As Long As you Are Happy - 123
“كنتم جميعًا غير راضين عني، أليس كذلك؟”
لم يكن في نسب إيرينا ما يمكن الاعتراض عليه. ألم تكن هي الوحيدة التي تمثل الوريث الشرعي لأجين ولارا، مهما قال الآخرون؟
ومع ذلك، ما زال هناك عقبةٌ يجب تجاوزها.
“لأنني امرأة، ولأنني نشأتُ خارج مجتمع النبلاء حتى الآن. كنتم تعتقدون أن شخصًا آخر يجب أن يجلس على مقعد الكونت بدلًا مني، أليس كذلك؟”
كان جنسها والبيئة التي نشأت فيها تُمثل عقبةً أمامها.
ولم يكن بالإمكان إخفاء البيئة التي نشأت فيها تمامًا. فمنذ البداية، كانت قصة أن إيرينا قد أُوكلت إلى فيينترين عندما كانت طفلةً ثم اختفت آثارها، معروفةٌ الآن لدى جميع التابعين.
لذلك، قررت إيرينا وزوجا البارون كيريك، بعد تفكيرٍ طويل، أن تُظهر فقط ما يمكن كشفه، دون كذبٍ أو تزوير.
على سبيل المثال،
“لهذا السبب، حتى عندما عدتُ بعد أن شاع خبر وفاتي، لقد ظننتم أنني مجرد عامية عشتُ حياتي في الشوارع.”
رحل أجين ولارا عن هذا العالم منذ زمنٍ طويل. وحتى عندما كانا على قيد الحياة، لم يرضَ العديدون عن تركهما للعائلة وانخراطهما في ميادين الحرب.
“لكنني الآن هنا. في القصر الإمبراطوري، في العاصمة، وفي مجتمع النبلاء.”
ألم يكن أول ظهورٍ اجتماعيٍ لها مثاليًا؟ ألم تكن الحفلةُ الراقصة بلا عيوب؟
“……لا ننوي المساس يشرفكِ.”
قال أكبر الحاضرين سنًا وهو ينحني برأسه قليلًا.
“لكن من نظّم هذه الحفلة الراقصة هي جلالة الإمبراطورة، ومن ساعدكِ على إقامة ظهوركِ الأول هو الدوق وينفريد.”
بعبارةٍ أخرى، كان يعني بطريقةٍ غير مباشرة أنكِ لم تفعلي شيئًا تقريبًا.
فهمت إيرينا المغزى وابتسمت.
“فيكونت أكستون.”
لم يسبق لهُ أن عرّفَ بنفسه، لكن عندما عرفتهُ إيرينا بدقة، أظهر الرجل الذي دُعي بفيكونت أكستون تعبيرًا مرتبكًا.
“قبل عام، كنت أعيشُ في الشوارع. لم أكن أعرف القراءة أو الكتابة، ولم أستطع الحساب، بل لم أكن أفهم حتى قيمة المال بشكلٍ صحيح.”
كانت كلمات إيرينا قصيرة، لكنها كانت كافيةً ليتخيلوا حياتها السابقة.
تصلبت وجوه أفراد عائلة الكونت ليونيد وتابعيه وهم يستمعون إليها، ولم يكن البارون كيريك وزوجته استثناءً.
“لكن، فيكونت أكستون.”
نادته إيرينا مرة أخرى.
“هل أبدو لكَ الآن كما كنتُ آنذاك؟”
“….…”
حتى ولو كانت مجاملة، لم يكن بإمكانه أن يقول “نعم”. فقد كان من الواضح أن الشخص الذي يقف أمامهم الآن يمتلك هيبةً لا تشوبها شائبة.
“ما أردت أن أريكم إياه اليوم هو إمكانياتي.”
وحين لم يجب أحد، تابعت إيرينا حديثها.
“صحيح أنني قضيتُ طفولتي خارج مجتمع النبلاء، لكنني أمتلك كل الإمكانيات للنمو والتطور.”
ابتسمت إيرينا بعد أن أنهت حديثها، وسرعان ما تحول الجو المتوتر إلى أجواءٍ أكثر ليونة وهدوءًا.
“لذا، آمل أن يكون تقييمكم لي كريمًا.”
أنهت الحديث بانحناءةٍ أنيقة، ثم غادرت المكان. و تبعتها البارونة كيريك فور خروجها.
“ما رأيكِ؟”
سألتها إيرينا دون أن تلتفت إلى الخلف.
“هل تظنين أنهم سيقفون في صفي؟”
“بالطبع.”
أجابت البارونة كيريك بثقةٍ تامة.
“سنرى النتائج خلال أسبوعٍ تقريبًا. و بعضهم قد اقتنع بالفعل.”
“هذا مطمئن. لقد كان ذلك بفضل الاهتمام الكبير منكما، أنتِ والبارون كيريك.”
كانت قد سمعت من البارون كيريك أن هؤلاء لم يقرروا بعد من يجب أن يتولى لقب الكونت.
بل إن البعض منهم كان قد فقد الأمل تمامًا ورفض حتى الخروج من منازلهم.
كان أولئك الذين فقدوا الأمل قد أُقنعوا، بعد أيام وليالٍ من الجهود، وجُمعوا هنا من أجل إيرينا.
“أشكركم على جمع هؤلاء الأشخاص هنا من أجلي.”
“لا داعي لذلك.”
حتى في هذه اللحظة، جاءت إجابةُ البارونة حازمة كعادتها.
“هذا إنجازكِ أنتِ يا سيدتي.”
عدّلت البارونة نظارتها وأكملت.
“حتى لو أحضرنا هؤلاء الأشخاص، و لو لم يكن مظهركِ وأداؤكِ على قدر التوقعات، لما اقتنعوا بكِ.”
“…….”
“ربما جاء هؤلاء اليوم وهم يتوقعون رؤية فتاةٍ مرتبكة وغير واثقةٍ بنفسها.”
يتوقعون أن يُدهشها فخامة القصر الإمبراطوري، و أن تتلعثم وتخطئ أثناء حديثها أمام الناس، أو أن تنهار باكيةً وتهرب عند سماع كلماتٍ مهينة كتلك التي قيلت سابقًا.
ربما تصوروا مثل تلك المشاهد وهم قادمون.
لكنهم كانوا مخطئين.
“ظهوركِ اليوم كان كافيًا لإقناعهم.”
تابعت البارونة كلماتها المليئة بالمديح، لكن إيرينا ابتسمت ابتسامةً مريرة.
فكما قال الفيكونت أكستون سابقًا، لم يكن ما حدث اليوم إنجازًا حققته بمفردها تمامًا.
“عذرًا.”
ما فعلته إيرينا كان مجرد إكمال ما بُني أساسه بفضل هذا الرجل.
“هل يمكنني أخذ السيدة ليونيد معي للحظة، البارونة كيريك؟”
دخل لوغان فجأة بينهما دون أي مقدمات.
نظرت البارونة إلى إيرينا بوجهٍ مرتبك، فهزّت إيرينا رأسها بالموافقة.
“أتمنى أن يكون حديثكما ممتعًا.”
انحنت البارونة بأدب وتراجعت إلى الخلف. وحين ابتعدت بما يكفي، تحدث لوغان أخيرًا.
“أود التحدث معكِ.”
تأكد من أن البارونة ابتعدت تمامًا، ثم وجه نظراته نحو إيرينا.
“على انفراد.”
نظرت إليه إيرينا من بابتسامةٍ تعلو وجهها.
“حسنًا، دوق.”
“…….”
“هل نذهب إلى الشرفة؟”
“الحديقة ستكون أفضل.”
كان وجود الستائر مسدلةً يعني أن الشرفة غير متاحة، والآن كانت جميع الستائر مغلقة.
“ما رأيكِ؟”
“هذا مناسبٌ أيضًا.”
أمسكت إيرينا بذراع لوغان التي مدّها لها بشكلٍ طبيعي. وبما أن الحفل الراقص كان على وشك الانتهاء، لم يلحظ أحد مغادرة الاثنين بهدوء.
“الجو بارد.”
بمجرد أن وصلا إلى الحديقة، ارتعشت إيرينا قليلاً من البرد.
كان الجو داخل القاعة دافئًا، لكن الخروج إلى الحديقة جعلها تشعر بوضوحٍ ببرودة الطقس.
“هناك دفيئةٌ صغيرة في هذا الاتجاه. ربما لن يكون هناك أحدٌ في هذا الوقت. لنذهب إليها.”
شعرت بشيء يُلقى برفق على كتفيها. و كانت عباءةً مطرزة بطائرٍ أزرق صغير يُمثل شعار عائلة الدوق وينفريد.
كانت العباءة الكبيرة تغطي جسد إيرينا بالكامل، بل وتزيد عن حاجتها.
عندما كان يرتديها الدوق سابقًا، وصلت إلى منتصف ساقيه، لكنها الآن كانت تجرُّ على الأرض عندما وضعتها إيرينا على كتفيها.
اضطرت إيرينا إلى لف العباءة حول جسدها لتجنب سحبها على الأرض.
“شكرًا لكَ، دوق.”
ابتسمت إيرينا، وكانت وجنتاها قد احمرّتا من البرد.
“إنها دافئة.”
“هذا يبعث على الارتياح.”
لمس طرف إصبعه خدها بلطف. و كانت الابتسامة التي رسمها لها تحمل مزيجًا من الود والدفء.
‘إنهُ شخصٌ رائع.’
ابتسمت إيرينا مجددًا، وبدأ الاثنان يسيران ببطءٍ عبر حديقة القصر الإمبراطوري.
على الرغم من أن الوقت كان متأخرًا في الليل، إلا أن القمر كان ساطعًا، وكانت هناك أضواءٌ متناثرة على طول الطريق، مما جعل نزهة الليل ممتعةً وممكنة.
“في الماضي……”
قطعت إيرينا الصمت بعد فترةٍ من السير.
“ألم نقم بنزهةٍ مشابهة في الحديقة من قبل؟”
“في الصيف، أليس كذلك؟”
أجاب لوغان على الفور.
“تحدثنا وقتها بسبب شجرة جدّي. بالمناسبة، هل أخبرتكِ عنها؟”
“…..؟”
“تلك الشجرة……أعتقد أنها ستعيش.”
“حقًا؟”
اتسعت عينا إيرينا بدهشة.
في الواقع، كانت تزور تلك الشجرة من وقتٍ لآخر منذ ذلك الحين. و كانت تسقيها بماءٍ نظيف وتضع لها سمادًا جيدًا كما تعلمت من البستاني، و تتمنى باستمرارٍ أن تنجو الشجرة وتستعيد عافيتها.
لكنها كانت تصاب بالإحباط في كل مرة، لأن حالتها كانت تزداد سوءًا في كل زيارة.
“هل وصل العلاج؟”
نظرًا لانشغالها مؤخرًا بالتحضيرات لحفل ظهورها الأول، لم تسنح لها الفرصة للانتباه للشجرة. فهل وصل العلاج في هذه الأثناء؟
“نعم، وصل قبل بضعةِ أيام. لو لم تكن الطرق في حالةٍ سيئة بسبب الحرب، لكان قد وصل قبل ذلك بكثير.”
صوته حمل نبرةً من الأسف.
“لكن الانتظار كان يستحق، لأن العلاج كان فعّالًا.”
ابتسم لوغان وهو ينظر إلى إيرينا.
“بالأمس، جاء البستاني مبتسمًا وأخبرني أن الشجرة قد تنجو. وقال أنها قد تعيش لفترةٍ طويلة لتصبح شجرةً ضخمة.”
“هذا رائع!”
هتفت إيرينا بسعادة، وعيناها تلمعان بفرح.
“هذا حقًا خبرٌ جيد! تلك الشجرة كانت الشيء الذي أردتَ إنقاذه بشدة، أليس كذلك؟ أن يتحقق ما كنت تريده، هذا رائعٌ حقًا!”
ظل لوغان يبتسم برفقٍ وهو ينظر إلى وجه إيرينا لبعض الوقت، ثم فجأة ألقى قطعةً صغيرة من الحقيقة.
“في الواقع……الشجرة لم تكن ما كنت أفكر فيه حينها.”
“ماذا؟”
“كنت أفكرُ في نفسي.”
التفت لوغان بعيدًا بينما كان يفتح باب الدفيئة الزجاجي، الذي وصلا إليه دون أن يدركا.
“هذه إجابةٌ على ما شاركتني به من أفكاركِ الصادقة سابقًا.”
كان يشير إلى الكلمات التي قالتها إيرينا في وقتٍ سابق، عندما أظهرت له أفكارها الحقيقية دون تحفظ.
لقد قررت أن ترث لقب الكونت.
كان ذلك ردًا على إيرينا التي عبرت عن أفكارها بصدق، حيث أظهر لوغان جزءًا من مشاعره الداخلية.
‘هل كان يفكر في شيءٍ آخر غير الشجرة؟’
حدقت إيرينا في لوغان وهو يفتح باب الدفيئة، دون أن تدرك في البداية تمامًا ما كان يعنيه.
كانت هناك بالتأكيد محادثةٌ قد جرت بينهما في ذلك الوقت.
‘ما كانت تلك المحادثة بالضبط؟’
“هل أنقذها أم لا؟ كنت أفكر في ذلك.”
“…….!”
فجأة، تذكرت إيرينا بصوتٍ غامض من ذاكرتها، وأسرعت إلى الدفيئة، ممسكةً بيد لوغان بشدة.
ثم سُمِعَ صوت باب الدفيئة يغلق خلفهما.
“لا يمكنكَ!”
في تلك اللحظة، بدا وجه إيرينا شاحبًا بشكلٍ ملحوظ.
هل أنقذها أم لا؟ كان يعني، هل أموت أم لا؟
لقد أدركت إيرينا ما كان لوغان يفكر في التخلي عنه.
“لا يمكن، دوق……”
كانت يدها، التي لم تعد ترتعش أمام أفراد العائلة الامبراطورية، الآن ترتعش بشدة.
ابتسم لوغان لها.
“لا بأس.”
كانت يده التي ضمت خديها دافئة.
“لن أفكر في ذلك بعد الآن.”
“….…”
“أنتِ من قلتِ لي أن أعيش، وأنتِ هنا إلى جانبي.”
كانت كلماته كهمساتٍ دافئة.
“هل يمكنني أن أطلب منكِ ألا تستمعي لما يُقال؟”
“……”
“هل يمكنكِ ألا تسألين؟”
بصراحة، أرادت إيرينا أن تتبع تلك الكلمات.
أن تتظاهر بعدم معرفتها، وأن تتظاهر بأنها لم تستمع، كان ذلك سيسعدها……
تذكرت الصندوق الذي كانت تجمع فيه المال للهروب من الحي الفقير.
كان الصندوق مسطحًا وقديمًا، في البداية و كان مليئًا بالأمل، لكن عندما فتحته، لم تجد سوى اليأس.
بعد فتحه، ضحكت على جهلها، وأحسّت بألمٍ في قلبها على ماضيها البسيط، وكل ما شعرت به كان المعاناةَ فقط.
“دوق.”
لكن الأموال القليلة التي خرجت من ذلك الصندوق أصبحت زهرةً صفراء، أليس كذلك؟
“هل حقًا قتلت والديّ؟”
الآن، كان الوقت قد حان للنضوج، لتكون بجانبه بشكلٍ صحيح.
كان الوقت قد حان لفتح غطاء الصندوق.
_______________________________
آخر سؤال توقعتها تسأله عنه………
يوجع مابيه يقول ايه مابي اشوف الفصل الي بعده😔
Dana