As Long As you Are Happy - 47
“يبدو أن الخريف يقترب ببطء.”
إيرينا، التي ارتدت ملابس الخروج بعد فترة، رمشت وهي تنظر إلى السماء.
“بالفعل، النسيم أصبح منعشًا.”
“هذا صحيح.”
أومأت دلفيا، التي كانت تقف بجانب إيرينا، برأسها.
“في الصيف، كنت أشعر أنني سأفقد أنفاسي وأنا أدور حول ساحة التدريب، لكن الآن لا داعي للقلق.”
“هل كنت تدورين حول ساحة التدريب باستمرار؟”
“طبعاً!”
تنهدت دلفيا بعمق.
“إذا اكتشف أحدٌ بأنني تغيبتُ ولو ليوم واحد فقط، سأكون أمام سيدي عندها……!”
“آه”
ارتجف جسد دلفيا بقوة، مما جعل إيرينا تضحك بهدوء، فقد بدا الأمر ممتعاً.
‘سيعود الدوق قريباً.’
لم يتبق الكثير من الأيام على الوعد الذي قطعه لإيرينا عندما زارته آخر مرة قبل أسبوعين.
بعد أيام قليلة سيعود الدوق إلى قصر وينفريد.
‘أنا متحمسة.’
خلال هذا الوقت، تعلمت إيرينا الكثير.
باتت تعرف كيف تغني، كما أصبحت تعزف على البيانو، وإن كان لا يزال يبدو عليها بعض الارتباك.
كانت السيدة هيلبريتون سعيدة جداً بتقدم إيرينا في ضبط وضعيتها، رغم أن تعلم الرقص لم يسر على ما يرام؛ فقد كانت تستمر في فقدان الإيقاع، مما جعل دروس الرقص تسير ببطء شديد.
“على أية حال……”
دارت ديلفيا برأسها بسرعة.
كان هناك الكثير من الناس بالقرب من النافورة في وسط السوق، لكن لم يكن يبدو أن أي أحدٍ كان ينتظر شخصاً ما.
“هل ستأتي حقاً؟”
“ستأتي.”
ابتسمت إيرينا.
عبثت قليلاً بيدها في مياه النافورة، وعندها سمعت صوتاً يناديها من بعيد.
“آنسة ليونيد!”
التفتتا إيرينا و دلفيا.
كانت هناك فتاةٌ ذات شعر بني متدلي تركض نحو إيرينا بخطواتٍ متسارعة.
إنها الآنسة ويلر، التي قابلتها في حفل تبرعات الفيسكونت بيرسي.
“آه، لقد وصَلت أخيراً.”
قالت دلفيا، التي كانت ترافق إيرينا كحارسة، ذلك فأومأت إيرينا برأسها موافقة.
“آسفة، آسفة، لقد تأخرتُ كثيراً، أليس كذلك؟”
وصلت الآنسة ويلر إلى النافورة، وهي تلهث بقوة بعد أن ركضت طوال الطريق.
“أثناء قدومي إلى هنا، فجأةً سقطت إحدى عجلات العربة! لذا اضطررت للمشي من شارع تاشاريا.”
لم تكن إيرينا تعرف أين يقع شارع تاشاريا، لكنها رأت على وجه الآنسة ويلر أنه بعيدٌ جداً.
أخرجت إيرينا منديلًا من جيبها.
“لتأخذِ استراحة، و من الأفضل أن تمسحي العرق بهذا المنديل أولاً.”
“آه، شكراً لكِ، وآسفة على ذلك!”
تسلمت ويلر المنديل بخجل.
“لا بأس، لم أنتظر طويلاً.”
‘أما أنا فالأمر مختلف!’
كادت دلفيا ان تصرخ بذلك لكنها توقفت و ابتسمت.
تنهدت ويلر وهي تمسح العرق المتجمع على جبينها بالمنديل.
“بعد تبادل الرسائل لفترة، وأخيراً اليوم هو لقاؤنا الأول!”
كانت ويلر على حق، فمنذ حضورها حفل تبرعات الفيكونت بيرسي، بدأت إيرينا تتبادل الرسائل مع بعض الأشخاص.
في البداية، كان الأمر ممتعاً، لكنها بدأت تشعر ببعض الصعوبة بسبب قلة خبرتها.
كان التواصل مع البعض قد خف بسرعة، ومع آخرين قد انقطع تماماً.
لكن الشخص الوحيد الذي استمرت إيرينا في تبادل الرسائل معها بانتظام وبسعادة كانت الآنسة هالي ويلر.
بعد فترة من تبادل الرسائل، قرروا أخيراً أن يلتقوا اليوم في السوق لأول مرة.
“آه! أشعر بالإحراج الشديد الآن!”
غطت ويلر وجنتيها المحمرتين بيديها وهزت رأسها.
“والدتي كانت تقول دائماً أن الوعد يُعتبر كالذهب، ولم أتصور أبداً أن أتأخر في يومٍ مهم كهذا!”
ثم نظرت إلى إيرينا بعزم وكأنها اتخذت قراراً.
“بإمكانكِ أن تقولِ لي كلاماً قاسياً إن أردتِ! أنا مستعدة لتقبل كل شيء!”
أغمضت عينيها بقوة، وكأنها تستعد حقاً لذلك.
نظرت إيرينا إليها بدهشة، حتى أن دلفيا ضحكت بصوتٍ خافت من تعبير ويلر الجاد.
“أنا بخير حقاً.”
هزت إيرينا رأسها، وتمايل شعرها الذهبي مع حركتها.
“سقوط عجلة العربة ليس خطأكِ يا آنسة.”
“لكن، رغم ذلك……”
“وأيضاً……”
ترددت إيرينا بأصابعها قليلاً، ثم ابتسمت بإشراق.
“في الحقيقة، كنت متحمسةً جداً لدرجة أن الانتظار لم يكن طويلاً بالنسبة لي.”
رغم أنها شعرت ببعض الخجل لأنها تصرفت كالأطفال، إلا أن إيرينا كانت متشوقة لدرجة أنها بالكاد نمت الليلة الماضية.
بالطبع، كانت قد زارت السوق من قبل مع السيدة هيلبريتون و دلفيا، لكن لقاء اليوم كان مختلفاً.
“هذه أول مرة ألتقي فيها بصديقة من عمري……”
كان قصر وينفريد مثالياً في كل شيء، لكن الشيء الوحيد الذي افتقرَ إليه هو وجود أصدقاء من عمر إيرينا.
فجميع الفرسان الذين جاءوا مع الدوق وينفريد كانوا جنوداً متمرسين في المعارك.
ومع أنها سمعت أن بعض الفرسان المتدربين في وينفريد هم من عمرها، إلا أن لقاءهم يتطلب الذهاب إلى قصر الدوق في الشرق، وهو مكان بعيد.
ابتسمت إيرينا بلطف.
كان هناك شيء آخر تود إيرينا أن تسأل عنه أيضاً.
توقفت ويلر لوهلة، وكأنها تفكر في كلمات إيرينا، ثم أمالت رأسها بتساؤل.
“آه، هل من الممكن……”
نظرت إليها بترقب وسألت بخجل،
“هل أنا أول صديقةٍ من عمرك؟”
“آه، نعم……”
بدأت إيرينا تنظر بحذر هي الأخرى.
هل يُعتبر عدم وجود صديقة من عمرها أمراً غريباً؟
لا، فهي ليس لديها صديقات من عمرها فقط، ولكن لديها الكثير من الأصدقاء.
كان هناك دلفيا، و السيد ليو، والسيد ليتون، وأيضاً……
وأيضاً……
“…….”
بينما كانت إيرينا مستغرقة في صدمتها، كانت عيون الآنسة ويلر تتلألأ بفرح، بل تكاد تلمع من شدة الحماسة.
“يا إلهي، هذا لا يُصدق!”
كانت هالي ويلر تدور في مكانها بحماس وكأنها لا تصدق ما سمعته.
شعرت إيرينا بالصدمة.
هل عدم وجود صديقات لديّ أمر مدهش إلى هذه الدرجة؟
“هل هو حقاً أمر يُثير كل هذا الاعجاب؟”
“بالطبع!”
رفعت ويلر صوتها دون أن تشعر، ثم أخذت نفساً لتستعيد هدوءها قبل أن تتابع الحديث.
“كنت أعتقد بالتأكيد أن الآنسة ليونيد لديها العشرات، بل ربما المئات من الأصدقاء.”
“المئات؟”
“نعم! لأنكِ جميلة جداً يا آنسة ليونيد!”
“عفواً؟”
“وإضافة إلى ذلك، أنتِ لطيفة وحنونة! وتفيض منكِ الأناقة والرقي في كل حركةٍ تقومين بها.”
تساءلت إيرينا في دهشة عن صحة هذا المديحِ الذي يفيضُ منها.
و لحسن الحظ، كانت أذنيها سليمة. كانت فقط الآنسة ويلر هي التي تواصل قول أشياء غير طبيعية.
“في الواقع، يقالُ لي دائماً أن أكون أكثر هدوءاً.”
تحدثت ويلر ببطء، ووجنتاها ما زالتا متوردتين.
“دائماً ما كنت أسمع أن تصرفاتي مبالغ فيها، وأن صوتي مرتفعٌ جداً. كانوا يقولون أنني أتحرك قبل أن أفكر، مما يجعلني أبدو حمقاء. لذلك عانيت كثيراً.”
لم يكن الأمر كذلك، لكن إيرينا لم يكن لديها فرصة للرد قبل أن تقاطعها ويلر.
“ثم، قابلتُكِ يا آنسة!”
تألقت عينا ويلر، وأمسكت بيد إيرينا بحماس.
“في تلك اللحظة في حفل التبرعات، لقد انبهرت من هذه الأناقة المتدفقة!”
أنا؟
“كل كلمةٍ تنطقين بها تعكس هدوءاً كبيراً!”
‘كنتُ فقط أتجنب الكلام خوفاً من ارتكاب خطأ.’
“حتى أنك تعرفين كيفية التنازل بحنان!”
‘لا أعرف معناها جيداً……’
بدأت عيون إيرينا الزرقاء ترتجف من الجانبين.
“وحتى مظهركِ مثالي!”
مع كلمات ويلر، بدأ المارة ينظرون إلى إيرينا واحداً تلو الآخر.
“حقاً، عندما دخلتِ، اعتقدت أن الدمية التي كنتُ ألعب بها في طفولتي قد أصبحت إنساناً!”
حتى أن بعض الناس توقفوا عن السير ليحدقوا في إيرينا.
“في تلك اللحظة، قررت أن أكون صديقةً لكِ مهما كان الثمن!”
عند هذه النقطة، لم يعد بإمكان إيرينا تحمل الأمر. فانخفض رأسها بشكلٍ ضعيف.
‘دلفيا!’
نعم، إذا كانت هناك من يمكنها مساعدتها، فقد تكون دلفيا!
استدارت إيرينا لتبحث عن الأمل.
“…….”
لكنها وجدت دلفيا وهي تومئ برأسها بفخر وكأن كل ما تقوله هالي ويلر صحيح.
‘هذا غير ممكن……’
هزت إيرينا رأسها.
في النهاية، اضطرت إيرينا للوقوف هناك والاستماع إلى سيل من المديح من الآنسة ويلر.
***
“آه، يبدو أنني كنت كثيرة الكلام قليلاً، أليس كذلك؟”
“قليلاً فقط.”
لم تمضِ سوى عشر دقائق وهي تستمع، ومع ذلك شعرت بالتعب أكثر من تعبها عندما حضرت ثلاث ساعات متتالية من دروس السيدة هيلبريتون.
على الرغم من أن خطتهما الأصلية كانت الذهاب إلى المعرض لشراء كتالوج الفنان دانيكر، إلا أن تأخر هالي ويلر واستنزاف طاقة إيرينا جعلهما يقرران الجلوس في محل الحلويات.
“آه، آسفة! أنا متحمسة جداً لأنني أول صديقة من عمركِ، لذا……”
ابتسمت الآنسة ويلر وتمددت نحو إيرينا لتسلمها قائمة الطعام.
“أشعر بالأسف والسعادة في نفس الوقت، لذا أرجو أن تتيحِ لي الفرصة لدفع الحساب.”
“لكن يبدو أن الأسعار مرتفعةٌ جداً.”
شعرت إيرينا بالارتباك وهي تتصفح القائمة.
كانت تكلفة قطعة صغيرة من الحلوى تعادل ثمن وجبةٍ في نزل بِن.
‘بالطبع، كان بِن يعيد استخدام الأطعمة المتعفنة، لذا كان سعره منخفضًا، ولكن اهذا ليس مرتفعًا جدًا؟’
بينما كانت إيرينا مترددة في الاختيار، ضحكت الآنسة ويلر قليلاً.
“أنا أحاول غسل شعوري بالذنب بكعكةٍ حلوة، لذا اختاري ما تشائين!”
ثم مدّت رقبتها لتراقب حراسها ودلفيا الذين جلسوا خلفهم.
“أنتهم ايها الفرسان أيضاً! ، سأدفع ثمن تحليتكم”
“واو، أنا آكل كثيراً. هل هذا حقاً مقبول؟”
“بالطبع! أنا هالي ويلر، لن أغير رأيي، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالحلوى!”
صفقت دلفيا بيديها بحماس وبدأت في تفحص القائمة بجدية.
ضحك فرسان عائلة ويلر.
“يبدو أنكِ اليوم ستنفقين كل مصروفكِ يا آنسة!”
وبدأوا في التشارك في قراءة القائمة مع دلفيا.
عند هذه النقطة، لم تستطع إيرينا الرفض أكثر.
“إذاً، سأطلب كعكة الليمون وكوباً من الشاي بالحليب……”
“آه، هذا لا يكفي!”
رفعت ويلر يدها لاستدعاء النادل، وضغطت على منتصف القائمة بأصبعها.
“أريد كل ما هو موجودٌ في هذه القائمة.”
“حسناً، ارجوا ان تنتظرا قليلاً، سيداتي.”
لم تُتح لإيرينا فرصة الاعتراض، إذ جاء النادل سريعاً مع حامل الكعك بطبقاتهِ الثلاث، محملاً بأنواعٍ مختلفة من السندويشات والحلويات.
سندويشات بسلمون مدخن، و كعكة الجوز ذات النكهة الغنية، و كعكة الليمون المغطاة بالفراولة، و ميل فاي*.
*آخر الفصل
أيضاً، كان هناك بسكويتٌ رقيق مغطى بالسكر مع تارت المربى.
إلى جانب ذلك، لم تكن تعرف إيرينا ما هي الأنواع التي تم تقديمها، ولكن كانت هناك خمس أنواع من المربى والزبدة في أطباق.
‘واو، مجرد النظر إليها يُشعرني بالجوع حقاً……’
_______________________________
حلوى الميل فاي أو الميل فوي :
هي حلوى فرنسية تتكون من ثلاث طبقات من العجينة المنتفخة، متناوبة مع طبقتين من الكاسترد، لكن في بعض الأحيان تستبدل بالقشدة المخفوقة أو المربى.
تسمى في المطبخ العربي كعكة الألف ورقة
و في المغرب تسمى ميلفا
ويلر ذي فلاوية اشوى عند ايرينا صديقة تونسها بدل ذيك سناير او مدري وش اسمها
المهم الدوق قريب و يشرف 😘
Dana