Among The Dirty Things - 2
كلُّ ما سمعت عنه من قبل، من إشاعاتٍ وأقاويل، لم يَحِدْ قيدَ أُنملةٍ عن صورته التي ارتسمت في مُخيلتها. إن لم يكن هو راينر ميشيل، فمن ذا الذي يمتلك ذلك المظهر الشيطاني، تلك الطلعةَ التي تكاد تكون مُستحيلة؟ لا يُعقل أن يَجوب برانت شخصان بتلكَ الهيئة!
سيأتي الشيطان إلى البشر بأفتن الوجوه؛ هكذا كانت تؤمن إلكه، بغض النظر عما يقوله الكتاب المقدس.
قد يَعتَرضُ مُعلمو اللاهوت، الذينَ جَعلوا من الشيطانِ وحشًا قبيحَ المظهر، لا يملكُ من الإغراءِ إلا لسانًا معسولًا، على هذا الكلام. ولكن، لولا جماله، ما انقاد البشر إلى الشر بهذه السهولة؟ لا بُدَّ أنَّ للإغراءِ علة.
حقًا، لم يكن منظرهُ لائقًا بالمعبد.
كانت عيناهُ تُحدِّقانِ بإلكه مباشرةً، بنظرةٍ حادةٍ مُستفزة. واضعًا امرأةً على خاصرته، وعلى خَدِّهِ آثارُ حُمرةِ شفاهِ المرأة، ثم يَرمقها بنظرةٍ وكأنه يَسألُها: “ما الذي تُزعِجِينَهُ؟”
أمعنت النظرَ في ذلك الرجل الذي يَفوقُ بمظهرهِ الفاضح كلَّ تصورٍ عن وجودِ شخصٍ في المعبد، ثمَّ حَوَّلت نظرها إلى المرأة التي لا تزالُ جالسةً فوقهُ مُتجمدة، وهي تَتشبثُ بفستانها.
كان وجهُها مألوفًا. بدا أنها أخت الكونت كيلش، تلك التي لا تفارقُ دوروثيا باخمان. لكنها لم تكن مُتأكدة، ولم يَحضرها اسمها.
“سينتهي القداسِ بعد هُنينة.”
سيَتدفقُ الناسُ إلى الخارج.
عندما استوعبت المرأةُ تلميح إلكه المُبهم، انتفضت من فوقِ خصرِ الرجل. وما إن نهضت، حتى انكشفَ لها زِيُّهُ المُهمل.
على عكسِ المرأة التي بَدتْ مُرتاعةً وتُحاولُ تبريرَ فعلتها، بقيَ الرجلُ مُسترخيًا، مُتكئًا على الجدارِ بلامبالاة. كانت ملابسُ المرأةِ في حالةٍ جيدةٍ نسبيًا، باستثناءِ بعضِ التجاعيدِ في الفستان، بينما كان هو في حالةٍ يُرثى لها.
رباطُ عُنقٍ رديء، وقميصٌ بأزرارٍ مفتوحةٍ تُظهرُ عضلاتٍ مفتولة…
هل رأت جسدَ رجلٍ عارياً هكذا من قبل، عن قُربٍ وتفصيل؟
غابَ عن بالها أنها يجب أن تشعرَ بالاستياءِ من هذا الوضع، وانكبّت على مُراقبةِ جسدِ راينر ميشيل المكشوف. كانت تجربةً لم تعِشْ مثلها من قبل.
حتى أنها شعرت بجمالِهِ بشكلٍ لا يُصدق. تلك العضلاتُ المُتناسقةُ التي تُشكِّلُ جسدَهُ، وتلك الخطوطُ الانسيابيةُ التي تكادُ تنبضُ بالحياة.
شتان بين ذاك، والنموذج التشريحي الذي رأته في صغرها أو الجثة المحنطة أو الجثة المتعفنة. جمالٌ لا يقارن بمثل هذه الأشياء.
لم تستطع أن تصرفَ نظرها عن ذلك الجسدِ المُغري إلا عندما رأت راينر ميشيل يُطلقُ ضحكةً مكتومةً ويُرتِّبُ ملابسه.
“لا تسيئي فهم الأمر، لقد اصطدمت بها أثناء إندفاعها.”
قال الرجلُ كلامًا لن يُصدِّقهُ عابرُ سبيل، ثم نهضَ ببطءٍ عن الأرض.
“أليسَ كذلك؟ آنسة كيلش؟”
أومأت المرأةُ برأسها بصعوبةٍ، ووجهُها شاحبٌ. كانت هي نفسها أخت الكونت كيلش، كما ظنّت إلكه.
عندما دققت النظرَ، رأت عينينِ حمراوينِ، كأنها كانت تبكي.
“بما أنها اصطدمت بك، فلا بُدَّ أنك تأذيت. أرى دماءً؟ امسحها.”
قالت إلكه، وهي تشيرُ إلى خدها بلامبالاة، فابتسمَ الرجلُ باستهزاءٍ ومسحَ آثارَ الحُمرةِ عن خَدِّهِ بمنديل. ثم نظر إلى أخت الكونت كيلش.
“انصرفي يا آنسة كيلش. ألم تتأخري؟”
بدا صوتُ راينر ميشيل باردًا، فانتفضت المرأةُ مذعورةً، لكنها تجاهلت كلامَهُ ونظرت إليها بقلق.
“لقد اصطدمت بكَ، كما قلت. لا داعي للشرح.”
لم يكن لديها سببٌ لنشرِ إشاعاتٍ عن هذا الأمرِ التافه، ولا تملك من الأصدقاءِ ما يكفي لتتحدث معهُم.
رغم أن المرأةَ بدت قلقةً حتى بعد سماعِ كلامها، إلا أن إلكه أدارت ظهرها وتحركت. كان عليها أن تعود إلى المعبد، فقد خرجت في منتصفِ القداس.
وبينما كانت تسيرُ، لمحتهُ بنظرةٍ خاطفة.
كان لا يزالُ يُحدِّقُ بها.
عندما عاد راينر ميشيل إلى برانت، تغيرت الأجواءُ في قصرِ إيبرهاردت، الذي كان هادئًا لفترةٍ من الوقت.
كانت علاماتُ الاستياءِ واضحةً على كل من وجهِ بيورن، الذي جاء يُخبرهم بأنَّ الملكَ ألبرخت الخامس سيُقيمُ حفلَ استقبالٍ ضخمٍ لراينر ميشيل، وعلى وجهِ دوقِ إيبرهاردت، الذي كان يستمعُ إلى الخبر.
تذكرت إلكه ذلك الرجل الذي بدا وكأنه يستمتعُ بعودته دون الحاجةِ إلى أيِّ حفل. جسدُهُ في المعبد، أو بالأحرى، هيئتُهُ، كانت لا تزالُ حيَّةً في ذاكرتها.
“هذا يعني أن زواج جلالة الملك من الأميرة إستوران قد حُسم أمره أخيرًا؟ اعتقدتُ أن جانبنا لن يُوافِقَ على شروطِهم المُجحفة.”
لم تُخفِ شارلوت إيبرهاردت، والدةُ إلکه، دهشتها.
“ميشيل، يا له من داهية! قبل ثلاث سنوات، عندما وافت المنية الملكة أثناء ولادتها الأمير، انطلق على الفور سفيرًا إلى إستوران، ويبدو أنه دبّر هذا الزواج.”
“سيمنحُهُ الملكُ لقبَ كونتٍ هذه المرة. ستأتي الأميرةُ بدوقيةِ كيرنيتز كمهرٍ، وهو مهرٌ ضخم.”
كان صوت بيورن خاليًا من أي نبرة، لكنه لم يستطع إخفاء تعابير الاستياء على وجهه.
لطالما تمنى الملك أن يمنح راينر ميشيل لقب كونت، لكنه تخوف من معارضة النبلاء، فاكتفى في النهاية بمنحه لقب بارون فارس.
لكن إذا نجح راينر ميشيل في إتمام الزواج من العائلة المالكة في إستوران، فلن يجد صعوبة في الحصول على لقب كونت. فالتوفيق بين بلدين لم يكن بالأمر الهين قط.
بل إن دوقية كيرنيتز، التي كانت مقررة للأميرة كمهر، كانت أرضًا تطمع فيها برانت منذ عقود.
سيُضفي هذا الزواج الناجح لمسةً نهائيةً رائعةً على كافة الأعمال التي أنجزها كمبعوث – كتحديد بنود الاستيراد والتصدير بفعالية، وتعديل قيمة العملة والتعريفات الجمركية بشكل أفضل من ذي قبل.
“لا يزال الأمر مجهولًا. لن تنال الأميرة دوقية كيرنيتز إلا إذا اعتلى شقيقها الأصغر عرش إستوران. وحتى يتسنى للأمير ذلك، عليه أن ينتصر في الحرب أيضًا.”
“الأميرة أيضًا رائعة، على الرغم من أن جلالة الملك لا يزال شابًا. ليس من الهين أن تأتي زوجة ثانية لرجل له بالفعل ابن.”
“سيؤدي ذلك لا محالة إلى تعقيد مسألة الخلافة. قد تتحول إستوران إلى فوضى في لمح البصر. ومع ذلك، من حسن حظنا أن تكون امرأة من تولوان ملكة بدلًا من ذلك. أنتِ قريبة منهم، شارلوت.”
شارلوت إيبرهاردت، والدة إلکه، هي الأخت الصغرى للملك الراحل وعمة الملك الحالي ألبرخت الخامس، وكانت أميرةً في الأصل.
وبسبب والدة شارلوت، الملكة السابقة، التي كانت أميرة من إستوران، فإن شارلوت، وكذلك إلکه وبيورن، يحملون بعضًا من دم الإستوراني في عروقهم.
“من الصعب اعتبار ذلك قرابة بهذا القدر من البعد. قد يكونون أكثر ترحيبًا بنا من الغرباء في بلد آخر، لكن لا يمكننا الجزم بذلك.”
“لذا يجب على إلکه أن تكون الأفضل.”
عندما ذُكر اسم إلکه على لسان الدوق، اتجهت كل الأنظار نحوها.
بينما كانت إلکه تستمع إلى الحديث الذي يدور حولها بأذن صاغية، وتخرجه من الأخرى، كانت تُمسك بفنجان الشاي الخاص بها بهدوء، فقامت ريناتا، زوجة بيورن، التي كانت جالسة بجانبها، بوكز ذراعها بخفة.
“نعم؟ أجل.”
لم يكن الأمر مفاجئًا، وبعد لحظات، نظر إليها الدوق مليًا كما لو كان يراقبها، ثم تابع حديثه
“لا يخفى على أحد تدين أميرة إستوران الشديد. إذا أصبحت إلکه كاهنة، فسيكون بإمكانها بسهولة تكوين صداقة مع تلك الأميرة لمدة ثلاث سنوات. لا يمكننا السماح لميشيل بالتأثير على الملكة أيضًا، فضلا عن الملك.”
“ستكون إلکه الأفضل. لقد تخرجت من ديانيك بمرتبة الشرف، واحتلت المركز الأول في الاختبار النهائي للكهنة بفارق شاسعٍ.”
كان صوت شارلوت مليئًا بالفخر، لكن إلکه شعرت بطعم الشاي وكأنه أصبح مرًا.
“أحسنتِ يا إلکه. أنا فخورٌ بكِ للغاية.”
يبدو أن كونها واحدة من المرشحين النهائيين في منافسة الكهنة من خلال الاختبارات كان إنجازًا عظيمًا. كانت هناك ابتسامة لطيفة على وجه دوق إيبرهاردت، الذي لم يكن يعبر عن مشاعره جيدًا.
في الأوقات العادية، كانت ستشعر بالتأثر بتلك الابتسامة النادرة، لكنها اليوم لم تستطع حتى أن تُمرر الشاي.
كان الدوق يعتقد أن ابنته، مثل عمتها/خالتها وأختها الكبرى، يجب أن تصبح كاهنة بالطبع.
“سأبذل قصارى جهدي……”
“صحيح، ستكون إلکه الأفضل. لكن دوروثيا باخمان تحضر تقريبًا جل المناسبات الاجتماعية، ألا ينبغي لإلکه أن تبدأ في حضور بعض الاجتماعات أيضًا؟”
أبدت ريناتا رأيها بنبرة قلقة، لكن الدوق لم يرد عليها، كما لو لم يكن مهتمًا. لم تستسلم ريناتا وأضافت:
“سيكون من الجيد أن تحضر حفل عودة اللورد راينر ميشيل القادم. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المناسبات في الشهر المقبل.”
كانت ريناتا، زوجة بيورن، لديها سجل حافل ككاهنة لمدة ثلاث سنوات بعد فوزها في منافسة الكهنة قبل ثماني سنوات.
يتم تحديد الكاهنة النهائية من خلال الاعتبارات الشاملة، لذلك كانت ريناتا قلقة بشأن شبكة علاقات إلکه الضيقة.
بعد بضعة أشهر، سيجتمع الملك والملكة ومدير المدرسة الملكية ورئيس قسم اللاهوت ورئيسة دير ديانيك وعميد جامعة كوليه ورئيس الأساقفة لتعيين إلکه أو دوروثيا ككاهنة.