13 شارع بايلاندز - 14
ابتسم رجلٌ يرتدي قبعةً عاليةً بشكل خافت. عندما نظرت إلى عينيه الرماديتين، فتحت فمي في مفاجأة.
“ليام.”
“صه.”
وضع ليام مور إصبعه على شفتيه و جلس يساري كما لو كان دائمًا جزءًا من مجموعتنا. كان يجلس على يميني رجلٌ في الخمسينات من عمره، له خصلات رمادية في شعره الأسود.
أعطته حواجبهُ الكثيفة و عظام وجنتيه الغائرة مظهرًا صعبًا. الشعر الرمادي الذي بدا وكأنه يشكل نمطًا جعلني أشك أن شعره الأسود كان مصبوغًا. إذا كان الأمر كذلك، فقد كان شخصًا دقيقًا فيما يتعلق بالعناية الذاتية و يتمتع بحس جمالي قوي.
كان إصبعه السبابة و الوسطى متصلبين، وكانت هناك بقعة حبر طفيفة على كمه، مما يشير إلى أنه كان كاتبًا، على الرغم من أن كُتاب القرن التاسع عشر نادرًا ما عاشوا بمثل هذه الرفاهية. وكان يرتدي من رأسه إلى أخمض قدميه أرقى الملابس، و كانت حركاته تفوح بالأناقة.
كان هناكَ خاتمٌ كبيرٌ يزين أصابعه المتجعدة و خاتم زواج يزين إصبعه الأيسر. لذلك، لقد كان لديه زوجة.
كان هذا هو الرجل الذي رافق ليام مور. ابتسم بلطف في وجهي.
“ومن هذا؟” سألت.
“أوه، أعذريني.” قال ليام : “كان يجب أن أعرفكَ على هذه الآنسة الشابة الرائعة.”
نظرًا لموقعنا (ربما نحن نتسلل إلى مقر طائفة دينية)، كان الكشف عن الهويات أمرًا محفوفًا بالمخاطر. لم نكن نعرف من قد يتعرف علينا. وهكذا امتنعنا طوال حديثنا عن الكشف عن الأسماء، وأشرنا لبعضنا البعض بـعبارات مثل “أنت” و “هذا الشخص” و “نحن”.
وقت ساعة منتصف الليل، قاطعت حديثنا. خفت الأصوات، و صعد شخصٌ ما إلى المنصة.
“إخوة الترك! إن المسعى العظيم الذي انتظرناه منذ فترة طويلة على وشكِ أن يبدأ!”
اندلعت الهتافات في كل مكان. عندما رفع الرجل الذي يرتدي عباءة سوداء قبضته المشدودة، توقف الضجيج. كان الأمر أشبه بمشاهدة آلة جيدة التنسيق. تبادل الناس نظراتٍ مليئةً بالإثارة و ترقبوا ما سيأتي.
“إن تضحيات إخواننا، وتفانيهم الطويل، مهدت الطريقَ أخيرًا إلى العظيم. سوف نصبح وحدًا مع النجوم. دعونا نشيد بالأغنية التي يتردد صداها في أنحاء لندن.”
“نعم!”
“لقد كشفت القطعة الأخيرة التي لم نتمكن من العثور عليها لفترة طويلة عن نفسها أخيرًأ. الألم سيفتح لنا الطريق. آلامة ستكون بركتنا!”
في تلك اللحظة، تم جر شخص ما إلى الأمام، ورأسه مغطى بكيس. نظر حوله بخوف، لكنه لم يتمكن من رؤية أي شيء. يبدوا أنه كان مقيدًا بالحبال، لذا كان فاقدًا رغبته في المقاومة، وبدا وكأنه كان خاليًا من الحياة.
وصلت إلى فخذي و تذكرت رسالة لوسيتا. الجزء المفقود هو القلب. بدأتُ أفهم ما كانوا يعتزمون فعله.
“ولكن قبل أن نبدأ الطقوس، لذي شيء لأشاركه معكم.” تمتم الرجل الذي كان يعبث بالخنجر.
“الأرقام قليلة جدًا، لقد حاولنا أن نجمع الأنقى و الأجمل، لكن ذلك لم يكن كافيًا لإرواء جوعنا. أبونا يطلب الكثير. يجب أن نملأ معدته الفارغة بأشياء كثيرة. لذا فكرت….”
في هذه اللحظة، شعرت بشعور متزايد من الخوف.
“ألا يوجد الكثير من التضحيات أمامنا الآن؟”
وقف أحدهم وصاح وضرب الطاولة.
في هذا الصمت المتوتر، كان التحدث علنًا إما حماقة أو إظهارًا للثقة في قوته. اعتقدت أن هذا أمرٌ أحمق، كما فعل ليام و الرجل الذي في منتصف العمل الموجود على يميني.
“ألم تخبرنا أن الطقوس سوف تقام في ساعة بج بن؟ هذا ليس ما اتفقنا عليه!”
“آه، نعم. هذا ما قلناه. لكن تلكَ كانت كذبة. كان لدينا جاسوس في جماعة “إخوة الترك” لذلك أخبرناهم… أن هذا سيحدث في ساعة بيج بن. لكن فكروا أيها الإخوة. هل يمكننا أن نرتكب فِعلتنا في مجال رؤية الملكة؟ إن الملكة فيكتوريا هي سيدة يصعب إرضاؤها تمامًا.”
كيف يتحدث عن ملكة الأمة بهذه الطريقة! لقد شعرت بالفزع، وكذلك كان الآخرون. لو لم يكن الباب موصدًا و النوافذ مكشوفة لاستمرت الاحتجاجات.
كان هناك صوت انزلاق الترباس. غطت الألواح الخشبية النوافذ. شبك الرجل يديه و أجاب بحزن.
“التضحية لم تكن كافية. ولكن أليس اليوم مزدحمًا بشكل استثنائي؟ إن لحمكم و عظامكم و أدمغتكم سوف تشبعه بالكامل. سيكون الأب الملك مسرورًا و يمدحكم.”
واو، هذا طائفي بالكامل.
“فافرحوا. سوف تصبحون واحدًا مع النجوم… الخلاص لا يأتي. النهاية فقط. سوف نستخدمكم بفرح. ستكونون قرابينًا ممتازة. لكن لا يهم إن فشلنا…”
كانت أسنانه مشكوفة بابتسامة مشرقة. لقد كان مجنونًا حقًا، وكان يتحدث دون أي اعتبار للجمهور.
ضحك قائلًا أنه لا يهم.
“هناك الكثير من الناس، وأنتَ دائمًا قابلٌ للاستبدال.
انفجار!
قمت أنا وليام بسحب بنادقنا و إطلاق النار عليهم في نفس الوقت. استهدفت كتفه وليام المذبح.
تصدع المذبح الذي أصيب برصاصة ليام وانهار. لقد صُدمت أم مجرد مسدس يمكنه أن يسبب مثل هذا الدمار. شعرت وكأنها بُندقية قنص.
عندما أطلقت النار على الرجل، اندلعت الفوضى. طارق الناس على الأبواب، وهم يصرخون للسماح لهم بالخروج. لكن النوافذ لن تُفتح و ستظل مغلقة حتى يتم فحتها من الخارج.
ترنح الرجل الذي أصيب بالرصاصة وانهار. بدأ الضحية للتضحية في اغتنام الفرصة و الزحف بعيدًا. ثبتت عيون الرجل على ليام الذي أطلق الرصاصة.
“أنت، أنت، أنت!”
لقد كان مشهدًا بشعًا. صرخ الرجل المغطى بالدماء من الألم وكأنه يذوب.
“كيف تجرؤ! كيف تجرؤ على التدخل معنا!”
تمتم بشيء غير مفهوم، وفجأة، بدأ الناس في الغرفة بمهاجمة بعضهم البعض بشكل محموم.
لم نكن مفيين. ركضنا أنا وليام ورفيقه متجنبين المهاجمين. كان لكل واحدٍ منهم قوةً هائلة، ورغوة في الفم، وعيون خالية من التركيز، مثل الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات أو الممسوسين.
“يا يسوع، يا بوذا، يا الله…”
“جين، رأسكِ!”
أوه!”
شخصٌ ما أمسك بشعري. تأوهت و أرجحت مظلتي.
من هذا؟ دعني أرى وجهك!
لقد تراجعت عن أفكاري في ثلاث ثوان. كان الأمر أشبه بمشاهدة فيلم زومبي، محاطًا بالجنون. شعرت وكأنها منتزه عيد الهالوين. تراجعت العيون إلى الوراء، هدير غير إنساني، سيمفونية من الفوضى. لقد تم دفعنا نحو المذبح.
كانت مظلتي نصف مكسورة بسبب صد الهجوم.
آه يالها من حياة. تمتمت.
تبًا. يا أمي، ما هو الذنب الذي ارتكبته حتى أستحق هذا؟
في إحدى اليدين مظلة مكسورة، وفي اليد الأخرى مسدس. كان فستاني ممزقًا، وشعري نصف مرفوع ونصف مفكوك. بدوت مثل جلاد على وشك قطع رأس مجرم.
“هل كان الشخص الذي هاجمني يبدو هكذا؟” أنا لهثت، متسائلا.
لم أكن أريد حقًا إجابة، نظرًا لحالة القصر. وفي إحدى الزوايا، كان الناس يعضون بعضهم البعض. وفي صورة أخرى، كانت سيدة ترتدي ملابس أنيقة تخنق رجلاً بأرجل ملتوية. وفي مكان آخر، كان أحدهم يضرب رأسه بالحائط، ويصرخ بكلمات غير متماسكة. الوثنية؟ باجانيني؟ أيًا كان. وسرعان ما نادوا على بشوبان، وليست، وراخمانينوف.
ملاحظة : اسماء موسيقيين روسيين
حتى الموسيقيين لم يسلموا. تم استخدام الأدوات التي لا تقدر بثمن كأسلحة. رنة! انفجار! سحق! لقد كان مشهدًا. كانوا يضربون رؤوسهم بمفاتيح البيانو، ويغلقون الأغطية.
قام ليام مور بإعادة توجيه المهاجمين بمهارة نحو أهداف جديدة.
هل هذا أخلاقي؟ فكرت. إنه أفضل من أن يتم تمزيقه، لكن بيع الآخرين لإنقاذ نفسه أمر غير أخلاقي على الإطلاق!
أمسك شخص ما كتفي. جاء فم يزبد من البصاق نحو رقبتي. وبينما كنت أعتقد أنني سأتعرض للعض، أطلق ليام النار على المهاجم في ذراعه.
أنا أسحب كلامي. في بعض الأحيان، لا بأس أن تفتقر إلى الضمير. الضمير لا يطعمك دعونا نكون عمليين.
كانت لندن في القرن التاسع عشر تختبرني. كان مسار عملي واضحًا.
كان لدي ضمير، لكنه اختفى للتو.
–ترجمة إسراء