Before you go insane - 2
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- Before you go insane
- 2 - الفصل الثاني: مِثاليّةٌ للجنون
متى بدأ هذا التراجع المشؤوم؟ السابع والسبعون.
—
تاتار دي تيسيبانيا.
كان الرجُلُ، اللذي أصبحَ إِمبراطورًا مُنذُ أَقلِّ من شَهرٍ، يَظهرُ عليه الإِرهاق بِوضُوحٍ.
كان يرتدِي بدلةً بيضاءَ لا تَشوبُها شائِبةٌ، تَلمعُ بِالترتيبِ المثالِيِّ، مع قُفازاتٍ بيضاءَ و حِذاءٍ لامِعٍ، و كُمَّينِ زُرقاوَينِ، بَينما كانت عباءَتُهُ الثقيلةُ ذاتَ اللونِ الأَزْرقِ الداكِنِ تَضغطُ على كتِفيهِ.
تحتَ شعرِهِ الرماديّ الذي كانَ مُصفَّفًا بِعِنايةٍ، كانت عيناهُ الرماديتانِ خاليتينِ تمامًا من أَيِّ مشاعِرَ تجاهَ عروسِهِ.
أَمَّا العروس، فقد كانت تَظهرُ على نَفسِ القدر مِنَ البُرودِ.
فينيا مادريتا فيشنو.
كانَ فُستانُها الواسِعُ الذي يَلمعُ بَعددٍ لا يُحصَى مِنَ الأَلماسِ على الحافاتِ. و كانَ ثقلُ العباءَةِ المُتماثِلةِ مَعَ الفُستانِ يَضغطُ على كتِفيها.
—
عيناها الزرقاوتانِ رَفَّتا ببُطءً تحتَ الحجاب، مثقلتين بِالإِرهاقِ و الضغطِ.
لقد تم التضحية بحياة أرواح لا تعد و لا تُحصى في الحرب التي خاضَها أُولئِكَ الجشِعون الطامِعونَ في القوّة و السِّيادة، و الذينَ كانوا يسعون خلف الجوهرة الأسطورية، سيفيتيانا.
كان الزواج، الذي يرمز إلى التحالف الذي تم تشكيله لقمع الثورات في الإمبراطوريتين، يجب أن يظهر للكافة كما لو كان مثاليًا، حتى الموت. وعلى الرغم من الضغط الذي لا يُطاق، وقف الزوجان بثبات على السجادة الحمراء.
“تاتار دي تيسيبانيا “، قالَ مُقدمًا نَفسهُ.
” فينيا مادريتا فيشنو “، رَدَّت.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقيان فيها بعد دخولهما قاعة الزفاف، وتبادلا تحيات مختصرة. لم يكن الشخص أمامهم ذا أهمية تذكر؛ سواء أعجبهم الأمر أم لا، كانا مرتبطين ببعضهما البعض مدى الحياة ما لم تندلع حرب أخرى.
انحنت رُؤُوسُهُما و أبتعدا عن الكاهن الأعلى الذي كان يبارِكُ زواجهُمَا. امتلأَ المكان بِالهُتافات الصاخِبة و اصوات الأبواق، في حينِ تَحومَت الزَّهُورُ و رَشتها شُهُبُ الشمس الساطِعة حَولَهُما.
صوتٌ هادِئٌ لمسَ أُذُنَ فينيا بينما كانا يسيرانِ على السّجّادة:
“لِننجح في فعلها مَعًا مِنَ الآنَ فصاعِدًا.”
رَدَّت فينيا و هيَ تنظُرُ إِلى وجُوهِ الحاضرين الذينَ يهتِفونَ ببهجة.
“نعم، جلالتك.”
—
الحَياةُ الزوجية لم تَكُن سلِسَةً بِالفِعلِ، خاصَّةً لفينيا.
رُغمَ إِنتهاءِ الحرب، استغرقت أكثر من ستّةِ أَشهُرٍ لِتَتَخلصَ من شُعُورِ كونها متوجِةٌ إلى أَراضٍ عدُوَّةٍ.
الحرب التي استمرت لِمُدَّةِ قرن تسبّبت في فَقدِ الكثير من الأحباء، و لم تُبقِ على أَحَدٍ حتّى في القصرِ الإمبراطوريِّ.
كانت رئيسة الخدم في قصر الإمبراطورة والإمبراطور السابق ماكسيول، والد تاتار، من بين أولئك الذين فقدوا أحباءهم بسبب فيشنو.
غالبًا ما كان يظهر العداء الخفي في أجواء القصر على شكل إزعاجات بسيطة أو تهديدات مباشرة.
ومع ذلك، صمدت فينيا. كانت تدرك عبء الأرواح والمستقبل والآمال التي كانت مرتبطة بهذا الزواج، فأدت واجبها كعضو في عائلة فيشنو الملكية.
كان زوجها، تاتار، أكثر من مجرد رفيق مما كان شخصًا يمكنها الاعتماد عليه. هو أيضًا كان يكافح من أجل الثبات في وجه الذئاب التي كانت تراقب قوة الإمبراطور الشاب.
حاربا معًا، وتحملوا، وتجاوزوا كل ما استطاعوا.
بعد عام من زواجهما، في يوم الذكرى الأولى لزواجهما، كانا في طريقهما إلى المعبد الذي يضم الجوهرة الأسطورية، سيفيتيانا، الحدث الأخير للاحتفال.
توقَّفَتْ العَربةُ فجأةً في صَمْتٍ غير مريح، وبدأ الصوت الغريب للحشرات يملأ الأجواء. كانت التوتُّرات المفاجئة إشاراتٍ للهجوم من قِبَل القاتلين.
كان الحِرسُ القليل، الذي وُضعَ لإظهار التواضع، غيرَ كافٍ في مواجهة عشرين قاتلًا.
…قُتِلَ جميعُ الفرسان.
وبالطبع، تبعَهم تاتار وفينيا، اللذان كانا المستهدفين.
حَمى تاتار فينيا بجسدهِ، حتى اخترق السيفُ قلبه، ثم قلبها.
آه، إن انتهت الأمور هكذا، فما الذي كافَحنا من أجله طوال العام الماضي؟ الحرب، معاهدة السلام، كان هناك العديد ممن تحمَّلوا المسؤولية…
تناغمت آخرُ أنفاسهم، وهدأت العتمة على عيونهما، معلنةً نهاية حياتهما القاسية.
—
“وآآآه…”
فجأَةً، أَيقظتها الهُتافاتُ العالية.
اِستقبلتها رُؤيةُ السّجّادة الحمراء المألوفة أمام عينيها مع وضوح رؤيتها.
الفُستانُ الأَبيضُ الذي كانت تَرتَديهِ، و الحِجابُ الذي يُغطِّي و جهها، و الظِّلُّ الذي كانَ يَقِفُ بجانِبها، حتّى الهواءُ الذي تَنفستهُ، كُلُّ شيءٍ كانَ مألوفًا.
اِستدارَت فينيا بِرأْسِها في حالَةٍ مِنَ الدهشةِ و الذهول . و في نَفسِ اللحظة، اَلتَقت عَيناها بِعيني شخصٍ كانَ يَقِفُ بجانِبها.
“…جلالتُكُم؟”
عِندَ نِدائِها، اِنتشرَ الِارتِباكُ على وجهِهِ المرسوم. نظرت فينيا بِبطءِ حَولَها.
كانَ المنظرُ مألوفًا إِلى حَدٍّ أَنَّهُ جعل القشعريرة تسري في جسدها مِن رأسِها حتّى أخمص قَدميها.
“لِماذا نَحنُ…؟”
سَقَطت باقةُ الزُّهُورِ من يدِها.
كانت تُمسكُ بِيدِها اَلمُرتَجِفة بِشِدَّةٍ، كان الإِحسَاسُ في كفهَا واضِحًا، حيًا بِشكلٍ مُقلِقٍ.
بينما تَردَّد صدى أَصوات الأبواق العالية، مشيا آليًا على السجاد الأحمر.
“… جلالتُكِ، هل أَنتِ بِخير؟”
سأَلَ تاتار، فَأَجَابَتْ فينيا بِشُرودٍ:
“هل هذا … حُلمٌ؟”
“من يَعلم. رُبَّمَا هيَ فُرصَةٌ ثانيةٌ مَنَحهتا الآلِهة.”
رُبَّمَا الآلِهة، التي تَسعى لِمنعِ مزيدٍ مِنَ الموت للأرواح البريئة بِسببِ الحرب، مَنحتهُم فُرصةً أُخرى.
كانت قُلوبُهم تَنبُضُ بِمزيجٍ مِنَ الحماسةِ و الخوفِ أَمامَ عِبءٍ إِلهيٍّ.
و لكِنَّ الوهمَ تَبدَّدَ سريعًا.
عِشرينَ مرَّةً…
ذلِكَ عدَدُ المرَّاتِ التي ماتُوا فِيها و عادُوا إِلى الحياة.
نَفسُ المكان، نَفسُ الزّمان. كُلَّما استَيقظوا، كانَ دائِمًا على نفس السجَّادِ الأَحمرِ، في يومِ زِفافِهِم.
تحَطُّم!
تحطمت المزهرية في الحائط و هوَت أرضًا، مما تسبب بخدش خدّ فينيا الأيمن. الأَلمُ الحادُّ كانَ ضئيلًا مقارنة بالغضَبِ المُشتعِلِ بداخِلها.
“—لِماذا، لِماذا!”
إلى مَن كانَ هذا الغضَبُ مُوجَّهًا؟
إن كانَ هُناكَ من حَبسها في هذه الدائرةِ الجحيمية، فإنهُ كانَ موجَّهًا إليهم. وإن كانت خُدعة، فإنهُ كانَ مُوجَّهًا إلى الحاكم.
“ما الذي تُريدونهُ مِنِّي!”
أنهارت فينيا على الأَرضِ، تضُمُّ ذِراعيها الباردتين. تركت أَظافِرُها الحمراء خُدوشاً طَويلَةً على جِلدِها.
سَواءٌ ماتت أَم لا، لم تَستطِع الهربَ مِن هذه الدائرة.
أَوَّلُ مرَّةٍ عادت فيها إلى الحياة، كانت غارِقةً بالسَّعادة. آه، الآلِهة أَعطتنا فُرصةً أُخرى.
لكن بعدَ شهرٍ، اُغتيلَ تاتار في مكتبِهِ بينما كانت فينيا تَستجوِبُ النُّبلاءَ بِقسوةٍ للعثورِ على مُدبِّري الهُجوم، مما عجَّلَ في محاولتهم التالية.
عندما اِستيقظا معًا مَرَّةً أُخرى، كانت فينيا تُؤمِنُ أَنَّ ذلك مازالَ بِإِرادةِ الآلِهة.
في المُحَاولة الثّالِثة، بقيا على حذرٍ دائم و ضمنوا الحِماية المُستمِرة، مُقدمينِ النّجاة و البقاء على قيد الحياة بدلًا من القبضِ على المُشتبه بهم.
و لكِن تكتيكات القتلة أصبحت أكثرَ خُبثًا. أذ مَاتا مَعًا بِسمٍّ غامِضٍ.
ثم عادا للحياة مرة أخرى.
في المُحاوَلةِ الرابِعةِ، لم يُبديَا أيِّ رَحمَةً. قامَا بِتَطهيرِ أَيِّ شخصٍ مُشتَبهٍ بِهِ، حتّى و لو كانَ ذلك بِتلفيقِ تُهمٍ لِلقضاءِ عليهِ.
بَدا أَنَّ أَحدَ الذين تم تطهيرهم كانَ مُذنِبًا، إِذ مضت تلك الحياة بسلاسة نسبية.
“آه، أَخيرًا! اِنتَهى الأَمر. لن تَكونَ هُناكَ حربٌ أُخرى، و سَيستمِرُّ السلامُ الذي أَرادتهُ الآلِهة.”
كانت تظُنُّ أَنهُما قد نَجحا.
و لكِن، مَرَّةً أُخرى، في ذِكرى زواجِهما الأُولى، شعرا بأَلمً فظِيعً و ماتا، حتّى دُونَ أَيِّ سَببٍ واضِحٍ.
ما الذي حدثَ بشكلٍ خَاطئٍ؟
ها هيَ، مَرَّةً أُخرى، على السجادِ الأَحمرِ.
لم يَكُن في هذهِ اللحظة مَجالٌ لِلتفكيرِ في السببِ الذي يَدفعُ الآلِهة لِفعلِ ذلك.
في المرَّةِ الخامِسة، دَفعهُما الإِصرارُ لِاختِبارِ الحُدودِ، و لم يَكُن ذلك سِوَى مقدِمةٍ لِفشلٍ آخر.
تاتار أَنهى حياته بِنفسهِ، و فينيا شاهدت أنفاسه الأَخيرة تغادر جسده.
صرخت الخادمات بِذُعرٍ، و لكِن ملامِحَ فينيا بَقيت صَلبةً.
قد كانت المسألة مُتَّفقًا عليها سَلفًا.
و بينما خفت الضوء في عَينَي تاتار، خَيمَ الظلامُ على رُؤيةِ فينيا ايضًا. مُحاولةٌ أُخرى فاشِلةٌ.
و في المَرَّةِ السادِسة، عِندما أَفَاقت فينيا في قاعة الزفاف مَرَّةً أُخرى، هَرَعت إِلى أَقربِ فارِسٍ و استَلَّت سَيفهُ.
ها هيَ بفُستانها الأبيض، و قد تناثرت عليهِ قطراتُ الدَّمِ. اختلطت صَرخاتُ الضُّيوفِ بِأَنغامِ التبريكات حِينَ غَرزَت العَروسُ سيفًا في قلبِها يوم زِفافِها.
بقى تاتار، وقفًا وحدهُ وَسطَ الفَوضَى.
و هكذا استمرّت الأمور، مَرَّةً تِلوَ مَرَّةٍ، يُعيدانِ نَفسَ الحياةِ.
في محاولةٍ لِإِيقافِ هذهِ الدورةِ الملعُونةِ، كانَا يَمُوتانِ مرارًا و تكرارًا.
و كانَا يُنهيانِ حَياتَهُما حبثُ ماتَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، و يَتصرفانِ بِنفسِ الطّريقةِ التي سَلَكُوها في الإِعادَةِ الأولى، لكِنهُما يُقابِلانِ النّهايةَ نفسها.
كُلُّ ذلك كانَ عَبثًا.
على الأَرضِ المُغطَّاةِ بِقِطعِ الزُّجاجِ المُتَناثِرةِ، كانت فينيا تَلتقِطُ أَنفاسها بِصُعوبةٍ.
كانَ الأَلمُ اللاذِعُ في جِلدِها لا يُعادِلُ شيئًا أَمامَ لحظةِ الموت. و كانت الدُّموعُ البارِدةُ تَنهالُ على خَديها الشَّاحِبتينِ.
و ما هيَ إِلا لحظَاتٌ حتّى أَسدلَ ظِلٌ فوقها. و
لَامَست يَدٌ بِلُطفٍ وجنَتِها
“…الإمبراطورة.”
رَفعت فينيا عينيها الباهِتتَين ببطءٍ. من خلال رؤيتها الضبابيّة، رَأتِ الرَّجُل الذي كان في حالةٍ مزريةٍ كحالها.
تاتار، وهو يَجْثُو، رفعَها بعنايةٍ بين يديه. بينما كانت تَستندُ إلى حضنه الباردة، تكلّمت فينيا بصوتٍ مكسورٍ وجافٍّ.
“أنا متعبةٌ، سموكَ. أنا متعبةٌ جدًا…”
مَشى تاتار دونَ أن يَقُولَ كلمةً. كانت نظراتُ الخَدَمِ المصدومةِ تَتبعُ الإمبراطور وهو يحملُ إمبراطورَتهُ الملطخة بالدماء.
لم يَرفع عينيهِ عن فينيا، التي دَفَنت وجهَها في صدرِهِ.
عِندَ دُخُولهِ غرفةَ نومهِ، وضعَها برفقٍ على السَّريرِ. تَناثر شَعرُها البلاتينيّ فوقَ الاغطية الزّرقاء الداكنة.
(انستا : evxevil1)