As Long As you Are Happy - 138
“البقعة لا تختفي!”
كانت الآنسة باستن تدق الأرض بقدميها من شدة الإحباط. فقد علقت آثار المشروب على طرف فستانها وحذائها بسبب سناير قبل قليل، ولم تستطع التخلص منها.
حاولت جاهدةً تنظيفها، لكن البقعة أصبحت أخف وأوسع انتشارًا بدلاً من أن تختفي.
“ما العمل الآن……”
“يا إلهي!”
بينما كانت على وشك البكاء ولا تدري ماذا تفعل، أخرجت سيدةٌ كانت تستريح في نفس غرفة الانتظار رأسها ببطء لتنظر إليها.
“هل سكبتِ مشروبًا؟”
“نعم، ولا أستطيع تنظيفه. لا أعرف ماذا أفعل. إنه فستانٌ وحذاء عزيزان جدًا عليّ……”
اغرورقت عيناها بالدموع من شدة الحزن.
عندما بدا أن باستن على وشك البكاء، أشارت السيدة بيدها لتنادي خادمتها.
“هل أحضرتِ ما طلبته منكِ؟”
“نعم، سيدتي.”
أخرجت الخادمة حقيبةً صغيرة من حقيبتها التي كانت تحملها وسلمتها للسيدة. ثم وضعت السيدة الحقيبة الصغيرة مباشرةً في يد باستن.
“أحضرتها لأن أطفالي لا يزالون صغارًا وغالبًا ما يلطخون ملابسهم بالطعام. ضعي هذا المسحوق على البقعة ثم بلليه بالماء. سيساعد على تنظيفها جيدًا.”
“شكرًا جزيلًا لكِ، سيدتي!”
ابتسم وجه باستن المشرق بعدما أخذت الحقيبة. وابتسمت السيدة أيضًا برضى.
“هل ستفعلين ذلك بنفسكِ؟ دعي الخادمة التي جئتِ بها تقوم بذلك. لا ينبغي أن تبتل يداكِ الرقيقتان بالماء، يا آنسة.”
“لقد أتيتُ اليوم مع والديّ، وهما هناك.”
في الحقيقة، كانت ترتاح في غرفة الانتظار المخصصة للخدم.
لذا كان بإمكانها أن تستدعي خادمتها لتطلب منها تنظيف البقع من طرف الفستان والحذاء، ولكن……
“آتــشـو!”
كانت الخادمة تعطس بصوتٍ خافتٍ منذ فترة، وكأنها أصيبت بنزلة برد. وحتى هذا الوقت، كانت تخفي عطاسها بإحكام حتى لا يلاحظها أحد.
‘رؤية ذلك المشهد جعلني أشعر أن الطلب منها ليس مناسبًا الآن. لو كانت الظروف عادية، لما اهتممتُ إن كانت مريضةً أم لا، وكنت سأطلب ذلك منها بكل بساطة، ولكن……’
“لا بأس، يمكنني فعل ذلك بنفسي. سمعتُ أن القيام بمثل هذه الأمور أصبح مهمًا مؤخرًا.”
“صحيح، لكن لا حاجة لأن تقوم آنسةٌ مثلكِ بعملٍ متواضع كهذا. هل أُعيركِ خادمتي؟”
“لا، شكرًا جزيلًا، هذا أكثر من كافٍ. أنا ممتنةٌ لكِ حقًا، سيدتي.”
بعد أن اعتذرت عدة مرات، تمكنت باستن أخيرًا من مغادرة غرفة الانتظار.
كان بإمكانها تنظيف البقعة هناك، لكنها شعرت بأنها ستظل عالقةً مع السيدة إذا بقيت لفترةٍ أطول.
‘سأبحث عن مكانٍ لا يوجد فيه أحد، وأزيل البقعة بسرعة ثم أخرج.’
‘وإذا لم أنجح، سأطلب من الخادمة المساعدة في النهاية.’
‘من المحتمل أن تكون غرفة الانتظار الأبعد عن قاعة الحفل فارغةٌ الآن.’
بعد أن سألت أحد الخدم المارين على الموقع، بدأت باستن تسير في الممر وهي تدندن بهدوء.
لكن عندما وصلت إلى غرفة الانتظار، وجدتها في حالةِ فوضى عارمة.
كانت هناك شظايا من كوبِ شاي مكسور متناثرةٍ على الأرض، والوسائد التي كان من المفترض أن تكون مرتبةً على الأريكة متناثرةٌ هنا وهناك، والشموع كلها مطفأةً باستثناء النيران في الموقد، مما جعل الغرفة مظلمة.
“ما هذا……؟”
تقلصت باستن بخوف وهي تدخل الغرفة بحذر.
‘من الذي تسبب في هذه الفوضى؟ هل كان هناك شجار؟ ولماذا تُركت النافذة مفتوحةً أيضًا؟’
لو لم تكن هناك بقعةٌ في فستانها تحتاج إلى التنظيف، لكانت خرجت بحثًا عن مكان آخر. لكن مهما فكرت، لم تجد مكانًا آخر يمكن أن تكون فيه بمفردها سوى هذا المكان.
متذمرة، دخلت باستن الغرفة ذات النافذة المفتوحة على مصراعيها.
كانت تنوي إغلاق النافذة ثم استخدام نار الموقد لإشعال الشموع. و بعد ذلك، يمكنها أن تطلب من أحدهم تنظيف المكان.
وهي تفكر بهذا، مدت يدها نحو النافذة المفتوحة على مصراعيها.
“ها هو المكان.”
“……!”
فجأة، سمعت صوتًا. وحتى الآن، لا تعرف لماذا، لكنها شعرت برعبٍ مفاجئ واختبأت دون وعيٍ خلف الستائر.
على الرغم من أن الستائر سميكة، إلا أنه إذا نظر أحد بعناية، فسيلاحظ وجودها. لكن الأشخاص الذين دخلوا الغرفة لم يبدو عليهم أنهم سيتوقعون وجود أحدٍ هناك.
“هل يمكنكِ تنظيف هذا المكان جيدًا؟”
‘يا إلهي. ما الذي يحدث؟’
أخرجت باستن رأسها بحذرٍ من خلف الستائر لتلقي نظرة.
كان هناك رجلٌ في منتصف العمر يقف مع امرأةٍ تبدو كخادمة.
كانت الغرفة مظلمةً للغاية، والنار في المدفأة فقط هي التي كانت مشتعلةً بقوة، لذلك لم يكن بالإمكان رؤية الوجوه بوضوح، لكن كان من الممكن إدراك شيء واحد على الأقل.
‘كيف دخل هذا الشخص إلى القصر الإمبراطوري؟’
كانت باستن في خضم البحث عن شريك زواج.
ولهذا السبب، كانت قد ألقت نظرةً على قاموس الأسماء الذي يحتوي على وجوه جميع نبلاء العاصمة عشرات، إن لم يكن مئات، المرات.
بل وحتى وجوه نبلاء المناطق الذين يُسمح لهم بدخول القصر الإمبراطوري، لقد حفظتها عن ظهر قلب.
ذلك لأنها كانت بحاجة لمعرفة هوية أي شخص تقابله في قاعة الحفلات فوراً.
لكن الشخص الواقف هناك الآن كان شخصاً لم يسبق لباستن أن رأته في حياتها. وهذا يعني أنه ليس من نبلاء العاصمة، ولا من نبلاء المناطق الذين يُسمح لهم بدخول القصر الإمبراطوري.
قبل قليل، كان هناك بعض الغرباء، لكنهم على ما يبدو كانوا من الأشخاص الذين دعتهم إيرينا ليونيد.
لكن، هل حقاً لم ترَ هذا الشخص هناك أيضاً؟ شخصٌ بهذه القباحة؟
‘من هذا؟’
أثار هذا فضولها. فانحنت باستن بحذرٍ لتتمكن من رؤيته بشكلٍ أوضح.
“ما الذي حدث هنا؟”
رداً على سؤال الخادمة، تنحنح رجلٌ في منتصف العمر بصوت عالٍ ثم بدأ يتحدث بمزاح.
“ستبدأ زوجتي وبناتي باستخدام هذا المكان قريباً، لكن عندما جئت لإلقاء نظرةٍ مسبقة وجدته متسخاً جداً. لهذا السبب أنا هنا، هاها!”
يا له من ضحكٍ غريب.
كانت أسنان ذلك الوجل صفراء، بل وأحدها مفقود.
‘أوه، الأسنان البيضاء والمتساوية تعتبر شيئاً مهماً عند اختيار شريك الزواج.’
حسناً، ربما كان في شبابه يبدو بشكلٍ أفضل.
‘مع ذلك، كلما نظرت إليه أكثر، شعرت أنه يشبه شخصاً ما. من يكون؟ هل يمكن أن يكون قريباً لأحد نبلاء العاصمة؟’
بينما كانت باستن غارقةً في أفكارها، استمر الرجل في الحديث.
“آه! لا تغلقي النافذة، هناك شيء كان يسيل منها. وأيضاً، تأكدي من تنظيف الشظايا. و سيكون من الجيد تنظيف السجادة أيضاً. وأرجوكِ، لا تطفئي النار في المدفأة.”
‘هاه؟’
كان هناك شيءٌ غريب في هذه الطلبات، بحيث يصعب تجاهلها.
لماذا يطلب ترك النافذة مفتوحة؟ ولماذا النار في المدفأة؟ وكيف عرف أن السجادة مبللةٌ رغم أنه دخل للتو؟
كل طلب على حدة لم يكن يثير الريبة كثيراً، لكن اجتماعها معاً جعل الأمور تبدو مشبوهةً بشكل لا يصدق. ويبدو أن الخادمة شعرت بالشيء نفسه أيضاً.
“حسناً.”
لكنها كانت في موقفٍ يفرض عليها تنفيذ الأوامر كما تُطلب منها.
“إذاً، سأقوم باستدعاء الآخرين لتنظيف المكان بسرعة……”
“لا!”
صاح الرجل فجأة، مقاطعاً كلامها بصوتٍ مرتفع.
“أفضّل أن تقومي بالأمر وحدكِ، هه……هل فهمتِ؟”
“آه، نعم……”
أومأت الخادمة برأسها فوراً.
“مع ذلك، سأحتاج إلى إحضار أدوات التنظيف، سأذهب لإحضارها فقط.”
ثم انحنت قليلاً وغادرت الغرفة بسرعة.
“هاها.”
ضحك الرجل بصوتٍ منخفض، كما لو أنه ظن أنه أصبح وحيداً في المكان.
“أخيراً، انتهى الأمر……انتهى كل شيء.”
‘……حقاً، هذا مريبٌ للغاية.’
ضيّقت باستن عينيها و هي تفكر. ثم أخذ الرجل يحدق حول الغرفة بنظراته القبيحة لفترةٍ وجيزة على مكان معين، قبل أن يدير جسده ويغادر الغرفة.
بمجرد أن تأكدت من أن الرجل غادر تماماً، خرجت باستن بحذرٍ من خلف الستارة.
كانت متأكدةً أن آخر مكانٍ رأت فيه شيئاً غريباً كان هنا، على الطاولة.
كانت الطاولة مليئةً ببعض أكواب الشاي الموضوعة بشكلٍ فوضوي، بل إن إحداها كانت مكسورة، متناثرة الشظايا في كل مكان.
‘ما الذي كان يُحدق فيه هنا؟’
الطاولة بدت عاديةً تماماً باستثناء كونها متسخة.
وبينما كانت تنظر بشكلٍ عشوائي على سطح الطاولة، لاحظت شيئاً.
كان هناك كوبُ شاي يحتوي على شيءٍ ما.
جميع الأكواب الأخرى كانت جافة تماماً، إلا هذا الكوب الوحيد. وعند التحقق عن قرب، اتضح أنه شاي.
كان يبدو وكأن أحدهم أخذ رشفةً منه وتركه، حيث لم يتبقَ فيه سوى كميةٍ صغيرة تكاد تغطي القاع.
بدافع الفضول، رفعت باستن كوب الشاي.
“……؟”
ولكن هذا كان كل شيء.
أمالت باستن رأسها إلى الجانب في حيرة. فلم يكن هناك أي شيءٍ غريب حقاً.
الفوضى بسيطة، وهو أمر يحدث أحياناً. أما كوب الشاي، فعندما نظرت إليه عن قرب تحت ضوء المدفأة، لاحظت أن لونه كان غريباً بعض الشيء، لكنها فكرت بذلك، “كم من أنواع الشاي الغريبة موجودةٌ في هذا العالم؟”
ربما ذلك الرجل حقاً جاء لتفقد الغرفة مسبقاً من أجل زوجته وبناته.
‘لماذا أصبحتُ حساسةً هكذا مؤخراً؟’
تمتمت باستن مع نفسها، ثم حاولت إعادة كوب الشاي إلى الطاولة.
لكن فجأة……
بانغ-!
فُتح الباب بقوة، مصدراً صوتاً عالياً.
“هيييك!”
فزعت باستن واندفعت دون وعي لتختبئ مجدداً، و هذه المرة كانت أكثر حرصاً من ذي قبل، متيقةً بأنه لا يجب أن تُكتشف.
كان الرجل الذي دخل هو نفسه الذي غادر قبل قليل.
“كدتُ أن أنسى هذا……هذا الشيء……”
تمتم الرجل ببضع كلماتٍ غامضة وهو يقترب من الطاولة، ثم التقط شيئاً من تحتها.
كان ذلك زجاجةً فارغة تُستخدم عادةً لحمل الماء. لكن داخل الزجاجة كان هناك نفس المادة التي وُجدت في كوب الشاي.
“إذا كُشف هذا، ستكون كارثة، أليس كذلك؟”
أطلق ضحكةً غريبة، “ههاها.”
ثم توجه الرجل مباشرةً نحو المدفأة وسكب السائل فيها.
شششش.-
اختفى السائل تماماً قبل أن يلامس النار، ثم ألقى الرجل الزجاجة الفارغة في ألسنة اللهب.
ابتسم ابتسامةً واسعة مليئة بالرضا.
“وداعاً، يا ابنة أخي العزيز.”
‘آه، فهمتُ الآن.’
أخيراً أدركت باستن من يشبه هذا الرجل.
‘قريبُ إيرينا ليونيد؟’
لون شعره وعينيه مختلفان، لكن تعابير وجهه عندما يبتسم…… و عندما تغلق عيناه بشكل طفيف لترسما قوساً، وترتفع زوايا شفتيه برقة……
لم يكن ذلك المشهد ليذكّرها سوى بشخصٍ واحد فقط.
“…..!”
وفي اللحظة نفسها، فهمت الوضع الحالي بسرعة. فالكلمات التي قالها الرجل الذي يبدو قريباً من إيرينا ليونيد.
يا إلهي……
هل أنا الآن في مسرحِ جريمة؟ ومع القاتل وحدي؟
بمجرد أن أدركت ذلك، بدأ جسدها يرتجف من الخوف.
‘مرعب……هذا مرعبٌ جداً!’
‘إذا اُكتشف أمري، سأُعاقب من ذلك أيضاً……؟!’
جميع القصص عن الجرائم البشعة التي سمعت عنها من قبل بدأت تتدفق في ذهنها بسرعة.
‘هل يمكن أن أكون أحد هؤلاء الأشخاص أيضاً؟’
بالإضافة الى سناير فلورنس، لماذا يوجد هذا العدد من المجانين في القصر الإمبراطوري؟
“……أوه؟”
رفع القاتل عينيه عن المدفأة وبدأ يراقب المكان ببطء.
كان هناك وميضٌ غريب في عينيه.
“يبدو أن هناك شخصاً هنا.”
شهقت باستن بصمت، ووضعت يدها على فمها لتمنع نفسها من الصراخ.
“ربما……هنا؟”
اقتربت خطوات الرجل قليلاً.
‘لا، ليس هنا.’
و كانت هناك خطواتٌ أخرى، تقترب أكثر.
‘إذن، ربما هنا؟’
اقترب الرجل أكثر فأكثر من المكان الذي يختبئ فيه باستن.
ثم سُمع صوت تقليب شيءٍ ما أو تفتيشه، لكن الرجل عاد بخطواته إلى الخلف بعد لحظات.
ساد الصمت للحظة.
“آه، ربما هنا؟”
اقتربت خطواته بسرعة.
تَك، تَك، تَك-!
وفي نفس اللحظة، ظهرت يدٌ فجأة فوق رأس باستن.
“…….”
لكن فجأة،
“معذرةً!”
فُتح الباب، ودخلت الخادمة.
“هل يمكنكِ المغادرة للحظة من أجل تنظيف المكان؟”
“……حسناً.”
انسحبت اليد التي كانت فوق رأس باستن ببطء.
تَك، تَك-
بدأت خطوات الرجل تتراجع، وابتعد الصوت شيئاً فشيئاً.
و عندها فقط أطلقت باستن زفيراً طويلاً وارتخت، مستندةً برأسها على الحائط.
لكن يديها ما زالتا ممسكتين بكوبِ الشاي الذي يحتوي على السائل الغامض.
__________________________
كفوووو باستن
كان شربتيه فينترين وأشكرس حتى لوغان بيشكرس😘
Dana