Before you go insane - 5
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- Before you go insane
- 5 - الفصل الخامِس - عُنُقٌ جيِّدٌ.
سادَ جوٌ من الهيبة في قاعة الاجتماع.
جلسَ الإمبراطور تاتار دي تيسيبانيا على رأس الطاوِلة، مُحاطًا بِنُبلاء المملكة رفيعي المستوى. و بِمُجرد ظهور الإمبراطورة فينيا مادريتا فيشنو، صمتَ أولئكَ الذينَ كانوا يعارضون آراء الإمبراطور بِصخب. اجتاحت النظرات فينيا، تتساءلُ عن سببِ قدومِها إلى الاجتماع.
نهضَ تاتار من مقعده و اقترب من فينيا.
“إمبراطورة.”
قبّلَ ظهرَ يدها برفق. و رغم هذهِ البادرة العاطفية، تلاقت أعينهما بفراغٍ لا يخلو من المعاني.
“اليوم هو اجتماع المجلس الشهري. الآن و قد أصبحت إمبراطورة تيسيبانيا، فمِنَ الطبيعيّ أن أحضره.”
“…إذا كانت رغبة الإمبراطورة كذلك.”
تساءلت نظرات تاتار عن سبب قدومِها إلى هذا المكان المُزعِج، لكن فينيا كانت لديها أسبابها. جاءت لمراقبة النُبلاء، خاصةً أن تاتار كان يفقد أعصابهُ في كثيرٍ من الأحيان و يقطعُ رؤوسهُم. في الحلقات الزمنية السابقة، لم تكن تهتم إذا قطعَ رؤوسهُم أو طعن قلوبهُم، لكن هذهِ الحلقة كانت مختلفة.
أحضرَ خادم كرسيًا إضافيًا إلى رأس الطاولة. و عندما جلست فينيا بِجوار تاتار، بدا الانزعاج واضحًا على وجوه النُبلاء.
نهضَ رجلٌ جالسٌ في أقصى اليسار بوجهٍ مُبتسِمٍ.
“لا بد أن الوضع هُنا مُختلف عن فيشنو. أخشى أن يكونَ المِقعدُ غيرُ مُريحٍ لِجلالتكِ.
آه، معذرة. كانَ ينبغي أن أُقدم نفسي أولًا.”
تحدثَ الرجُل بِكلماتٍ مليئةٍ بِالخِداع تحتَ غِطاء من الود. نظرت إليه فينيا بلا مُبالاة. كانت تعرف اسمه لكنها لم ترَ ضرورة في سماعِه مرةً أُخرى؛ فقد كان أحد أولئك الذين يعدمهم تاتار مبكرًا في الحلقة بسبب إزعاجه.
“لا حاجة إلى تقديم نفسك. اجلس في مقعدك.”
كانَ سلوكها المُتعالي واضحًا. النبيلُ، الذي تحولَ وجههُ إلى اللون الأحمر بسُرعة، جلسَ بِارتباك.
تصرفات الإمبراطورة، التي كانت خِلافًا لما توقعوه من شخصية خاضعة و ساذجة، ملأت القاعة بتوتر حاد.
“استمروا في الاجتماع.”
من بينِ جميعِ الحاضرين في الاجتماع الذي استؤنف، كانَ الأقلُ تركيزًا بِلا شك هما فينيا و تاتار. لقد سمِعا هذهِ المناقشات مِرارًا لا تُحصى. مثل مراسِم الزفاف، كانا يعلمان من سيتحدث و متى، و ما ستكونُ عليه ردود الفعل.
عندما وضعَ تاتار قلمه بِحدة، استؤنف الاجتماع، و تصاعدت حِدةُ الأجواء. وقفَ النبيل الذي تم تجاهله في وقتٍ سابقٍ فجأة.
“لإعادة السيطرة على الجيش الجنوبي الغربي إلى السلطة الملكية؟!”
تجهمَ نبيلٌ آخرٌ جالسٌ عبرَ الطاولة و ضربَ الطاولة بيده.
“الحربُ انتهت يا ماركيز! نَحنُ حتّى بدأنا نُخفِض السيطرة العسكرية في الأراضي الحدودية الشرقية، و معَ ذلك تُصر على التمسك بِها؟”
“لم يمضِ سوى شهر واحد على اعتلاء جلالته العرش. كيف لنا، كخدمٍ أوفياءٍ، أن نُثقِل كاهل جلالته بِمثلِ هذهِ المسؤوليات؟”
استدارَ الماركيز نحو تاتار، مرتديًا تعبيرًا مؤلمًا و مُخلصًا يليقُ بِمُمثلٍ على خشبةِ المسرح.
“لم تستقر البلاد بشكلٍ كاملٍ بعد، يا جلالة الملك. إذا سيطرت على الجيش الجنوبي الغربي الآن، فلا شك أنه سيسببُ مشاكل.”
خلالَ الحرب الطويلة، تمَّ توزيع الفرسان الملكيين، و تمَّ تسليم السيطرة العسكرية للنُبلاء القريبين من الحدود. و قد استمرَ هذا الحال لأكثرَ من ثلاثينَ عامًا، و استعادة السلطة العسكرية التي عززت غرورهم قوبلت بالطبع بمقاومة.
إن التنازُل غير المتوقع عن العرش و النهاية المفاجئة للحرب تركت شؤون الدولة في حالةٍ من الفوضى. استعادة السيطرة العسكرية من النبلاء ستُضاعِفُ من عبءِ العملِ الذي هو بالفعل مُرهِق.
النُبلاء الذينَ جلسوا مُقابله بدوا وكأنهم يحاولون تثبيطهُ، لكِنهم في الحقيقة كانوا يتعاونون لطرحِ هذهِ القضية بشكل علني.
بعدَ لحظة من الصمت، استدار تاتار نحو فينيا.
“ما رأيكِ، يا جلالةَ الإمبراطورة؟ هل نتركُ النُبلاء يستمرونَ في تمتيعِ أنفُسهُم بثروات المملكة، أم نستعيد السيطرة العسكرية؟”
استدارَ النُبلاء في الغُرفة برؤوسِهم، مُندهشين من سؤال تاتار الصريح.
“حسنًا…”
جالت عينا فينيا الباردتان على النُبلاء. كانت تُدرِك أن سؤال تاتار لم يَكن مُجردَّ استِفسار عن السيطرة العسكرية. كانَ يسأل ما إذا كان ينبغي القضاء سريعًا على النُبلاء المُتغطرسين و ترك السلطة العسكرية تقع في أيديهم، أو استعادتها بوسائِل “عادية” نسبيًا، حتّى و إن كانت مُزعجة.
“يا جلالة الملك، لا أعتقدُ أن هذهِ مسألةٌ يُمكن للإمبراطورة أن تُبدي رأيًا فيها.”
“بِالفعل. من غير المُناسب أن يُطلب من الإمبراطورة، التي لم تتعرف بعد على شؤون تيسيبيانيا، أن تُبدي رأيها في قضية حاسمة كهذه.”
“أتفق. إذا كانت المسألة صعبة للغاية لتقريرها بِمُفردِنا، سيكونُ من الحكمة طلبُ مشورة الإمبراطور السابق.”
خوفًا من أن تتدخل الإمبراطورة من دولة مُعادية في مصالحهم، بدأ النُبلاء يعبرون عن مُعارضتِهم.
‘غير مألوفة؟ طلب مشورة؟’
كتمت فينيا ضحكتها. لو كانوا يعلمون كم من الزمن كانت هذهِ الروح داخِل هذا الجسد الشاب قد تعفن في القصر، لتفاعلوا بشكلٍ مُختلفٍ.
“جلالتك.”
“تحدثي.”
“استعادة السيطرة العسكرية. علاوةً على ذلك، أفهمُ أنهُ خِلالَ الحرب، تمَّ زيادة عدد الجنود الخاصين الذين يمكن للنُبلاءِ الاحتِفاظِ بِهم تدريجيًا. الآن أصبح العدد أكثر من ضِعف العدد الأصلي، أليس كذلك؟”
“نعم.”
تصلبَ وجهُ بعض النُبلاء المُراقبين. أجابت فينيا بِابتسامةٍ خفيفةٍ على شفتيها.
“صادروا كل شيء. لقد تم اتخاذُ هذا القرار بِالفعل خِلالَ مُفاوضات زواجنا. معَ وجود مُعاهدة سلام، سيكونُ من غيرِ اللائِق أن يبقى أحدُ الطرفين مُسلحًا.”
صرخَ الماركيز الذي قامَ بالوقوفِ أولًا.
“جلالتك! هل تحاولينَ إضعافَ دفاعات الحدود—”
“―كفى.”
جمدَ صوتُ تاتار البارد الجو على الفور.
ركزت عيناهُ الرماديتان الحادتان على الماركيز، الذي انهارَ عائِدًا إلى مِقعده.
“سأسألُكِ مَرةًّ أُخرى، جلالة الإمبراطورة. هل نَقطعُ لِسانَ هذا الرجُل الوقِح أم عُنقه؟”
“جـ – جلالتك…!”
احنى النُبلاء رؤسهُم، و وجوهُهُم شاحِبة.
الماركيز، الذي كانَ يصرخ بوجهٍ مُحمرٍ قبلَ لحظات، أصبحَ الآن أشبهُ بشبح.
“يبدو أنَّ البعضَ ما زالَ لا يفهمُ ما يعنيهِ زواجُنا و وجودكِ هُنا، أليسَ كذلك؟”
كانَ زواجُهُما رمزًا لِنهاية الحرب و وسيلة لِتهدئة بذور التمرد. لم يكُن اتحادًا بسيطًا، بل كانَ لا يُمكن التراجعُ عنه بالطلاق أو الخيانة.
نظرًا للتمرُد الشديد الذي نشأ خِلالَ الحرب الطويلة، كانَ من المفهوم أن كِلا الإمبراطوريتين لجأتا إلى تغيير عروشهم. فقط المجنون هو من سيُهاجمُ الآخر في ظلِّ هُدنةٍ هشةٍ كهذه.
تنهدت فينيا داخليًا. ماذا يجب أن تفعل؟
التظاهرُ باللطف لم يكُن صعبًا، لكن كانَ هُناك طريقة أبسط بكثير.
لم يستغرق القرار وقتًا طويلاً. أجابت فينيا.
“عُنقٌ جيدٌ.”
عجلَ النُبلاء بمُغادرة قاعةِ الاجتماع، تِسعةٌ منهُم في المجموع. أحدهم أغُشيَّ عليه خِلال الاجتماع و تمَّ حملهُ على نقالة. و معَ اختِفاء النُبلاء ذوي الوجوه الشاحِبة، حلَّ الهُدوء على القاعة. نهضَ تاتار و جلسَ على حافةِ الطاولة بتوازنٍ هشٍ، مُعتمِدًا على ذراعيه و هوَ ينظرُ إلى فينيا من الأعلى.
“إذا غيرتِ رأيكِ، أخبريني. سأحضر لكِ رأسه في أي وقت.”
“لا حاجة لذلك، لن نراهُ في أي منصبٍ رسميٍّ طوال حياته.”
للتوضيح، بمجرد أن قالت فينيا “عُنقٌ جيدٌ”، كانَ تاتار قد سحبَ سيفه و أشارَ بهِ إلى عُنق الماركيز المُذنِب. و بسبب الخوف الشديد، أغُشيَّ على الماركيز في اللحظة نفسها، ساقطًا إلى الوراء. النُبلاء من حولِه، و هُم مذهولون من البلل الذي انتشر في سرواله، ابتعدوا جميعًا، و تجنبوا حتّى المِنطقة التي كان مُمددًا فيها بعدَ أن تمَّ حملهُ خارِجًا على نقالة.
نتيجةً لذلك، تغيرَ توازن القوى بشكلٍ كاملٍ لصالحهم، و انتهت الجلسة في الاتجاه الذي رغبوا فيه.
“إعادة السيطرة العسكرية لن تفعل شيء سِوى زيادة عبءِ العملِ علينا.”
“إنهُ أكثرُ إزعاجًا التعامُل معَ عواقِب قتلِهم، جلالتك.”
“بمُجردِّ أن نعودَ، ينتهي الأمر. بدلاً من مواجهة أولئك الذين أكرههم، من الأفضل أن أتخلص من الإحباط بقطع رؤوسهم.”
***
نظرت فينيا إلى انعِكاسها في المرآة. كان الفُستانُ الأبيض، الذي ينسابُ بِلُطفٍ تحتَ صدرها، يحتضنُ جسدها بِرفق. لقد مضى وقتٌ طويلٌ مُنذُ أن اهتمت بالمراسِم أو المظاهِر، لكن هُناكَ مُناسبات لا مفرَّ منها حتّى في حياتها المتكررة.
مثل هذا اليوم، بعدَ يومين من الزفاف، عِندما كانَ عليها زيارة المعبد الرئيسي لتُصلي من أجلِ سلام و رفاهية الإمبراطوريتين.
و أثناء لمسِها لعُنقِها العاري، تحدثت فينيا.
“أحضري لي قِلادة. واحِدة بِها ألماس كبير.”
تقدمت كبيرة الخدم التي كانت تقِفُ وراءها.
“أرجو المعذرة على تطفُلي، و لكِن من المُعتادِ الحفاظِ على البساطة في الملابس. و بأعتباركِ قدوة، يجب على جلالتكِ أن تكوني أكثر حرصًا على هذا.”
نظرت فينيا إلى انعكاس كبيرة الخدم في المرآة. نفسُ الروتين القديم، المُمل حتّى في التكرار السابِع و السبعين. تساءلت كم مَرةًّ أُخرى سيتعينُ عليها أنَّ تتحمل هذا الصراع العقيم على السُلطة.
أظهرت عينيها للحظةٍ تعبٍ و إحباطٍ طويلٍ.
“إنها عادة، و ليست قانونًا.”
“و معَ ذلك، يا جلالتك، اليوم هوَ أول التزاماتك الرسمية كإمبراطورة لتيسيبانيا. إذا سمحتِ لي بإبداء رأيي، من الأفضل ألا تخلقي أي عيوب غير ضرورية.”
سقطت نظرةُ فينيا المملة على رأس الخادمة المنحني.
‘هل يجب علي قطعُ هذا الرأس عديم الفائدة لإسكاتها؟’
في تكرار الزمن المتعدد، أصبحَ ثقلُ الحياة في كثيرٍ من الأحيان تافهًا. حاولت طرد الفكرة لتحتفظ بأخر ما تبقى لها من إنسانية، فهزت رأسها برفق.
ثُمَّ استدارت و تقدمت نَحوَ الخادمِة. سقطت عينا فينيا على البروش البنفسجيّ المُثبتِ على صدر الخادمة الأيسر.
كانَ كُل قصرٍ يحتوي على أقل من عشرة خدم و موظفين يرتدونَ مِثل هذا البروش، الذي يرمِزُ إلى مكانتِهم و فخرِهم. و لكن، هل يجب أن تسمح لهذا الرمز أن يكون من نصيب شخص لا يستطيع إدراك من الذي يحكم فوقهم بعد سبعٍ و سبعينَ حياة؟
بينَ جميعِ الأشخاصِ الذينَ أزعجوها طوالَ سَبعٍ و سبعينَ حياة، كانت كبيرةُ الخدم غير ذات أهمية نسبية، لكنَ فينيا لم يكُن لديها ما يكفي من الرحمة حتّى تمنحها لِتلك التفاهة.
معَ صوتِ تمزُقٍ، اِنقطعَ القِماش، و أخذت الخادِمات الأُخريات يشهقنَ في صدمة.
سقطَ البروش على الأرض مع دويّ، و اندفعت الخادِمة نَحوهُ بنظرةٍ يائسةٍ على وجهِها.
“جلالتُكِ!”