Before you go insane - 3
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- Before you go insane
- 3 - الفصل الثالث - اللّيلةُ الأُولى، أَوِ اللّيلةُ السابِعَةُ و السبعونَ
ركعَ تاتار أمامها، مُمسِكًا بشعرها البلاتيني بلُطف كما لو كانَ أثمنَ ما يملُك، و قبّله ببطء.
“يُمكنكِ تدمير الإمبراطورية. ابحثي عن المتعة أو تلاعبي بي؛ لا يهمني. افعلي ما تشائين.”
نهضَ تاتار، محاولًا فرض وجوده في عينيها الزرقاوين الجافتين.
و كأنه يقول: لا تنسي أنني هُنا. لستِ الوحيدة العالقة في هذا الجحيم.
“لكن لا تتركيني وحدي في هذا العالم.”
اهتزت عينا فينيا.
“لا تنكسري إلى نقطة اللاعودة، يا إمبراطورة.”
بينما أصبحت نبرته أكثر اضطرابًا نحوَ النهاية، عكست يداه المرتجفتان التي كانت تمسك بشعرها الأشقر البلاتيني حالته المتشابكة بالقدر ذاته. كيف يكون شعور من كان يملك العالم يومًا أن يصبح مستعدًا لتركه ينهار؟
سُرعان ما توصلت فينيا إلى استنتاج.
آه… أنت خائف. أنت مرعوب من أن أفقد عقلي وأتركك تواجه هذا الدوامة اللامُتناهية بمفردك. مُحاصرًا في هذا التكرار الخانق، تخشى أن تُترك وحدك.
و لهذا السبب تتوسل بتلك العيون المذعورة، راجيًا ألا أهرب من هذا الجحيم فقط بفعل فقداني لعقلي.
“لذا، أرجوكِ يا إمبراطورة. فينيا…”
لقد جننتِ حقًا يا فينيا. تجدين رائحة حلوة في يأسه و تبتهجين به. سواء كان ذلك إحساسًا بالتآزر أو الشفقة.
حتى وأنتِ تسخرين من نفسكِ، قائلةً إنه لا يوجد ما يعجب في شخصٍ يتوسل من الحفرة ذاتها، يملؤكِ شعور عميق بالرضا. يا لها من سخرية.
“هل أنت خائف، أيها الإمبراطور العظيم لهذه الإمبراطورية؟”
“نعم. السير في هذا الطريق بدونكِ أكثر رعبًا من فقدان أي مجد. أن أُترك وحدي في هذه الأبدية…”
مدّت فينيا يدها ببطء نحوَ الرجُل الذي كشفَ عن روحه المحطمة.
يا لهُ من رجُل مسكين. و مثلكِ تمامًا. في هذه اللحظة، تشعُرين بارتباطٍ أعمق بِه من مُجرد اسم الزوج و الزوجة.
احتضنت فينيا وجنةَ تاتار الهزيلة و أمالت رأسها، ضاغطةً جبينها على جبينه. لم يَكُن هُناك سِوى طريقةً واحِدةً لِتحمّل هذا التكرار معًا.
بينما انهمرت الدموع الباردة على خديها، نظرت فينيا في عيني تاتار وحركت شفتيها المتشققتين.
“لْنَجُنّ معًا. بهذه الطريقة، سيظل عالَمُنا يسير في المسار ذاته دائمًا.”
أغمض تاتار عينيه ببطء، و تبددت الهواجس التي كانت تملأهما تدريجيًا.
هاه… أمسكَ بيدها و أخذ نفسًا عميقًا.
فينيا. إمبراطورتي. خلاصي.
قبضَ على كاحِلها الذي أنكشفَ من خِلال الرداء، و كأنُه يُقدسُ تِمثالًا منحوّتًا على هيئة إلهة، و ضغطَ جبينهُ على رُكبتِها و هوَ يُجيب :
“بِكامِلِ كيانِي.”
بعد الليلة الواحدة والعشرين التي كانت رابطًا أبديًا بينهما.
تكررَّ موتهما مِرارًا و تِكرارًا.
ثُمَ جاءَ الموت السادس و السبعون. و تلاهُ الزفاف السابع والسبعون.
كانت الدورة المُستمرة من العودة هي الظروف المثالية لِدفعِ شخصٍ ما إلى الجنون، لكن الاثنين استسلما لها عن طيب خاطر.
كانا الوحيدان اللذان يفهمان بعضهما البعض حقًا، لذا حتّى و إن جُنّا، لم ينهارا وحدهُما. أحيانًا كزوجين، و أحيانًا كرفِاق، و أحيانًا كأصدقاء، و أحيانًا كصور انعكاس لبعضهما البعض.
معَ كُلِّ خطوةٍ على السجادةِ الحمراءِ، التصقت ظِلالُ الموتِ بِثقلٍ.
لكنَّ ذلكَ لم يَكُن مُهمًّا. حتّى لو ماتا أو جُنّا، لم يكونا وحدهما.
—
بعدَ الزفافِ المُملِّ، جاءتِ اللّيلةُ الأولى مرّةً أُخرى.
بدأَ الخدمُ في إزالةِ مجوهراتِ فينيا الثقيلةِ قطعةً قطعةً.
و عِندما أُزيلَ آخرُ دبوسٍ كانَ يُثبّتُ شعرَها، انسابَ شعرُها الأشقرُ البلاتينيُّ اللامعُ. كانَ شعرُها الطّويلُ و الثّوبُ الحريريُّ الّذي ترتديهِ يُخفيانِ بمهارةٍ منحنياتِ جسدِها الجميلِ.
“كانت إطلالتُها مغريةً لعروسٍ في ليلتِها الأولى.
أوقدت إحدى الخادماتِ شمعةً معطّرةً، فانتشرت في الهواءِ روائحُ الزهور.
عندما غادرَ الخدمُ وبقيت فينيا وحيدةً، قبضت على فتيلِ الشمعةِ بأصابعِها وأطفأتها. انتشرت حرارةُ اللهبِ إلى أطرافِ أصابعِها، تُذكّرُها بأنّها لا تزالُ على قيدِ الحياةِ.
تنفّست بعمقٍ و هيَ تلتقطُ زجاجةَ نبيذٍ من على الطاولةِ. كانَ عنقُ الزجاجةِ الأملسُ ينزلقُ بينَ يدَيها بسلاسةٍ.
تحطُّم!
كانَ السيفُ المُعلّقُ على الجدارِ أطولَ وأثقلَ من أن تستخدمَهُ في مواجهةِ قاتلٍ سيَأتي قريبًا. كانت زجاجةُ النبيذِ أكثرَ ملاءمةً لذلك.
حتّى لو نجت، ستعودُ إلى الدورةِ منَ اليومِ الّذي يتوقّفُ فيه قلبُها، بعدَ عامٍ من بدايةِ هذه الدورةِ. لذلكَ لم يكُن أمامَها سوى البحثِ عن طريقٍ من خلالِ الموتِ.
و هكذا، ماتت فينيا سِتًا و سبعونَ مَرَّةً بِكُلِّ الطُّرُقِ المُمكِنةِ.
بِمَا في ذلكَ مَوتُها على يَدِ القاتِلِ الذي سَيصِلُ قريبًا، رَغمَ أنَّ ذلكَ كانَ عبثًا.
حَطَّمت فينيا زُجاجةَ النبيذ على الطَّاوِلة، فَتسرب النبيذ على يَدِها بِتعبيرٍ خالٍ مِنَ المشاعِر.
لم يَأتِ أحَدٌ رَغمَ الضّجيجِ الصَّاخِبِ، و هذا كانَ مُتوقَّعًا، إذ كانَ القاتِلُ الذي أرسَلهُ عَمُّها، الإمبراطور السابِقُ لفيشنو، على وَشكِ اقتِحامِ الغُرفة.
في هذِهِ اللّيلة، كانَ مِنَ المُفترضِ أن تُصابَ العروسُ بِجُروحٍ خطيرَةٍ تَعجزُ عن الشّفاءِ مِنها لِقرابةِ عامٍ. و كانَ إمبراطور فيشنو، الغاضِبُ مِن خَبرِ ابنتِهِ، يَستعِدُّ لِلحربِ بِدفعٍ مِن أخيهِ الخائِنِ.
لكِن ليسَ في هذِهِ الحياة.
“لكِنكَ نجحتَ خَمسَ مَرَّاتٍ، يا عمي.”
لم يَكُن يُهِمُّ ما إِذا أَصبحَ عمُّها إِمبراطورَ فيشنو مُجدَّدًا.
فَبِبساطةٍ، بِقطعِ حلقِها، كانَ كُلُّ شيءٍ سَيُعادُ ضَبطُهُ. بِضعُ جولاتٍ مِنَ السُّلطة كانت أُمورًا تافِهةً بِالمُقارنة.
و لكِنها هذِهِ المَرَّةَ، لن تَترُكَ الأَمرَ يَمُرُّ بِسُهولةٍ.
لقد اكتشفت دليلًا أثناءَ العودة الخامِسة و السبعين، و هذهِ المَرَّةَ كانت عازِمةً على معرِفةِ كيفية إِنهَاءِ هذهِ الدّورة.
لِذلك، كانَ مِنَ الأفضل أَن يَظلَّ والِدُها إِمبراطورًا لِإِبعَادِ أَعيُنِ عمها المُتطفِّلة.
شعرت بِوُجُودٍ خفِيٍّ خارِجَ النّافِذة. وَصلَ القاتِل، الذي توقع أَن تكونَ العروسُ نائِمةً بِفِعل البَخورِ المُخدِّرِ، في الوقتِ نَفسِهِ كما في الدورات السابِقة. فَتحَ الظِّلُّ الداكِنُ النّافِذة و تَسلَّلَ إِلى الداخِل.
تَذبذبت عينَا القاتِلة بِحيرةٍ عِندما وجدت السّرير فارِغًا.
“كيفَ… بينما كانَ البَخورُ المُنوِّمُ مُشتعِلًا…!”
مُختبِئةً خلفَ الحائِط و هيَ تُراقِبُ الموقِف، لوَّحَت “فينيا” بِالزُّجاجة دونَ تَردُّدٍ.
ضربة!
تَناثرَت قطَراتُ الدَّمِ على وجنَتيهَا البيضاء من ضربَتِها القاسية.
دونَ أَن يَتغيَّرَ تَعبيرُها، رَاقبت “فينيا” جسدَ القاتِلة يَنهارُ بَعدَ أَن اُخترقَ حلقها. و عِندما نَزعت القِناع عن وجهِها، انكشفت ملامِحُ الخادِمة التي أَشعَلت البَخُورَ.
في تِلكَ اللَّحظة، فُتِحَ الباب المُغلقُ بِإِحكامٍ.
نَهضت “فينيا” و أَلقت بِزُجاجة النبيذ بِلا مُبالاةٍ، لِتتدحرجَ على السّجّادة بِإِحداثِ ضجَّةٍ.
عَبرَ ضوءِ القمر الأزرق، ارتسمت ابتِسامةٌ خفيفةٌ لا مُباليةٌ على وَجهِ الرجُل.
“إمبراطورة.”
“أَنتهيت مُبكرًا.”
“لم يَكُن هُناكَ سَببٌ لِلتأخير.”
مِثلَ “فينيا”، كانَ “تاتار” مُغطًّى بِالدماءِ.
في اللّيلة الأُولى لِلزوجين، كانَ لا مَفرَّ من زيارة القتلة المُتسلِّلين لِلقصر. و بينما كانوا في البداية مَذعورين يفِرُّونَ بِجُنونٍ، اما الآن لم يعُدِ الأَمرُ كذلك.
مَن سيكون غبيًّا بِما يكفي لِيتفاجأَ بَعدَ مُرورِ سبعٍ و. سبعينَ دورةٍ؟
دونَ حتّى إِلقاءِ نَظرةٍ على القاتِل المُلقى على الأرضِ، تقدَّمَ بِخُطواتٍ واسِعةٍ. مَدَّ يَدهُ بِلُطفٍ و أَدارَ ذقنَ “فينيا” من جانِبٍ إِلى آخر.
“هل تأَذيتِ؟”
“لا. و أَنتَ؟”
“كذلِك.”
بَعدَ أَن أَزَاحَ خُصلةَ شعرِها الجانبيّة المُلطَّخة بِالدَّمِ لِلتأَكُّدِ من أَنها لم تُصَب بِأَذًى، أَلقى أَخيرًا نَظرةً على السّرير الذي تَناثرت عليه بُقعُ الدَّمِ.
“هل سَتنامينَ هُنا؟”
“لَا يُهِم. “
“حسنًا.”
لقد مَرَّا بِما هوَ أَسوأُ من مُجرَّدِ غُرفةٍ بِها قاتِلٌ ميتٌ.
اِستدارت “فينيا” و تَوجهت إِلى الحمام.
غسلت الدَّمَ اللَّزِجَ و ارتدت ثوبًا جديدًا. و عِندما خرجت، التفتَ “تاتار” إليها و كأَنَّ شيئًا لم يَحدُث.
يبدو أَنهُ استدعى أَحَدَ الخدم، حيثُ لم يَكُن هُناكَ أَيُّ أَثرٍ لِجُثةِ القاتِل. لولا الرائِحةُ الخافِتةُ لِلدَّمِ، لكانَ الأَمرُ كما لو أَنَّ شيئًا لم يحدُث.
اِستلقى “تاتار” على السّرير و كأَنَّ الأَمرَ طبيعيٌّ تمامًا. اِستلقت “فينيا” بِجانبهِ، و جِفناها يرِفان بِبُطء.
مَرَّةً أُخرى، حلَّتِ اللّيلةُ الأُولى لِلدورة السابِعة و السبعين دونَ العُثورِ على السَّببِ أَوِ الحَل.
عِندما فتحت “فينيا” عينيها و التفتت، اِلتقت بِعيني “تاتار” الفِضيتين الرَّماديتين الشاغِرتين نِصفَ المُغمَضتين في الظَّلام.
رَغمَ مواجَهتِهِما لِهذهِ اللّيلة سبعًا و سبعينَ مَرَّةً، كانت اللّيلة الأُولى دائِمًا مُرهِقةً ذِهنيًّا.
كانت تُشيرُ إِلى بداية الدورة المقيتة و تُشعِرُ بِأَشدِّ درجاتِ العَبثِ، و كأَنَّ كُلَّ الوقت الذي مضى في الدورة السابِقة انهارَ كقلعةٍ مِن الرَّملِ.
لِهذا السّبب، و كأَنهُما يَتشبثانِ بِنفسٍ تحتَ الماء، كانا يَبحثانِ عن بعضِهِما في اللّيلة الأُولى دونَ الحاجةِ إِلى وعدٍ.
اللّيلة الأُولى مِنَ العودة، تِلكَ التي لم يستطِع أَحَدٌ غيرُهُما فهمها. عِندما يفتحان عينيهِما، سيتعينُ عليهما خوضُ حياةٍ مُرهِقةٍ و مليئةٍ بِالصراعات مُجدَّدًا بحثًا عن وسيلةٍ لِإِنهاءِ هذِهِ الدورة.
كانت ليلةً بِالكادِ يستطيعانِ النَّومَ فيها، يعتمِدانِ فيها على راحةٍ بِعلاقةٍ لا يُمكِنُ وصفُها بِالحُبِّ أَوِ الصداقة أَوِ التحالُف فقط.
فتحت “فينيا” شفتيها.
“هذِهِ المَرَّةُ ستكونُ مُختلِفةً.”
“ما الذي سيكونُ مُختلِفًا؟”
صوتٌ بارِدٌ و مُظلِمٌ كظُلمةِ اللّيل لامسَ أُذُنَ “فينيا”. كانَ صوتُ “تاتار” مُشبَّعًا بِنفسِ الفراغ الذي مَلأَ عينيه، و كأَنهُ تَخلَّى حتّى عن أَبسطِ أَملٍ.
“هذا الوضعُ البائِس.”
“آمِلٌ أَن يتحقَّقَ ما تَتمنين، إمبراطورة، و لكِن… أَليسَ مِن غيرِ المنطِقيِّ أَن نتوقعَ مُعجِزةً فجأَةً بَعدَ كُلِّ هذا التكرار؟”
سَبعٌ و سَبعونَ دورةً. كفيلةٌ بِسحقِ أَيِّ أَملٍ بشريٍّ.
لكِنَّ “فينيا” لم تَتخلَّ عن خيطِ الأَمل.
سنفِرُّ من هذِهِ الدورة. التَّغييرُ يحتاجُ إِلى وقتٍ، و قد بَذلنا جُهدَنا من أَجلِهِ.
في النّهاية، كانَ الإِيمانُ بِحُدوثِ مُعجِزةٍ هوَ ما أَبقاهم مُتمَسكينَ بِإِنسانيتهم، كما كانت “فينيا” تُؤمِن.
في الظَّلام، كانت عُيونُ “فينيا” الزَّرقاءُ تعكِسُ ضوءَ القمر السَّاطِع. و “تاتار”، و هوَ ينظُرُ إِلى تِلكَ العُيونِ المُتلألِئةِ كالبحرِ في وضحِ النهار، شعرَ بِشُعورٍ غريبٍ و هوَ يُمررُّ إِبهامه على خدِها.
“جميلةٌ بِعِنادٍ.”
عِند كلِماتٍ قد تَكونُ إهانة أو مديحًا، تجعد جبينُ “فينيا” قليلاً، لكنَ “تاتار” انحنى برأسه قبلَ أن تتمكن مِن الرد. لامست شِفاههُ شفتيها في لحظةٍ خاطفةٍ، لينسابَ دِفءُ إحساسِهِ إلى فمِها.
لو دفعتهُ بعيدًا، لانسحبَ دونَ أيّ مُقاومة، لكِن “فينيا”، قد شعرت بيأسه و كأنه يَتشبثُ بِشخصٍ على وشكِ الرحيل، فأستسلمت لهُ دونَ تردد.
عِندما مَدَّت “فينيا” يَدها نَحوَهُ، أَمسكَ “تاتار” بيدِها ولَفها حولَ عُنُقِهِ، ثُمَّ أَنزلها بِالكامِل على السّرير.
كانَ العطشُ لا يُطاق. هل سيزولُ إِذا ابتَلَعها بِالكامِل؟
رفعَ جسدهُ بِسرعةٍ و تَخلصَ من ملابِسهِ الثقيلة. تحتَ الضوء الخافِت، ظهرت عضلاتُ جسدهِ المشدودة بِوضوحٍ.
كانَ جسدُهُ الخالي مِنَ النُّدوب يبدو كما لو أَنهُ لم يَتعرَّض قَطُّ لِأَيِّ إِصابةٍ خطيرةٍ.
و لكِنَّ “فينيا” كانت تَتذكر.
تذكّرت اللحظة التي غَرسَ فيها السّكينَ في قلبِهِ لِيُنهي الدورة. و تذكّرت الوقتَ الذي تناوَلَ فيهِ السُّمَّ، و تحوَّلَ جِلدُهُ إِلى اللّونِ الأزرق المليءِ بِالبُقع و هوَ يلفظُ أَنفاسهُ الأخيرة. العلاماتُ الحمراءُ التي تَركها الحَبلُ حَولَ عُنُقِهِ. الجُروحُ على جِلدِهِ التي خلَّفها خنجَرُ القاتِل.
تذكّرت كُلَّ الأَلمِ الذي تَركَ آثارَهُ على جسدِهِ ثُمَّ اختفى.
كانت الوحيدة التي تتذكَّرُ، لا أَحدَ سِواها.
بينما كانَ يُحدِّقُ في عيني “فينيا” المُظلِمتين، همسَ بِصوتٍ خافِتٍ:
“عليكِ أَن تُركزي، يا إمبراطورة. هذِهِ ليلتُنا الأُولى.”
“اللّيلةُ الأُولى؟ كم أَنتَ وَقِح…”
كانت عيناهُ الفِضيتان اللامِعتان مليئَتينِ بِإِصرارٍ واضِحٍ على أَلَّا يترُكها.
و شعرت “فينيا” بِالشُّعورِ ذاتِهِ.
كانت هيَ من قبِلت رجاءَهُ في اللّيلة العِشرين، بينما كانَ رأسُهُ مُنحنِيًا على حجرِها.
“سَنكونُ خلاصَ بعضِنا إِلى الأبد، بينما نرتحِلُ في هذا الجحيم.”
لِكي لا نَضِلَّ طريقنا تمامًا حتّى و نحنُ نفقِدُ عُقولنا. و لِكي لا نَنسى هَدفنا في إِنهاءِ هذِهِ الدورة. و لِكي لا نَستسلِم لِأَنفُسِنا مِنَ الإِنهاكِ بِسببِ واقِعِنا الذي لا يَتغير.
ثُمَّ تَوقفت المُحادثة. و ما تَبِعَ ذلك كانَ تلبيةً لِرغباتٍ سمحت لهُما، ولو لِفترةٍ وجيزةٍ، بِأَن يَنسيا هذِهِ الحقيقة الجحيمية.