As Long As you Are Happy - 59
‘ليس إنساناً…..’
حبست إيرينا أنفاسها.
فهمت بأن ذلك يعنيها هي.
فالنبيلات لم يعتبرن سكان الأحياء الفقيرة بشراً.
بل اعتبروهم قمامةً قذرة، مجرد نفاياتٍ على الطريق يجب التخلص منها.
‘لقد أدركت الحقيقة.’
ان التقيتُ بذلك الرجل في المنطقة التجارية، والتقيتُ بسناير، يبدو انها اكتشفت بأنني نشأتُ في الأحياء الفقيرة.
“…….”
قبضت إيرينا بيدها بقوة على الطاولة.
و شعرت بحرقة في معدتها فضغطت على صدرها لتخفيف الألم.
“ما الذي تتحدثين عنه الآن، يا آنسة فلورنس؟”
“لست متأكدة، لا أعرف أيضاً……”
“هل هناك قطةٌ على الطاولة؟”
لكن الآخرين، الذين لم يعرفوا ما يجول في خاطر إيرينا، كانوا يكتفون بإمالة رؤوسهم في استغراب.
‘حسناً، التظاهر بعدم المعرفة أفضل.’
ضحكت سناير بغرور.
“على أي حال، إلى متى ستبقينني واقفةً هنا، يا آنسة باستن؟”
“……آه، حسناً.”
أخيراً، رفعت باستن الراية البيضاء.
لم يكن هناك ما تفعله غير ذلك، فقد كان الأمر يتعلق بأهم أعمال العائلة.
“أحضري كرسياً إضافياً، وأحضري أيضاً الشوكولاتة التي أعددناها.”
انحنت الخادمة الواقفة خارج الجلسة، وسرعان ما جاءت بالكرسي المطلوب.
جلس ثمانية أشخاصٍ حول طاولةٍ واحدة.
بمجرد أن جلست جايسير، تنحنحت باستن لتنبه الجميع.
“بما أن عددنا أصبح كبيراً، فلنؤجل لقاء العرافة إلى المرة القادمة. الجميع متعب على الأرجح، فلنشرب الشاي وننهي الاجتماع بلطف؟”
كان من غير اللائق إنهاء الاجتماع بسرعة رغم قدوم الجميع.
و كانت باستن تحاول فقط الالتزام بالآداب وإيجاد عذر لإنهاء الاجتماع، وهذه المجاملة كانت لجايسير، وليست لسناير.
“حسناً.”
“كنتُ قد أرهقتُ نفسي بإلقاء القصائد في وقت سابق، لذا هذا جيد.”
يبدو أن الآخرين شعروا بنفس الشيء، إذ أومأوا برؤوسهم موافقين.
ثم تلا ذلك صمتٌ مطبق.
الجو الذي أفسدته سناير سابقاً لم يعد بسهولة.
“على أي حال.”
أخيراً، افتتحت باستن الحديث مجدداً بصفتها المضيفة.
“لماذا أتيتِ حقاً؟ لقد تصرفت في المرة الماضية وكأنك لن تعودِ أبداً.”
“آه، كنت في زيارة إلى عائلة الفيكونت جايسير لأمرٍ ما، وتصادف أن اليوم كان هناك جلسة لقراءة الشعر، فاستعدت بعض الذكريات.”
التفتت سناير ونظرت إلى إيرينا.
“ثم سمعت بأن هناك شخصاً جديداً سينضم، فقررت المجيء.”
و ابتسمت لها.
“لقد مر وقت طويل، آنسة ليونيد.”
“…….”
“كم مضى منذ آخر مرة؟ أعتقد أننا لم نلتقِ منذ زيارتي الأخيرة في قصر أخي لوغان، أليس كذلك؟”
لقد تعمدت ذلك.
تعمدت الإشارة إلى علاقتها الوثيقة بدوقية وينفريد لتظهر علاقتها المتينة بهم.
أحسّت إيرينا بانقباضٍ في صدرها.
“نعم، لقد مر وقتٌ طويل.”
‘لا بأس.’
جلست إيرينا بشكل مستقيم
‘لديّ الدوق، وباقي أفراد عائلة الدوقية بجانبي.’
مدّت إيرينا كتفيها، بعد أن كانت قد انحنت قليلاً، ونظرت مباشرةً إلى سناير.
“كيف حالكِ، يا آنسة فلورنس؟”
ابتسمت إيرينا، لكن هذه المرة لم تستطع سناير أن تبتسم.
فأغلقت شفتيها بخط مستقيم.
“لم أكن أعلم أنكما تعرفان بعضكما.”
وبينما كان الصمت الغريب يوشك أن يسود من جديد، بادر شخصٌ آخر بفتح الحديث.
“ولكن، يا آنسة جايسير، ألم تقولِ بأنكِ لن تأتِ اليوم؟”
تحدثت بنبرةٍ مشرقة متعمدةً ذلك، وحوّلت أنظار الجميع نحو جايسير.
“لو كنتِ ستأتين، كان من الأفضل لو جئتِ مبكراً! لقد قرأنا هذه المرة سوناتات كالبير التي تحبينها.”
“صحيح، لو كنتِ موجودة لكانت قراءتك رائعة، أحببت تفسيركِ الأخير كثيراً.”
“انا……”
لأول مرة تحدثت جايسير.
“أنا أيضاً كنت أود القدوم مبكراً، لكن كان لدي بعض الأمور. والداي غير موجودين في المنزل، وكان عليّ أن أعتني بإخوتي الصغار.”
بدأت جايسير تتحدث ببطء، وهي تحرك يديها على ركبتيها.
“ثم جاءت الآنسة فلورنس، فاستطعتُ الحضور. لقد وافق خدمها على البقاء في منزلي مؤقتاً للاهتمام بأخوتي.”
“ماذا؟”
أحدهم رمش بعينيه في استغراب.
“لماذا تعتنين بإخوتكِ الصغار في غياب والديكِ؟ أليس بإمكانكِ تكليف الخدم بذلك؟”
ابتسمت جايسير بمرارة عند هذا السؤال.
“لا، ليس الأمر أنني بلا خدم أو خادمات تماماً. لدي بعض العاملين المؤقتين……ولكن….”
لم تكمل كلامها وطأطأت رأسها.
‘آه.’
أدركت الآنسة أنها تصرفت دون مراعاة وأخفضت بصرها، دون أن تجرؤ على النطق بكلمة.
“…….”
ساد صمتٌ أثقل داخل الجلسة من ذي قبل، ولم يُسمع سوى صوت رشفة الشاي وأصوات تناول قطع الشوكولاتة التي أحضرتها الخادمة.
كانت إيرينا واحدة ممن جلسوا بهدوء، ارتشفت رشفةً من الشاي ووضعت قطعة شوكولاتة في فمها.
كانت الشوكولاتة حلوةً بالطبع، لكنها لم تتذوق أي شيء فعلاً.
“آنسة باستن.”
كسرت سناير الصمت، ونادت على الآنسة باستن بابتسامة.
“سمعت خبراً بأنكِ ذهبتِ قبل بضعة أشهر لزيارة الأحياء الفقيرة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
رغم أنها أظهرت علامات الاستغراب حول سبب إثارة الموضوع فجأة، أومأت الآنسة باستن برأسها.
“أخي كان يتغيب عن دروسه ولا يؤدي واجباته، فقرر والدي اصطحابه لإعطائه درساً. ولحقتُ به بالصدفة.”
أطلقت باستن تنهيدةً عميقة وأكملت حديثها.
“عندما وصلنا، كان المكان قذراً ومثيراً للاشمئزاز. كانت القمامة متناثرة في الطرقات، ورائحة العفن كانت تنتشر في كل مكان لدرجة أن العطر لم يستطع حتى تغطية الرائحة.”
“أوه.”
آنسةٌ اخرى عبست وهزت رأسها، كما لو كانت تتخيل ما يُحكى.
“رأيت أشخاصاً يأكلون الخبز المتعفن، وآخرين ينامون فوق القمامة. وبينهم من كان يشرب الخمر……لو كانوا يعملون بجد، لكانوا قد غادروا الحي الفقير بالتأكيد.”
“صحيح.”
وافقتها آنسةٌ اخرى.
“يقولون ان سكان الأحياء الفقيرة جميعهم كسالى.”
“على الأقل، هذا ما بدا عليه من رأيتهم.”
واصلت باستن كلامها وهي تهز رأسها.
“على أي حال، وقف والدي أخي في منتصف الشارع وقال له، ‘إذا استمريتَ في التغيب عن الدروس وعشت بكسل، فستكون أحد هؤلاء! هل تريد العيش هنا؟'”
“وماذا حدث بعد ذلك؟”
“هاها، بمجرد سماع هذه الكلمات، أصيبَ أخي بالذعر. و بدأ في البكاء والتوسل ألا يتركه هناك.”
ضحكت باستن بمرح وكأنها استمتعت بوجه أخيها المذعور.
“منذ ذلك الحين، أصبح يحضر الدروس بجد ويؤدي واجباته كما يجب. لذا، أنصحكم جميعاً، إذا كان إخوتكم لا يستمعون، خذوهم إلى الأحياء الفقيرة.”
أضافت باستن وهي تنظر إلى النبيلات اللاتي يستمعن بانتباه.
“تكلفة الزيارة مجرد بضعةِ قطع نقدية. تأثيرها فعّال مقارنةً بثمنها.”
بمجرد أن أنهت باستن حديثها، بدأ الآخرون في الحديث أيضاً.
قالت أحدهم بأنها زارت الحي الفقير من قبل، وكانت صغيرةً حينها وبكت من شدة القذارة هناك.
وقالت اخرى بأنها سمعت أن إعطاء النقود لسكان الأحياء الفقيرة خطأ، لأنهم سينفقونها على الخمر.
وقررت إحداهن أنها ستأخذ أخاها الصغير هناك يوماً ما.
تدفق الحديث، وكل كلمة كانت ثقيلةً على مسامع إيرينا.
‘إذاً، كان الأمر مجرد تسلية لهم؟’
كانت تعلم أن بعض النبلاء يأتون إلى الأحياء الفقيرة أحياناً.
لكنها لم تكن تعرف السبب، خاصةً وأن الحراس كانوا ينظرون بحدة إلى الجميع، وكانت غالباً تقضي وقتها في النزل.
‘لقد أتوا فقط للتسلية.’
حياتها كانت مجرد متعةٍ زهيدة لهم، تسليةً رخيصة يمكنهم مشاهدتها مقابل بعض القطع النقدية.
حتى أن سكان الأحياء الفقيرة، الذين كانوا مجرد تسلية للآخرين، لم يحصلوا على أي من القطع النقدية التي تُدفع للزيارة.
بدأت تشعر بمدى بؤسها، وباتت تشعر بازدياد المسافة بينها وبين الأشخاص الجالسين على الطاولة.
حتى وقتٍ قريب، كانوا جميعاً يستمتعون بقراءة الشعر، وشرب الشاي، وتبادل الأحاديث.
“……”
شعرت بشيءٍ يثقل على صدرها، وضغطت بيدها على معدتها.
كان هناك ثلاثة أشخاص فقط لم يشاركوا في الحديث، إيرينا، و هالي، و جايسير.
“آه، يبدو أن الجميع متحمسون.”
همست هالي لإيرينا بخفوت.
“لا أفهم ما الممتع في الحديث عن الأحياء الفقيرة. أجد أن تحويل الناس إلى مجرد تسليةٍ أمر مزعج. هؤلاء الناس يبذلون جهداً للعيش أيضاً.”
تابعت هالي حديثها ووجهها عابس.
“يبدو أن الجميع باستثناء الآنسة جايسير قد زاروا الاحياء الفقيرة. هذا أمرٌ غير مريح.”
“…….”
“آه، صحيح! لديّ بعض الأعمال في منزل الكونت باستن، لذلك سأذهب هناك في المساء. إيرينا، هل ترغبين في البقاء معنا والتحدث قليلاً؟”
فجأة، اتسعت عيون هالي بدهشة.
“ما الذي يحدث؟ وجهكِ شاحبٌ جداً!”
كان وجه إيرينا قد شحب تماماً. فارتبك الجميع ووقفوا بسرعة.
“يا إلهي، الآنسة ليونيد!”
“لقد كنتِ بخيرٍ منذ لحظة!”
“هل انتِ متأثرة كثيراً من الحديث عن الأحياء الفقيرة؟”
كانت الآنسة باستن هي الأكثر توتراً بينهن.
“أين الطبيب؟ احضروا الماء الدافئ على الفور. يبدو أن الآنسة ليونيد قد تأثرت! بسرعة!”
“نعم، آنسة.”
“لا، لا داعي لذلك.”
قبل أن تجري الخادمة، أومأت إيرينا بيدها.
“أنا فقط شعرتُ ببعض الاضطراب في معدتي. أظن أنني سأعود وأرتاح قليلاً.”
“تعالي و استريحي في قصرنا، آنسة.”
أمسكت باستن بيد إيرينا بقوة، وكانت في عينيها مشاعر القلق الصادق.
“لا يمكنني أن أترك شخصاً مريضاً يرحل هكذا.”
نظرت إيرينا في عينيها للحظة ثم هزت رأسها.
“أعتقد أنني يجب أن أعود وأرتاح.”
“لكن، ماذا عن العربة؟”
كانت هالي تتململ بجانبها، فهي الشخص الوحيد التي كانت تعرف عن مشكلة العربة.
“هل توجد مشكلةٌ في العربة؟”
“العربات جميعها في المنطقة التجارية الآن.”
أجابت هالي، وعلى الفور أكملت باستن الحديث.
“إذاً، سآخذكِ في عربتنا الخاصة إذا أردتِ……”
“لحظة.”
في وسط هذه الفوضى، رفع شخص ما يده.
“أعتقد أنه يجب عليّ المغادرة الآن. لكن، يمكنني ان أرافق الآنسة ليونيد إلى القصر.”
تحدثت و هي تبتسم.
“لحسن الحظ، منزلنا يقع على الطريق المؤدي إلى قصر وينفريد.”
كانت الآنسة جايسير.
“هل هذا مناسبٌ لكِ؟”
ابتسمت بابتسامةٍ محرجة.
_____________________________
الله ياحذ سناير
بنتي مسكينه حنينه رقيقه ماتتحمل 😔🤏🏻
جايسير ذي مب مريحه بس يارب تصير حلوه مثل هالي
على طاري هالي كان فيه وحده في تويتر اسمها هالي او مروضة الثعالب والكثير من الاسماء
ادعوا لها بالتوفيق 😘
وينس يا حفيده😔
Dana