As Long As you Are Happy - 114
“كيف يمكن أن يحدث هذا!”
كانت الأيام التي عشتُها في ساحة المعركة محفورةٌ بوضوح وكأنها منقوشةٌ داخل جفني.
ولكن، كما هو الحال بالنسبة للجميع، كانت هناك أيامٌ محددة تبرز بوضوح شديد.
“لا شك أن فئران لوبرك متواجدون هنا.”
معركة فيدان، كانت تلك واحدة من تلك الأيامِ التي كانت تبرزُ في عينيه.
الهواء داخل الخيمة، و أصوات الجميع، كل كلمة، ظلت محفورةً بوضوح في الذاكرة.
***
دوووم-!
لم يستطع الرجل كبح غضبه قضرب الطاولة بعنف. قبضته المرتجفة كانت ترتعش بشدة.
“كيف……!”
كانت عينه اليسرى مغطاةً بضمادة ملطخة بالصديد والدم. و كان من المؤكد أن الصراخ سيسبب له ألمًا، لكن……
وكأن الألم لا يهم، أو بالأحرى، وكأنه لا يستطيع السيطرة على غضبه إلا بالصراخ، رفع صوته مجددًا.
“كيف يمكن، أن يتلاعب بنا أولئك الأوغاد من لوبرك وكأننا بين أيديهم؟!”
“…….”
“سيدي!”
توجهت نظرات الرجل إلى الشخصِ الجالس في المقعد الأعلى. شابٌ لم يمضِ وقتٌ طويل على بلوغه، و ملامحه ما زالت تحمل قليلاً من ملامح الصبي.
كان ذلك هو الدوق لوغان وينفريد.
“أصدِر ليَ الأمر، من فضلك. إذا سمحت لي، سأقبض على فئران لوبرك حولنا وأقطع رؤوسهم!”
“هذا صحيح!”
تقدم شخصٌ آخر كان يقف داخل الخيمة.
“أرجو أن تسمح لنا بالتخلص من هذا الفأر! إذا قطعنا رؤوس هؤلاء الأوغاد وألقيناها إلى جيش لوبرك خارج القرية، فمن المؤكد أن هناك فجوة ستظهر. حينها يمكننا الهرب!”
“ما الذي تقوله!”
تقدم شخصٌ آخر إلى الأمام، وارتفع صوته بشكل طبيعي.
“نحن في وضعٍ بالكاد نستطيع فيه توجيه كل جهودنا نحو الهرب، وإذا قسمنا قوتنا، فلن ننجح في أي شيء!”
“هذا صحيح! أفهم قلقكم، ولكن الأولوية الآن هي إخراج سكان القرية من هنا بأمان. نحن نعاني من نقصٍ في الإمدادات. و الجنود، وسكان القرية أيضاً! لا يمكننا الاستمرار بالاعتماد على حساءٍ مصنوع من حفنة قمح وبعض الملفوف.”
“لكن المشكلة الأكبر هي المياه. صحيح أن هناك جدولاً يمر عبر القرية، لكن أولئك الأوغاد من لوبرك يسيطرون على أعاليه. يمكنهم تلويث مياهنا في أي وقت.”
بدأ رأسي يؤلمني.
“لكن لدينا بئرٌ في القرية، أليس كذلك؟”
“هذا لا يكفي!”
“لهذا السبب يجب أن نهرب. ولكن أولاً، علينا القبض على الفئران المتسللة!”
يجب أن أجد حلاً.
“كم مرة قلتُ أنه لا يمكننا تشتيت قوتنا بالقبض على هؤلاء الأوغاد الآن!”
كما هو الحال دائماً، يجب أن أجد الحل الصحيح.
“هل تقترح أن نتركهم دون عقاب؟!”
يجب أن أجد الحل، لأنقذ الجميع، وأقودهم إلى النصر.
“من قال ذلك؟ بالطبع يجب القبض عليهم! لكن ما أحاول قوله هو أن هذا الآن ليس من الأولوية، يا سيدي!”
الحل الصحيح، الحل الصحيح……الحل الذي يقودنا إلى النصر……
“سيدي!”
“اتخذ القرار من فضلك!”
“…..!”
“سنلتزم بقرارك!”
“حياتنا بين يديك!”
“سيدي!”
“أرجوكَ، اتخذ القرار الصائب!”
توجهت جميع الأنظار داخل الخيمة نحو لوغان.
“أنا……”
تشققت شفتاه الجافتان وهو يهمس بالكلمات.
لا يجب أن يكون هكذا. إذا أظهر أي تردد، فإن المعنويات، التي كانت بالفعل في الحضيض، ستنهار تمامًا.
“القرار الذي سأتخذه هو……”
“لا بأس إذا لم تقرر الآن، أليس كذلك؟”
تزامن الصوت الذي تدخل مع يد وُضعت على كتف لوغان.
كانت يد الفارسة بيضاءَ لكنها متشققةٌ ومليئة بالجلد الخشن.
“على أي حال، الليل قد تأخر، وأوغاد لوبرك خلدوا إلى النوم، أليس كذلك؟”
كانت اليد تخص لارا ليونيد.
“بما أننا صدَدنا هجومهم صباحًا، فمن غير المرجح أن يهاجمونا الليلة. سأقف للحراسة، لذا ناموا جيدًا.”
ابتسمت وهي تجمع شعرها الأحمر المجعد في عقدةٍ واحدة.
“إذا نمتم جيدًا واستيقظتم بعقلٍ صافٍ، يمكننا متابعة النقاش واتخاذ قراراتٍ أفضل.”
غمزت لارا بعينٍ واحدةٍ بابتسامة مشرقة.
“أليس كذلك، أيها السادة؟”
“همم.”
“حسنًا……”
تدخلُ لارا جعل الذين كانوا يتبادلون الآراء بعنفٍ يهدأون فجأة.
ومن بينهم، أولئك الذين انتقدوا في البداية وجود امرأةٍ متزوجة، من المفترض أن تدير أسرتها، في ساحة المعركة.
“إذا كانت السيدة لارا ترى ذلك مناسبًا، فسنفعل ما تقوله.”
“أتمنى أن تحصلَ على قسط وافرٍ من الراحة الليلة، سيدي، وأن تتخذ القرار الصائب غدًا صباحًا.”
انحنى الرجال باحترامٍ وغادروا الخيمة واحدًا تلو الآخر. و من تبقى كانوا لوغان، و لارا، و آجين.
“هاه……”
بمجرد أن غادر الجميع، زفر لوغان وكأنه كان يكتم أنفاسه طوال الوقت.
مسح وجهه النحيل مرارًا، وكل مرة كان يبدو وكأن التعب الشديد والإحباط يلتصقان بأطراف أصابعه.
“ما رأيكما؟”
خرج صوته بشكلٍ غير واضح بفعل الإرهاق المتراكم.
“هل تعتقدان أنه يجب علينا القبض على الخائن أولاً؟ أم أن علينا كسر حصار جيش لوبرك أولاً؟”
أنهى كلامه، ثم خفض رأسه بتعب.
“لا أعرف ما هو القرار الصحيح. أي طريقٍ سيقلل الخسائر إلى الحد الأدنى؟”
من جنديٍ عادي إلى قائد عام.
لقد لوغان واجه العديد من المعارك والأزمات. لكنه لم يمر أبدًا بموقفٍ لم يتمكن فيه من العثور على حلٍ كما هو الحال الآن.
“بالطبع، يجب القبض على الخائن أولاً. وإلا، مهما وضعنا من خطط، سيجد الخائن طريقةً لتسريبها. لكنني أفهم أيضًا وجهة نظر الآخرين. لوبرك بالفعل يغلقون طريق الهروب الوحيد بإحكام.”
كانوا قد بنوا حواجز خشبية بسرعةٍ لعرقلة الطريق. إذا لم يتمكنوا من اختراقها قريبًا، سيموتون جميعًا هنا.
“أي خيارٍ هو الصحيح؟ ماذا يجب أن نفعل……؟”
عند سؤال لوغان، تبادلا لارا و آجين نظراتهما.
ثم تقدم آجين، الذي كان شعره الذهبي الطويل مربوطًا إلى الخلف.
“سيدي، كان هناك أمر أعتقدنا أنه غريب.”
“ما هو؟”
“قمنا بنشر بعض الشائعات في محاولةٍ لمعرفة من قد يكون الخائن، لكن تلك الشائعات لم تصل إلى أوغاد لوبرك.”
“……!”
اتسعت عينا لوغان وكأن بصيصًا من الأمل بدأ يلوح، لكنه سرعان ما تحول إلى يأس.
“هل هذا يعني أن الخائن موجود داخل القلعة؟”
عند سؤال لوغان، أومأت لارا برأسها.
عقد لوغان حاجبيه بشدة.
“إذاً، عودة طائر المراسلة قبل أيام كانت نتيجةً لتلاعبهم.”
“من المحتمل أنهم قبضوا على طائر المراسلة وأطلقوه عمدًا.”
“قد يكونون ينتظرون منا الاستمرار في التواصل مع القلعة باستخدامه.”
أن يعبثوا حتى بطائر المراسلة……
تذكر لوغان مشهد الفرح الذي عمّ الجميع عندما عاد الطائر بأعجوبةٍ قبل أيام، وظنوا أن بإمكانهم طلب المساعدة. فعبس وجهه عند تلك الذكرى.
لكن لحسن الحظ، لم يتمكنوا من إطلاق الطائر مرة أخرى بسبب إصابته بجناحه.
“……”
قبض لوغان على أسنانه. إذا كان الخائن داخل القلعة، لم يكن أمامه سوى خيارٍ واحد.
‘اختراق الحواجز الخشبية وجيش لوبرك.’
“……هل يمكننا اختراقها؟”
خرج صوتهُ مليئًا بعدم الثقة.
“الجميع أُصيبوا بجروح. والذين لم يُصابوا، أصبحوا أسرى لشعورهم بالعجز.”
لو كان لديه جنودٌ مدربون أو فرسان، لكان الأمر مختلفًا……
كان هناك عدد كبير من المدنيين هنا أيضًا. إذا تمكنوا من الهرب وتركوا المدنيين وراءهم، كان من الواضح تمامًا ما سيحدث لاحقًا.
“نحتاج فقط لعبور الجسر.”
أشار آجين إلى موقعٍ على الخريطة الموضوعة على الطاولة. و كان ذلك عند نهرٍ كبير أمام القرية مباشرة.
“الجسر هناك مصنوعٌ من الخشب. إضافةً إلى ذلك، تيار النهر سريعٌ وعميق، مما يجعل العبور مستحيلاً دون الجسر.”
إذا تمكنوا من عبور النهر وقطع الجسر خلفهم، سيُحاصر جيش لوبرك هنا، مما يمنحهم وقتًا كافيًا للهرب.
“لكن……”
كان الأمر أشبه بحلم. إذا نجح، ستكون خطةً أقرب إلى المعجزة.
“لكن هذا يعني أن شخصًا ما يجب أن يضحي بنفسه ليكسب الوقت، أليس كذلك؟”
“…….”
“…….”
“والتضحية هذه……أنا من يجب أن يختار من يقوم بها.”
ضحك لوغان بسخرية.
كان الجميع هنا أشخاصًا عرفهم منذ صغره، و رافقهم في ميادين المعارك.
بعد انتهاء الحرب، كانوا يتحدثون عن حياتهم المستقبلية، أين سيعيشون، و كيف سيعيشون مع عائلاتهم.
كان يعرف كل شيءٍ عنهم.
هل يختار واحدًا منهم ليموت من أجل الجميع؟
‘هل يجب أن أذهب أنا؟’
……لا أستطيع.
‘لا، ربما من الأفضل أن أذهب أنا.’
لن أتمكن من فعلها.
‘أليس من الأسهل أن أموت فحسب؟’
“هاه……”
عندما استند لوغان إلى الكرسي القديم، أصدر صوتَ صرير.
كان وجهه مغطى بالتعب والإرهاق، وكأن عمره أكبر بكثير من سنه الفعلي.
“……سيدي.”
اقتربت لارا بحذر، ثم ربتت على ظهر لوغان بلطف.
“أعلم أنك متعبٌ جدًا. لقد نشأت في ساحة المعركة طوال حياتك.”
كانت الأيام التي نام فيها بسلامٍ معدودة، وكذلك الأيام التي ابتسم فيها.
لقد كانت لحظات الفرح قصيرة، بينما كانت أيام المعاناة تتراكم.
ابتسمت لارا كما لو أنها تفهم كل ذلك.
“لكن هناك الكثير من الأشياء السعيدة في الخارج. السماء صافية، وهناك رائحةٌ طيبة لا رائحة الدم. عندما تمشي في الحقول المملوءة بالقمح الناضج، ستشعر يومًا ما، يا سيدي، أن هذه اللحظة هي لحظةٌ مليئةٌ بالسعادة.”
“وسوف نساعدكَ في الوصول إلى ذلك.”
ركع آجين ليتواصل مع لوغان بعينيه، ثم أمسك بيده وأعطاه ابتسامة حانية.
“أنت شخصٌ مهم، سيدي.”
كانت ابتسامةً مليئة باللطف.
“ليس فقط لعائلة وينفريد، بل لنا أيضًا.”
“…….”
عضَّ لوغان على شفتيه بقوة. كانت شفتاه المتشققتان تعبران عن الألم، لكن لم يكن أمامه أي خيار.
إذا لم يفعل ذلك، كان يشعر أنه سيفقد السيطرة ويبكي.
أومأ لوغان برأسه.
“……الآنسة ليونيد ستكون شخصًا جيدًا، أليس كذلك؟”
كانت هذه الكلمات قد خرجت بعد فترةٍ طويلة من الصمت.
“بما أنها ابنتكما، فهي بالتأكيد ستكون قويةً وجيدة.”
“……”
خيم الصمت للحظة بين الاثنين. ثم ابتسم آجين ابتسامةً خفيفة.
“نأمل ذلك. نحن دائمًا نصلي لها كي تنمو لتكون أقوى وأكثر استقامةً وأماناً.”
“بالتأكيد ستصبح كذلك.”
أجاب لوغان بصوتٍ مليء بالثقة.
“لأنها ابنتكما.”
“هاها!”
انفجرت لارا بالضحك.
كان ضحكها مريحًا لدرجة أنه جعل الإنسان يشعر بالسعادة بمجرد سماعه.
“لا عجب، بما أنك قلتَ ذلك، سيدي الصغير، يبدو أن الأمر سيكون كذلك! حسنًا! لنبذل جهدنا إذاً!”
أغمضت لارا عينًا وأعطت نظرةً مفعمة بالحيوية.
“لنخرج من هذا المكان البائس! سيدي الصغير من أجل مستقبلٍ سعيد، و من أجل ابنتنا!”
كانت كلماتها مليئةً بالأمل غير المناسب للموقف.
ثم…….
***
“يبدو أن هذا سيكون آخر واحبٍ أقدمهُ لك.”
“سيدي، من فضلك……أريد رؤية ابنتي، ابنتي إيرينا.”
“……هاه.”
بعد أن أنهى وينفريد ذكرياته الطويلة، عضَّ على أسنانه.
“نعم، لا عجب أن القلعة لم يكن بها أي أثرٍ للخائن.”
فقد كان هنا.
كان هنا، بالفعل.
__________________________________
كل ماجا طاري اهل ايرينا تجيني الغصه
لوغان حتى مسكين وش مسوي عشان يربونه اهله في الحرب 😔
Dana