Don't let your husband know! - 61
وصلت أصواتٌ صاخبةٌ من الطابق السفلي.
وقفت بيلادونا في الممر بالطابق الثاني، وركّزت بآذانٍ منتصبةٍ على الأصوات العالية التي كانت تتردّد في أرجاء القلعة. كانت الكلمات غير المفهومة تهتزّ كـهمساتٍ خافتةٍ تملأ الممرات.
‘إنهم مجرّد كهنةٍ فاسدين …’
كان البابا بروناس ومَن معه في الفاتيكان يستمتعون بشرب النبيذ كثيرًا.
فقد قاموا بزرع العنب في حديقةٍ كبيرةٍ داخل الفاتيكان، وأسّسوا مصنعًا ضخمًا لصنع النبيذ، وكانوا يعتنون بالنبيذ المُخزَّن في أقبيةٍ ضخمةٍ بعنايةٍ فائقةٍ وفقًا لكلّ سنة إنتاج.
ومع أن كلّ شيءٍ مرتبطٍ بالطعام يعتمد على الإرادة الحُرّة، ألا يجب عليهم الحدّ من هذه الملذّات المُفرِطة؟
عبست بيلادونا وأدارت جسدها بسرعة.
وكان أكثرهم استمتاعًا بشرب الخمر هو الكاردينال نيكولاس، لذا فمن المؤكد أن حفل الاستقبال هذا الليل سيستمرّ حتّى وقتٍ متأخّر.
‘إسكاليون …’
توقّفت بيلادونا عن السير أثناء عودتها إلى غرفتها.
بالتفكير في الأمر قليلاً … لم يسبق لها أن رأت إسكاليون في حالة سُكرٍ من قبل. كان يتناول كأسًا أو اثنين من النبيذ في أوقات الوجبات، لكنّه لم يكن يتأثّر أبدًا بذلك.
وبما أنهم لم يقيموا حفلًا رسميًا منذ قدومهم إلى جريبلاتا، فلا عجب …
“سيدتي؟ ماذا تفعلين هنا؟”
في تلك اللحظة، صعدت سيندي الدرج ورصدت وجود بيلادونا وسألتها.
عندما استدارت بيلادونا، اقتربت سيندي وهي تحمل صينية طعامٍ بسيطةٍ في يديها.
“أمتأكدةٌ أنكِ لا تريدين تناول الطعام مع الآخرين في الطابق السفلي؟ إنها فرصةٌ نادرةٌ للقاء الجميع على مائدة الطعام مجددًا …”
هزّت بيلادونا رأسها ببطء.
“إذا كنتِ تشعرين بتوعّك، فلا بأس.”
قالت سيندي ذلك، وابتسمت بيلادونا ابتسامةً صغيرةً ثم توجّهت إلى غرفتها.
بينما كانت سيندي ترتّب الطعام على الطاولة في غرفة بيلادونا، ظلّت تتحدّث بمرح.
“تعلمين، سيدتي، لقد جلبوا أنواعًا نادرةً من النبيذ إلى الطابق السفلي! يبدو أن اللورد قرّر أن يقدّم أفضل المشروبات الليلة.”
لابدّ أن هذا يُرضِي أهواء نيكولاس جيدًا، فكّرت بيلادونا في ذلك، وضحكت في سرّها.
ظلّت سيندي تتحدّث بحماس، على ما يبدو متأثّرةً بكون بيلادونا غير قادرةٍ على الانضمام إلى الآخرين في الطابق السفلي.
“إنها المرّة الأولى التي يأتي فيها ضيوفٌ رسميّون إلى جريبلاتا، لذلك كان اللورد يهتمّ جدًا بالأمر. أعتقد أنه عندما يمرّ الشتاء القاسي وتتحسّن الأجواء قليلاً، ستصبح هذه الحفلات أكثر تكرارًا. صحيحٌ أن حفل الليلة صغير، لكنه يُعَدّ حفلًا بالفعل.”
وكيف كان العشاء؟
قرّرت بيلادونا، التي كانت ممتنّةً لاهتمام سيندي، أن تسايرها. قامت بحركةٍ بيديها وكأنّها تأكل، فردّت سيندي بسرعة.
“آه، لقد كان الطبق الرئيسي عبارةً عن ديكٍ روميٍّ شهيّ. لقد أبدع الطاهي في إعداده هذه المرّة! انظري، أحضرتُ لكِ أفضل قطعةٍ لتتذوقيها أولاً!”
قرّبت سيندي طبقًا يحتوي على ساق ديكٍ روميٍّ سميكةٍ مغطّاةً بالبخار من بيلادونا.
أمسكت بيلادونا بالشوكة وغرستها في اللحم الطري، ثم مدّت الشوكة نحو سيندي.
“ماذا؟ آه، لا، أنا بخير! سيدتي، تناوليها أنتِ.”
فتحت سيندي عينيها بدهشةٍ وحرّكت يديها بسرعة.
لكن بيلادونا أصرّت على تقديم الشوكة مجددًا لها.
كان طبق الديك الرومي، المطهو ببطءٍ في حرارةٍ منخفضةٍ ثم مُحمَّرٍ بعناية، من الأطباق الفاخرة التي لم يكن بإمكان الخدم حتى التفكير في تناولها.
أرادت بيلادونا أن تشارك سيندي، التي كانت تبذل دائمًا جهدًا كبيرًا من أجلها، لحظةً مميزةً في هذا المساء.
عندما قامت بيلادونا بتمثيلٍ مبالغٍ فيه وكأن ذراعها تعبت من الإمساك بالشوكة، أخذت سيندي الشوكة أخيرًا.
“آه …”
استغلّت بيلادونا تلك اللحظة لتخطّ بسرعةٍ على المذكّرة بجانبها.
[لماذا لا نستمتع بحفلتنا الخاصّة؟]
“لـ لكن سيدتي …”
[أرغب في تغيير مزاجي قليلاً، والكمية كبيرةٌ على أن أتناولها وحدي.]
قالت بيلادونا ذلك عمدًا لتخفيف توتّر سيندي، فتقبّلت سيندي الأمر وجلست أخيرًا وهي تومئ برأسها.
“إذًا سآكل قليلاً فقط!”
نظرت بيلادونا إلى سيندي التي لم تستطع إخفاء ملامح الفرح عن وجهها، وابتسمت.
بدأت سيندي بنقل الطعام إلى صحن بيلادونا، وبدأت تأخذ بعضه لنفسها أيضًا.
“أحضرتُ أيضًا زجاجة نبيذٍ تحسّبًا، هل ترغبين في شُرب القليل؟”
تردّدت بيلادونا للحظة، ثم أومأت برأسها مُوافِقة.
لم تكن تنوي أن تُفرط في الشرب كالسابق، وإنّما مجرّد، الاستمتاع بكميةٍ صغيرةٍ كان كافيًا لتغيير الأجواء.
ابتسمت سيندي وهي تصبّ النبيذ في كأس بيلادونا وقالت بابتسامةٍ عريضة.
“صحيح! يبدو أن اللورد كان في مزاجٍ جيدٍ اليوم، فقد شرب الكثير من زجاجات النبيذ.”
إسكاليون؟
نظرت بيلادونا إلى سيندي باهتمامٍ وهي تبتلع الطماطم، فأومأت سيندي برأسها.
“عادةً ما يكون هادئًا، لكن اليوم كانت بشرته محمرّة وعيناه تبدوان مختلفتين قليلاً … آه، يبدو أنني تحدّثتُ بشكلٍ غير رسميٍّ بعفويةٍ شديدة.”
ابتسمت بيلادونا وأشارت إلى أنه لا بأس، فقد كانت تستمتع بسماع أخبار إسكاليون حتى لو كان ذلك عن طريق الآخرين.
[تحدّثي بحريّة، فأنا أستمتع دائمًا بقصصكِ، ولنشرب معًا أيضًا. الشرب وحدي أمرٌ حزين.]
“أوه … في هذه الحالة …”
احمرّ وجه سيندي قليلاً، ثم ملأت كأسها الفارغ بالنبيذ.
صدمت كأسها بخفّةٍ مع كأس بيلادونا، وبدأت تشرب بسرعة.
لم أقصد أن تشربي بهذه السرعة ….
“واو، إنه لذيذ …”
[اشربي المزيد.]
“شكرًا لكِ، سيدتي!”
هل كانت سيندي مُرهَقةً للغاية؟
نظرت بيلادونا إلى سيندي وهي تُنهي كأسها مجددًا في دهشة، لكنها بدت أكثر استقرارًا ممّا توقّعت وواصلت الحديث.
“عندما ذهبتُ إلى المطبخ لتحضير طعامكِ، كان هناك أربع زجاجات نبيذٍ فارغةٍ على الطاولة.”
أربع زجاجات؟
ألم يكن فقط إسكاليون والكاردينال نيكولاس على العشاء؟
“لم أتمكّن من تحديد مَن شرب أكثر، اللورد أم الكاردينال، لكن كلاهما كانا في حالة سُكرٍ واضحة. وكان الكاردينال نيكولاس يبدو سعيدًا جدًا!”
“……”
“لقد اختفت تمامًا تلك الابتسامة الوديعة التي رأيناها في فترة الظهيرة، وأصبح يضحك بشكلٍ لا معنى له، لكن الأمر جعله يبدو أكثر وُدًّا بطريقةٍ ما.”
وُدًّا؟ ربما كان فقط في حالة سُكرٍ شديدة …
تنهّدت بيلادونا بوجهٍ غير مبال.
“مررتُ سريعًا ولم أتمكّن من سماع كلّ شيء، لكن يبدو أنهما كانا يتحدّثان عن الفاتيكان، عن أفكار البابا وخططه المستقبلية.”
هل كان نيكولاس يُلقي خُطبةً وهو في حالة سُكر؟ يا له من مشهد …
“لم أكن أعلم أن اللورد مهتمٌّ بتلك الأمور. لقد استمرّ في طرح الأسئلة عن البابا.”
إسكاليون؟
فكّرت بيلادونا في الأمر بدهشة، كيف أن إسكاليون هو مَن كان يسأل، وليس ف الكاردينال الذي كان يرطن هراءً في حالة سُكر.
هل كان إسكاليون مهتمًّا بالبابا أو الفاتيكان؟
أو ربما لم يكن لديه موضوعٌ مشتركٌ ليتحدّث عنه، لذا اختار موضوعًا مريحًا للطرف الآخر. هل يمكن أن يكون إسكاليون اجتماعيًا أكثر ممّا توقعت؟
“على كلّ حال، كان غريبًا أن أرى اللورد في حالة سُكر. إنه لا يفقد اتّزانه أبدًا، لكنه كان يبدو أكثر خشونةً ووحشيةً ممّا هو في العادة.”
الخشونة والوحشية لا تبدو صفةً لإسكاليون، بل لسيندي …
كانت عينا سيندي قد بدأتا بإظهار بريقٍ عابِث، وابتسامتها أصبحت أكثر اتساعًا بينما تتحدّث بجرأةٍ أكبر.
“أمم … ربما كان يمرّ بأمرٍ مزعج؟”
“……”
“أعتقد أن ملامحه الجانبية بدت حزينةً ووحيدةً بعض الشيء وهو يشرب النبيذ …”
بدأت سيندي، التي كانت الآن في حالة سُكر، تتمتم بشكلٍ غير مفهوم.
أمرٌ مزعج …؟ هل يمكن أن أكون السبب؟ نظرت بيلادونا إلى الأسفل بقلق.
ربما يريد إسكاليون حقًا أن يُرسلني بعيدًا إلى أستانيا مع نيكولاس.
عندما فكّرَت في ذلك، شعرت بمرارةٍ في فمها.
رفعت بيلادونا كأس النبيذ الذي صبّته لها سيندي وبلّلت شفتيها به.
* * *
“أممم…”
“……”
“أمممم … لا تلمسني …”
بعد مرور عدّة ساعات، كانت بيلادونا تهزّ كتف سيندي التي انهارت على الطاولة بوجهٍ مُرتبك.
سيندي! كيف تنهارين هكذا أولاً؟
نظرت بيلادونا إلى الزجاجة الفارغة التي كانت مُمدّدةً بجانبها. لم أشرب سوى رشفةٍ واحدة! هل سيندي هي التي شربت كلّ الباقي؟
كان من الصعب ترتيب أدوات المائدة مع تمدّد سيندي بشكلٍ غير مرتّبٍ على الطاولة.
لم يكن أمام بيلادونا خيارٌ سوى الوقوف ومغادرة الغرفة. قرّرت أن تطلب من أحد الخدم المساعدة في تنظيف أدوات المائدة وإعادة سيندي إلى سريرها.
في تلك اللحظة، سمعت صوت خطواتٍ على الدرج.
من فضلك، ساعدني!
‘أوه ….’
بينما كانت تقترب بخطواتٍ متسارعة، توقّفت فجأةً عندما رأت مَن كان يصعد الدرج.
إسكاليون!
كان وجهه مائلًا إلى الحُمرة أكثر من المعتاد. توقّف إسكاليون عند منتصف الدرج ونظر إليها بصمت.
وقف لفترةٍ دون أن يقول شيئًا، ثم بدأ في التحرّك من جديد، بخطواته الطويلة التي لم تتطلّب منه الكثير ليصل إليها.
عندما اقترب منها، شعرت برائحة الكحول تنبعث منه، ممّا أثار شعورًا غريبًا بداخلها.
“العشاء.”
“……”
“آه، نسيتُ أنكِ لا تستطيعين الكلام.”
ضحك إسكاليون بخفّة، ثم بدأ يتحرّك متجاوزًا بيلادونا.
وبدافعٍ مُفاجئ، أدارت بيلادونا جسدها وأمسكت بذراعه. رغم ضعف قبضتها، إلّا أن إسكاليون توقّف على الفور.
“اذهبي إلى غرفتكِ.”
“……”
“لا أعتقد أنكِ فقدتِ سمعكِ أيضًا.”
أفلت إسكاليون ذراعه من قبضتها بسهولة.
تَبِعته بيلادونا بينما كان يمضي قدمًا، على الرغم من أنها سمعت تنهّداته المتكرّرة. كانت تعلم أنها بحاجةٍ إلى التحدّث إليه قبل أن تعود إلى أستانيا مع نيكولاس.
عندما وصل إسكاليون إلى غرفته، فتح الباب دون تردّدٍ ودخل. تَبِعته بيلادونا على الفور.
“هاه …”
عندما دخل الغرفة، نزع إسكاليون سترته ورماها بإهمال. لاحظت بيلادونا احمرار كتفيه، وهو ما لفت انتباهها دون إرادةٍ منها.
لم يُلقِ إسكاليون نظرةً واحدةً عليها، ودخل مباشرةً إلى الحمام، ثم بدأ صوت المياه يتسرّب من الداخل.
وقفت بيلادونا للحظاتٍ تحدّق في الباب المُغلَق، ثم جلست ببطءٍ على حافة السرير.
‘….. لماذا تَبِعتُه إلى هنا؟’
شعرَتْ بالإحباط من تجاهله التامّ لها.
وزاد الأمر سوءًا عندما تذكّرت أنّها لا تستطيع التحدّث، فكيف يمكنها أن تبدأ حوارًا؟
بعد مرور بضع دقائق، توقّف صوت المياه وفُتِح باب الحمام. رفعت بيلادونا رأسها بسرعة.
“ألم تغادري بعد؟”
ظهر إسكاليون من خلف البخار المتصاعد من الحمام مرتديًا منشفة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: بلوفياس
تدقيق: مها