Come and Cry at My Funeral - 9
كانت الأَجوَاءُ في مَنزل عائلة آركتوروس في العاصِمة تَعجُ بالحركة طوَالَ اللّيل. فقد كانت التجهيزات جاريةً من أجل أستقبال عَروسِ الدوق إِيزار.المُقبِلة
تنهد إِيزار و كان يُشرِفُ على الترتيبات إِلى جانِبِ مُساعِدهِ، تشارلز كارولي.
“ما إِن نُنجز أمرًا، حتّى يظهر مِئةٌ غيرُه.”
“لقد تمَّ تَرتيب التحضيرات. و لكِن فكِّر فيها كـخُطوةٍ أُخرى نَحوَ العَفوِ…”
كانت العاصِمة قدِ اهتزّت بِسببِ ارتِفاع وَتيرَةِ هَجماتِ الوحوش، و لكِن إِيزار تَصدَّى لها بِقيادتِهِ، مُحقِّقًا انتِصارًا دونَ أَيِّ خسائِرٍ.
إِيزار، المُذَنَّب.
لَقبٌ بدَأَ بِالانتِشارِ حتّى في العاصِمة، مما زادَ الضّغط على العائِلة الإمبراطورية لِلاعتِرافِ بِه.
و لكِن إِيزار بَقيَ مُتَشككًا.
“هل يُمكِنُنا حقًّا أَن نثِقَ بِوعودِ العائِلة الإمبراطورية…؟”
“لا تتحدث بِهذا الشّكل الغير لائِق عن العائِلة الإمبراطورية.”
“أم أَن الدوقة أتريا لم تُعجِبك؟”
“لا توجَدُ عَروسٌ أَنسبُ لكَ مِنها.”
كانت الدوقة أتريا مَشهورة ليسَ فقط بِسُلالتِها العَريقة، بَل بِجمالِها أَيضًا، حتّى قيلَ أنها الأجمل في الإمبراطورية.
واقِفةً بِجانِبِ إِيزار، كانا سَيبدوَانِ كزوجين مثاليين بِشكلٍ مُطلقٍ.
و لكِن إِيزار بدَا غَيرَ مُبالٍ.
“إِن كانَ ذلك يَضمنُ العفوَ الكامِلَ لِعائِلتي، فَلعَلِّي أُفكِّرُ في الأَمر.”
في العادة، مَن يكونُ في منصبه يُخطَبُ في مُنتصفِ مُراهقتِهِ. و معَ ذلك، فقد تَجنبَ إِيزار الزّواج دائِمًا، مُشمئِزًّا مِن فِكرتِهِ نَفسِها.
و بينما كانا على وشكِ المُغادرة، أَقبلَ كبيرُ الخدم مُسرِعًا.
“سيدي، زائرٌ طارِئٌ قد وَصلَ. هل أَسمحُ لها بِالدخول؟”
“اطرُدهُم. أَلَا يُدركون ما الوقت الآن؟”
“إنّها آنِسةٌ شابَّةٌ…”
تَجعدَ جبينُ إِيزار بِانزِعاجٍ.
كانت زيارةُ سَيدةٍ نَبيلةٍ في مِثلِ هذا الوقت أَمرًا غريبًا دونَ شَكٍّ.
“إلى أَيِّ عائِلةٍ تنتمي؟”
“رَفضت الافصاح، لكِنها أظهرت هذا فقط.”
أَمعنَ إِيزار النّظر في الغرضِ الذي قدَّمهُ كبيرُ الخدم.
كانَ خاتمًا بسيطًا، مَنقوشًا عليهِ عقربٌ صغيرٌ.
أَنتاريس.
شِعارُ عائِلة أَنتاريس، العائِلة المُقدرة لِتربِطها روابط الزواج المُقدسة بِعائِلتِهِ.
و لكِن ارتِباكَ كبير الخدم يُشيرُ إِلى أَن الزائرة لم تَكُن الدوقة أتريا.
فَمَن يا ترى؟
“أسمح لها بالدخول.”
و لَكِنَّ إِيزار نفسهُ لم يَستطِع إِخفاءَ دَهشتِهِ عِندما رَأَى المرأَةَ التي دخلت الغُرفة.
عِندما خلعت الغِطاء المُتصِل بِعباءَتِها، بَدا وجهُها مألُوفًا لَهُ.
“أَنتِ…”
همسَ تشارلز بِصوتٍ خافِتٍ:
“هل تَعرِفُها، يا سيِّدي؟”
“أَليسَت رَاعيةَ الغَنمِ مِن مُمتلكاتِنا؟”
“ماذا؟”
بَدا الارتِباكُ على وَجهِ تشارلز، أَمَّا إِيزار فقد اكتفى بِالتَّحديق في المرأَةِ بِعُبوسٍ.
كانَ يَتذكَّرُها جيدًا لِأَنَّها كانت دائمًا مُختلفةً في مَظهرِها و تعبيراتِها عن الآخرين.
و لكِن هذه الغرابة ازدادت بِسببِ ملابِسها، و بَدا هذا الاخِتلافُ أكثر وضوحًا.
فَعـلى الرَّغمِ مِن أنّها واضِحةُ الهويّة كعاميةٍ، فقد كانت العباءَةُ ذات الغطاء و الفُستان الذي تَرتديهِ أنيقين جِدًّا، و ذلك أَمرٌ مُنافٍ لِمكانتِها.
لم تكُن الألوان الداكِنة لِملابِسِها لافِتةً للنظر، و لكِن دِقةَ الصُنع و التطريز كانا يَليقان بِالنُّبلاء.
“أَشكُرُكُم على استِقبالي، رُغمَ أن الوقت غير مُناسب، سيادَتُكُم.”
زادَ لُطفُ تَحيتِها من سُخفِ الموقِفِ أكثر و غرابته.
هل كانَ يَرى حُلمًا غَريبًا؟
ارتفعَ طرفُ شَفتيهِ بِعدمِ تصديقٍ و سُخرية.
“ما هذا؟ مُنذُ متى بدأت راعيةُ الغنم من مُمتلكاتي تَعيشُ في العاصِمة؟”
“أَقِيمُ في العاصِمة مُنذُ عشرةِ أَيَّامٍ.”
“إذن، لِماذا غادرتِ الأقطاعية بِمُفردك؟”
أشتدَّت تعابير إِيزار و أصبحت أَشَدَّ صرامةً.
لقد كانَ يَسعى دومًا لِمُعاملةِ سُكَّانِ أقطاعيتهِ بِرَأفةٍ، و لكِن مُغادرة الأقطاعية دونَ إِذنٍ كانت تَستَوجِبُ عُقوبَةً شديدَةً.
أخذت المرأةُ تعبثُ بعِقدها و أجابت بِهدوء.
“…جِئتُ ألى هُنا من أَجلِ زَواجِك، سُموك”
“زواجي؟”
“نعم. في زِفافِكُ القادِمِ، أَنا من المفترض أن أكونَ زوجتك.”
“…ماذا؟ ما هذا الهُراء.”
“في ذلك اليوم، لن تكونَ العروسُ هيَ أُختي الصُغرى، أتريا.”
لم يكُن إِيزار فقط، بَل أَيضًا تشارلز و باقي الخدم في حالةٍ مِنَ الارتِباكِ حيالَ هذهِ المُفاجأة.
هل الدوقة أتريا تَملِكُ “أُختًا كُبرى”؟
و معَ ذلك، تابعت المرأَةُ بِهُدوءٍ.
“قد يكونُ من الصَعب تصديقُ ذلك، و لكِن قد تَمَّ تَسجيلي في سِجِل عائِلة الدوق أَنتاريس مُنذُ عشرةِ أَيامٍ كأبنة غير شرعية للدوق أَنتاريس.”
“ماذا…”
“إِذا فَحَصت الخاتم الذي جِئتُ بِهِ، فَسَتعرف يا سموك.”
أنقبض فَكُّ إِيزار بِغضبٍ كامِنٍ.
كانت كلِماتُها صحيحةً.
خواتِمُ العاِئلات النبيلة الكُبرى تحمِلُ سِحرًا، مِما يَجعلُها من المُستحيل أَن تكونَ مسروقَةً أَو مزورةً سِرًّا من قِبلِ العامِّيين.
بَعدَ ثَوانٍ قليلةٍ من التفكير ، تكلّمَ إِيزار.
“…إِذا كانت كلِماتُكِ صحيحةً، فَإِنَّ الإمبراطور يَجهزُ لي مُكافأةً ناقِصةً.”
“نعم.”
“هاه!”
أنطلقت ضحكة جافة منه بِعدمِ تصديقٍ.
في نفسِ الوقت تصاعد غضبٌ عارِمٌ نحوَ أُمهِ التي كانت دائِمًا عارًا و عبئًا عليه، و نَحوَ الإمبراطور الذي بَدا و كأَنهُ يَحمِلُ ضغينةً عميقةً ضده.
و لِلحظةً، شعرَ بِغضبٍ يغزو قلبهُ نَحوَ هذه المرأة التي تتصرف بِهُدوءٍ مُرتابٍ.
‘تمالك نفسك… فقط تمالك نفسك.’
في النّهاية، هيَ امرأةٌ بِدونِ سِلاحٍ، و وجهها الشَّابُّ جعَلهُ يَشعُرُ بِأَسفٍ أكثر إِذا تفوَّهَ بِكلِماتٍ قاسيةٍ.
“لِماذا قَطعتِ كُلَّ هذا الطّريق لِتُطليعني بِهذا؟”
“……”
“أَنتِ على وشك أَن تصبحين دوقةً بَدلًا مِن راعيةِ غنمٍ، فيجِبُ عليكِ أَن تَكتفي بأخذ دروس الزفاف بِهدوء.”
كيفَ تجرُؤُ أدنَى فتاةٍ في أقطاعيته أَنْ تُصبِحَ زوجةً له؟
و معَ ذلك، أغمضت المرأَةُ عينيها الخضراوتين و أختارت كلِماتِها بِحذرٍ.
و فجأة، تذكّرَ إِيزار السّببَ الذي جَعلهُ يَشعُرُ أَنَّ هذهِ المرأَةَ غيرُ مُتناسبة مع المكان تمامًا.
كانت عَيناها بِلونِ أوراق الصّيف الزَّاهية، لكِنها كانت تحمِلُ عُمُقًا غريبًا، كأَنها عُيونُ امرأَةٍ مسنَّةٍ على فِراشِ الموت…
“أَن تَعرِفَ و تُعـاني، أَم أَن تُعـاني في جَهـلٍ؟ أَيُّهُمـا يَثيرُ اشمِئزازكَ أَقـلَّ؟”
لم يَكُن يَتوقع مِثلَ هذهِ الكلِمات الجريئة مِنها. كانَ الأمر يَبعث على السُخرية، كيفَ أنّها تَجرَّأَت على استِخدام كلِمةٍ أستفزازيةٍ مِثلَ “اشـمِئزاز” أَمامَ الدوق.