As Long As you Are Happy - 148
“……إيرينا.”
استخدم لوغان يده الأخرى التي لم يكن يمسك بها شيئًا ليمسح وجههُ مرارًا.
حرك حلقه عدة مرات وكأنه كان يختار كلماته، ثم فتح شفتاه اللتان كانتا مشدودتين بشكلٍ مستقيم.
“هذا خطأي.”
كان صوته مبحوحًا وهو يعترف بماضيه.
“في معركة فيدان، كنتُ المسؤولَ الأول. سواء حدث أمرٌ جيد أو أمرٌ سيء.”
سواء نجا أحدهم أو مات، فإن كل ذلك كان مسؤوليتهُ وحده.
ليس شخصًا آخر، بل هو نفسه، لوغان وينفريد.
هذا ما أخبره به الدوق وينفريد السابق بوضوح عندما كان طفلًا صغيرًا.
“عليك أن تقوم بعملك على أكمل وجه. لأنك الوحيد الذي يمكنه أن يقتلهم أو ينقذهم، لذا عليكَ اتخاذ قراراتٍ حكيمة.”
“لا تنسَ أن فشلك يعني موتهم.”
ألم يهمس له بذلك وهو يمسك بكتفي لوغان الصغيرين بقوةٍ كادت أن تسحقهما؟
“فكر دائمًا.”
سقطت نظرةُ لوغان الجافة نحو الأسفل.
“ماذا لو كان هناك شخصٌ آخر في مكان القائد؟ ألن تكون النتيجة أفضل؟”
لو كان شخصٌ أكبر منه بقليل هو المسؤول الرئيسي. أو لو كان شخص أكثر خبرةً في ذلك المكان.
“لو كنت قد استخدمت طريقةً أخرى، رغم خطورتها، أو لو اخترت الطريق الذي يلتف حول الجبل…..”
حينها، لو تغير شيءٌ صغير فقط، أي شيء، مهما كان بسيطًا.
ربما، و ربما فقط، بمعجزةٍ ما.
“ألن يكون هناك شخصٌ آخر غيري لا يزال على قيد الحياة؟”
بدأت الكوابيس منذ ذلك اليوم.
انهيار لوغان، الذي أرسل بيديه شخصًا يحبه ويعتمد عليه مباشرةً إلى قلب العدو، بدأ منذ تلك اللحظة.
كانت البداية في وضح النهار. و ظل تفكيره وعقله عالقين في ذلك المكان، و في تلك اللحظة.
‘هل كان من الأفضل لو ذهبوا جميعًا معًا بدلاً من إرسالهم واحدًا تلو الآخر؟’
‘أو ربما لو غرسوا السكاكين في العربة واندفعوا مباشرة، أما كان العدو المذهول سيفتح الطريق لهم؟’
‘أو ربما كان من الأفضل مجرد تعزيز الحواجز وانتظار الدعم؟’
كلما عاد تفكيره في دائرةٍ من جديد، كانت جثمانٌ جديدة تظهر أمام لوغان.
تتراكم فوقه وجوهٌ متشابهة، لكن كل وجهٍ يقابل موتًا مختلفًا.
عندما استمر التفكير في الدوران دورة أخرى، كانت هناك جثمانٌ اخرى بنفس الوجه، لكنه مات بسبب فشلٍ مختلف.
تراكمت الجثث واحدةً فوق الأخرى، حتى لم يعد بإمكانه رؤية الأرض. وعند تلك النقطة، بدأوا يظهرون في الأحلام أيضًا.
لا، لم يكونوا وحدهم.
“أرجوكَ، أنقذني……لا أريد أن أموت……أريد أن أعيش……”
عادت كلمات الوداع لأولئك الذين بالكاد مروا أمامه وأغمض أعينهم للمرة الأخيرة.
“أريد العودة إلى المنزل. أريد رؤية أمي……وأبي……”
كانت الدموع التي سالت مع آخر أنفاسهم، واختفت في الأرض، تبدو وكأنها تتجمع مجددًا عند قدميه.
عندما انطفأت الحياة، وزال الدفء، وبدأت الأجساد الحية بالتعفن، كان دائمًا هناك شخص يقترب من بعيد.
“سيدي.”
امرأةٌ ذات شعرٍ أحمر متدلٍ.
كانت تحمل بين ذراعيها رجلًا أشقر قد فارق الحياة، وكلما خطت خطوةً أخرى، كانت قطرات الدم تسقط واحدةً تلو الأخرى منهم.
نظرت إليه بعينيها التي أصبحت باهتةً ومظللة.
“لماذا لم تفِ بوعدكَ لي؟”
تقلصت شفتيها وكأنها تحاول الابتسام، لكنها لم تصدر سوى صوتِ غرغرة، وخرجت فقاعاتُ دم من حلقها.
“لماذا؟”
مسح لوغان وجهه مرارًا وأجاب.
“……لم أستطع الإجابة على سؤال السيدة لارا ولو لمرةٍ واحدة.”
لارا ليونيد كانت ترغب في أن تُنقذ حياة زوجها بدلًا من حياتها. كانت تتمنى بشدة أن يعود زوجها إلى طفلهما على الأقل.
ومع ذلك، على الرغم من مئات بل آلاف التساؤلات، لم يتمكن لوغان من الإجابة ولو لمرةٍ واحدة.
“إيرينا.”
تحدث لوغان وهو يزفر أنفاسًا مخلوطةً بالبكاء وأمسك بكتف إيرينا.
“رغم أن كوبين فنترين تآمر مع لوبرك، إلا أنني أحمل جزءاً كبيراً من ذنب موتهما.”
ظهر على وجه لوغان ابتسامةٌ بدت وكأنها على وشك الانكسار.
“في ساحة المعركة، العجز أيضًا يُعد جريمة.”
كانت قبضة يد إيرينا، التي كانت تمسك بيد لوغان بقوة، قد بدأت تتراخى شيئًا فشيئًا.
لاحظ لوغان ذلك، ثم ابتسم مرة أخرى بخفة.
“قصتي تنتهي هنا.”
اليد التي كانت تمسك بكتفها انزلقت بعيدًا.
“الباقي يعتمد على اختياركِ. يمكنكِ العودة إلى قصر الكونت ليونيد.”
لكن كلمات “أو يمكنكِ البقاء هنا” التي كان من المفترض أن تُقال، لم يخرجها لوغان من فمه، وكأنه متأكدٌ من أن إيرينا لن تختار ذلك.
“لذلك-”
“أما أنا!”
خرجت فجأة كلماتٌ غير متوقعة من إيرينا.
“أنا، عندما كنتُ أعيش في الأحياء الفقيرة، كنتُ أعتقد أن كل ما أعيشه كان خطئي.”
لأنكِ غبية، بطيئةُ الخطى، غير متعلمة، تفتقرين إلى اللطافة، لستِ ودودة، يداكِ ليستا دقيقتين في العمل، وتبكين طوال الوقت.
في أيامها كـ رات، سمعت إيرينا آلاف الانتقادات واللوم.
“أعتقدُ أنني لم أكن أفكر بهذه الطريقة في البداية.”
حاولت أن تتذكر، و أن تتعمق أكثر في ذكرياتها الباهتة. و ربما كنت آنذاك أكثر ثقةً بنفسها.
“كنت أقول لنفسي: غدًا لن أبكي. سأحاول التحدث بطريقةٍ ألطف. حتى لو تلقيت الإهانات، لن أضعف، وسأضحك.”
لكن رغم ذلك……
“عندما أسمعُ تلك الكلمات كل يوم، في كل مرة……بدأت في التصديق بأن ذلك خطئي.”
أن تكون خطواتكِ بطيئة، خطؤكِ. أن تكون كلماتكِ متعثرة، خطؤكِ.
وهكذا، تحولت كل الأشياء تدريجيًا إلى أخطائها، حتى إنه عندما كانت تمطر، كان سكان الأحياء الفقيرة يلقون باللوم عليها.
قالوا بأنها المخطئة لأنها لم تتمكن من تنظيف الطين الذي يتراكم.
أو ربما قالوا أن المطر ينهمر لأنها نحس.
“أتدري ما هو الأمر المضحك، دوق؟”
قالت إيرينا ذلك و هي تغلق عينيها المحمرتين بابتسامة.
“بدأت أنا أيضًا ألوم نفسي.”
في تلك اللحظات الصعبة، بدأت أيرينا تلقي باللوم على نفسها بلا نهاية.
حظٌ سيء، غباء، دموعك التي تسيل جعلت الزبائن يفقدون شهيتهم!
في ذلك المستودع المظلم والضيق، بدأت حتى تلوم نفسها لأنها كانت ضعيفةً ويسهل لومها.
لكن، حسنًا، في النهاية توقفت، لأنها كانت متعبةً للغاية، وجائعةً للغاية، وكان الأمر صعبًا جدًا، جدًا.
ربما لو كانت تملك قليلًا من القوة، لكانت ما تزال تلوم نفسها حتى الآن.
“رغم أنني توقفتُ بصعوبة، إلا أن إلقاء اللوم على نفسي لم يتوقف أبدًا.”
كل ما في الأمر أن الشتائم تحولت إلى نوعٍ من الاستسلام.
عندما كان أحدهم يغضب، أو يقترب فجأةً لصفعها على وجهها، أو عندما كانت تُهان و تُترك جائعة.
حتى عندما كان هناك أملٌ يشبه الحلم يظهر للحظةٍ ثم يتلاشى تمامًا.
“هكذا كنتُ.”
هكذا كانت حياتي.
شخصٌ مثلها، أي أمل يمكن أن يكون لديها؟ أي معاملةٍ جيدة يمكن أن تحصل عليها؟
‘نعم، أنا……السبب فشخص مثلي……’
“ظننتُ بأنه من الطبيعي لي أن أعيش حياتي كلها بهذه الطريقة حتى أموت.”
قالت إيرينا ذلك و هي تبكي بمرارة.
“ولكن، يا دوق، عندما أفكر في الأمر الآن، يبدو كل شيءٍ غريبًا.”
في ذلك الوقت، كانت تعتقد أن كل شيء كان خطؤها. ولكن الآن عندما تفكر في الأمر، أدركت أن ذلك لم يكن صحيحًا.
“كوني أتحدث بطريقةٍ متعثرة كان لأن أحدًا لم يعلمني كيف أتحدث بشكلٍ صحيح، أليس كذلك؟”
الدموع التي كانت تبكيها كانت أمرًا طبيعيًا، لأنها كانت متعبةً ومتألمةً وجائعة.
أما خطواتها البطيئة، فكانت لأن بِن ركَل كاحلها بقسوة في الليلة السابقة ليُفرغ غضبه.
و يديها التي لم تكن دقيقةً في العمل، كان ذلك لأنها كانت تنظف بالماء البارد في منتصف الشتاء حتى تجمدت أصابعها.
لم يكن أي من ذلك خطؤها.
“الأمر ذاته ينطبق هنا.”
احتضنت إيرينا لوغان ومالت بجسدها على صدره، ووجهها المبلل بالدموع يستند عليه.
“كما لم يكن أيٌ من ذلك خطئي، فإنه ليس خطأكَ أيضًا يا دوق.”
عندما حاول لوغان الابتعاد قليلاً، شدّت إيرينا ذراعيها حول خصرهِ وضغطت وجهها في صدره.
“لقد قلتَ بأنكَ كنتَ غير كفء، لكن هذا ليس صحيحًا.”
تحرك حلق لوغان بصعوبة عند سماعه كلماتها.
“هذا لأنكِ لا تعرفين……لأنكِ لم تري ساحة المعركة……”
“صحيحٌ أنني لم أرَ ساحة المعركة، لكنني أعلم.”
قالت إيرينا دلك و هي ما زالت بين ذراعيه، لكنها رفعت رأسها قليلاً بابتسامةٍ صغيرة.
“دلفيا لا تزال على قيد الحياة، أليس كذلك؟”
“……؟”
“و السيد ليو، و السيد ليتون أيضًا، وفرسان دوقية وينفريد ما زالوا على قيد الحياة، أليس كذلك؟”
نظر لوغان إلى إيرينا بوجهٍ يزداد حيرة، غير قادرٍ على فهم كلامها.
“وحتى في مقاطعة دوقية وينفريد، هناك الكثير من الناس الذين ما زالوا أحياء، أليس كذلك؟”
“……نعم، إنهم أحياء.”
أجاب لوغان دون أن يدرك، وازدادت ابتسامة إيرينا وضوحًا.
“وكل هذا بفضلكَ يا دوق.”
“…….”
“أنا، رغم أنني لم أخض الحرب، ولم أذهب إلى ساحة المعركة، إلا أنني أعلم. أعلم أن من يقف في المقدمة، إذا كان غير كفء، سيموتُ الجميع.”
لم يكن عليها البحث بعيدًا لتقديم مثال. فقد كان هناك واحدٌ قريب.
البارون كوبين فينترين نفسه.
لو أنه تخلص من جشعه، كان من الممكن أن يعيش فينترين حياةً لا بأس بها كفرع من عائلة الكونت ليونيد.
لكن جشعه كان كبيرًا وكان غير كفء. و طمعه كان يسعى وراء ما لا يستطيع الحصول عليه، وبدلاً من أن يرتقي إلى الأعلى، سحبتهُ عدم كفاءته إلى القاع.
وفي النهاية، تم القضاء على البارون فينترين.
“دلفيا، و السيد ريو، و السيد ليتون، الجميع على قيد الحياة بفضل براعتكَ يا دوق.”
ابتسمت إيرينا مجددًا. وعندما أغلقت عينيها، تدفقت دموعها من زاويتي عينيها إلى خديها.
“وأنا أيضًا.”
“……؟”
“لو لم تلاحظ كذبةَ فينترين عندما قابلته لأول مرة، لربما كنت قد مُتُّ بالفعل.”
ألم يكن في هذا الوقت تقريبًا؟ كان من الممكن أن يسحبها ذلك الرجل، ويستخدمها كما لو كنت لعبة، وفي هذه الفترة، كانت ستكون قد رُميت على سرير الموت، ثم سيُتركُ جسدها على حافة النهر.
“دوق، أنت لست غير كفء.”
احتضنت إيرينا لوغان بشدةٍ يائسة.
“لم يكن أيٌ من هذا خطؤكَ.”
“….…”
“ما حدث لوالدي، هذا حقًا، حقًا……مؤلم.”
توقفت إيرينا عن الكلام للحظة، وكأنها كانت تحاول كبت بكائها.
“لكن، دوق، في ذلك الوقت، اتخذتَ أفضل قرارٍ ممكن.”
وعلى الرغم من كلماتها، لم تكن قادرةً على التخلص من الشكوك تمامًا، فبدأت الدموع تنهمر.
لكن الآن، كانت إيرينا تعلم. كان ذلك شيئًا لا يمكن تجنبه.
كان محزنًا ومؤلمًا للغاية، لكن حقًا، لم يكن هناك من حلٍ آخر……
الوقت هو الذي سيعالج كل شيء.
هذه الآلام، هذه المعاناة، هذه الأحزان، سيأخذها الوقت.
عندما يأخذ الوقت كل شيء، عليها أن تبتسم الآن.
عليها أن تبتسم أمام والديها.
‘وعندما ألتقي بهما يومًا ما، سأقول لهما هذا.’
“كنتُ سعيدةً لأنني كنت ابنتهما، و كنتُ فخورةً، هذا ما سأقوله لهما.”
“…….”
ترددت يدٌ كبيرة في الهواء قليلاً قبل أن تلامس ظهر إيرينا النحيل.
“شكرًا لكِ على قول ذلك.”
بينما كانت إيرينا تبكي وتدفن وجهها، خرج صوتٌ مختلط بالدموع في أذنها.
“شكرًا لكِ، إيرينا……”
احتضن الاثنان بعضهما البعض، وبكيا لبعض الوقت.
لقد استغرق الأمر وقتًا أطول مما كان متوقعًا لكي يدركا أنهما لم يكونا مسؤولين عن كل هذا، و أن يتقبلا هذا الواقع.
___________________________
ولا شي بس كارل دخل في عيني
بكيت ياعمري يا عيالي الله ياخذ الامبراطور
باقي فصل😔
مدري انا جالسه ادمع من الفصل ذاه ولا لأن الروايه بتخلص 🫂
Dana