Charlotte - 1
─────────────────────
🪻الفصل الأول🪻
─────────────────────
اليوم الأول (1)
كانت الغابة ملطخة باللون الأسود كما لو أن الحبر قد سُكب عليها.
نَمت الأشجار الصنوبرية الضخمة بكثافة، حتى أصبحت قممها غير مرئية. بدا نعيق البوم عبر الفجواتِ الضيقة في الأشجار مثل عواءِ وحوشٍ برية. غطت الطحالب الخضراء الداكنة التربة البنية الرطبة. وخيّم ضباب كئيب على الغابة مثل الستار.
ركضت يائسة عبر الغابة المظلمة، غير قادرة على رؤية أي شيء أمامها. تعثرت عدة مرات بجذور الأشجار الداكنة وسقطت، لكنها صرّت على أسنانها ووضعت يديها على الأرض، ثم نهضت وركضت مرة أخرى.
أنفاسها كانت تستنفذُ بالفعل. ورئتاها تطلبان هواءً أكثر مما تستطيع استنشاقه. وكان المشد الذي كان شدّ بطنها سلاحًا غير مباشر يضيق أنفاسها.
كان الفستان المزخرف الذي لا داعي له مرهقًا بشكل رهيب. لم تستطع معرفة ما إذا كانت تركض لدقائق أم لساعات، لكنها لم تتوقف عن الركض.
أو بمعنى أدق، لم تستطع التوقف.
كان هناك شيء ما يقترب منها بسرعة، وهي تركضُ يائسة. وفي كل مرة يتحرك فيها، كان يصدر صوتًا غريبًا مثل الهسهسة واحتكاك القماش. إذا أمسك بها ذلك الشيء، ستكون نهايتها. أخبرتها غريزتها بذلك.
نظرةٌ سريعةٌ إلى الوراء أكدت لها أن حجمه كان كبيرًا بشكل مرعب. لكن ما كان مرعبًا حقًا لم يكن جسده، بل مظهره. كان جسمه الضخم، الذي بدا وكأنه مزيج من جميع أنواع الوحوش، فاسدًا ولزجًا إلى حد التعفن.
كانت الديدان تتساقط من لحمه كلّما تحرك. حتى عيناه وأنفه وشفتاه كانتا قد تعفنتا، وكانت الحدقتان الغائرتان حيث كان ينبغي أن تكون العيون، مشوهتين مثل بحيرة ملوثة. انزلق نحوها وهو ينضح برائحةٍ نتنة مثل جثةٍ متعفنة.
هذا الشيء وحش. إذا ما أمسك بها، فسوف يمضغها حية ويأكلها حتى العظم. شعرت وكأنها ستفقد عقلها من الخوف. كانت الأصوات الغريبة لاحتكاك العشب واللحم المتعفن تقترب أكثر فأكثر.
أسرع، عليها أن تركض أسرع. كان جسدها المحرومُ من الأكسجين يشتكي من أجلِ المزيد. أصبح عقلها فارغًا. عضت شفتيها بإحكام، مستشعرة لحظاتها الأخيرة.
ولكن في تلك اللحظة، ظهر قصر كبير أمامها. لقد كان الضباب يحجبه ويخفيه حتى الآن.
كان وجود قصر في وسط الغابة بهذا الشكل غريبًا للغاية، لكن غرابته كانت أقل اعتباراتها التي ستقوم بالتفكير بها في حالتها الحالية. كان القصر مضاءً بشكل ساطع في كلّ غرفة. من الواضح أنه كان مأهولاً بالسكان.
نعم، كان كذلك. إذا تمكنت من الوصول إلى هناك، فقد تستطيع النجاة. استجمعت آخر قواها.
ابتلعت أنفاسها بصعوبة، وتمكنت من الوصول إلى مقدمة القصر. كانت البوابات الحديدية السوداء قديمة الطراز، المحاطة بسياج من الأشواك، مفتوحة على مصراعيها وكأنها تدعوها للدخول. كادت أن تطير وهي تقفز عبر البوابة.
ذبلت رئتها كما لو أنها نسيت ما كان من المفترض أن تفعله، غير قادرة على استنشاق المزيد من الهواء. أغلقت جفنيها وشعرت بوميض السواد أمام عينيها. وراء رؤيتها الباهتة، رأت شخصًا يندفع نحوها.
* * *
شارلوت، هل تنصتين؟
هل تتذكرين مشهد شروق الشمس الذي شاهدناه من الشاطئ الصغير الذي تجولنا عليه بالصدفة عندما كنّا نعرف بعضنا منذُ عامٍ تقريباً؟ لا أعلمُ عن مشاعرِك، لكنني لا أستطيع أن أتجاوز ذلك المشهد المهيب.
كانت الشمس تشرق في وهجٍ برتقالي شاحب. آه، كان الأمر كما لو أن عشرات الآلاف، وربما مئات الملايين من الألماس المضاء بنور الشمس قد أُطلق في المحيط الشاسع.
كلّ واحدة من تلك الجواهر الرائعة تهتز وتتألق في البحر الأزرق. كان بحر الصباح ضبابيًا لدرجة أن التمييز بين الماء والسماء لم يكن واضحًا. كان الأمر كما لو أنّني في عالمٍ آخر.
لقد قلتِ أنه في مكان ما وراء الأفق كان هناك بالفعل بابٌ يؤدّي إلى عالمٍ آخر.
كم كنتِ جميلة يا شارلوت، بعينيك الخضراوين الشاحبتين كبراعم تنبتُ في الربيع، تحدقين بشوقٍ في الأفق، وشعركِ البني الحريري يتطاير مع نسيم البحر وكأنه يذوب فيه.
مرة واحدة فقط. إذا تمكنتُ من رؤيتكِ أنتِ وذلك المنظر مرة أخرى، فسوف أتخلى عن روحي.
* * *
شعرت بثقلي جفنيها كما لو أنّ حجراً قد وُضع عليهما. فأُجبرت على فتح عينيها مستشعرةً وهجًا غائم. ريشٌ رقيق. قطن. قماش. شعرت بلمسةٍ مريحة. كانت مستلقية في السرير.
شششششششششششش–
سمعت صوتًا خافتًا مثل صوت شلال يجري. وسرعان ما أدركت أنه كان صوت المطر، يتساقط بغزارة.
تــك، تــك.
كان المطرُ الكثيف، الذي لم تره من قبلُ في حياتها، يضرب النافذة الزجاجية بقوة. أصبحت الغابة الصنوبرية التي يغطيها الضباب الآن هاويةً حقيقية مع هطول الأمطار الشبيه بالشلال. لقد كانت معجزةً أنها تمكنت من العثور على القصر في تلك الغابة الشاسعة المظلمة.
“اغه……”.
تسرّب أنينٌ مكبوت من فمها. كانت يداها وقدماها تشعرها بحكة ووخز لا يطاق. تذكرت سفوطها عدة مرات في الغابة وكيف تورمت يداها من لمسها الطحالب كما لو كانت مسمومة.
وبما أنها ركضت حافية القدمين على الطريق الترابي الوعر، لا بد أن قدميها كانتا بشكلٍ مماثل أو أسوأ. ربما كانت قد تعرضت لخدوش شديدة جدًا بسبب جذور الأشجار أيضًا، لكن بدا أن شخصًا ما كان قد اعتنى بذلك بالفعل، وكان كل شبر من جسدها ملفوفًا بضمادات بيضاء نظيفة.
لقد عاشت حقًا. غرقت مرةً أخرى في السرير الفاخر، وشعرت بكلّ توترها يتلاشى دفعةً واحدة. غمرها شعورٌ بالراحة.
كان جسدها المتعب غارقًا في الشعور الدافئ والمريح. وعندما أوشكت على العودة إلى النوم، سمعت صوت طقطقة الباب ينفتح. تمددت على السرير وعيناها مفتوحتان قليلاً. كانت تعلم أن ذلك كان وقحًا، لكنها كانت متعبة جدًا لدرجة أنها لم تستطع تحريك أي عضلة.
من الواضح أن المرأة التي دخلت كانت خادمةً تعمل في القصر. كانت ترتدي ثوبًا أسود يصل إلى ركبتيها ومئزرًا أبيض. كان رأسها منحنيًا تمامًا، لذا لم تتمكن من رؤية وجهها.
والغريب أن الخادمة أحنت رأسها بهدوء وهي تغير الماء في المزهرية وتعيد ترتيب الأغراض الموجودة على الطاولة. كما لو أنها كانت تحفظُ تخطيط الغرفة، أبقت رأسها منخفضًا ومضت في عملها. وفجأة انتابها الفضول فرفعت نفسها ببطء شديد عن السرير ونادت على الخادمة.
“المعذرة.”
“……”.
ظلت الخادمة صامتة ومضت في عملها. كان من المستحيل ألّا تسمع صوتها في مثل هذه الغرفة الهادئة. تحدثت مرة أخرى.
“ما هذا المكان؟”
لا إجابة. انتهت الخادمة من تغيير الماء وغادرت الغرفة ورأسها للأسفل كما كانت عند دخولها. شعرَت بالارتباك قليلاً عندما تُركت وحيدة على السرير. ما الخطأ الذي اقترفته؟ تمتمت لنفسها متمتمةً. لقد استيقظَت للتو، لذا لا يمكن أن تكون قد فعلت أي شيء وقح.
فكرت في الخروج من الباب، لكنها سرعان ما أعادت النظر في الأمر. لم تكن تعرف مدى ضخامة القصر، ولم تكن تريد أن تتجول في الأرجاء بدون سبب، فقد تقعُ في مشكلةٍ إذا تم تصنيفها كشخص مشبوه. لذا قررَت البقاء في السريرِ والانتظار.
لم تستطع النوم بعد الآن. تــك، تــك، تــك. كان صوت دقات عقارب الساعة المعلقة على الحائط عالياً بشكلٍ غير عاديّ.
كانت على وشك النهوض من الفراش عندما أصبح جوعها لا يطاق وقررت الخروج. فُتح الباب مرةً أخرى. اعتقدت أنها ستكون تلك الخادمة الغريبة مجددًا، لكنها فُوجئت قليلاً.
“آه، هل استيقظتِ؟”.
كان صوتُه لطيفاً وودوداً مثلَ مظهره. دخل الغرفة رجلٌ ذو شعر أزرق كحليّ قصير وناعم يبدو وكأن خصلاته ستتطاير عندما تهبّ الريح.
كانت عيناهُ من نفس اللون عميقتين كسماءِ الليلِ الخاليةِ من النجوم. أمال رأسه قليلاً بابتسامة مبهرة، ناظراً إليها بعينيه النيليتين.
“ليس لديكِ أدنى فكرة عن مدى دهشتي عندما انهرتِ بمجرد أن عبرتِ بوابة القصر، كيف تشعرين؟”
“أعتقد أنني أفضلُ بكثير، أشكركَ من أعماقِ قلبي على إنقاذي.”
أصبحت ابتسامة الرجلِ أكثر إشراقًا عند ذكر شعورها بالتحسن.
“لا، كلّ ما فعلته هو أنني أمرت على عجل بإغلاق أبواب القصر وحملتُ السيدة الشابة على ظهري وركضت إلى هنا. ثم اعتنت خادمات القصر بالباقي”.
أوه، لقد فهمت. فكرت وهي ترمش بعينيها الخضراوين ذات التصبّغِ الفاتح في عدم تصديق، كانت تشعرُ بالغرابة من كلماته. هل حملني بنفسه؟
للوهلة الأولى، بدا الرجل ذو مكانةٍ عاليةٍ جداً. فقد كان يرتدي قميصاً أبيض أنيقاً وصدريةً باللون البيج مطرزةً بخيوطٍ فضيةٍ عتيقة تناسب جسمه بإحكام، وكان بنطاله بنفس لون الصدرية يبرز ساقيه الطويلتين الوسيمتين.
كان أصغر قليلاً من أن يمتلك مثل هذا القصر الكبير، ولكن إذا حكمنا من خلال مظهره، فلا عجب أن يكون هو المالك. على الأقل، هذا ما استنتجته، استنادًا إلى سلوكه وطريقة حديثه الوقورة، أنه لم يكن ساكنًا عاديًا للقصر.
─────────────────────
🪻شروحــات🪻
الصدرية الرجالية:
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حساب الواتباد: Satora_g
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻