يجتمعُ الأعداء في حفل الخطوبة - 6
“ديانا، لدي الكثير لأقوله لك. رغم أننا تبادلنا الرسائل، إلا أن الوقت لم يسعفنا للجلوس معًا والتحدث وجهًا لوجه، أليس كذلك؟”
“وأنا أيضًا. يا إلهي، لو كنت أعلم أنني لن أراكِ لفترة طويلة كهذه، لطلبت من والدي أن يسحب مني منصب قائد الفرسان.”
تبادل الحديث بين والدتي وديانا كان مليئًا بالمشاعر لدرجة أن أي شخص قد يظن أنهما عاشقتان لم تلتقيا منذ خمسين عامًا.
شعرتُ وكأن صراعًا دام عقودًا بين عائلتي إيمبليم وغراي قد انتهى في تلك اللحظة.
‘لا عجب أن جدي أصيب بنوبة غضب، وقال إنه لن يعترف بي.’
انتشرت شائعات تفيد بأن الجد، الذي انفجر غاضبًا في المرة الماضية بسبب الدوق غراي، قام بتفجير جبل كان مملوكًا له.
‘لم أتصور يومًا أنني سأشعر بالأسف على جدي.’
رفض جدي الشديد للخطوبة بيننا كان السبب في تفجير الجبل.
ربما كان يظن أنني سأعيش في عزلة، لكن الأمور بدأت تسير في اتجاه آخر، فقد بدأت أمي تحاول إصلاح الأمور.
حينها، بدأت أفهم تصرفات جدي القاسية ومقاومته.
“آه، نسيت هدفنا الأساسي وسط فرحتي برؤيتكِ. ديانا، هذه هي ابنتي الحبيبة، سيليسيا إيمبليم.”
“إنها ابنة محبوبة، تشبهكِ تمامًا… يا ليتني أستطيع أن آخذها إلى منزلي.”
مدت ديانا يدها إليّ بعيون متلألئة.
تذكرت كيف رمت ابنها في الهواء، فتشبثتُ بثياب والدي بشدة.
“لا يمكنكِ أخذها إلى منزلكِ، لورد غراي.”
لكن والدي، بابتسامة هادئة، سلمني لها بلا مبالاة.
سألت ديانا دون أن ترفع عينيها عني. “هل يمكنني تقبيل خدها على الأقل؟”
“لا، لا يمكنكِ.”
“حقًا؟”
حدقت بي ديانا بخيبة أمل واضحة، وكأنها كانت ترغب في ذلك بشدة.
لكن والدي، بابتسامة مشرقة كأشعة الشمس، رفضها بلطف.
“لا يزال زوجكِ كما كان دائمًا.”
في النهاية، تنهدت ديانا واستسلمت لفكرة عدم تقبيلي.
أما والدتي، فقد نظرت إليها وضحكت ضحكة عالية وقالت. “هل ستقدمين لي أيضًا ابنكِ؟”
“آه، بالطبع. إيد، أرِ ميليسيا ابننا.”
كانت ديانا تراقبني بعينيها وكأنها لا تريد أن تتركني للحظة. أما زوجها إدوارد، فقد بدا معتادًا على تصرفاتها، فلم يتردد في تسليم الطفل الذي بين ذراعيه إلى والدتي دون أدنى تذمر.
“إنه طفل حسن السلوك للغاية، لكنه لا يحب أن يُلمس معصمه، لذا يرجى توخي الحذر.”
“بالطبع، سأكون حريصة.”
أومأت والدتي برأسها وأخذت إينوك بين ذراعيها.
قرب والدتي وديانا مكنني من رؤية خطيبي المستقبلي عن كثب.
كان شعره فضيًا لامعًا، وبشرته صافية، وخديه ممتلئين ومحمرّين.
وعندما نظرت في عينيه الزرقاوين، ورأيت حدقتيهما السوداوين، شعرت بشيء غريب في داخلي.
‘أشعر بالغرابة…’
تململت وكأنني على وشك أن الإستفراغ، ثم أطلقت صوتًا عاليًا وسحبت ذراعي من يد والدتي فجأة.
“وااه!”
لكن، بسبب سحبي المفاجئ، لم تستطع والدتي أن تمسك بي بشكل جيد.
“لا، سيل!”
وفي اللحظة نفسها التي سحبت فيها ذراعي، اصطدمت بوجه إينوك، بشكل غير متوقع.
استدار وجه إينوك بعيدًا عني، وهو ينظر إليّ بصمت.
“….”
“….”
مرّت لحظات من الصمت، حيث تجمدت والدتي في مكانها، بينما كانت ديانا تراقب ابنها بدهشة. ثم كان إينوك هو أول من كسر الصمت.
“آآآآآآآآه!”
صرخ إينوك، واندفع نحوي بأيديه الصغيرة، محاولًا ضربني بقبضة يده، لكن حركاته كانت بطيئة جدًا.
“أوونغ!”
بخبرتي كمحققة سابقة، بدت لي حركاته وكأنها تُعرض بتقنية الحركة البطيئة، مما مكنني من تفادي ضربته بسهولة.
“إينوك! لا تفعل هذا مع سيل!”
هرعت ديانا إلى ابنها، ممسكة به بحزم، بينما كان إينوك يقاوم بين ذراعيها، لكنه لم يستطع مجاراة قوتها.
“لم يفعل هذا من قبل… لماذا يتصرف هكذا؟”
ضحكت بصوت خافت بسبب الموقف الغريب، ولم أتمكن من إخفاء استمتاعي برؤية إينوك في هذا الموقف الغريب.
لكن والدتي، عندما رأت ما حدث، وبختني بشدة.
“سيل! ألا ترين أن إينوك يتألم؟”
“آآه… أوونغ!”
حاولت أن أشرح ما حدث رغم صعوبة التعبير بسبب صغر سني، ولكن والدتي لم تفهم.
عندما ضربت إينوك، لم يكن ذلك عن عمد.
“الآن، اعتذري لإينوك.”
“إينوك، عليك الاعتذار أيضًا. سيل لم تقصد ذلك، لكنك حاولت ضربها.”
بتوجيه من أمهاتنا، كان علي مواجهة إينوك. وهكذا، وجدت نفسي أمام خطيبي المستقبلي، وانفجر في داخلي كل ما كنت أكبحه.
“آآه!”
“كياا، سيل!”
وبذلك، أصبحت أول طفلة تتقيأ أمام خطيبها.
***
في خضم الثرثرة الصاخبة للخادمات، اكتشفت أمرًا واحدًا.
في الدوائر الاجتماعية، كان لقائي بإينوك حديث الجميع.
كان الجميع يتوقعون أن العلاقة بين عائلتي إيمبليم وغراي ستحدث تحولًا كبيرًا في الأوساط الاجتماعية.
كان الأمر غريبًا بالنسبة لي، كيف يمكن لخطوبة طفلين في عامهما الأول أن تصبح قضية هامة في نظر النبلاء؟
لكن حدسي الحاد، الذي اكتسبته من أيام عملي كمحققة، جعلني أشعر بأن هذا العالم الاجتماعي كان مكانًا مرهقًا للغاية.
‘على أي حال، لا أعتقد أنني أفهم تمامًا ماهية العالم الاجتماعي، لكنني متأكدة أنه لا يناسبني.’
قررت أنه عندما أكبر، لن أكون مهتمة بالعالم الاجتماعي أبدًا.
“حقًا، لماذا تقيأتِ عندما رأيتِ إينوك؟ سيل، لو كنتِ تستطيعين التحدث، لسألتك عن السبب.”
كان والدي يطعمني برفق، وكانت تعبيرات القلق واضحة على وجهه.
بعد لقائنا مع إينوك، ذهبتُ إلى الطبيب، ولم يجد أي مشكلة صحية تذكر.
حتى بعد أن تقيأتُ بتلك الطريقة، لم يُلاحظ أي ضرر في معدتي أو حنجرتي.
كانت حالتي الصحية غريبة بشكل إيجابي لدرجة أن الطبيب قال إنني ربما أتمتع بصحة قوية.
“بينيديكت. هل من الممكن…؟”
“لا، مستحيل، ميل. هل تعتقدين أن سيل تقيأت بسبب وجه إينوك؟”
كنت أتساءل في نفسي متى سيكتشف والدي أن هذه هي الإجابة الصحيحة؟ وبينما كنت أراقب نظراتهما المليئة بالقلق المتبادل، تساءلت في داخلي.
ربما كان من الأفضل لو أن أمي أنجبت طفلًا آخر، أختًا صغيرة لي، لكي تكون هي من تتعامل مع هذه الخطوبة.
“أين فتاتنا الجميلة الآن؟!”
وفجأة، سمعنا صوتًا مدويًا من بعيد.
“هممم؟”
كان الصوت مألوفًا إلى حدٍ ما.
‘هل يُعقل أن يكون جدي…؟’
رغم الشكوك التي راودتني، ومع اقتراب الصوت، تأكدتُ أنه فعلًا صوت جدي.
شعرت أمي وأبي بذلك أيضًا، فتركا كل شيء وركَّزا على مصدر الصوت.
“بينيديكت، هل سمعت ما سمعته؟”
“لا شك أن هذا صوت الدوق.”
نظر والديّ إلى بعضهما البعض بتعبير متشكك، وكأنهما يظنان أنهما يهلوسان.
وعندما همس والدي بكلمات خافتة، فُتح باب غرفتي فجأة وبقوة، وكأنَّه سيتحطم.
“سيليسيا إيمبليم! أين أنتِ يا حفيدتي الثمينة!”
ظهر جدي، دوق إيمبليم، مبتسمًا ابتسامة غريبة جدًا، حتى أن هذه الابتسامة كانت تتناقض تمامًا مع ملامحه القاسية والمهيبة.
كان المشهد غير عادي لدرجة أنه بدا وكأنه شخص آخر تمامًا.
“…. يا إلهي!”
في تلك اللحظة، أصابني الفواق فجأة.
“لقد أفزعتها يا أبي!”
صرخت أمي بصوت عالٍ، ووضعَت يدها على ظهري محاولة تهدئتي.
لكن جدي، رغم وجود أمي أمامه، لم يلقِ لها بالًا، واستمر في التحديق بي فقط، حتى اقترب مني.
“يا إلهي، حفيدتي الجميلة، هيا تعالي! دعِ هذا الجد يعانقكِ!”
كانت كلماته وأفعاله تثير الكثير من الشكوك في نفسي.
هل هذا الشخص هو حقًا سيفيلد إيمبليم الذي أعرفه؟