Before you go insane - 4
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- Before you go insane
- 4 - الفصْل الرابع - إِمبراطورتُهُ، عالمُهُ، فينيا خَاصَّتُهُ.
“إمبراطورتي، فينيا… عالمِي.”
كانَ يُمرِّرُ بِلُطفٍ خُصلات شعرِها البلاتيني المُتناثِر على الوِسادة، و عيناهُ تتجِهان نَحوَ القمر في الخارِج. القمرُ المُكتمِل، الذي كانَ دائِمًا على نفسِ الشّكل و الهيئة في كُلِّ دورةٍ زمنيةٍ، لم يَعُد يُثيرُ فِيهِ أَيَّ شُعورٍ. قَمرُهُ، شمسُهُ، نهارُهُ و ليلُهُ… كُلُّ شيءٍ يتَّجِهُ نَحوَ شخصٍ واحِدٍ فقط، و هذا كُلُّ ما كانَ يهُمُّهُ.
عادَ بِنظرِهِ إِلى فينيا. في كُلِّ مرَّةٍ يقضيان فيها اللّيلة الأُولى بَعدَ كُلِّ عودةٍ في هذِهِ الحالة الضبابية، كانت إِمبراطورتُهُ تَبدأُ اليوم التالي مشغُولَةً كعادتِها، تبحثُ عن طريقةٍ لِإِنهاءِ هذِهِ الحلقاتِ الزَّمنية و كأَنها الغايةُ الوحيدةُ من حياتِها.
“لِماذا يبدو عالمِي بسيطًا إِلى هذهِ الدّرجة بينما يبقى عالَمُها مُعقَّدًا بِهذا الشّكل؟ هل مِنَ الصَّعبِ عليها أَن تَجعلني قمرها و شمسها و نهارها و ليلها؟ الأَمرُ في غايةِ السُّهولة بِالنسبة لي.”
كانت الأفكارُ المشوَّهَةُ تتسلَّلُ إلى عقلِهِ. في أحيانٍ كثيرةٍ، كانَ يشعرُ برغبةٍ في إحضارِ فينيا، التي كانت مصمِّمَةً على إنهاءِ الحلقات الزَّمنية، إلى اليأسِ و جعلِها ملِكًا لهُ بالكامل.
“لِتفقِدي كُلَّ أَملٍ. لِتسقُطي في اليأسِ، و في النّهاية، تسقُطينَ تمامًا في قبضتي. و إِذا لم يَتحقَّق هذا، سأَحرِصُ على أَن تواجِهي هذا المصير.”
هل تعلمُ إِمبراطورتي ما يَدورُ في ذِهني؟
أَتَمنى أَن تعلمي، و في نفسِ الوقت، أَتمنى أَلا تكتشِفي أَبدًا. لِأَنَّ وُجودَ شخصٍ مَجنونٍ وَاحِدٍ كانَ كافيًا.
تلك هيَ اللّيلة الأُولى بعد العودة السابعة و السبعون التي يختبِرُ فيها هذهِ اللّيلة، لكِنها كانت تَظهرُ صعبةً و قاسيةً بِشكلٍ خاصٍّ. خاصَّةً بِالنسبةِ لهُ. أغلقَ تاتار عينيه، مُصغيًا إِلى صوتِ تَنفُّسِ فينيا المُنتظِم.
—
اهتزَّت رُموشُها الطّويلة، كاشِفةً عن عينيها الزُّرقاوتين. تَنهدت فينيا مادريتا فيشنو، لم يَكُن هُناكَ جُزءٌ من جسدِها لا يُؤلِمُها. أَما الذي شاركها جسدهُ، فكانَ قد غادرَ الغُرفة مُبكرًا، و لم تراه.
كانَ من الواضِح لِماذا هرعَ مُسرِعًا. على الرَّغمِ من أَنَّ تاتار كانَ إِمبراطورًا لِمُدَّةِ شهرٍ فقط، إِلا أَنَّ التّكرار المُستمِر لِدوارات الزّمن يعني أَنهُ حكمَ لِعُقودٍ. و معَ ذلك، بِالنسبة لِأُولئِكَ الذينَ يعيشونَ في الوقت الحاضِر، و لِلنُّبلاء في تيسيبانيا، كانَ مُجرَّدَ إِمبراطورٍ شابٍّ غيرِ مُتمرسٍ.
كانَ أُولئِكَ الذينَ يتوقُّونَ لِلاِستيلاءِ على مزيدٍ مِنَ السُّلطة قبلَ أَن يستقِرَّ تمامًا في دورِه يشغلونَ أَكثرَ من نِصفِ مقاعِدِ المجلِسِ. كانت الحرب التي استمرَّت مِئةَ عامٍ قد أَضعفت السُّلطة الملكيّة بِشكلٍ كبيرٍ. و على الرَّغمِ من أَنهُم قد شبِعوا مِنَ السُّلطة، إِلا أَنَّ هؤُلاءِ النُّبلاءِ ظلُّوا جائِعين مِثلَ الذِّئاب حتّى بعدَ انتِهاءِ الحرب. و عجزًا عن تحمُّلِ ذلك، في الدّورة العاشِرة، كانَ تاتار قد قطعَ رؤُوسهُم جميعًا في قاعةِ المجلس.
“عندما شاهدَ رؤُوسهُم مُتَّصِلةً و هُم عائِدين إِلى المجلس في الدّورة التالية، كانت ملامِحُ وجهِهِ قدِ اعترتها نوبةٌ مِنَ الغضب.
***
سحبت الحبلَ الطّويلَ المُعلَّق على جانِبِ السّرير، و بِسُرعةٍ دخلَ الخدمُ إِلى الغُرفة. حملُوا أَحواضَ الغسيل، و الملابِسَ النظيفة، و صندوق المجوهرات. و كانَ من بينِهِم امرأَةٌ يُزيِّنُ صدرها بروشٍ بنفسجيّ، دليلٌ على منصِبِها ككبيرةِ الخدم.
“أَنا ميجو أَتيلا، كبيرةُ الخدم المسؤُولةُ عن إِقامتِكَ في قصرِ بالوا، جلالتُكَ. سأَبذُلُ قُصارى جهدي لِضمانِ راحتِكَ و تلبيةِ جميعِ احتياجاتكِ.”
على الرَّغمِ من أنها كانت في الخمسينيات من عُمُرِها و قد أَفنَت حياتها في خِدمةِ القصر، إِلا أَنَّ وجهها كانَ خاليًا من أَيِّ مظاهِرٍ لِلتفاخُرِ التي غالِبًا ما تُميِّزُ أَصحابَ المناصِبِ في مِثلِ حالتِها.
“مُمتاز.”
كانت إِجابةُ فينيا بارِدةً و مُختصرةً. على الرَّغمِ من أَنَّ هذهِ كانت أول مرَّةٍ تلتقي فيها رسمِيًّا معَ كبيرةِ الخدم، إِلا أَنها لم تُكلِّف نفسها عتاءَ إِلقاءِ نظرةٍ ثانيةٍ عليها. شدَّت زوايا شَفتي كبيرة الخدم المُتجعدتين قليلًا.
تحتَ إِشرافِها، بدَأَ الخدم في مُساعدتِها على إِرتِداءِ ملابِسِها. على الرَّغمِ من أَنَّ فينيا كانت قد أصبحت إمبراطورةً لِتيسيبانيا مُنذُ يومٍ واحِدٍ فقط، و كانت في السابِق أميرةً لِدولةٍ عدوَّةٍ، إِلا أَنها تَقبلت خدماتِهم بِشكلٍ طبيعيّ، كأَنها كانت مُعتادةً على ذلك مُنذُ فترةٍ طويلةٍ.
“سأَقومُ بِتجهيز الفطور لكِ في الغُرفة.”
“لن يكُونَ ذلك ضروريًّا. أَنا أَنوي زيارةَ جلالتِهِ.”
“جلالتُهُ مشغولٌ حاليًّا في شُؤونِ الدولة. رُبما تودِّينَ استِكشافَ القصر؟ حديقةُ بالوا التي لا يُمكِنُ رُؤيتُها إِلا في قصر تيسيبانيا جميلةٌ بِشكلٍ خَاصٍّ.”
تَوجَّهت فينيا بِنظرِها نَحوَ كبيرة الخدم، عُيونُها الزُّرقاءُ نافِذةٌ كأَنها تَرى من خِلالِها. ارتَعشت كبيرة الخدم و خَفضت بصرها.
نهضت فينيا و أَومأَت بِرأسِها نَحوَها.
“خُذيني إِلى حيثُ يوجدُ جلالتُهُ.”
“… مفهوم.”
بينما كانت فينيا تتبعُ كبيرة الخدم، كانَ التَّعبُ ظاهِرًا على وجهِها. و على الرَّغمِ مِنَ الطّبيعة المُتكرِّرة لِدواراتِ الزّمن، لم يَكُن بِإِمكانِها أَن تظهرَ و كأَنها الإمبراطورة الجديدة التي تعرِفُ كُلَّ شيءٍ عن القصر في يومِها الأوَّل.
كانت تعرِفُ ما قد تفكِّرُ فيه كبيرة الخدم، التي فقدت ابنَ شقيقها في الحرب، عن إمبراطورة من فيشنو، و معَ ذلك فقد كُلِّفت إِليها مَهمةُ إِرشادِها عبرَ القصر.
مَشتا نَحوَ عشرةِ دقائِق من قصرِ الإِمبراطورة إِلى القصرِ الرّئيسيّ المُجاوِرِ دونَ أَن يَتبادَلا كلِمةً واحِدةً. كانَ بإمكان فينيا أَن تشعُرَ بِنظرات الفضول مِنَ الخدم الذينَ كانوا يتبعونهُما. بِلا شَكٍّ كانوا يَتوقَّونَ إِلى الحديث عن مدَى بُرودةِ الإمبراطورة الجديدة.
لكِنَّ الاِنتِباهَ إِلى كُلِّ صغيرةٍ و كبيرةٍ كانَ سيجعلُ تحمُّلَ الحلقات الزمنيّة المُتكررة أَمرًا مُستحيلًا. لقد تَعلَّمت مُنذُ وقتٍ طويلٍ أَن حتّى قتلهُم جميعًا مرارًا و تكرارًا كانت مُهمَّةً مُتعِبةً جِدًّا.
—-
وقفت فينيا أَمامَ بابٍ ضخمٍ مُزخرفٍ بِالجِلدِ البُنِّيِّ.
“جلالتُهُ في الداخِل.”
لم تَشرح كبيرة الخدم ما كانَ يفعلُه، و لا مَن كانَ برفقتِه، و لا غرَضَ الأجتماع، من غيرِ المُمكِنِ أن تعرِفَ إمبراطورةٌ جديدةٌ هذهِ التفاصيل، و معَ ذلك، تراجعت كبيرة الخدم صامتةً، دونَ أن تَدرِكَ نواياها الواضحة.
توجهت فينيا نحوَ الباب، انفتحَ الباب بلا صوتٍ، و توجَّهت العيون من داخلِ غُرفةِ المجلسِ نحوَها.