Charlotte - 6
─────────────────────
🪻الفصل السادس🪻
─────────────────────
اليوم الثاني (1)
كان ضوء الشمس المنساب من النافذة يداعب جفنيها. عندما وصل الضوءُ، الذي عادة ما يكون دافئًا فقط، ولسع عينيها، تفاجأت لدرجة أنه لم يكن لديها خيار سوى الاستيقاظ.
استيقظت شارلوت مع عبوس طفيف. المكان الذي فتحت فيه عينيها هو سريرها في غرفتها. كانت قد خرجت إلى حديقة الزهور في الليلة السابقة، حيث التقت بـ تشارلز وتحدثت معه.
لم تكن بلاغته في الحديث عادية، ورغم أنها كانت في حالة خمول إلى حد ما، إلا أنها بحلول الفجر كانت قد استعادت قواها وعادت إلى غرفتها مبتهجة تماماً. كان على سريرها المضاءُ بشكلٍ خافت في ضوءِ الفجر، بيجامةٌ جديدة ونظيفة.
من المؤكد أن الخادمة هي من أحضرتها، ولكن لم يكن لديها أدنى فكرة عن كيفية معرفتها بأن ملابسها قد اتسخت، وكيف أحضرت لها بيجامة جديدة. شارلوت، التي كانت مستيقظة طوال الليل برأسٍ مُثقل، لم تُرد أن تفقد النوم بسبب تفكيرها في مثل هذه الأمور التافهة.
وبدون تردد ارتدت بيجامتها الجديدة واستلقت على السرير. وكما لو أن جسدها المُرهق كان ينتظر هذه اللحظة فقط، سرعان ما غلبها النعاس، ولم تعد تراودها الكوابيس. وها هي الآن مستيقظة.
نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط. كانت العقارب تشيرُ إلى اقتراب موعد الغداء. شعرت شارلوت بالقلق من احتمالية كونِ الساعة معطلة، ففتحت النافذة بسرعة للتحقق من الخارج. لكن الشمس كانت تتوسطُ السماء. بعد أن رطبت حلقها بالماء الموضوع على الطاولة، غادرت الغرفة.
كانت جائعة. من الطبيعي أن تشعر بذلك، فقد استيقظت للتو بعد أن تخطت وجبة الإفطار. تذكرت شارلوت تخطيط القصر كما شرحه لها تشارلز. لم يكن لديها أي فكرة عن كيفية تمكنها من الخروج من هذا القصر المعقد دون أي مشكلة في الليلة السابقة.
على عكس الليلة الماضية، بعد الدوران حول القصر مرتين تقريبًا، تمكنت شارلوت من العثور على غرفة الطعام التي تناولت فيها العشاء الليلة الماضية. شعر جسدُها بالإرهاق رغم مرور دقائق قليلة فقط على استيقاظها. كان تشارلز قد نزل إلى غرفة الطعام في وقتٍ سابق وكان ينتظرُها.
لمعت عيناه بينما ابتسم ابتسامةً مشرقة. جلست شارلوت، التي ارتبكت من ابتسامته المشرقة، على الكرسي الذي قادتها إليه الخادمة، بتعابيرَ مشوشة. كان الطعام جاهزًا بالفعل. أخذت شارلوت المنديل المطويّ بأناقة ووضعته على ركبتيها بحركة طبيعية.
وبدون أن يقولا كلمة واحدة، أمسك الاثنان بأدوات المائدة وبدأ كلاهما في تناول الطعام. من المؤكد أنها شعرت براحةٍ أكثرَ من الأمس، ربما لأنهما تحدثا وأسرّا لبعضهما البعض أثناء تبادل العديد من التعابير الليلة الماضية.
اختلست النظر إلى تشارلز عدة مرات أثناء تناولهما الطعام. لاحظ تشارلز نظراتها وابتسم بهدوء.
“شارلوت، لماذا تستمرين في النظر إليّ؟”
سيكون من الجميل لو توقف عند هذا الحد، لكن تشارلز أضاف ملاحظةً ما بشكلٍ مؤذٍ.
“هل وجهي بهذه الوسامة؟”
“لا.”
قاطعتهُ شارلوت. سعلَ تشارلز بصوتٍ عالٍ محرجًا من الإجابة التي تشبه السكين. لم تدع شارلوت ذلك يوقفها وواصلت.
“أنا فقط أشعر بالفضول.”
“ما الأمر؟”
كان صوته قد فقد نعومته عندما طرح السؤال، وسرعان ما أصبح الآن مليئًا بالفظاظة. يبدو أن ذلك بسبب إجابة شارلوت الشبيهة بالسكين.
“لقد عرفتُ تشارلز منذ يوم واحد فقط، ومع ذلك أشعر براحة كبيرة معه. أشعر وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ وقت طويل. في بعض الأحيان، أتساءل عما إذا كنا نعرف بعضنا بالفعل قبل أن نفقد ذكرياتنا.”
انتظرت شارلوت رد فعل مثل، “أوه، فهمت يا شارلوت! في الواقع، شعرت بنفس الشعور.” لكن تشارلز أشاح بنظره وقال بعينين نصف مغمضتين ببساطة.
“أنتِ لستِ جذابة بما فيه الكفاية لكي أكون متأكدًا من ذلك، ومع ذلك أشعر بالراحة وكأننا نعرف بعضنا منذ فترة طويلة. يبدو أن هذا هو الوقت المناسب لاستخدام عبارة “جلبُ الداء ثم تقديم العلاج””.
“…… ماذا؟”
عندها فقط أدركت شارلوت أن كلماتها ربما بدت وقحة جدًا لتشارلز في بعض المواقف. لم تكن تنوي الحكم على مظهر تشارلز، لذلك كانت تنوي قول “لا”، ولكن بعد التفكير، أدركت أن الموقف كان عرضةً لسوء الفهم. بدأت شارلوت مرتبكة، وبدأت تشرح بيأس.
“لا، لم يكن هذا ما قصدته. لم أقصد أن تشارلز غير جذاب، بل قصدت أن أفعالي لم تكن مقصودة بهذه الطريقة! تشارلز ليس قبيحًا. تشارلز وسيم!”
عند التفكير، كان هذا الآن وقحاً بالمعنى المعاكس. كيف يمكنها تقييم مظهر شخص ما بهذه الصراحة! لاحظت شارلوت بحذر رد فعل تشارلز.
“آه، حسنًا…… همم.”
عندما شاهد تشارلز شارلوت تعلن بقوة أنه وسيم جدًا، نفض تشارلز حلقه عدة مرات بشكل محرج. فتح فمه كما لو كان يريد أن يقول شيئًا، ثم هز رأسه بقوة، وعض على شفتيه. راقبت شارلوت تشارلز كما لو كانت تراقبُ شيئًا غريبًا. لمس تشارلز جبهته بيده مرارًا وتكرارًا ثم تحدث.
“لنتناول العشاء!”
عندما سمعت شارلوت كلمات تشارلز، أمسكت بأدواتها وهي تنظر من حين لآخر إليه ٢كما في السابق. هذه المرة، كان ذلك لأنها لاحظت ردود أفعاله. تجاهل تشارلز نظراتها عن عمد حتى أوشكت الوجبة على الانتهاء.
ولم يتحدث إلا عندما أوشكوا على الانتهاء. وبحلول ذلك الوقت، كان قد استعاد رباطة جأشه وعاد إلى تعابيره المعتادة غير المتأثرة.
“بينما كنت أنظر إلى خريطة القصر، تذكرت شيئًا قد يثير اهتمامك يا شارلوت. هل ترغبين في رؤيته؟”
“شيء قد يعجبني؟ ما هو؟”
“اشش، إنه سر.”
وبابتسامة تملأ عينيه الزرقاوين الداكنتين، وضع تشارلز سبابته على شفتيه. أمالت شارلوت رأسها في فضول.
بمجرد أن انتهيا من تناول الطعام، أخذ تشارلز شارلوت إلى مكان ما. صعدا السلالم صعوداً ونزولاً وتنقلا عبر متاهة من الممرات. توقف تشارلز أمام غرفة في الطابق الثالث. للوهلة الأولى، لم تكن مختلفة عن أي غرفة أخرى. لكن تشارلز تحدث بصوت مبهج.
“ها هو ذا. أتمنى أن يسعدك ما يقع خلف هذا الباب يا شارلوت.”
ترك تشارلز شارلوت تفتح الباب بنفسها. لم تكن تعرف ما وراء هذا الباب، لكن قلبها كان يخفق بترقب. دفعت الباب وفتحته. في الداخل، مثل الغرف الأخرى، لم يكن هناك شيء مميز بشكل خاص. باستثناء شيء واحد.
في وسط الغرفة كان هناك بيانو كبير. كان أنيقاً وجميلاً لدرجة أنه يمكنُ اعتباره عملاً فنياً.
“ما رأيك؟ العديد من الشابات في عمر شارلوت لديهن هواية العزف على البيانو. ظننتُ أنك قد تفعلين ذلك أيضاً. والآن بعد أن أريتك إياه، أخشى أنه قد لا يعجبك.”
“إنه جميل للغاية!”
بمجرد أن انتهى تشارلز من الكلام، صاحت شارلوت. وهرعت إلى البيانو الكبير وكأنها تريد احتضانه. كان بيانو كبير أبيض ناصع البياض دون خدش واحد. كان الغطاء مفتوحاً، كما لو أن أحدهم كان يعزف عليه للتو، بدا البيانو وكأنه بجعة باسطة جناحيها. كانت أرجله المنحنية بسلاسة مثل عنق بجعة تسبح برشاقة.
بجعة. بدا كما لو كان البيانو وسيلة للتعبير عن بجعة.
“هل ترغبين في عزف مقطوعة؟”
“هل تعتقدُ أنني أستطيعُ العزف؟ لا أعرف حتى إن كنت قد تعلمت العزف على البيانو.”
على الرغم من كلماتها، كانت تجلس بالفعل على المقعد الأبيض النقيّ الذي كان جزءًا من الآلة الموسيقية. وضعت أصابعها العشرة النحيلة برفق على المفاتيح. كانت ترتعشُ كما لو أن تياراً كهربائياً يمر من خلالها.
“آه، تشارلز! أعتقدُ أنني أستطيعُ العزف!”
همست شارلوت بهدوء، وارتفع صوتها بحماس بنوعٍ من التعجب. أخذت أولاً نفسًا عميقًا لتهدئة نفسها. في اللحظة التي وضعت فيها يديها على لوحة المفاتيح، كانت هناك مقطوعة تتوق لسماعها على البيانو.
وعلى الرغم من أنها لم تستطع تذكر كيفية عزفها، إلا أنها شعرت بطريقة ما أنها تستطيع عزفها. ظل تشارلز صامتاً منتظراً أداء شارلوت.
وقف تشارلز بجانب شارلوت وأغمض عينيه. وبينما كان الاثنان صامتين، ساد هدوء عميق، وكأنه ليس من هذا العالم. كان هناك صوت شارلوت وهي تزفر بعمق، ثم بدأ الأداء.
وعلى النقيض من سلوك شارلوت المشرق، كانت المقطوعة التي تعزفها منخفضة وكئيبة. انتشر اللحن المظلم والحالم للمفتاح الصغير ببطء على الأرض. وتدريجياً، ازدادت حدة الجو.
مظلمة وحزينة، لكنها دافئة ومريحة. كانت مقطوعة غريبة، على الرغم من أنها كانت مظلمة إلا أنها كانت تضيء لفترة وجيزة، وعندما تبدو مشرقة، فإنها فجأة تصبح ثقيلة.
تعاملت شارلوت مع البيانو والمقطوعة بكل سهولة. كان ذلك كافيًا لجعل المرء يتساءل عما إذا كان قلقها بشأن عدم تذكرها لتعلم البيانو كان مجرد ادعاء.
حلقت أصابعها العشرة برشاقة فوق المفاتيح. وبدت هي نفسها منغمسة في المقطوعة، حيث كانت تحني ظهرها بالكامل لضبط الشدة في الأجزاء المرتفعة. كانت أصابعها التي تضغط على المفاتيح أكثر أناقة من البيانو الأبيض نفسه.
تسربت المشاعر العميقة من خلال المقطوعة البطيئة. كان صوتًا جادًا وثقيلاً، مما جعل المرء يتساءل عما إذا كانت هي نفسها الشابة البريئة. ومع تلاشي المقطوعة المتصاعدة ببطء واقترابها من نهايتها، فتح تشارلز عينيه بهدوء. عزفت شارلوت النغمة الأخيرة. كانت المقطوعة مثالية.
─────────────────────
🪻شروحــات🪻
جلبُ الداء ثم تقديم العلاج:
مجازيًا، يشير هذا المثل إلى موقف يتسبب فيه شخص ما في مشكلة أو ضرر ثم يعرض حلاً أو مساعدة للمشكلة التي خلقها. إنه أشبه بخلق مشكلة فقط لحلها، وغالبًا ما يُنظر إليه على أنه فعل يبدو ضروريًا أو خيريًا.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حساب الواتباد: Satora_g
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻