اما بعد - 2
مر اسبوع و أنا لا أزال أفكر بفاطمة و ما حدث لها، و لما حدث كل هذا من الأصل، لا أرى عيبا في الحب
فقلوبنا ليست ملكا لنا على أي حال.
كاذب هو من يقول أنه يستطيع التحكم في قلبه أو أنه لم يحب قط او أنه يستطيع ان يبتعد عن حبيبه بكل سهولة
كذب. القلوب هي من تتحكم في البشر و ليس العكس.
لم تأتِ فاطمة للمدرسة منذ حفل عيد الام.
لا استطيع ألا أفكر بها بعد ما قالته و بعد حالتها التي رأيتها عليها، هل من الممكن أن يكون والدها بهذا الجهل؟
يعذب ابنته لأنها أحبت! عقليات عقيمة…
اتصل بنا قريبنا من بالاسكندرية يدعونا إلى حفل زفافه، قبل والدي الدعوة و أخذ أمي و أخواتي و ذهب، في الحقيقة أنا لم اذهب، وتحججت بعدم استطاعتي الذهاب لأن الامتحانات اقتربت و أنني مشغول.
في الحقيقة لم أستطع أن أكون سعيدا أو أن أفرح بعد تلك الحادثة.
قال والدي أنهم سيبقون في الاسكندرية ١٠ أيام، ولم أعترض، فجو الاسكندرية جميل و ستكون أختاي سعيدتان. لا يهم، سأبقى في المنزل.
بعد مرور ثلاث ايام على السفر، وفي تمام الساعة ١١مساء، صوت طرق على باب المنزل و بكاء.
اتجهت نحو الباب بخوف و قلق و قلت: “مين بره؟!”
قالت بصوت مبحوح و غير واضح “فاطمة، انا فاطمة”
فتحت الباب بسرعة، لم اتحرك من مكاني من الصدمة، قلت في خوف “ايه اللي عمل فيكي كده؟!”
كانت فاطمة تنزف، أنفها ينزف و رأسها مجروحة و جسدها مليء بالكدمات و… و… لحظة هذا مستحيل…
كرباج ؟!
لم تنطق و لكنها غابت عن الوعي.
اتصلت بصديقي عبدالله:
“عبدالله الحقني بسرعة، تعالى على البيت و معاك دكتور بسرعة”
عبد الله بخوف “ايه اللي حصل يا بني”
قلت بغضب و بعصبية “بقولك بسرعة”
و أغلقت الخط
حملتها سريعا ووضعتها على السرير و ذهبت لغرفة أختي باحثا عن عطر ، فوجدته و ذهبت لفاطمة مسرعا حاولت أن أجعلها تفيق ، دون جدوى.
كانت حالتها سيئة جدا و لكن أنا لا أستطيع أن آخذها إلى المستشفى، ففي مصر (لو خدت حد مصاب أو ميت أو بيموت للمستشفى يبقى انت اللي تسببت في كده) ولو حاولت أن تقول أنك أردت أن تساعده قبل أن يموت، يردون بـ (بلاها. ملكش دعوه سيبه يموت)
حماقة… ?
جاء عبدالله و جاء الطبيب، كان صديق لنا و نثق فيه و نعلم أنه مهما حدث فلن يشي بنا -على ما اظن-.
صدم من شكل فاطمة و لكنه حاول أن يسعفها سريعا، بالفعل استطاع أن يسعفها، و لكنها لا زالت غائبة عن الوعي.
قال لي: “متخافش، هتفوق بعد شوية، هي غابت عن الوعي لأنها مقدرتش تستحمل الالم. ولكن ايه اللي حصل؟”
قصصت عليه ما حدث ، فرد قائلا: “اسمع يا حسن، دي جناية. ملكش دعوة، أول ما تفوق خليها تمشي”
حسن بغضب “انت ازاي تطلب مني حاجة زي كده”
رد الطبيبب بغضب”انت عارف دي أبوها مين ؟!”
كاد حسن ان يصرخ في الطبيب لولا سماعه صوت بكاء و أنين، نظر باتجاه فاطمة فوجدها قد أفاقت.
“فاطمة انتي كويسة؟”
كانت تبكي و قالت “آسفة يا مستر، همشي دلوقتي”
رد حسن بخوف”متعتذريش و استريحي غلط عليكي الحركة”
قالت “بس…”
وضع اصبعه برفق على فمها و قال “قلت استريحي مفهوم! كل حاجة هتبقى كويسة باذن الله”
استندت على الوسادة و قالت “يا مستر حضرتك مش فاهم بابا ممكن ي…”
امسك حسن الشريط الصق وضع جزء على فمها و قال “قلت مفيش كلام، استريحي و نامي و لا جعانة؟ أعملك اكل؟!”
ضرب الطبيب كف بكف و قال بعصبية “يا صبر أيوب”
و رحل و ذهب خلفه عبد الله.
ابتسم حسن وقال “هعملك أكل، استريحي لحد ما ارجع”
بعد ربع ساعة دخل حسن ببعض الطعام على صينية ووضعه على الفراش ثم ساعد فاطمة على الاعتدال لتأكل.
“بصي انا مبعرفش اطبخ و لا بخش المطبخ، عندي بنوتين حلوين و أمهم بيعملوا اللي انا عايزه”
قالت بخوف: “انت متجوز؟”
قال ضاحكا: “لا اخواتي و ماما?”
تنهدت و قالت: “الحمد لله”
ابتسم حسن و نظر لها و لم يتكلم لدقائق ثم قال “ليه كده؟! ليه عملتي في نفسك كل ده ،شفتي وصلتي لايه”
اخذت تبكي و لم تتكلم، فقال مسرعا: “خلاص خلاص ، كلي و استريحي عشان الجروح دي”
هزت راسها موافقة و حاولت أن تأكل إلا أن يدها كانت ملتفة بالشاش و القطن
فقال حسن بحنان: “استريحي انا هأكلك”
ابتسمت و لم ترد. كان حسن يحاول أن يطعمها لقمة من الفول الذي وجده في الثلاجة، مضغت اللقمة و لم تتكلم ثم أخذت تضحك.
قال “ما المضحك؟!”
قالت الفول” مسكر مش مملح”
قال بفخر “ايوه عمايل ايدي”
ازداد ضحكتها و قالت “قصدي فيه سكر مش ملح انت عملته غلط”
اختفت الابتسامة من وجه حسن و أخذ لقمة سريعا ثم قال “يا ربي ازاي اتلغبط بينهم…..أنا اسف”
صمت الاثنين قليلا ثم ابتسمت فاطمة بهدوء و نظرت له، فتعالت ضحكات الاثنين من الموقف.
بعد تناول العشاء ذهبت فاطمة في رحلة إلى أعماق الأحلام، بينما حسن قد ظل جالسا بجوارها، فمن الممكن أن تحتاج لأي شيء في الليل بالأخص مع تلك الجروح التي في جسدها
الساعه ٣ فجرا، بالطبع لم يستطع حسن أن يقاوم النوم فنام على الكرسي و لكنه فتح حسن عينه على صوت آهات متكررة، حاول أن يركز قليلا…
“فاطمة؟! مالك؟ فاطمة”
كانت فاطمة ترتعش و قد أصابتها الحمى.
تذكر أن الطبيب أخبره -لكنه لم ينتبه- أن الجروح التي في جسدها قد تجعلها تصاب بالحمى.
أسرع حسن للمطبخ وقد ملأ إناء بالماء و أخذ قطعة قماش من الخزانة ليقوم بعمل كمدات باردة.
وضع الكمدات على رأسها بهدوء و أمسك يدها و اخذ يضغط عليها كي تفيق “فاطمة، فاطمة”
ثم قال لنفسه “لالا مينفعش اسبها غايبة عن الوعي، حتى لو عندها سخونية، لازم أخليها واعية عشان حالتها متزدش سوء”
ومن الاسعافات الاولية في حالة الاغماء هو الضغط على اصبع الابهام بقوة شديدة، فيفيق المريض بسرعة و يعود للوعي.
أمسك بيدها و هو يقول “معلش اسف بس أنا مش هقدر اقعد هادي و انتي بتفرفري جنبي”
امسك حسن بطرف اصبعها و عضه بقوة فقامت منتفضة، نعم كانت لازالت ترتعش من الحمى لكن على الأقل قد أفاقت.
أاحضر حسن كوب ماء و ناوله لفاطمة بهدوء، فشربت الماء ثم نامت على الوسادة و قالت بصوت ضعيف “كنت اضربني بالشكوش احسن”
ابتسم و قال “اسف مكنش قصدي، ان شاء الله تبقي كويسة”
أغمضت عينيها لترتاح و أكمل حسن وضع الكمدات. وبعد خمس دقائق …
“فاطمة….فاطمة”
ردت دون ان تفتح عيناها “ايوه”
“انتي صاحية ؟!؟”
قالت مازحة “لا فاطمة نايمة و انا القرين”
انتفض حسن من مكانه فضحكت في ضعف و قالت “معلش اسفة، قلت اهزر عشان التوتر ده يروح شوية، و كمان عشان الم جسمي انساه شوية”
ابتسم حسن دون ان يرد. وبعد ساعة انخفضت الحرارة تقريبا رغم انها لازالت دافئة.
ولم يستطع حسن أن يقاوم حارس الليل الجميل -النوم- و ذهب في سبات عميق و لم يشعر بشيء.
في الصباح…
استيقظ حسن فوجد أنه نائم على الأرض و قد كان ظهره و عنقه تؤلمانه جدا كأنهما مكسورتين، ولم يجد فاطمة على السرير؟!
انتفض سريعا و اخذ يبحث عنها في أرجاء المنزل، ولكنها ليست موجودة.
أين ذهبت يا ترى؟!
عاد للغرفة فوجد صينية الطعام و مغطاة بقماشة تحرك ناحيتها و نزع الغطاء فوجده الفطور و بجواره ورقة
فتح الورقة فوجد أن فاطمة قد تركت رسالة و لكن الخط ليس واضحا، يبدو أنها لم تستطع الكتابة من الجروح
“صباح الخير
انت مش هتلاقيني، أنا مشيت من البلد، انت مسألتنيش عن سبب اللي حصلي، مع اني كنت عايزة ألاقي حل معاك، بس واضح انك مفكرتش تسأل.
على العموم بابا كان هيحبسك بأي تهمة تبعدك عني من ١٠ ل٢٥ سنة. ده اقل حاجة و كان هيجوزني ابن عمتي ويخرجني من الدراسة.
ده عشان الميراث وأنا البنت الوحيدة بعد وفاة ماما و اكيد مش كل الاراضي و الفلوس و السلطة هتبقى ليك انت
حتي هو مفكرش انا هكون سعيدة و لا لأ.
على العموم أنا هسافر بعيد عن القرية عشانك والله، خايفة لحسن تتأذي بسببي.
انا سبتله رسالة بردوا عشان ميدورش عندك او يؤذيك.
سلام يا…
مستر بالنسبة ليك
و حبيب بالنسبة ليا”
قال حسن “يا نهار أسود، البت دي مجنونة، هتعمل ايه لوحدها؟ دي محصلتش ١٨سنة”
تحرك حسن سريعا و ارتدى ملابسه و قال “أنا لازم ادور عليها بسرعة، اكيد هي مبعدتش عن المكان بالأخص انها تعبانة”
فاطمة تقطع كتابة حسن لقصة حياتهما:
“كنت خايف عليا صح”
تنهد حسن و قال “روحي اعمليلي شاي دماغي مصدعة”
ذهبت فاطمة للمطبخ فقال “اتشك في رجلي لما رحت ادور عليكي ”
فاطمة تقطع كلامه “ناااااعم”
قال بتوتر “بقول كنت هموت عليكي ، ده انا كنت حاسس إن روحي مش في جسمي”
نظرت له بتوعد فاكمل…
“تعالي يا ام جنه نكمل قصتنا”
“امممم طيب.”
أخذ حسن يجري في الشارع يبحث عن فاطمة في كل مكان “روحتي فين؟ روحتي فين ؟!”
يتبع…