في تلك الليلة التي كان فيها جميع سكان القرية على يقين تام بأن بليندا هي من سرقت الأثر المقدس.
انفتح الباب الخلفي للنزل الذي تقيم فيه بليندا بهدوء دون إصدار أي صوت.
دخل متسلل إلى الداخل كما لو كان يعلم تمامًا أن الطابق الأول من النزل خالٍ تمامًا، حتى إنه أحدث بعض الضجيج البسيط أثناء دخوله.
ورغم أن وجهه لا يمكن رؤيته لأنه كان مغطى برداء، إلا أن خطواته كانت هادئة ومثقفة، كما لو كان متعلمًا.
اتجه مباشرة نحو الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني وصعده.
صرير… صرير… كان صوت صعوده على الدرج يتردد عدة مرات في أرجاء النزل الخالي.
وأخيرًا، وصل المتسلل إلى باب الغرفة التي تقيم فيها بليندا ، ففتح الباب باستخدام مفتاح احتفظ به مسبقًا ودخل الغرفة بهدوء.
كانت صاحبة الغرفة مستلقية على السرير، تغط في نوم عميق، وقد غُطي جسدها بالكامل بالبطانية.
تحت ضوء القمر الخافت الذي يتسلل عبر النافذة، تفحص المتسلل أرجاء الغرفة، ثم توجه إلى ركن الغرفة حيث كانت ملابس الصيد الخاصة بـ بليندا معلقة.
كان تصميم الملابس يعكس تركيزًا على الجانب العملي، حيث كانت تحتوي على العديد من الجيوب المنتشرة في مختلف أنحائها.
في اللحظة التي أخرج فيها المتسلل شيئًا من جيبه الداخلي ليضعه في أحد جيوب ملابس بليندا،
قالت بصوت ساخر:
“هل يُعتبر ترك الهدايا في منتصف الليل دون استشارة صاحبها جزءًا من آداب الإمبراطورية المقدسة؟”
“…….!”
تفاجأ المتسلل بشدة، وعندما نظر نحو السرير، رأى بليندا جالسة هناك، كانت تنظر إليه بوجه بارد خالٍ من أي أثر للنعاس، وقد عقدت ساقيها باسترخاء.
“كي… كيف…؟”
في تلك اللحظة، ظهر ليونيل بناءً على إشارة من بليندا، وقام بتقييد المتسلل على الفور.
سقط ما كان يحمله المتسلل في يده واستقر عند قدمي ليونيل.
تحت ضوء القمر، ظهر بوضوح الشيء الذي كان يحمله المتسلل: إنه الأثر المقدس الذي كان جميع سكان القرية يبحثون عنه.
تفحص ليونيل وجه المتسلل المذهول قبل أن يتحدث بحزن قائلاً:
“يا للأسف، أيتها الكاهنة ميليو.”
***
في اليوم السابق، بعدما اكتشفت بليندا سبب الانهيار الأرضي، خاطرت بنفسها وذهبت للقاء جوزيبي.
وبالرغم من النوايا الخفية لجوزيبي، إلا أنه رحب بليندا بحرارة.
بينما كان جوزيبي يقدم لها الشاي، بدأ يتحدث بود.
“لم أكن أتوقع أن تأتي السيدة بلانش لزيارتي يبدو أن العشاء نال إعجابكِ.”
نعم، العشاء.
كانت بليندا تتساءل طوال الوقت عن سبب دعوتها إلى العشاء.
في البداية، كانت تعتقد أن جوزيبي شك بها كـ ساحرة سوداء، ولكن حتى مع ذلك كان هناك جزء عجزت عن فهمه.
كان لدى الآخرين دوافع لاتهامها بسرقة الآثار المقدسة وخيانة المعبد، لكن بالنسبة له، لم يكن هناك سوى شك في كونها ربما ساحرة سوداء.
كان من غير المنطقي الافتراض بأنها ستسرق الأثار المقدسة لمجرد أنها ساحرة سوداء.
ومع ذلك، وضعها جوزيبي في نفس فئة المشتبه بهم في سرقة الأثار المقدسة.
لماذا يا ترى؟
ظلت بليندا تفكر طويلاً، وفي النهاية أدركت السبب الحقيقي لدعوتها إلى العشاء.
“أنت تخطط لاستخدامي كطُعم، أليس كذلك؟”
“هل يمكنكِ توضيح كلامك؟”
ظل جوزيبي مبتسمًا، ولم يفقد هدوءه حتى وهو يرفع فنجان الشاي بأناقة.
“على الرغم من كل تفكيري، لم أفهم السبب في دعوتي إلى العشاء لذا فكرت في الأمر من منظورك.”
حركت بليندا إصبعها بشكل لا إرادي.
“هناك مشتبه بهم في سرقة الأثار المقدسة لكن لا يوجد دليل وعلاوة على ذلك، ككهنة، لا يمكنكم تعذيب المشتبه بهم.”
“أنتِ على حق من يتبع الإله يجب أن يكون رحيمًا، لذا لا يجوز لنا تعذيب الناس.”
“إذاً، كيف يمكن أن نضغط على الجاني الذي لا يوجد ضده دليل لاستعادة الآثار المقدسة؟ الحل الذي توصلت إليه كان بالتأكيد هو استخدام طُعم لإغراء المشتبه بهم.”
كان الجاني الذي تعرض للضغط من قبل جوزيبي سيحاول بأي وسيلة التخلص من الآثار المسروقة للنفاذ، ومع ذلك، أصبح من الصعب عليه الآن حتى التخلص منها.
بالإضافة إلى ذلك، كان المعبد قد أصدر قرارًا صارمًا بعدم رفع الحصار حتى يتم استعادة الآثار.
كانت عيون المراقبين في كل مكان، وكانت الشكوك تحيط بجوزيبي أيضًا لذلك، كان الجاني بحاجة إلى إلقاء اللوم على شخص ما ليخرج من دائرة الاتهام.
لكن، ماذا لو كانت هناك أميرة نبيلة، يُشَك فيها بأنها ساحرة سوداء، تقف بجواره؟
من الواضح أن هذا كان سيبدو كالتهمة المثالية لوضعها في إطار الجريمة.
وبمجرد أن يتدخل الجاني لتوجيه التهمة لـ بليندا، ستكون القضية قد انتهت.
بالطبع، كانت تلك لحظة مفاجئة لـ بليندا التي كانت في موقف الطُعم، لكن لا يمكنها إلا أن تعترف بأنها كانت خطة ذكية ومحكمة جدًا.
وضع جوزيبي فنجان الشاي بلطف وأعطى ابتسامة هادئة.
“على عكس ما رأيت، أنتِ في الواقع ذكية للغاية.”
رأيت؟ لم تسمع الشائعات؟
كانت تلك الكلمات مزعجة بشكل غريب، لكن ما كان مهمًا الآن ليس هذا.
بدأت أقول الخطة التي كنت قد فكرت فيها مسبقًا.
“سأكون الطُعم المثالي لجذب الجاني، وفي المقابل، أرغب في شراء ثقتك.”
“ثقتي؟… كلامك هذا يجعل الامر وكانني لا اثق في الانسة بلانش.”
“لا أعرف ماذا تعرف عني بحق الجحيم، لكنني لن أقول إذ كان ذلك صحيحًا أو كاذبًا، فقط أريدك أن تصدق بأن ما أقوله من الآن فصاعدًا هو الحقيقة، اذا أردت، يمكنك استخدام ‘عين الحقيقة’ لتحكم إذا كان هناك كذب في كلامي لا مانع لدي.”
كان جوزيبي دائما ما يبتسم بخفة ولكن لأول مرة ظهرت على شفتيه ضحكة.
“حسنًا ، سأقبل ذلك لكنك مخطئة في اعتقادك أنك الطُعم المثالي.”
“ماذا؟”
“أنا لا أستهدف الأشخاص الذين كانوا يجلسون بجانبك، بل أستهدف أقرب شخص إليّ.”
إذا كان الشخص الذي كان أقرب إلى جوزيبي…
“هل تعني أن الكاهنة ميليو هي الجانية؟”
أجاب جوزيبي بابتسامة جميلة، كأنها مرسومة.
لم يكن هناك حاجة حتى للتحقيق فيما إذا كانت كلماته صحيحة أم لا.
<يا إلهي، يا لها من كتلة قذارة!>
بينما كنا نخرج من المعبد، كانت سوغا، التي اصطحبتها على أمل أن تساعدني في حالة احتجت إلى بركة الجنية، تتظاهر فجأة بالتقيؤ.
” سوغا، ما الذي تنظرين إليه؟”
<“هناك! هناك! كتلة من القذارة! أسوأ من الكتلة الوردية التي في منزل سوغا!”>
كانت سوغا تشير إلى الكاهنة ميليو التي كانت تعمل بجد من أجل خدمة أهل القرية.
***
“ماذا، كيف حدث هذا… لما اللورد ليونيل هنا؟”
تبددت دهشة ميليو وهي تنظر بالتناوب إلى ليونيل وبليندا.
أمسك ليونيل بيد ميليو وأخذ الأثر المقدس التي أسقطته، واضاءه تحت ضوء القمر.
كانت بروش روزماري بتصميم بسيط، لكن القوة المقدسة التي كانت تحتويها كانت تعادل تلك التي يمتلكها كاهن رفيع المستوى.
لم يتمكن أي شخص من استخدام القوة المقدسة الموجودة في القطعة لأنها لم تجد صاحبها الشرعي.
بعدما تأكد ليونيل من أن البروش أصلي، همس بصوت منخفض و مليء بالحزن:
“كيف لكِ أن ترتكبِ مثل هذا الفعل كخادمة للإله؟”
“أوه، هناك سوء فهم! أنا… أنا فقط…”
“لقد اختبأت هنا فقط لاستعيد الأثر المقدس بعد تلقييّ وحي من الإله! نعم، وحي الإله! أرجو أن تسمح لي بلقاء قداسة الكاردينال، فهو سيعرف الظلم الذي تعرضت له!”
في تلك اللحظة، شعرت بليندا بالاشمئزاز بسبب العذر السخيف.
‘إذاً، كانت الكاهنة ميليو هي الجانية حقًا.’
الآن فهمت سبب إخفاء قضية سرقة الأثر المقدس.
فالجاني، ومن حاكم عليه، كانا من معبد واحد، ولهذا تم إخفاؤها بالكامل حفاظًا على شرف المعبد.
لكن هناك سؤال واحد: كيف اكتشف جوزيبي أنها هي الجانية؟
فتحت فمها قائلة، وهي تنظر إلى الرجل الذي كان يراقب كل هذا:
“بعد كل هذا الاستجداء، لماذا لا تظهر وجهك الآن، يا كاردينال؟”
“ماذا…؟”
توجهت نظرات الكاهنة ميليو المرتجفة نحو الباب، ثم سُمع صوت خطوات مرتبة، وظهر جوزيبي من الظلام الدامس.
تمامًا مثل زهرة تتفتح في الليل، كان ضوء القمر يسقط على ملامح جوزيبي الدقيقة، وكان هناك جمال قاتم يظلله مثل الظل.
“هل يمكن أن تشرحي لي، كاهنة ميليو، كيف يمكنني إثبات براءتك؟”
“بالتأكيد! ألا تذكر أن قداستك قد أقسم أمام الاله؟ لقد أقسمت أن أحدًا من بين الثلاثة الذين حضروا العشاء هو الجاني لكن إذا تعاملت معي بهذه الطريقة، وكأنني مذنبة، فأنت هكذا تخالف قسم الاله، ومن الممكن أن تفقد قوتك الإلهية!”
“آه، فعلاً، لقد أقسمت بذلك.”
أومأ جوزيبي برأسه كما لو أنه يوافق، وظهر الأمل على وجه ميليو التي بدأت تتبسم.
لكن في تلك اللحظة، قال جوزيبي:
“لكن، كاهنة ميليو، أذاكرتك صحيحة فيما يتعلق أنني قد أقسمت أن أحدًا من الثلاثة الذين دعيتهم للعشاء هو الجاني؟”
“م، ماذا تعني بذلك…؟”
هزت ميليو رأسها يشكل محموم.
بالتأكيد..بالتأكيد لقد اقسم بأسم الاله……
“هل تستطيع أن تقسم بأسم الاله؟”
“بالطبع، كاهنة ميليو، أحد الحاضرين في هذا العشاء هو الجاني، أقسم باسم الإله.”
فتحت عيون ميليو على مصراعيها، ونظراتها الضبابية اتجهت نحو جوزيبي.
في ذلك اليوم، لم يقل جوزيبي أن أحد الثلاثة كان الجاني بل فقط أقسم أن الجاني كان من بين الحاضرين في العشاء، وكانت ميليو أحدهم.
“هل، هل كنتَ تعرف كل شيء منذ البداية…؟”
“أنا جيد جدًا في شَمِّ رائحة فساد الكافرين لِيَونيل، يمكنك الآن أن تتركها.”
“نعم.”
عندما ترك لِيَونيل ذراعها، انهار جسد ميليو وسقطت على ركبتيها.
اقترب جوزيبي منها بخطوات خفيفة وصامتة، كما لو كان يطأ بتأنٍ على بتلات الزهور.
ثم سأل بصوت هادئ، كما لو كان ينشد ترنيمة:
“ميليو سيزاريك، اسألكِ بصفتي ممثل الإله: هل مارستِ السحر الأسود؟”