جن جنون زوجي بعد موتي - 25
الفصل 25
لم تستطع غرين إخفاء تعابير وجهها. نظر إليها ديهارت بتعبير جاف وقال:
“حتى بعد كل هذا، هل يمكنك القول بأنك بريئة من موتها؟”
سادت لحظة من الصمت في الغرفة.
بدأ ديهارت بقراءة الرسالة التي كانت مكتوبة بخط يد غرين، والتي تحتوي على توجيه بالقتل. رغم أن نصف الرسالة احترق ولم يكن المحتوى كاملاً، إلا أنها كانت كافية لتأكيد الاتهام.
“أنا…!”
“خذوها”
“لا، ليس صحيحًا! أعترف أنني في وقت ما كنت أمتلك مثل هذه الأفكار، ولكن أنا مظلومة! حقاً، لم أكن أريد…!”
“مثيرة للشفقة.”
احتجت جرين متأخرة، لكن الأوان قد فات. تنهد ديهارت وهز رأسه. بدا وكأنه يعتبر احتجاجاتها كآخر محاولة يائسة منها.
“ديهارت!”
“اصطحبوا السيدة غرين إلى البرج. وتأكدوا من معاملتها بلطف حتى لا يحدث شيء غير سار.”
أخذها ريان للخارج. كانت تتلوى وتحاول الإفلات، ولكن دون جدوى. بينما كان لاش، الذي كان يشاهد الموقف مذهولاً، يُسحب أيضًا بعد ذلك.
بعد نصف ساعة، انتشرت أخبار احتجاز عائلة لاش في البرج في جميع أنحاء قصر هيلاند.
* * *
“أنت تدرك أن هذا غير كافٍ.”
“……”
“قريبًا، سيتم إطلاق سراحهما مجددًا. سيقوم نبلاء مثل السير ليمس بالتدخل لجعل هذا يحدث. وعندما يحدث ذلك، لن تتمكن من تغطية الأمر على أنه مجرد نزاع عائلي.”
حذر ريان بصوت خافت. أومأ ديهارت برأسه ببطء.
“نعم، هذا لا يكفي كدليل على القتل.”
اعتقد ديهارت أن نصف ما قاله ريان صحيح والنصف الآخر خاطئ.
“لكن هذا يكفي لتعزيز الافتراض بأن موتها لم يكن انتحارًا. وهذا ما أريده.”
قال ديهارت بمرارة وهو يمشي في الممر المتهالك الذي كان مهدوما بفعل الحريق.
“تلك الشكوك، التي تحرك قلوب الناس، بأن موتها كان وراءه مؤامرة قذرة. هذا ما أحتاجه.”
تبع ريان ديهارت بصمت. وكان يقف أحيانًا لحماية ديهارت من المواد المعمارية المتساقطة بفعل الحريق.
“يقولون إن الجنوب هو من ألقى بها إلى الهلاك، وإن قصر هيلاند العظيم هذا قتلها.”
صدى صوته الخالي من الحياة ملأ الممر. توقف ديهارت عند باب غرفة لاش.
“إذا كان هذا صحيحًا، ألا يجب أن نعرف كيف قُتلت؟ وما هو الألم الذي عانت منه قبل موتها؟”
قال ديهارت بصوت حاد وهو يدخل الغرفة التي لم يتبق منها سوى الإطار.
“بعد كل شيء، كنت زوجها.”
بدأ ريان في البحث في الغرفة المحترقة التي تضررت بشدة، لكن ديهارت قال له:
“دعني أفعل ذلك.”
“حسنًا. على الرغم من أنني لا أستطيع التمييز بين الحقيقة والكذب، إلا أنني أستطيع على الأقل التعرف على ما هو أمامي مباشرة.”
واصل ديهارت بحثه، غير مبالٍ بالسخام الذي يغطي وجهه ويديه. وأخيرًا، وجد ما كان يبحث عنه.
“في بعض الأحيان، يمكن أن يكون للنار فائدة.”
داخل الخزانة المذابة كان هناك دليل على المؤامرة التي نظمها لاش لتشويه سمعة سيبليا.
“لو كنت قد اكتشفت هذا بينما كانت على قيد الحياة…”
ارتجفت عيناه الذهبيتان، وخرج صوته الخشن بصعوبة.
“لو كنت قد عرفت ذلك، لكنت قمت بسجن هؤلاء الشياطين ولواستطعت مواساتها طوال الوقت.”
ولكن سيبليا كانت قد ماتت بالفعل، وكل ما تبقى له الآن كان هذه الأكوام البغيضة من الأوراق.
“يا سيدي…”
“يكفي.”
اعجى ديهارت الأوراق وبعض المجوهرات التي كانت في الخزانة إلى ريان، ثم نهض من مكانه.
“هاه.”
الغرفة التي كانت فخمة جدًا في السابق قد تحولت بفعل الحريق إلى مشهد يشبه الجحيم. هذا هو الوجه الحقيقي لقصر هيلاند الذي كانت عائلة إنفرنيس تتفاخر به.
“يا له من تناقض.”
همس ديهارت وهو ينظر إلى يديه المغطاة بالسخام.
“لو لم تتزوجني، لما كانت لتعيش هذا الجحيم.”
“لقد كان ذلك قد تقرر بالفعل من قبل الجيل السابق.”
كان الزواج الذي تم ترتيبه لتعزيز العلاقات مع العاصمة هو إرادة والد ديهارت، الدوق السابق.
“نعم. لقد كان دائمًا محبًا لذلك السلام التافه.”
سخر ديهارت بمرارة. اقترب ريان منه وتحدث بسرعة:
“سيدي، مجيء السيدة سيبليا إلى قصر هيلاند لم يكن خطأ أحد. لقد كانت الظروف كذلك فقط. لذا…”
“لا تحاول مواساتي بلسانك المتعثر، ريان.”
حدق ديهارت بعيون جافة في ريان، وظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيه ثم اختفت.
“بغض النظر عمن تزوجتني، النتيجة كانت ستكون نفسها.”
“ولكن…”
“لقد كانت غير محظوظة.”
تنهد ديهارت ومسح شعره. تحت شعره الأسود، كانت عيناه الذهبية المتعبة مغطاة بجفنيه.
“زواجي منها كان أكبر سوء حظ لها.”
همس ديهارت وهو ينظر بعينين غائمتين بينما كان يقلب في كومة من الكتب المبعثرة قرب الرفوف.
نعم، لو لم تتزوجني من البداية، لما كان هناك سبب لتصبح جاسوسة للعاصمة.
‘لقد كانت لقاءً خاطئًا منذ البداية.’
أغمض ديهارت عينيه المتعبتين بصعوبة وهو يسترجع اليوم الذي قابلها فيه لأول مرة. لو كان حينها قد رفض هذا الزواج السخيف وأصر على عدم قبوله، أو حتى قال إنه لا يمكنه الوثوق بنسل غير شرعي مثلها وطالب بشخص آخر.
“لماذا أمسكت بيدها في ذلك الوقت…؟”
جلس ديهارت على كرسي لم يبقَ منه سوى هيكله، ودسّ وجهه في يديه.
“آه، إنه مرهق للغاية.”
لقد مضت ثلاثة أيام دون نوم. حتى الأعشاب التي يفترض أن تخفف من التوتر لم تكن لها أي فائدة في معالجته من الأرق.
راقب رايان سيده المتألم بنظرة مليئة بالحزن. هذا كان مجالًا لا يستطيع التدخل فيه.
“اذهب الآن وقم بعملك.”
أصدر ديهارت أمرًا بمغادرة المكان.
“اذهب وافحص غرفة عمتي مرة أخرى، واجمع خدمها لاستجوابهم بشكل منفصل. وأيضًا… نعم، تعقب الرجل الذي يُدعى بيتر هانسون وأحضره.”
وأضاف قائلاً إنه لابد أن يكون شريكًا في الجريمة.
فكر رايان للحظة، ثم شدّ على فكيه وأومأ برأسه.
“سأقدم تقريرًا فور حصولي على نتائج.”
لم يرد ديهارت. خرج رايان ببطء من غرفة لاش. كانت آخر صورة رآها هي ديهارت وهو يمسك بيده رمادًا.
* * *
بعد ذلك بوقت طويل، لم يخرج ديهارت من المبنى الرئيسي الذي دمره الحريق وأصبح مشهدًا مرعبًا.
“يا دوق، الطعام… آه!”
حاول الخدم زيارته عدة مرات، لكنهم بالكاد تمكنوا من الكلام من الجو الخانق الذي كان يملأ المكان.
“هذا لا يكفي… أحتاج إلى دليل حقيقي…”
بسبب قلة الطعام والنوم، كانت الهالات السوداء تحت عينيه تزداد وضوحًا ووجهه يبدو نحيفًا بشكل ملحوظ. شعره غير مرتب وملابسه كانت متسخة بالسخام. مظهره وهو يبحث بين الأنقاض المدمرة بفعل الحريق كان يشبه المجنون بلا شك. ولكن لم يكن بإمكان أحد أن يمنعه.
لقد تجاوز هوسه بإيجاد دليل قاطع على أن سيبليا قُتلت حدود العقلانية.
وهكذا، حتى بعد مرور الفجر وظهور الصباح، لم يغادر ديهارت المبنى الذي كان يتأرجح على وشك الانهيار.
“يا دوق!”
في النهاية، لم يستطع رايان التحمل وبدأ بالبحث عنه، ليجده أخيرًا فاقدًا للوعي في غرفة صغيرة ومغلقة كانت تخص سيبليا، وليس في غرفة لاش أو جرين…
* * *
حلمت سيبليا بحلم غريب في الليلة الماضية. حلمت بأنها تستيقظ في غرفة صغيرة في قصر هيلاند. وكأنها لم تترك القصر أبدًا، استيقظت من سريرها وبدأت يومها بشكل طبيعي.
أكلت الحساء والخبز اللذين تركتهما الخادمة أمام الباب، وأصلحت ثوبها الذي انشق من الكُم، وجلست تنظر إلى الجدران. وفجأة، شعرت بشيء غريب.
إحساس غريب بأن هناك شخصًا ما معها في هذه الغرفة.
“آه…”
كبتت خوفها، التفتت بنظرها. ورأت شخصًا يقف مذهولًا عند الباب الذي لا تدري متى فُتح. تراجعت سيبليا بخطوات مترددة نحو هذا الشخص. في تلك اللحظة، انقلب العالم رأسًا على عقب.
فجأة، امتلأت الغرفة الصغيرة التي كانت رمادية اللون بالنيران. ولفّ الدخان الأسود كل شيء.
“ما هذا…؟!”
تراجعت سيبليا إلى الخلف بدون وعي. وعندما نظرت حولها، كان هناك حائط من النيران السوداء يقف بينها وبين ذلك الشخص.
عندها فقط أدركت سيبليا أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يزور غرفتها هي دينيسا.
“دينيسا، دينيسا؟!”
صرخت بصوت متلهف.
“لا تبقي هنا، اهربي بسرعة!”
ملأ الدخان الكثيف أنفها وفمها. بدأت سيبليا تشعر بالدوار. ثم سمعت صوتًا خافتًا، كأنه أُخرج بصعوبة من خلال الألم، نداءً ضعيفًا.
“سيبليا.”
كان النداء ضعيفًا لدرجة أنها لم تستطع تحديد هوية الصوت.
“آه!”
استيقظت فجأة. لم يكن الضوء الجليدي الشفاف لشمال القارة هو ما لامس وجهها، بل أشعة الشمس الناعمة والدافئة.
“آه…”
كان حلمًا. رفعت سيبليا رأسها بوجه متوتر.
“آه…”
تنفست بارتياح واستقامت من جلستها.
“لحسن الحظ، كان حلمًا.”
فكرت وهي تمسح الدموع التي انزلقت على خديها. حلمت بأنها لم تغادر قصر هيلاند وأنها ماتت محترقة مع دينيسا. يا له من حلم قاس.
* * *
“هاه!”
لهث ديهارت بشدة، مثل سمكة سُحبت من الماء. تعرق جسده بالكامل وهو يحاول استعادة وعيه.
“سيبليا.”
نادى باسم زوجته الراحلة بجنون وهو ينظر حوله. لكن سيبليا لم تكن هناك. وكأن ما رآه كان سرابًا.
“سيبليا، أين أنتِ؟ يا زوجتي…!”
نهض بجسده الضعيف وبدأ يتجول في الغرفة. كانت صورة سيبليا التي رآها قبل أن يفقد وعيه لا تزال واضحة في ذاكرته.
لقد كانت *الحقيقية*، سيبليا الحقيقية. تلك التي كانت تخاف منه ولكن تحاول الاقتراب منه في الوقت نفسه، تمامًا كما كانت في حياتها.
كان ديهارت متأكدًا من ذلك.
فالصورة الزائفة لسيبليا، ذلك الوهم الذي يراه فقط عند تدخين عشبة الهلوسة، كان يتحدث إليه بما يريد سماعه ويُظهر له ما يريد رؤيته فقط.
لكن سيبليا التي واجهها هذه المرة كانت مختلفة. لم تتعرف عليه، وتصرفت كما لو كانت تمتلك ذاتًا مستقلة.
في تلك اللحظة، تردد في ذهن ديهارت آخر صرخة أطلقتها سيبليا.
[دينيسا، لا تبقي هنا، اهربي!]
“دينيسا، دينيسا. دينيسا… لحظة.”
توقف فجأة عن التجول في الغرفة. ثم نادى بصوت عالٍ على رايان. وبنبرة لم يستطع إخفاء استعجاله، سأل:
“أين تلك المرأة التي كانت مربية سيبليا؟”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
حسابي عالانستا : annastazia__9
لا تنسو التعليقات على الفقرات وابداء أراكم في الرواية ~ دمتم سالمين إلى حين فصل جديد 💓