلى سيندي. رمشت سيندي بعينيها عندما أعطته حقائبها بشكلٍ غير متوقّع.
رفع الكاهن الأمتعة التي سلّمتها له سيندي بسهولةٍ وحمّلها في العربة.
“حسنًا، هل هذا كاهنٌ أيضًا؟”
عندما سألتها سيندي همسًا، نظرت بيلادونا إليه مرتديًا بدلة كاهنٍ بيضاء. بدا الكاهن طويل القامة ذو الشعر القصير جدًا مألوفًا، لكنها لم تعرف اسمه.
ربما كان أحد الأشخاص الذين رأيتُهم كثيرًا في الفاتيكان أو الذين خدموني. أو ربما كان شخصًا حضر أحد تجمّعات الفاتيكان.
“وسيم …”
لمعت عينا سيندي ولم تستطع أن ترفع عينيها عنه.
هل هذا صحيح؟ سرعان ما حوّلت بيلادونا عينيها بعد أن ألقت نظرةً على الكاهن المتّجه إلى العربة خلفها بكلّ أمتعتها.
“أيتها القديسة، من فضلكِ تعالي إلى هنا!”
في تلك اللحظة، تحدّث الكاردينال نيكولاس بيده من النافذة.
أُجبِرت بيلادونا على الابتسام ومضت.
“سيدتي، أتمنى لكِ رحلةً آمنة! من حسن الحظ أن أستانيا مكانٌ أكثر دفئًا من هنا. اذهبي والتقي بأُناسكِ اللذين لم تريهم منذ فترةٍ طويلة، وتناولي الكثير من الطعام اللذيذ، ثم عودي.”
بجانب سيندي، التي كانت تلوّح بيديها بابتسامةٍ كبيرة، انحنى وولف، الذي بدا غير مرتاحٍ ومضطرب، برأسه.
“سيدتي، من فضلكِ اذهبي إلى المنزل بأمان.”
أومأت بيلادونا برأسها لهم، ثم ركبت العربة.
عندما أُغلِق باب العربة وتُرِك الاثنان بمفردهما، غيّر نيكولاس تعبيره وفتح فمه بعبوس.
“ما الذي يشغل السير ديتت لدرجة أنه لا يستطيع حتى توديعنا بشكلٍ صحيح؟ لقد جاء لتناول الإفطار، وتبادل التحيّات الرسمية، ثم اختفى بسرعة .….”
“…..”
“أيعتقد أننا أصبحنا أصدقاء حقًا لمجرّد أنني بقيتُ في المأدبة لفترةٍ من الوقت ….”
حدّقت بيلادونا في نيكولاس، وحرّكت عيونها الزرقاء فقط بوجهٍ بارد.
كان من المضحك كيف يتظاهر بالقوة لأن إسكاليون لم يكن موجودًا، بينما لم يستطع أن ينبس ببنت شفة أمامه.
‘…….. ها نحن ذا مرّةً أخرى.’
كان من السهل قول أشياء لها لن يتمكّن أبدًا من قولها أمام الآخرين.
الأشخاص الذين يفكّرون فيها كمكبّ نفاياتٍ عاطفيٍّ ويُظهِرون مشاعرهم الداخلية القذرة دون مراعاة مشاعر المُستمِع على الإطلاق ……
نظرت بيلادونا إلى نيكولاس، الذي أغمض عينيه وهو يميل إلى الخلف في مقعد العربة، ثم سرعان ما استدارت بعيدًا.
“سيدتي! قد تشعرين بالدوار. لذا خذي نفسًا عميقًا!”
أظهرت سيندي، التي اقتربت من العربة، وجهها من خلال النافذة واستمرّت في الحديث.
مدّت بيلادونا يدها نحوها وابتسمت وأومأت برأسها. ابتسمت سيندي بمرحٍ وهي تصافح يدها.
“ارجعي بأمان! سأشعر بالملل حقًا بنما أنتِ لستِ هنا.”
نعم، سأعود.
سأعود إلى جريبلاتا.
نظرت بيلادونا، التي ابتسمت لسندي، إلى قلعة جريبلاتا الكبيرة، التي رأتها خلفها.
حتى لو لم يخرج ليودّعها بنفسه، بدا الأمر وكأن إسكاليون يستمع لصوت استعدادات العربة. عزّزت بيلادونا إرادتها مرّةً أخرى عندما تذكّرته.
‘عندما أعود إلى أستانيا، يجب أن أجد طريقةً لاستعادة صوتي تمامًا.’
“إذن، فلننطلق!”
عند الصوت الذي خرج من شخصٍ ما، حرّكت العربة عجلاتها ببطءٍ وتقدّمت إلى الأمام.
اتّخذت بيلادونا وضعًا مريحًا، استعدادًا للدوار الذي سيبدأ في نفس الوقت الذي تمرّ فيه العربة عبر البوابة.
‘أستانا …..’
بدت أستانيا لها، التي كانت ستزورها لأوّل مرّةٍ منذ حوالي ثلاثة أشهر، مكانًا موحشًا وغير مألوفٍ على الإطلاق. بينما شعرت بالحنين لجريبلاتا التي باتت أقرب إلى موطنها الآن.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1