يجتمعُ الأعداء في حفل الخطوبة - 1
“من فضلك، لا تأتِ، لا تأتِ، أرجوك…”
انكسر ظفري، الذي لم يُقَلَّم بشكلٍ صحيح، بين أسناني.
كانت نظراتي تتنقل ضائعةً بين جدران غرفة الانتظار المذهلة المخصصة للعروس.
بدت الغرفة المليئة بالزهور الفاخرة وكأنها مكانٌ يفقدُ فيه المرء عقله بمجرد النظر إليه.
وفي وسط هذه الفوضى كنتُ أمسك بباقة زهورٍ بيضاء بين يديَّ، وكل ما رغبتُ به هو الاختباء، حتى وإن كان في حفرةٍ فأرٍ صغيرة.
“إذا جئتَ، سأقتلكَ، إِينوك غراي.”
كنتُ أعرف دائمًا أن هذا اليوم آتٍ، لكنني لم أستوعب ذلك إلا حين جاء يوم حفل الخطوبة.
حينها فقط أدركتُ أنني لم أكن مستعدةً بعد.
وخاصةً عندما يتعلق الأمر بإينوك غراي، الذي يمكنني اعتباره منافسي الأبدي وعدوي!
“اليوم هو يومٌ رائع، من فضلكِ ابتسمي قليلًا، سيليسيا.”
لابد أن وجهي كان يبدو مشوَّهًا للغاية، لذلك ضغطتْ جيسيا على جبيني بإصبعها قائلةً:
“متى ستغيرين ملابسكِ وتستبدلين هذا الزي بالفستان؟”
“لن أرتديه. ما المشكلة في ذلك؟”
عندما نظرتُ في المرآة، رأيتُ نفسي بشعرٍ أحمر مجدولٍ بإحكام، وكأنني على وشك الذهاب إلى معركة.
عيناي، اللتان بلون اليقطين الذي يعشقه والدي، كانت تعكس شعورًا عميقًا من الكراهية الذاتية.
كان التعبير على وجهي كمن سيُقاد إلى المشنقة في اللحظات القادمة.
“ما الخطب؟”
قالت جيسيا بصوتٍ عالٍ، وعينيها مفتوحتان على مصراعيهما من شدة غضبها.
“أي آنسة نبيلةٍ ستحضر حفل خطوبتها مرتديةً زي الفرسان؟ ومع سيفٍ أيضًا!”
ردًا على تعليق جيسيا الجاد، فحصتُ ملابسي.
كان الزي الرسمي الذي يحمل شعار وسام الفرسان الأبيض النقي، والمزخرف بالذهب، يتناسب تمامًا مع شعري الأحمر.
لقد كانت مناسبةً نادرةً بالنسبة لي لأرتدي زي الفرسان الرسمي، وهو ما كان ثمرة تفاوض مع والدي، الذي أصر قائلًا:
“فقط ارتدي هذا، من فضلكِ.”
“بصفتي قائدة فرسان إيمبليم، هذا هو أفضل زي يمكنني ارتداؤه.”
حتى هذا كان حلاً وسطًا بعد أن توسل إليَّ والدي وهو يبكي، إذ كنتُ عازمةً على ارتداء زي الفارس العادي.
عندما رأت جيسيا مظهري غير المتناسب مع حفل الخطوبة، تنهدتْ بإحباط.
“لا يمكن أن يحدث هذا، آنسة سيليسيا. لا توجد مثل هذه القاعدة في العالم. أي نوع من حفلات الخطوبة هذا، حقًا…!”
“هل تبكين؟ هل تبكين الآن؟”
“إذن، هل لا يُسمح لي بالبكاء؟ ماذا تعتقدين أنني أفكر بشأن هذه الخطوبة، آنسة سيليسيا؟”
“والداي يجبراني على تقديم عرضٍ زائف يظهر العلاقة الودية بين العائلتين؟”
“آنسة سيليسيا!”
تحول التوسل المؤثر المليء بالدموع سريعًا إلى نوبة غضب.
بدأت جيسيا، التي أصبح وجهها محمرًا من الغضب، في توبيخي.
“إنه اتحادٌ بين عائلتي إيمبليم وغراي! هل تدركين ما يعني ذلك؟!”
“جيسيا، اهدئي، أنتِ متوترةٌ للغاية.”
صرخت جيسيا مرةً أخرى:
“القارة بأكملها تنتظر بفارغ الصبر هذا الاتحاد! هل تعلمين كم عدد البلدان التي أرسلت مبعوثين لتهنئة العائلتين على خطوبة الآنسة سيليسيا والسيد إينوك؟”
للأسف، لم يكن من الممكن إيقاف جيسيا الغاضبة، حتى من قبل والدتها.
في النهاية، تنهدتُ بعمقٍ وطلبتُ من جيسيا أن تهدأ.
“لماذا أجهل ذلك؟ أنا على درايةٍ بكل شيء.”
“حقًا؟”
“بالطبع. مع اتحاد فرسان عائلتي إيمبليم وفرسان غراي التاريخيين الذين اعتادوا على كراهية بعضهم البعض كأعداء، فإن زواج ورثة كلتا العائلتين يعد مشهدًا مثيرًا للجميع، أليس كذلك؟”
“آنسة سيليسيا!”
ضحكتُ مجددًا وأنا أراقب جيسيا، التي كانت تصرخ من الإحباط.
في حين أن مضايقة جيسيا كانت ممتعةً، إلا أن الحقيقة أن تصريحي لم يكن بعيدًا عن الواقع.
كانت والدتي، سيدة إيمبليم، ووالدة إينوك، سيدة غراي، تتمتعان بصداقة استثنائيةٍ يعتبرها الجميع معجزةً تاريخية.
كما تبادلتا وعودًا بتزويج أبنائهما قبل ولادتهم.
“لقد اختفى إينوك غراي في غابة كرايتون الشيطانية منذ أسبوع. إذا كنتُ محظوظةً، قد يُلغى حفل الخطوبة. في هذه الحالة، سأتخلى بكل سرورٍ عن شرف أن أكون الآنسة الأولى في الإمبراطورية التي تحضر حفل خطوبتها بزي الفرسان.”
“لا يجب أن تقولي مثل هذه الأشياء السيئة. إذا لم يأتِ الشخص الذي ستكون الآنسة سيليسيا مخطوبةً له، ماذا ستفعلين…؟”
“إلغاء الخطوبة سيكون جيدًا، أليس كذلك؟”
عند سماعها لكلماتي، فتحت جيسيا عينيها على مصراعيها مجددًا.
إذا لم أكن حذرةً، سأجد نفسي أستمع إلى موعظةٍ عن تأثيرات اتحاد إيمبليم وغراي.
قبل أن تتمكن جيسيا من البدء في نوبةٍ جديدةٍ من الغضب، فتحتُ باب غرفة الانتظار بنية الهروب.
في الخارج، تفرّق الرجال الذين كانوا يتجسسون وسقطوا على الأرض.
“آآه!”
كان هؤلاء الرجال فرسان فرقتي.
ما الجدوى من ارتداء زي فرسان إمبلم إذا انتهى بهم الأمر بهذا الشكل المهين؟
“ماذا تفعلون هنا؟”
عند سماع صوتي البارد، مسحوا عرقهم بتوترٍ وبدؤوا يضحكون بشكلٍ محرجٍ معًا.
“سمعنا شائعةً كاذبةً عن أن القائدة سترتدي فستانًا وأردنا تصحيح ذلك فورًا…”
“قال جاك إنه يجب علينا أن نأتي لرؤيتك أولًا.”
“لا، كان لوكاس هو من اقترح اختلاس النظر عبر شق الباب.”
“ماذا؟ متى قلتُ ذلك؟”
“وماذا تعني أنتَ أيضًا؟ متى قلتُ أنا ذلك؟”
سواء كان الأمر مُحرِجًا أن يتم الإمساك بهم وهم يحاولون التسلل إلى غرفة الانتظار، أو مُحرِجًا لكونهم يتخبطون ببعضهم البعض الآن، لم أستطع تحديد أيهما كان أكثر إحراجًا.
رؤيتهم وهم يزيدون الجدل بصوتٍ مرتفع جعل رأسي يؤلمني.
“ماذا تفعلون هنا جميعًا؟”
“حسنًا، إذا لم ترغب القائدة في إقامة حفل الخطوبة، يمكنكِ مغادرة المكان دون النظر إلى الوراء. لقد تم تجهيز مخرج للهروب.”
“ماذا؟ هل تعرفون أين نحن الآن؟”
كنا في قاعة الولائم بالقصر الإمبراطوري.
وهذا يعني أن الحفل تم تنظيمه من قبل الإمبراطور.
نظروا إليَّ بتساؤل، ثم أجابوا وكأنهم فهموا ما قلته سابقًا:
“كل ما علينا فعله هو القول إن القائدة لن تشارك.”
“انسوا الأمر. من الأفضل أن ننهي الحفل بدلًا من انتظار شخص لن يأتي على أي حال.”
“عذرًا؟ ماذا قلتي؟”
“هل شاهد أحدكم الكاهن؟”
“نعم، رأيته سابقًا يقف بجانب المذبح.”
“حسنًا، تراجعوا.”
سرت بين أكتاف الحشد المتجمع وتقدمت للأمام.
التعامل مع هذه الحفلة الرسمية كان يعكر صفو رأسي.
اتباعًا لتوجيهاتهم، وجدتُ الكاهن واقفًا في وسط الحفل مبتسمًا بودية.
“الكاهن، أنت هنا.”
عندما تلاقت عيوننا، بدأ هو في التعبير عن قلقه كما لو كان ينتظرني.
“اوه، سيليسيا. سمعت أنه لا توجد أي أخبار عن السيد إينوك بعد. ولكن لا داعي للقلق؛ أنا متأكد أنه سيأتي.”
“إذا كان لديه القوة لمواجهة الوحوش، فإينوك سيهزمهم ويعود. لذا، لا داعي للقلق، أيها الكاهن.”
“حقًا، أنتِ لا تتزعزعين.”
كانت كلمات الكاهن الطيبة تتردد بشكل غير مريح.
لقد قاطعته بسرعة لمنعه من بدء موعظة طويلة مثل جيسيا، وتوجهت مباشرة إلى صلب الموضوع.
“بدلًا من ذلك، من فضلك، دعنا نبدأ الحفل الآن.”
“هل تعنين أنكِ ستقيمين الحفل بمفردكِ بدون خطيبك؟”
“نعم. يبدو أن إينوك لن يأتي اليوم، ولا يبدو من اللائق أن نعيد الضيوف الذين حضروا.”
“لكن آنسة سيليسيا، لا يمكن إقامة الخطوبة بدون الطرفين المعنيين. وإذا تم إتمام الحفل بدون إينوك، ولم يعد بأمان، فستغدين وحيدة…”
“أن أعيش وحيدة دون أن أتزوج؟ حسنًا، هذا ليس سيئًا جدًا.”
بينما كنت أتكلم، بدأت عيون الكاهن تدمع، ثم غطى فمه بيده.
كان من الواضح أنني تسببت في حدوث سوء فهم.
“ليبارك الرب قلب الآنسة سيليسيا الطيب والنبيل. لقد كنتِ تقولين أنكِ تكرهينه كثيرًا…”
“أيها الكاهن!”
“نعم، آنسة سيليسيا. دعينا نبدأ المراسم. لكي يبقى السيد إينوك خطيبكِ الأبدي.”
“أنت تعلم أنني لم أقصد ذلك بهذه الطريقة، هل يجب أن تصيغ الأمر بهذه الطريقة حقًا؟”
“هاها.”
ضحك الكاهن بسعادة وأخرج جرسًا من رداءه، ليقرعه بفرح.
كان الصوت الواضح للجرس إشارة إلى أن المراسم ستبدأ قريبًا.
تجمع الناس بوجوه مشوشة، مدركين أن إينوك لم يعد بعد من مهمته.
بينما كنت أراقب فضولهم، ابتسمت ابتسامة ودية.
حفلة خطوبة تُقام بوجود الخطيبة وحدها بسبب غياب الخطيب.
كانت هذه فرصة مثالية للاحتجاج رسميًا على دوق غراي.
‘لنستخدم هذا كذريعة لإنهاء الخطوبة.’
في تلك اللحظة، اتخذت هذا القرار الحاسم.
بينما كان الهمس والصخب يعم المكان، شعرت بوجود مألوف.
“ما الذي يعنيه هذا…”
بينما كنتُ أنظر إلى الجهة التي بدا أن مصدر الفوضى منها، رأيتُ رجلًا قادمًا نحوي، وهو يرفع شعره الرمادي المغمور بالدماء وكأنه آتٍ من عالم الموتى.
“إينوك غراي…”
عندما نطقتُ باسمه، توقف إينوك عن السير للحظةٍ ونظر نحوي.
كان الرجل، الذي غُمر بالدماء من رأسه حتى أخمص قدميه، تنبعث منه رائحةٌ قوية ناجمة عن الدماء التي تغطيه.
بدأ الضيوف المجتمعون بالهمس مع بعضهم البعض.
“يا إلهي، إنه إينوك غراي. قالوا إنه ذهب إلى كرايتون لقمع الوحوش، لكن يبدو أنه عاد للتو.”
“الخطيبة ترتدي زي الفرسان وتحمل سيفًا، وخطيبها يظهر للتو ملطخًا بالدماء. من يراهم في هذا المشهد قد يظن أن هذا ليس حفل خطوبة بل ساحة حرب.”
“لكن بطريقة ما، قد يكون هذا هو الحفل الأنسب لخِطبة بين عائلتي غراي إيمبليم.”
في تلك اللحظة، ارتسمت على شفتي إينوك ابتسامة جميلة، فتوقف همسات الحضور في أرجاء القاعة.
عيونه الزرقاء، التي كانت تصفها جميع الآنسات بكونهن سيغرقن في عمقها، كانت اليوم أكثر جمالًا من المعتاد.
وهكذا، لفت انتباه الجميع وسار نحوي بكل ثقةٍ، حتى وصل إليّ.
“هل كنتِ تنوين حقًا إتمام خطوبتكِ دوني، سيليسيا إيمبليم؟”
“كيف انتهى بك الحال بهذا الشكل…؟”
“كان عليّ الحضور.”
أجاب إينوك بصوتٍ خافتٍ وعميق، بينما كان مغمورًا بالدماء من رأسه لأخمص قدميه.
لا أستطيع تفسير السبب، لكن بدا إينوك غراي في حالةٍ غير متزنةٍ تمامًا الآن.
قطبتُ جبيني وسألته:
“ماذا حدث في كرايتون؟”
“ماذا حدث…؟”
تمتم إينوك وهو يكرر سؤالي، ثم نظر إليَّ بصمت.
كانت نظرته، التي انخفضت بشدة، تتفحص عينيَّ، أنفي، شفتيَّ.
“أريد أن أسألكِ شيئًا، سيل.”
“…قلتُ لكَ ألا تناديني بهذا اللقب، إنه يجعلني أشعر بالغثيان.”
“عليكِ أن تسمعيني.”
قاطعني إينوك مجددًا، وكأن شيئًا ما بداخله قد تغيَّر.
لم يكن يتصرف كعادته، بل بدا عليه القلق.
“أخبرني، ماذا هناك؟”
قبض يده كما لو كان يستعد للكلام، ثم ابتسم إينوك الذي كانت ابتسامته دائمًا ساحرة، وأصبحت الآن أكثر سحرًا وجمالًا.
بينما كنتُ أراقب ابتسامته بصمت، شعرتُ بشيء غريب في صدري، كما لو كان شيئًا مألوفًا ولكنه كان غامضًا للغاية.
“ما خطبك؟”
لقد قضيتُ معظم وقتي مع إينوك غراي،
حتى وإن كرهنا بعضنا البعض بشدة، فلا يمكنني إنكار أنني قضيتُ معظم حياتي معه.
لكن الآن، بدا إينوك غراي أمامي وكأنه شخص غريب.
“لماذا لم أدرك ذلك إلا الآن، سيل.”
“ماذا؟”
“كيف لم أتعرف عليكِ رغم أنكِ أمامي مباشرة؟ لم أشعر قط بهذا القدر من اليأس. لو أن ذاكرتي عادت في وقتٍ أبكر…”
“لا أستطيع أن أفهم كلمة واحدة مما تقول.”
“لا يهم.”
بدأ وجه إينوك يقترب مني تدريجيًا بينما كان يقول كلامًا غير مفهوم بالنسبة لي.
قبل أن أتمكن من استيعاب الوضع، طبع إينوك قبلة على شفتيَّ، بينما كانت ابتسامته لا تزال مرسومة على شفتيه.
“آآه!”
“ماذا تفعل أيها المجنون…؟!”
انتشرت الهمسات من حولنا مليئة بالذهول.
في تلك اللحظة، أدركتُ أن إينوك غراي قد قبَّلني حقًا.
‘إينوك غراي، أيها الوغد، أيها المعتوه المجنون!’
بينما كنتُ أحاول دفعه بعيدًا عني، توقف إينوك عن تقبيل شفتيَّ، وهمس قائلًا:
“ألم تفتقديني، أيتها المحققة؟”
محققة؟ كانت كلمة ‘محققة’ غريبة في إمبراطورية روتيناس، فهي ليست كلمة معروفة هنا.
تجمَّدتُ في مكاني، غير قادرة على التحرك.
“ماذا قلت الآن؟”
كانت تلك الكلمة، بتلك النبرة وطريقة اللفظ، شيئًا لا يعرفه أحد هنا إلا أنا فقط.
“لا يمكن أن تكون!”
عندما لاحظ إينوك رد فعلي المذهول، ابتسم ابتسامة يعلوها النصر.
وعندما رأيتُ وجهه المليء بالفرح، أدركتُ صحة المقولة التي تقول:
[العدو يظهر في أكثر اللحظات غير المتوقعة.]
وها هو عدوي من حياتي السابقة يقف أمامي في حفل خطوبتنا.