ندم البطل الثاني - 108 || هل يمكننا تغيير المستقبل المحدد؟²
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- ندم البطل الثاني
- 108 || هل يمكننا تغيير المستقبل المحدد؟²
“جيرارد!”
بمجرَّد رؤية وجه كلوي وهي تصرخ، أدرك جيرارد أنَّ شيئًا ما كان يطير نحوه من الخلف.
اندفع بخطواتٍ واسعة ليحتضن كلوي التي كانت تركض نحوه، ودار بها على الأرض؛ إذ لو تجنَّب السهام وحده، لكانت أصابت زوجته.
فششش… اخترق السهم الهواء فوقهما مباشرةً، ممزِّقًا السكون.
فقد السهم قوته بعد أن صدَّه سيف هيراس، وسقط على الأرض.
“هل أنتِ بخير يا كلوي؟”
“أنا… أنا بخير. ماذا عنك؟”
تفحَّصت كلوي جيرارد بقلق، وجهها شاحبٌ من الخوف. رؤية تعبيرها المذعور جعل جيرارد يقبض على شفته دون وعي.
“أنا بخير أيضًا.”
نهض جيرارد بسرعةٍ وأخفى كلوي خلفه.
“من هناك!”
وجَّه هيراس وفرسان أناتا سيوفهم نحو الاتجاه الذي جاءت منه السهام.
ثمَّ خرجت مجموعةٌ من الرجال المسلَّحين من بين الشجيرات. بدا أنَّ عددهم حوالي خمسة عشر رجلًا.
“كما توقَّعت، إنَّه الماركيز بلانشيت.”
الرجل الذي كان واقفًا في المقدِّمة كان الابن الأكبر للفيكونت باين. تمتم قائلًا إنَّهم كانوا سيفقدون فرصة الإمساك بجيرارد.
“ألا تعرف الجريمة التي ترتكبها بتهديدك من يتحرَّك بأمر الإمبراطور؟ إذا لم تستسلم على الفور، فسوف تُعتبر خائنًا!”
صاح جيرارد وهو يرى المتمردين يقتربون منهم شيئًا فشيئًا.
“ها! إذا استسلمنا الآن فلن تُعتبر هذه خيانة؟”
سخر الابن الأكبر للفيكونت باين.
“لا يوجد خيارٌ آخر بعد أن تمَّ اكتشاف دليل تمردنا.”
قال الابن الأكبر للفيكونت باين وهو ينظر إلى من حوله. كان يُحاول منع سكَّان فيتان، الذين لم يكونوا مستعدِّين بعد، من الشعور بالاضطراب.
دليلٌ على التمرد؟
تجمَّه جيرارد عند سماع كلمات الابن الأكبر للفيكونت باين.
هل يعقل أنَّ… إيدن قد اكتشف شيئًا ما؟
قبل أيامٍ قليلة، أمر جيرارد إيدن بمراقبة قصر الفيكونت باين. كان إيدن يُراقب المنطقة لعدَّة أيام.
هل اكتشف شيئًا بالفعل؟ كلُّ ما طلبه هو مراقبة من يدخل ويخرج من القصر.
لم يكن في نيته الكشف عن شيءٍ في هذه المرحلة؛ كان يريد فقط أن يكون حذرًا. لكنه فوجئ بأنَّ الأمور تسارعت بهذا الشكل.
من الواضح أنَّ الجانب الآخر ارتكب خطأً وأوقع نفسه في الفخ. كان يجب عليهم أن يتصرَّفوا بحذرٍ إذا أرادوا ألا يُكتشف أمرهم.
بسبب هذا، اختلَّت خطته في قمع المتمردين بعد أن يُرسل زوجته والدوقة إلى العاصمة.
“تسك.”
نقر جيرارد على لسانه بانزعاجٍ وأزال بعض العشب من ملابسه قبل أن يسحب سيفه.
لم يكن يرغب في خوض معركةٍ أمام زوجته. لم يكن قلقًا فقط من أن تُصاب في المعركة، بل أيضًا لم يكن يُريدها أن ترى مثل هذا المشهد الوحشي.
لكن، نظرًا للظروف، لم يكن لديه خيار.
أمسك جيرارد بمقبض سيفه بإحكامٍ وانطلق إلى الأمام. كانت حركته إشارةً لفرسان أناتا وهيراس لرفع سيوفهم وبدء الهجوم.
كلينج— ملأ صوت تصادم المعدن الهواء.
“جيرارد!”
بمهارة، تفادى جيرارد ضربةً غير متقنة وقطع عنق خصمه. على الرغم من أنَّ المتمرِّد قد تلقَّى تدريبًا، إلا أنَّ مهاراته في المبارزة كانت تفتقر إلى الدقَّة بسبب قِصر مدَّة تدريبه.
فششش… تطايرت الدماء ورشَّت على وجه جيرارد.
نظرةٌ خاطفة إلى كلوي كانت كافيةً قبل أن يستمرَّ في هجومه. رآها تحدِّق بعينيها المتسعتين من الخوف والصدمة.
أثارت ملامحها المتوتِّرة حساسيَّته بشكلٍ أكبر. تساءل كيف يبدو في عينيها وهو مُغطَّى بالدماء، وماذا لو بدأت تنفر منه بسبب ذلك؟
بالطبع، لم تكن هذه هي المرَّة الأولى التي يُقاتل فيها جيرارد أمام كلوي، لكنه كان دائمًا يريد أن يحميها من رؤية مثل هذا العنف.
فبعد كلِّ شيء، لا شيء نبيل في نظرة الحقد التي تظهر في عينيه عند قتل أحدهم.
“كفى. ركِّز.”
همس جيرارد لنفسه بينما يقطع عنق متمرِّدٍ آخر يتَّجه نحوه. لكن بمجرَّد أن تتزعزع معنوياته، لن يتحسَّن مزاجه بسهولة.
“مُتْ!”
رفع أحد المتمرِّدين سيفه عاليًا واندفع نحوه، لكنَّ الخوف في عينيه كان واضحًا، وكان من السهل استغلال الضعف الذي يخلقه الخوف.
دون تردُّد، طعنه جيرارد. كانت حركاته أكثر قسوةً من المعتاد، ربما بسبب حالته النفسيَّة غير المستقرَّة.
“آآآآه!”
صرخة المتمرِّد تردَّدت أصداؤها بينما يسحب جيرارد سيفه. كانت عيناه مليئتين بالحقد.
رغم أنَّ جيرارد رأى تلك النظرات آلاف المرَّات، إلا أنَّها بدت أكثر إزعاجًا له اليوم. كم مرَّةً بعد يجب عليه أن يرى تلك النظرات؟
كم مرَّة عليَّ أن أرى هذا قبل أن أعود لعائلتي؟
على الرغم من أنَّه ودَّع كلوي في وقتٍ سابق بسهولة، فإنَّ الحقيقة كانت أنَّه لم يكن يُريد الانفصال عنها. في قلبه، كان يرغب في الإمساك بيدها والعودة معها إلى العاصمة.
لكن كان هناك عملٌ يجب أن يتمَّ هنا. لهذا السبب تظاهر بأنَّ كلَّ شيءٍ على ما يُرام، مُخفيًا قلقه. كانت سلامة زوجته تأتي أوَّلًا قبل رغبته في البقاء معها.
ولكن الآن، مع تعرُّضها للخطر، كان الإحباط والقلق يملآن صدره.
وووش.
في تلك اللحظة، وكأنَّه شعر بأنَّ جيرارد فقد تركيزه للحظة، هاجم سيفٌ حاد عنقه.
“أُغ.”
بمناورةٍ سريعة، استطاع جيرارد بصعوبةٍ أن يتجنَّب السيف.
“مُتْ، بلانشيت!”
كان المهاجم الابن الأكبر للفيكونت باين، الذي كان يحمل السيف التقليدي لفيثان. اصطدمت سيوفهم، مُحدثةً صوت احتكاكٍ معدني.
تجعَّد جبين جيرارد وهو يُواجه أسلوب سيف فيثان غير المألوف. كانت نقاط القوَّة والسرعة مختلفةً عمَّا اعتاد عليه.
لكن سرعان ما تمكَّن جيرارد من فهم الأسلوب.
كانت سيوف فيثان أثقل من السيوف الإمبراطوريَّة التقليديَّة، وقد صُمِّمت لتوجيه ضرباتٍ قويَّة من الأعلى. محاولة صدِّ هذه الضربات فقط ستؤدِّي إلى تآكل السيف.
لذا، تحايل عليه جيرارد بالتظاهر بالانسحاب، ثم…
“آه؟”
جيرارد تظاهر بصدِّ سيف الخصم، ثمَّ تحرَّك بسرعةٍ إلى الجانب. وبما أنَّ السيف كان ثقيلًا، استغرق الخصم وقتًا لاستعادة توازنه.
واستغلَّ جيرارد الفرصة ليضرب نقطة ضعف خصمه بمقبض سيفه.
“أوه!”
بأنين، انهار الابن الأكبر للفيكونت باين. وللتأكُّد من هزيمته، ضغط جيرارد مرَّةً أخرى على نقطة ضعفه ورفع جسده المُغمى عليه.
“اسمعوني أيُّها المتمرِّدون! إذا لم تستسلموا فورًا، فسأقطع رأسه!”
عند كلمات جيرارد، تردَّد المتمرِّدون الذين كانوا يُهاجمون وتباطأوا. مع بقاء خمسةٍ منهم فقط، كانوا يعرفون أنَّ المقاومة أصبحت بلا جدوى.
“إذا ألقيتم أسلحتكم الآن، فسأُعفي عائلاتكم من العقاب الجماعي.”
أعلن جيرارد بصوتٍ قاسٍ بعد فترةٍ قصيرة من المواجهة. فوفقًا للقانون الإمبراطوري، كانت العائلات التي تتورَّط في الخيانة تُعدم بأكملها. لكنَّه كان يعرض عليهم العفو عن عائلاتهم.
“…”
كانت علامات الاستسلام واضحةً في أعين المتمردين، وبدأوا واحدًا تلو الآخر في إلقاء أسلحتهم.
بدأ فرسان أناتا في تقييدهم. في تلك الأثناء، سلَّم جيرارد جسد الابن الأكبر للفيكونت باين المُغمى عليه إلى هيراس واقترب من كلوي.
“كلوي، هل أنتِ بخير؟”
كان يعلم أنَّ الاقتراب منها وهو مُغطَّى بالدماء لا طائل منه، لكن قدميه تحرَّكتا بغريزة. لقد خفَّ توتره وشعر بالراحة لرؤية زوجته بأمان.
“عزيزي.”
أخرجت كلوي منديلًا من جيبها ورفعته نحو وجه جيرارد.
لكن جيرارد هزَّ رأسه على الفور.
“لا، سيتَّسخ.”
فرك وجهه بذراعه وهو يتحدَّث. ورغم أنَّ بعض الدماء قد مُسحت، إلا أنَّ الدماء التي جفَّت بقيت عالقة.
“لن يتَّسخ.”
تجاهلت كلوي اعتراضه وأعادت المنديل إلى وجهه.
أمام هذه اللمسة الحانية والعنيدة، لم يكن أمام جيرارد خيارٌ سوى السماح لزوجته بالعناية به. أغمض عينيه.
وعندما أغمض عينيه، أصبح أكثر وعيًا بحركة المنديل الناعمة على وجهه. وكلَّما شعر بلمسة زوجته، هدأ تدريجيًّا من توتُّر المعركة.
كان المنديل الأبيض في يدها يبدو له كأنَّه رمزٌ نقي يشبهها: خالٍ من الشوائب وثمين. لم يستطع أن يفهم لماذا منحته هذه الزوجة النقيَّة. فتح عينيه ورأى الأوساخ التي التصقت بالمنديل، وشعر وكأنَّ هذه الأوساخ تمثِّله هو.
“حسنًا، بما أنَّ المنديل قد تلطَّخ بالفعل، ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟”
أطلق جيرارد ضحكة خفيفة بمكر وهو يفكِّر في أنَّه ليس لديه أيُّ نيَّة للتخلِّي عنها.
“هاها…”
“لماذا تضحك؟” سألت كلوي بحيرة.
“فقط…”
كان يشعر بالدهشة من مدى تغيُّر مشاعره بسرعة. كان يختنق من القلق والمشاعر السلبيَّة منذ لحظات، لكن بوجودها، أصبح كلُّ شيء يبدو أخفَّ وأسهل.
“إنَّه بسببكِ، عزيزتي.”
منذ أن كان صغيرًا، كان جيرارد يبحث عن شيءٍ يملأ الفراغ الذي شعر به في قلبه. في فترةٍ ما، ظنَّ أنَّ الحصول على اعتراف والده سيملأ هذا الفراغ، وفي فترةٍ أخرى، اعتقد أنَّ علاقته الأولى مع ليلى هي ما كان يبحث عنه.
لكن الآن، أدرك أنَّ الشخص الذي كان يبحث عنه طوال هذا الوقت كان أمامه طوال هذه المدَّة. أمسك جيرارد بكُمِّ كلوي بلطف وسحب يدها قليلًا نحو الأسفل.
“ماذا هناك؟ هل تشعر بألمٍ في مكانٍ ما؟” سألت كلوي بقلق عندما لاحظت تصرُّفاته الغريبة.
“لا، أنا بخير.”
هزَّ جيرارد رأسه، مؤكِّدًا لها أن لا داعي للقلق.
كان قلبه مثقلًا بالأفكار حول المستقبل الذي تحدَّثت عنه كاثرين، المستقبل الذي رأته كاثرين في الحلم والذي أزعج كلوي كثيرًا.
لم يكن جيرارد متأكدًا إن كان قد نجح في تغيير ذلك المستقبل أم لا. بذل قصارى جهده لتغيير ما قد يحدث، لكنَّه كان يعلم أنَّ النتيجة ما زالت غير مؤكَّدة.
ربما كان ذلك هو السبب في أنَّه ردَّ بشكلٍ أكثر حدَّة على الهجوم من المعتاد.
ومع ذلك، كان واثقًا من شيءٍ واحد: إذا لم يكن هناك ضمانٌ للمستقبل، فعليه أن يستمتع باللحظات التي يعيشها الآن مع زوجته.
“هناك شيءٌ نسيت أن أقوله لكِ، كلوي.”
لطالما كان جيرارد يؤجِّل الأمور، لكنَّه أدرك الآن أنَّ “لاحقًا” قد لا يأتي أبدًا.
“ما هو؟”
“شكرًا لكِ على قدومكِ.”
“آه… هذا شيءٌ طبيعي. كيف لي أن أبقى بعيدةً وأنتَ مُعرَّضٌ للخطر؟” أجابته كلوي، ظنًّا منها أنَّه يتحدَّث عن قدومها إلى إقليم فيتان.
لكن جيرارد كان يتحدَّث عن كلِّ لحظة قضتها بجانبه منذ أن التقيا.
“كلوي، أنتِ…”
“؟”
“أنتِ أكثر شخصٍ رائعٍ وشجاعٍ قابلتُه في حياتي.”
تفاجأت كلوي بهذه الكلمات، إذ لم تعتد على سماع مثل هذه الإطراءات من جيرارد. كانت غالبًا ترى أنَّ مثل هذه الصفات تُمنَح لنساء مثل ليلى، النساء القويَّات والواثقات بأنفسهن.
بنظرةٍ خاطفة نحو ليلى، التي كانت تتحدَّث مع هيراس، شعرت كلوي بشيءٍ غير متوقَّع يلامس أعماق قلبها. كلمات جيرارد لامست شيئًا حساسًا بداخلها، وأحسَّت بموجةٍ من المشاعر تغمرها.
“لماذا تقول هذا الآن…؟”
ضحك جيرارد بخفَّة عندما رأى شفتيها تبرزان قليلًا بسبب توتُّرها. كان تعبيرها يُشبه تعبير ابنهما هابيل حين يغضب، ما جعل ابتسامته تتَّسع.
“فقط شعرت أنَّني يجب أن أقول ذلك الآن. أحيانًا، إن لم نقل الأشياء في وقتها، قد نندم لاحقًا.”
مال جيرارد بلطفٍ ووضع جبينه على جبينها، وهمس: “في السنوات الثماني التي عشناها معًا، لم يمرَّ يومٌ واحدٌ دون أن أكون ممتنًّا لوجودكِ في حياتي.”
“…….”
“إذا سُمح لي، أريد أن أعيش بقيَّة أيامي وأنا أُحبُّكِ. أنا واثقٌ من أنَّني قادرٌ على فعل ذلك.”
ضحكت كلوي بهدوء، وكأنَّها تذكَّرت تلك اللحظة منذ ثماني سنواتٍ عندما تقدَّم لها بطلب زواجٍ غير تقليدي.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505