a marriage with a villain - 01
لقد مرّت أربعة أعوام منذ أن تمّت خطبتي إلى خطيبي، بل إلى كاشين إيرسيان، بطل هذه الرواية. وبصيغة أخرى، فقد مضت أربعة أعوام على تردده في الزواج بي دون سبب معلوم.
ثم جاء إلى دارنا في يومٍ من الأيام دون سابق إنذار وقال:
“أودُّ أن نؤجل زواجنا لعام آخر.”
لم يُلقِ تحيةً، ولم يبدُ عليه أي اعتذار، بل سألني:
“ما رأيكِ؟”
“……”
وكأنني أملك رأيًا في ذلك! لقد أصابني الذهول، حتى عجزتُ عن الردّ. كان قد قال بنفسه منذ وقتٍ ليس ببعيد إنّه لا ينوي تأجيل الزفاف أكثر من ذلك، ويبدو أنّه نسي ما قاله تمامًا.
سكنَ الصمت بيننا لوهلة، وعندما بدأتُ أشعر بشيءٍ من الضجر، التفت إليَّ بعد أن كان غارقًا في تأمل النافذة وسألني:
“روئيل، هل سمعتِ ما قلت؟”
“…نعم.”
“إذًا، سنؤجل الزفاف، أليس كذلك؟”
قال ذلك وكأنّ الأمر محسوم، ثم تابع حديثه دون أن ينتظر مني إجابة:
“آه، وبخصوص الموعد الذي كنا قد اتفقنا عليه للغد، يبدو أن هناك أمرًا طارئًا يمنعني من اللقاء.”
ولم يبدُ عليه أيّ أثرٍ للأسف، كأنّما حديثه عابرٌ لا شأن له. بعد أن تفوّه بهذه الكلمات التي لا طائل منها، عاد بنظره إلى النافذة.
“…كاشين.”
“نعم، روئيل.”
في تلك اللحظة، شعرتُ بشيءٍ ما ينقطع في أعماق روحي، كأنّ خيطًا رفيعًا قد انكسر في ذهني عند سماع رده الآلي.
تفوهتُ بما لم أكن لأتفوه به في أي حالٍ آخر:
“فلنفسخ هذه الخطبة.”
وذلك كان بسبب كاشين، لا غير.
* * *
منذ أن بدأت أعي هذا العالم، كنت أعلم يقينًا أنّه ليس سوى رواية قرأتها في حياتي السابقة، رواية تحمل اسم *كيف تُروَّض المتكبر*، أو كما تُعرف اختصارًا بـ *كيتو*.
تدور هذه الرواية حول بطلٍ متغطرسٍ يُغرم ببطلةٍ ذات عزيمةٍ قوية، لكنه يظلّ مكابرًا ولا يعترف بحبه، فيسير في طريق الندم بكلّ جديّة. وفي النهاية، يلجأ إليها بائسًا، متوسلًا الصفح والغفران، في مشهدٍ مؤثرٍ من التوبة، مما يجعل الرواية مثالًا كلاسيكيًا على الندم والتكفير.
وفي كيتو، كنتُ مجرد شخصيةٍ ثانوية، أُدخلت إلى المشهد لأسهم في تصوير شخصية كاشين وإظهار ماضيه، ثم تُركتُ جانبًا بلا رحمة بعد أن أدّيتُ دوري. بعد أن نبذني كاشين، قررت عائلتي خطبتي إلى ليوس، دوق أسرة لوتشتر.
هل يبدو حظّي أفضل من بقية الشخصيات الثانوية اللواتي تُنبذهن الشخصيات الرئيسية؟
“تُرى، أيّ خرافةٍ هذه…”
إنني أشعر بالاستياء الشديد من دوري ومن مصيري في هذه الرواية، خاصةً فيما يتعلق بخطوبتي إلى ليوس لوتشتر. ذلك لأن ليوس، دوق لوتشتر، هو في الحقيقة الشرير الأساسي في كيتو!
لم تمضِ فترةٌ طويلة على خطبتنا حتى قاد ليوس، دوق أسرة لوتشتر، فرسانه ليقتحم بهم القصر الإمبراطوري، بيد أن انقلابه باء بالفشل، وآل به الحال إلى الهلاك، وهلكت معه خطيبته، أي أنا، وكذلك أُبيدت أسرتي عن بكرة أبيها!
لقد كان يكفي أن أكون المرأة التي استخدمها البطل ثم نبذها كي أذوق مرارة الذل، حتى تأتي النهاية القاتمة التي تقضي على كل ما تبقى مني ومن عائلتي.
ورغم هذا، لم أحاول أن أحيد عن مسار الرواية الأصلي، بل عشت حياتي بدقة وأمانة طوال اثنين وعشرين عامًا، وفقًا لما سُطر في الأحداث. ففكرة العبث بأحداث الرواية كانت ترعبني، إذ قد تؤدي إلى تغيير المسار بما يجلب لي الهلاك، أو ربما العجل بنهايتي المحتومة.
“آه، صحيح…لقد حاولتُ في إحدى المرات تغيير القدر، وكل ذلك بسبب كاشين.”
لكن تلك كانت لحظة عابرة لا أكثر. وسرعان ما أدركت أن كاشين لن يتغير مهما اجتهدت، فتراجعت عن محاولتي في الحال.
مهما يكن من أمر، فقد كنت أؤدي دوري المرسوم في هذا العالم بكل إخلاص أمام البطل. ولكن، ما بدر من كاشين منذ قليل قد تجاوز حدود الاحتمال. لذا، في لحظة غضب، طلبتُ منه فسخ الخطبة!
إلا أن هذا الشقي لم يأخذ كلامي على محمل الجدّ على الإطلاق.
ابتسم كعادته، بوجهٍ مشرقٍ ونظرة هادئة، وسألني:
“ماذا قلتِ يا روئيل؟”
“…….”
أي سحرٍ قد امتلكه هذا الرجل حتى أُحبّه إلى حدّ البذل والتفاني؟
“روئيل؟”
كان وجهه، الذي طالما وجدتُ فيه سلوى لروحي، يثير في نفسي الآن مشاعر غضبٍ لا أستطيع كبحها. بالكاد تمالكتُ أعصابي، وقلت بنبرة ملؤها الاستياء:
“قلتُ دعنا نفسخ خطبتنا.”
عندها فقط، أدار كاشين رأسه نحوي، بعد أن كان يحدّق في الحديقة من النافذة، ساقٌ فوق ساق، فاستدار نحوي بكامل جسده وقد بدا على وجهه الذهول.
“…ماذا؟”
ربما كان يشك في صحة ما سمعه، فقد ضيّق عينيه قليلاً وهو ينظر إليّ.
حينها ابتسمت ابتسامة عريضة، وأعلنت نهاية علاقتنا بوضوحٍ لا لُبس فيه:
“فلنفسخ خطبتنا، يا كاشين.”
“آه، ما أشدّ الضجر!”
كانت كلماتي تنضح بالعزيمة، ولكن يبدو أن كاشين ظنّ أنني أبدي له بعض التذمّر البسيط. رغم حديثه عن موعدٍ عاجل، عاد وغيّر رأيه، قائلاً إنه يفضّل تأجيل الحديث إلى الغد، ثم غادر قاعة الاستقبال.
فوجدتُ نفسي وحدي، جالسة في ذات المقعد الذي كان يشغله، أنظر من النافذة إلى الخارج. كانت الزهور النادرة، تتسابق في إظهار رونقها بألوانها المتوهجة، تملأ الحديقة وتبعث على الإعجاب.
“… ما أجملها.”
إنها حديقة تسلب الألباب، بحيث ينسى الإنسان أمامها وجود محاوره، ويغرق في تأمل ألوانها الزاهية.
كانت تشبه والدتي، السيدة فيريا، تماماً.
وما إن ربطت بينهما، حتى انبعثت في ذهني صورة وجهها بشكلٍ تلقائي.
“لا أظنّ أنها ستفصح لأحدٍ عما قلت بشأن فسخ الخطبة.”
لقد تجرأت على الإفصاح بهذه الرغبة، لأنني أعتمد على ثقةٍ خفية، ولكن إن وصل ذلك إلى مسامع والدتي، فستكون تلك نهايتي.
“ما دام الأمر لن يبلغ مسامع والدتي، فلا بأس بذلك…”
آه، لا أعلم… ليحدث ما يحدث.
فمن الواضح أن كاشين لم يأخذ حديثي على محمل الجدّ. فمن المتوقع أن ينسى كل هذا في زحمة اهتمامه بمواعدة تلك النسوة الأخريات. ورغم قوله إنه سيأتي غدًا، فإنني واثقة أنه لن يأتي.
لا جدوى من التفكير في أمرٍ كهذا، ولا من إهدار الجهد فيما لا نفع فيه. قمت من مكاني، وغادرت قاعة الاستقبال.
كنت أتجه نحو غرفتي في الجناح الجانبي، ومررتُ بالممرّ الذي يصل بين المبنى الرئيسي والجناح، وعند مدخل الممرّ، وقفت حين رأيت شخصًا ينتظرني.
لقد كانت أختي غير الشقيقة، برييلا، التي مالت برأسها قليلاً وهي تبتسم، قائلة:
“أسمعتِ؟ لقد خانكِ مجددًا، أليس كذلك؟”
“……”.
الصبر ثلاثة، يُنجيك من الوقوع في القتل.
“تماسكي…”
هكذا خاطبت نفسي في أعماقي، محاوِلةً تجاوزها والمضي في طريقي. لكن…
“يقال إن هذه المرة قد تورّط مع الليدي فيرونيكا، أليس كذلك؟ آه… يبدو أنك لم تكوني تعلمين. إنها تلك المرأة التي كانت تتظاهر باللطف أمامك. ألا تذكرينها؟”
توقفتُ تلقائيًا عندما سمعت اسم “فيرونيكا”.
تلك المرأة ذات الشعر البنفسجي الداكن والعيون القرمزية، كانت إحدى الأشرار الذين أذاقوا البطلة ويلات العذاب في الرواية الأصلية.
“إذن، لقد حان الوقت الآن ليلتقي كاشين بتلك المرأة، كما كُتب في الرواية.”
كانت الأخبار التي نقلتها برييلا لي مفاجئة، لكنها لم تثر في نفسي أيّ غضب.
“حقًا، لا أشعر بشيءٍ على الإطلاق.”
“ليتني قد اتخذت هذا القرار منذ البداية، فما الذي كان يدفعني للتشبث بتلك الرواية الأصلية والسير على نهجها بكل ذلك الإصرار والجهد؟!
في نهاية الأمر، لن أُجبَر على الارتباط بالشرير مباشرةً بعد فسخي لخطبتي بالبطل، إذ لم يكن زواجي منه في الرواية إلا بسبب ظنّه بأن زواجي من عائلة الكونت إيفيل سيعينه على تنفيذ خطته في التمرد.
ولا يُقدم الشرير على التمرد فعليًا إلا بعد عامين من الآن. فهل إن فسخت خطبتي بالبطل، سيتعجّل الشرير في تمرده؟! بالطبع لا.
‘ولو حدث ذلك، فإنني سأهرب بهوية جديدة قبل أن تحل تلك اللحظة.’
حينئذٍ، نطقت برييلا بلسانها اللاذع:
“سمعتُ أنكما ستخرجان معًا غدًا في موعد رومانسي… إلى المسرح، أليس كذلك؟ يبدو أن حظكِ لم يكن جيدًا، أختي.”
لم أكن على علمٍ بما إذا كان كاشين سيجتمع حقًا بفيرونيكا أو ما إذا كانا سيتوجهان معًا إلى المسرح في اليوم التالي.
“هذا صحيح، أشكركِ على اهتمامك.”
أجبتها بذلك، رغم كل شيء.
ظهرت على وجهها علامات الارتباك للحظات، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها، وارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة. لقد بدا واضحًا أنها ظنّت أنني أتصنّع اللامبالاة.
“أتى اليوم ليعتذر عن كسر موعدكما، أليس كذلك؟ آه، أختي العزيزة، لو كنتُ مكانك لما رفعت رأسي من شدة الخجل.”
“……”
“لقد مضى على خطبتكما أربع سنوات، أليس ذلك محزنًا؟ يا تُرى، هل سيطلب منكِ التأجيل مجددًا؟”
حينما لم أجب، استمرت برييلا في هجومها، مستمتعةً بإلحاق الضرر بكرامتي وكبريائي:
“ماذا ستفعلين لو هجركِ كاشين، يا أختي العزيزة؟ ألا ينبغي عليكِ بذل المزيد من الجهد لإنقاذ هذا الوضع؟ ربما إن توسلتِ إليه وتشبثتِ به، فسينظر إليكِ بشفقة ويتزوجكِ.”
“نعم، قال لي إنه سيؤجل مجددًا. أما بخصوص بذل الجهد… فلا أعلم حقًا.”
“ماذا… ماذا؟!”
لعلها كانت تتوقع مني الانهيار والبكاء، فارتسمت على وجهها علامات الذهول وكأنها تلقت ضربة غير متوقعة.
“أعتقد أنكِ قلتِ كل ما لديكِ، لذا سأغادر الآن، يا بري.”
فسمعتُ صوتها الحاد يصيح من ورائي:
“مهلاً! هل جننتِ؟ توقفي! رويل! توقفي حالاً!”
ولكنني تابعت السير دون أن ألتفت إليها، فما كان منها إلا أن أطلقت سيلًا من الشتائم والتهديدات، وبدأت تصبّ اللعنات عليّ، متوعدةً إياي بأنني لن أدرك عواقب أفعالي إلا حينما أجد نفسي مجبرة على الزواج من رجل مسنٍّ تعيسةً في حياتي.
لكنني لم أكترث بما كانت تقول، ومضيت في طريقي نحو الجناح الجانبي.
‘في نهاية المطاف، سأغادر الإمبراطورية قبل أن يحين ذلك الوقت.’
وبخطى مطمئنة وخفيفة، تابعت طريقي، حاملة في قلبي شعورًا بالحرية لا يقيده شيء.”
بفضل راحة البال التي انتابتني، غفوت تلك الليلة غفوةً عميقة لم أعهدها منذ زمن.
غير أنني استيقظت على حين غرّة، إذ بمجموعة من الخادمات يقتحمن مخدعي في الصباح الباكر، فانتشلنني من فراشي، وأخذنني قسرًا إلى حجرتي في القصر الرئيسي، رغم أنني لم أكن قد استعدت وعيي بعد.
سألت عن سبب هذا التصرف، فلم يكن منهن سوى إجابة واحدة تتكرر على مسامعي:
“إنها أوامر السيدة الوالدة.”
تساءلت في نفسي: “ألم يكن من الأحرى بها أن تخبرني بقدوم الضيوف مسبقًا…”
أنا أقيم عادةً في الجناح الجانبي، في غرفة نائية، لا تصلها أشعة الشمس، كانت في الأصل مخزنًا متداعيًا، وهو المكان الوحيد الذي أذنت لي والدتي، السيدة فيريا، بالإقامة فيه.
ولكن في مثل هذه الأيام، عندما يحل الضيوف فجأة، أجد نفسي مضطرة للجلوس في الغرفة المصممة للعرض، تلك التي خُصصت لتظهرني أمام الناس بمظهر لائق.
تذمرت في أعماقي قائلة: “ألم يكن من الأجدى أن تدعني أعيش هنا طوال الوقت…؟”
لكنني أدرك جيدًا حقيقة والدتي، فهي امرأة لا تتوانى عن بذل أي جهد، مهما كان، كي لا ترى سعادتي أو راحتي تلوح في الأفق.