ندم البطل الثاني - 110 || هل يمكننا تغيير المستقبل المحدد؟⁴
حدَّقت كاثرين في الكتاب المفتوح أمامها.
“هذا الكتاب…”
راودها إحساس مألوف.
“في الحلم الأول، لم أتذكَّر سوى المشهد الذي أصيب فيه صهري بجروح خطيرة. وفي الحلم الثاني، لم أتذكَّر سوى المشهد الذي كنتما فيه سعيدَين معًا.”
تذكَّرت كاثرين ما قالته سابقًا لكلوي.
نعم، ذلك الحلم الثاني. كان الكتاب الذي رأته في حلمها أثناء الرحلة الطويلة والمرهقة من “ريو” إلى “هيرنيا”، التي أرهقت جسدها وأثقلها المرض.
—
“أبي، ماذا تفعل؟ لا يجب أن تتحرَّك!”
أوقف هابيل يديه المنشغلتين ووبَّخ جيرارد بعبوس.
“هو على حق، عزيزي. لا تتحرك.”
قالت كلوي، التي كانت ترسم بجوار هابيل، لجيرارد أيضًا.
“حسنًا… هذا أصعب مما توقعت.”
ردَّ جيرارد وهو يحاول تعديل وضعيته المتصلبة ويسحب ذقنه للخلف. زفر بهدوء، مصمِّمًا على التحمل قليلًا بعد.
لكن الجلوس بلا حركة كان أصعب بكثير مما تخيَّله.
“…”
حرَّك عينيه قليلًا لينظر إلى الأم وابنها المنهمكَين في الرسم. بدا أن كلوي وهابيل منشغلان تمامًا بلوحاتهما لدرجة أنهما بالكاد لاحظا انزعاجه.
تسلل نسيم البحر العليل عبر النافذة المفتوحة، وعبث الهواء المالح بشعرهما البني والذهبي مرةً قبل أن يصل إليه.
أحبَّ هذا المشهد الهادئ للغاية.
بدت فكرة قضاء إجازة على شاطئ بحر مانيا جيدة. كان البحر الأزرق، الذي يشبه تمامًا عيني الأم وابنها، يلمع خلفهم مع صوت الأمواج المريح.
ومع ذلك، لم يستطع النسيم المالح تهدئة ضجره من الجلوس بلا حراك.
“…مهلًا.”
نادَى جيرارد زوجته وابنه بصوت مستعطف.
“أمي، انظري! لقد رسمت يدًا!”
“يا إلهي، هابيل! لقد فعلتها بشكل رائع! كيف تمكَّنت من رسم يد والدك بهذه الدقة؟”
لكن الاثنين، المندمجَين في الرسم، لم يسمعا نداءه.
“أمي، انظري إلى رسمكِ أيضًا! رسم أمي لوالدي رائع جدًا!”
“حقًا؟ سماع هذا منك يجعلني سعيدة جدًا، هابيل.”
كان الاثنان مشغولين بالإعجاب برسومات بعضهما البعض، مع بقع من الطلاء على وجهيهما وأنفيهما.
“لننهِ الأمر هنا اليوم، حسنًا؟”
رفع جيرارد صوته قليلًا ليُكرر طلبه مرة أخرى.
“أنا متعب جدًا، كلوي…”
قال وهو يرفع كتفيه، مما دفع كلوي للابتسام بخفة.
مؤخرًا، أصبح جيرارد بلانشيت أكثر صراحة في التعبير عن مشاعره.
وغالبًا ما كان يستخدم صيغ الحديث غير الرسمية عندما يريد شيئًا. من الواضح أنه كان يعلم أن كلوي ستستمع إليه أكثر بهذه الطريقة.
“هابيل، والدك متعب للغاية. ماذا تقول؟”
“همم… لكنني أريد أن أستمر في الرسم…”
عندما تردد هابيل، أضاف جيرارد بسرعة:
“هابيل، ما رأيك أن نذهب لنرى البحر بدلًا من ذلك؟ أعدك أن أكون نموذجًا للرسم مرة أخرى غدًا.”
“ما رأيك، هابيل؟”
“حسنًا! لنذهب لرؤية البحر!”
وضع هابيل فرشاته على الطاولة ونهض. وفي نفس الوقت، نهض جيرارد أيضًا، وهو يمدد جسده المتصلب في مواضع عدة.
—
“واو! انظروا إلى كل هذه الطيور المتجمِّعة!”
عندما وصلوا إلى الشاطئ، ركض هابيل نحو سرب الطيور. تسبَّبت حركته المفاجئة في تحليق الطيور دفعةً واحدةً في الهواء، مما خلق مشهدًا مذهلًا.
“هابيل! اركض ببطء! قد تسقط!”
“حسنًا!”
أجاب هابيل على تحذيرات كلوي القلقة بحماس، لكن ساقيه القصيرتين لم تتباطآ على الإطلاق.
هزَّت كلوي رأسها بامتعاض على هذا المشهد. في تلك اللحظة، لفَّ جيرارد ذراعه بلطف حول خصرها وسحبها نحوه.
“هل تشعرين بالبرد، عزيزتي؟”
لم تكن نسائم أواخر الربيع باردة بما يكفي لإثارة القلق، لكن كلوي، متظاهرة بالخضوع للمسة زوجها، سمحت لنفسها بالانجذاب إليه.
وضعت يدها على يده المستقرَّة على خصرها. كانت تلك اليد الكبيرة تحمل ندبة بارزة.
“هل ما زالت تؤلمك؟”
سألت وهي تعبث بالندبة دون أن تدرك ذلك.
“لا، بالتأكيد لا.”
“هذا يزعجني. ماذا لو بقيت إلى الأبد؟”
“لا بأس. وجود ندبة كهذه قد يكون مفيدًا لأروي قصةً لأحفادنا في المستقبل.”
“أحفاد؟”
ضحكت كلوي بخفَّة على تعليق جيرارد الجريء. ابنُهما لم يبلغ العاشرة حتى، وها هو يتخيَّل مستقبلًا بعيدًا كهذا.
تبادل الزوجان ابتسامات صغيرة أثناء مراقبتهما لطفلهما. وراءه، امتدَّ البحر الأزرق الواسع، حيث كانت أمواجه تتلألأ بلمعان مذهل تحت انعكاس أشعة الشمس.
“لطالما أردت القدوم إلى هنا معكِ.”
كسر جيرارد الصمت.
“ماذا؟”
“لطالما اعتقدت أن عينيكِ تشبهان بحر مانيا الذي رأيته في طفولتي.”
عند سماع كلماته، أسندت كلوي رأسها بهدوء على كتفه.
“لنأتِ إلى هنا كثيرًا. لدينا الآن متَّسع من الوقت.”
“فكرة رائعة.”
بعد استقالته من منصبه كقائد لفرسان الإمبراطورية، أصبح جيرارد يملك الكثير من وقت الفراغ. في الآونة الأخيرة، كان يشعر بالإثارة عند التفكير في قضاء كل هذا الوقت مع عائلته.
“لكن هناك مشكلة.”
“ما هي؟”
“هناك الكثير من الأشياء التي أرغب في فعلها معكِ.”
ضحكت كلوي بخفَّة على حماسه وسألته، “مثل ماذا؟”
“حسنًا، أولًا، أود إقامة معرض فني لعرض لوحاتكِ. ما رأيكِ؟”
نظرت كلوي إلى زوجها الذي بدا أكثر حماسًا منها.
“فكرة جميلة. هل هذا يعني أنك ستكون الراعي الفني لي؟”
ابتسامتها، التي انعكست في عينيها، جعلت تفاحة آدم لجيرارد تتحرك بوضوح.
هل كانت تدرك مدى ضعفه أمام ابتسامتها؟ هل كانت تتعمَّد إغراءه؟ لم يستطع جيرارد أن يرفع عينيه عن كلوي بينما واصل حديثه:
“أريد أن أقبلكِ، كلوي.”
ثم، ببطء، نزلت شفتا جيرارد على شفتيها.
—
وهكذا، عادوا إلى الحياة اليومية الهادئة لعائلة بلانشيت. كان الحب ما زال يملأ قلبيهما، واحتفلت العائلة الصغيرة بكل لحظة تجمعها معًا.
ومع ذلك، أدَّت صراحتهما المكتشفة حديثًا أحيانًا إلى نشوب خلافات. بل كان هناك ليالٍ يُطرد فيها الماركيز من غرفة النوم، ويضطر للجوء إلى غرفة ابنه.
لكن في تلك الليالي، كانت المحادثات تدوم طويلًا، ودائمًا ما كانت تنتهي بالمصالحة. حتى هابيل لم يعد يقلق بشأن المشاحنات العرضية بين والديه.
—
“آه…”
بينما كانت تقرأ كاثرين الكلمات المكتوبة أمامها، أدركت شيئًا فجأة.
“لقد تغيَّر المستقبل.”
جاءتها الفكرة كوميض من الضوء. كانت تشعر، دون أدنى شك، أن المستقبل قد تغيَّر.
“يا لَحسن الحظ.”
امتلأت عيناها بالدموع، متأثرة بالسعادة التي شعرت بها من الكتاب. دفء المستقبل الجديد الذي أُعدّ لأختها غمر قلبها بالحب والعاطفة.
“شكرًا… شكرًا جزيلاً…”
تدفَّقت كلمات الامتنان تلقائيًا من شفتيها.
وعندما فاضت مشاعر الامتنان، اختفى الكتاب، وبدأ الظلام من حولها ينقشع.
لقد حان وقت الاستيقاظ من الحلم.
ومنذ تلك اللحظة، توقَّفت الأحلام التي تنبأت بالمستقبل عن زيارة كاثرين.
* * *
بعد بضعة أيّامٍ، فتح جيرارد، الذي تسمّم، عينيه أخيرًا.
“آه…”
أطلق جيرارد أنينًا وهو يحاول النهوض بصعوبة. كان صوته مبحوحًا، وجسده كلّه يؤلمه كما لو أنّه تعرّض للضّرب المبرح.
“عزيزي، هل استيقظت؟”
نادته كلوي بقلق، جالسة بجانبه. سارعت لاستدعاء الطّبيب.
وبعد أن فحصه الطّبيب، أوضح أنّ جيرارد تعافى بشكلٍ كبير، لكنّه لا يزال بحاجةٍ إلى الحذر. أوصى بأطعمةٍ تساعد على التّخلّص من السّموم، ثمّ غادر.
“…عزيزتي.”
“نعم؟ ماذا هناك؟ هل تحتاج شيئًا؟”
أمسكت كلوي بيد زوجها وسألته بنبرةٍ مفعمةٍ بالقلق. لكنّ جيرارد هزّ رأسه ببطء. لم يكن يناديها لأنّه بحاجةٍ لشيء.
“أين نحن؟”
“نحن في إقليم نورمان.”
رمش جيرارد عدّة مرّاتٍ ببطء. كان إقليم نورمان يقع شرق فيتان.
بدأت كلوي تشرح له بالتّفصيل ما حدث منذ انهياره.
“بعد أن تسمّمت، قدّم أحد فرسان أناتا الإسعافات الأوّليّة.”
كانت أناتا أكبر منتجٍ للأعشاب الطّبيّة في الإمبراطوريّة، وكان فرسانها مدرّبين على استخدام الأدوية والسّموم، وخاصّةً التّابعين المباشرين لهيراس، الذين كانوا بارعين في هذا المجال.
“بالإضافة إلى ذلك، تمكّن السّير مور من الحصول على التّرياق مقابل مصلحةٍ مع عائلة باين. لو لم يكن ذلك…”
توقّفت كلوي عن الحديث، غير قادرةٍ على إكمال الجملة. مجرّد التّفكير فيما كان يمكن أن يحدث يفوق قدرتها على التّحمّل.
رأى جيرارد قلقها، فحاول النّهوض أكثر، مُحدثًا صوت أنينٍ منخفض، ليُظهر لها أنّه بخير.
“عزيزتي، أنا بخير الآن.”
“حسنًا، لكن لا تُجهد نفسك.”
ألحت كلوي عليه، فاستلقى مرّةً أخرى وسأل عن الوضع الحاليّ في فيتان. كان متأكّدًا أنّ الأمور ازدادت سوءًا في غيابه.
لكن إجابة كلوي جاءت على عكس توقّعاته تمامًا.
نقل فرسان أناتا جيرارد وكلوي وليلى إلى عقارٍ قريبٍ لضمان سلامتهم. وفي الوقت نفسه، عاد هيراس إلى فيتان وبدأ بقمع التّمرّد بجدّ.
“في النّهاية، فشل التّمرّد في فيتان، وأصبح جيش أناتا الآن يُطارد الفيكونت باين الهارب.”
“لماذا فعلوا ذلك؟”
سأل جيرارد بدهشة، وقد بدا الاستغراب واضحًا على ملامحه. فقد كان يتوقّع أن يظلّ جيش أناتا محايدًا.
“لأنّك لم تكن المُصاب الوحيد. ليلى تعرّضت للإصابة أيضًا. واعتبرت عائلة أناتا ذلك هجومًا مباشرًا عليها وقرّرت أنّ علاقتها مع فيتان لم تعد قابلةً للإصلاح.”
“…فهمت.”
“وقريبًا، ستصل التّعزيزات الثّالثة.”
“التّعزيزات الثّالثة؟”
ردّد جيرارد كلماتها بدهشةٍ واضحة.
“بمجرّد أن تأكّدت حقيقة التّمرّد في فيتان، بدأ جلالة الإمبراطور بالضّغط على الفصيل النّبيل. والآن، يقود الدّوق الأكبر لأناتا فرسان الفصيل النّبيل إلى هنا.”
عندما أنهت كلوي حديثها، أطلق جيرارد ضحكة غير مُصدّق. كان الأمر أشبه بمعجزةٍ أن يتمّ حلّ كلّ شيءٍ أثناء غيابه.
“إذن، ماذا ستفعل الآن؟”
سألت كلوي عن خطّته المستقبليّة.
“سأعود وأقود الجيش.”
كان جيرارد يعلم أنّ هذا هو الجواب الذي يُفترض به أن يقوله. كان هذا واجبه كقائدٍ عامٍّ وكقائدٍ لفرسان الإمبراطوريّة.
“…”
ولكنّه لم يستطع أن ينطق به.
“هل يجب أن نعود؟”
بدلًا من ذلك، خرج سؤال مختلف تمامًا.
“ربّما يكون هذا تفكيرًا أنانيًا، لكن…”
شعر جيرارد بهذه الفكرة فجأة. أليس ما فعله كافيًا؟
لقد أصبح انتصار الإمبراطوريّة مؤكّدًا الآن. هل من الضّروريّ حقًّا أن يضع نفسه في المقدّمة مرّةً أخرى؟
“لنعد إلى المنزل، كلوي. لقد افتقدت هابيل.”
“…حسنًا. لنعد إلى المنزل.”
لقد حان وقت العودة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505