من فضلك كوني أختي في القانون! - 6
1. مكائد المشاغبين (6)
**
“هيه، ما الذي تفعله بحق خالق الجحيم؟”
بينما كنت أعود إلى غرفتي لتبديل ملابسي وأقف أمام خزانة الملابس، فُتح الباب فجأة دون طرق.
ودخل أيدن هيذر ، ابن عمي، إلى غرفتي وكأنه أمر طبيعي تمامًا، دون استئذان أو طلب إذن.
زفرت تنهيدة خفيفة، متوقعة أن يحدث شيء كهذا.
كنت أعرف أن هذه الفوضى لن تمر بسلام، سواء من قبل السيدة هيذر أو أي شخص آخر، لكن لم أتوقع أن يأتي أكثر شخص مزعج بينهم.
رغم أنني كنت أتوقع هذا السيناريو، إلا أنه لم يكن مرحبًا به على الإطلاق.
كان يقف متكتف الذراعين بثقة، كما لو أنه لن يسمح لي بالتهرب أو التملص كما فعلت قبل أيام مع السيدة هيذر .
الأغرب من ذلك، لماذا هو هنا في هذا الوقت؟
سمعت منذ عامين أنه دخل إلى فرقة الفرسان الملكية بفضل توصيات إيزيت هيذر .
ولكن يبدو أنه طُرد مرة أخرى.
كانت رؤية هذا الوجه الذي لم أره لفترة طويلة كافية لتعيد إلي كل الذكريات المزعجة التي حاولت دفنها.
“ألا تسمعينني؟ ما الذي تفعلينه لتثيري اهتمام الأميرة والعائلة الإمبراطورية؟ لماذا قد يهتم هؤلاء الأشخاص بشيء مثلك؟”
اقترب مني بجسده الضخم بطريقة تهديدية، صارخًا في وجهي.
شعرت بصداع يضرب رأسي من صوته العالي، ولم أكن أعرف كيف أرد عليه، ولم أرغب حتى في الرد.
تجاهلت كلمات أيدن هيذر وفتحت خزانة الملابس لأبحث عن ملابس مناسبة للخروج.
“أوه، حقًا؟!”
يبدو أن تجاهلي لكلامه قد أثار غضبه مجددًا.
فجأة، مد يده ودفعني بقوة، مما جعلني أرتطم بحافة باب الخزانة دون أي دفاع.
شعرت بألم حاد في كتفي ورأسي، حتى أن الرؤية أمامي أصبحت مشوشة للحظة بسبب الألم.
حاولت كبح شهقة الألم، وعضضت على أسناني لمنع صدور أي صوت.
لكن عندما رأى ملامحي المتألمة، بدا وكأنه وجد بعض الراحة، فضحك ساخرًا وقال:
“هذا هو المكان الذي تنتمين إليه.”
كنت أعرف أن رؤيته لمعاناتي تزيد من فرحته، لذا حاولت إخفاء مشاعري، لكن يدي التي خبأتها خلف ظهري كانت ترتعش بشدة.
بعد كل هذه السنوات، لم يكن هذا الوغد يجرؤ على لمس جسدي مباشرة.
لكن يبدو أن معرفته بزوال اسم ريتشارد أديل من حياتي جعلته يعود إلى تصرفاته القديمة.
يعرف أنني لا أستطيع مواجهته بالقوة.
ويعلم أنه لا أحد سيساعدني كما كان الأمر في الماضي.
جبان حقير.
“لا أعرف ما الذي تفعله من قذارات أخرى، ولكن إذا سببت أي ضرر لعائلتنا، فلن أتركك وشأنك.”
كان حديثه يبدو وكأن مجرد وجودي عبء على هذه العائلة. لم أشعر برغبة في الرد عليه.
منذ طفولتي، كنت دائمًا أتلقى مثل هذه المعاملة، ووصل بي الحال إلى الاعتقاد بأن هذا الأمر طبيعي.
لهذا السبب، حتى عندما كان يسيء إليّ بالكلام أو يؤذيني جسديًا، كنت أحاول تفهمه.
كنت أتحمل بصمت صراخه ويديه التي كانت تضربني كأنها وسيلة لتفريغ غضبه.
حتى قبل ثلاث سنوات، عندما ارتكب هذا الحقير فعلته المشينة تجاهي، لم أتمنَّ معاقبته.
ليس لأنني لم أكرهه أو لم أشعر بالكراهية تجاهه لدرجة تمنِّي قتله، بل لأن هذا القصر البائس، الذي لم يجلب لي سوى الذكريات السيئة، كان المكان الوحيد الذي يمكنني العودة إليه.
كنت فقط أريد أن أعيش بسلام في هذا المنزل، دون إحداث مشاكل.
رفعت نظري البارد نحو أيدن ونظرت إليه مباشرة.
-الأجدر بك أن تكون حذرًا بنفسك.-
-لو لم يسامحك الامير، لكنت قد فقدت رأسك هناك على الفور بسبب حماقاتك، وأنا أيضًا كنت سأواجه المصير نفسه.-
-أعلم أنك تعيش حياتك دون تفكير، لكن لا تدع مصائبك تمتد إليّ.-
كتمت الكلمات التي كانت تدور في رأسي، وأخرجت معطفًا داكن اللون من الخزانة.
حاولت أن أبدو هادئة بينما كنت أرتدي المعطف فوق ملابسي، مخفيةً يدي المرتجفة حتى لا يلاحظ ضعفي.
لكن قبل أن أكمل، امتدت يده وسحب المعطف من يدي.
شعرت بردة فعل جسدي تنكمش خوفًا دون إرادتي، لكنني سرعان ما تماسكت ونظرت إليه.
كان يقف ساخرًا بابتسامة مستفزة، وكأنه يتحداني أن أجرؤ على استعادته.
“وأيضًا، دعيني أنصحك بشيء: توقفي عن أوهامك السخيفة.”
كنت أحاول دائمًا الحفاظ على ملامح وجهي بلا تعبيرات عندما أتعامل معه.
كنت أعلم أن أي إظهار للضعف أو الألم سيزيد من سعادته.
إخفاء مشاعري هو طريقتي الوحيدة لتقليل انتباهه المزعج.
“هل تذكرين ما قلته لك بشأن دوق أديل؟ نصحتك وقتها أن تستفيقي من أوهامك.”
لو لم أفعل ذلك، كان سيستمر في استغلال كل فرصة لإيذائي بضحكته الوقحة.
“ها أنت الآن، بعد أن كنت تلاحقين الدوق، انتهى بك الأمر دون أن تحصلي على شيء.”
ارتجاف جسدي الذي كان قد توقف بالكاد بدأ يشتد من جديد.
شعرت بأن الملامح باردة التي كنت أحاول الحفاظ عليها بدأت تنهار.
عندما أدركت أنني لم أعد قادرة على السيطرة على تعابير وجهي، خفضت رأسي بسرعة.
“حاولي أن تعيشي بعقل يا غبية. هل تظنين أن شخصًا بمكانة دوق أديل يمكن أن يأخذ واحدة مثلك بجدية؟ بالطبع لا، أنت مجرد تسلية مؤقتة بالنسبة له. وجهك وجسدك ربما كانا مقبولين، ولم تبدِ أي علامات على التسبب في مشاكل لاحقًا. ولكنك لم تدركي ذلك، وبدأتِ تتحدثين عن الحب وحدك، حتى ملّ منكِ الدوق. واضح تمامًا ما حدث. ربما ظننتِ أنه عندما أنقذكِ بالصدفة مرة واحدة، أنه كان حب حياتك وقدركِ، فتشبثتِ به بلا وعي. لا أستطيع تخيل كم كنتِ تبدين مثيرة للشفقة في نظره. أنا نفسي أشعر بالعار لأجلكِ. هل كنتِ تحلمين بالارتقاء إلى مكانة دوقة؟”
“اخرُج.”
“ماذا؟”
يداي، التي قبضت على طرف تنورتي دون وعي، بدأت ترتجف.
كان الأمر كما لو أن شظايا زجاج تسللت إلى جرح حديث لم يلتئم بعد، مسببة ألمًا لا يطاق.
بنظرات غاضبة وعيون بدأت تحمر، صرخت في وجهه:
“اخرج فورًا من غرفتي!”
صفعة!
شعرت بحرقة مؤلمة في خدي الأيسر، ورأسي مال جانبًا بفعل الضربة.
استعدت جزءًا من وعيي. كان هناك طعم الدم في فمي، ربما بسبب جرح داخلي.
لم أندهش، بل كان الأمر مألوفًا بالنسبة لي.
بهدوء، عدّلت وضعي وأخذت الملابس التي كان يحملها من يديه.
ثم بدأت بارتدائها كما لو لم يحدث شيء.
“هل جننتِ؟ كيف تجرؤين على الصراخ في وجهي؟”
لم يكن أيدن قادرًا على كتم غضبه، فبدأ يصرخ ويتنفس بصوت عالٍ.
“هل تظنين أنكِ أصبحتِ شيئًا الآن لأنكِ فجأة بدأتِ تتعاملين مع أفراد العائلة الإمبراطورية ؟ هل أصبحتِ تعتقدين أنكِ شيء يُذكر الآن؟”
بينما كان يصرخ حتى كاد صوته ينفجر، شعرت بصداع شديد.
كنت أفكر في ما إذا كنت بحاجة لتحمل صفعة أخرى، لكن حينها:
طرق، طرق.
كان الباب، الذي كان مفتوحًا على مصراعيه بالفعل، يُطرق بهدوء، وأعلن كبير الخدم عن وجوده.
كان ينظر بحذر إلى أيدن، ثم قال بلباقة:
“آنستي، صاحب السمو، الامير الثاني، ينتظر في الطابق السفلي.”
يبدو أن كبير الخدم أدرك أنني لن أتمكن من مغادرة هذه الغرفة ما لم يتدخل.
اغتنمت الفرصة، وبوجه مرتاح قليلاً، تحركت للخروج، متجنبة النظر إلى أيدن.
حتى وإن كان مثل الثور الغاضب، فإنه على الأقل كان يخشى مواجهة الامير.
لحسن الحظ، لم يحاول الإمساك بي، لكنني سمعت صوت تحطم شيء من خلفي.
بدا الأمر وكأنه إحدى المزهريات التي أحبها كثيرًا، قد تم تكسيرها على الأرض.
وكأن أيدن أراد تدميري تمامًا بدلاً من تلك المزهرية.
“فقط ركزي على إقناع صاحبة السمو الأميرة.”
كان قلبي ينبض بشدة خوفًا من أن يقترب أيدن مجددًا، أو أن يجبرني بالقوة كما فعل سابقًا.
شعرت بمدى هشاشتي وأنا أرتجف بوضوح، فحاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أوقف ارتجاف يديّ بضمّهما معًا بإحكام.
حاولت تجاهل مشاعري المكبوتة، وأقنعت نفسي بعدم التفكير مجددًا في ذلك الشخص الذي تخلي عني، محاولًة دفن تلك الذكريات العالقة.
ريموند ، الامير الثاني، طلب مني إقناع صاحبة السمو الأميرة يوري وصاحب السمو الأمير الرابع ألين. فقد رفضا تناول الطعام احتجاجًا على زواجي المنتظر من ريموند .
كنت أعلم أنني مُكلفة بمهمة ثقيلة لإقناعهما وضمان عدم تكرار هذا الموقف مجددًا.
تسارعت خطواتي عندما أدركت أنني لا أستطيع تأخير الأمير الثاني أكثر من ذلك.
وأنا أهرول نزولًا على الدرج باتجاه مدخل القصر، وقعت عيني على مرآة.
تذكرت أنني لم أفعل شيئًا سوى تغيير ملابسي على عجل، فتوقفت لمراجعة مظهري.
رأيت شعري مبعثرًا وخدي الأيسر متورمًا واحمراره واضح، في حين كانت شفتاي وجانبا فمي متشققتين ومصابتين.
كان مظهري أسوأ مما تخيلت، وأطلقت تنهيدة عميقة.
كيف سأقف أمام الامير والأميرة بهذا الشكل؟ لا شك أن أي إنسان سيرغب بمعرفة سبب هذه الجروح.
ولكن لا يمكنني إخبارهم بأنني تلقيت تلك الصفعات من ابن عمي الغاضب.
لم أستطع فضح مشاكل عائلتي وإخبارهم بكل هذه التفاصيل المحرجة.
فكرت في العودة للأعلى لوضع بعض مساحيق التجميل لتغطية هذه الجروح، لكنني تراجعت عندما أدركت أن هذا لن يخفي شيئًا.
كما أن تأخير الامير لمجرد إخفاء جروحي لم يكن خيارًا منطقيًا.
قررت أن أُسدل شعري على وجهي قدر المستطاع لتغطية الخد المتورم، وأبقيت رأسي منخفضًا لتجنب النظر المباشر.
على أي حال، لا أعتقد أن ريموند سيولي اهتمامًا كبيرًا لمظهري.
تركت مخاوفي جانبًا وأسرعت نحو مدخل القصر.
ما إن خرجت حتى لمحته على مسافة، يتحدث مع أحد حراس الفرسان.
بينما كنت أقترب منه بحذر، حرصت على إبقاء شعري متطايرًا مع الرياح ليغطي وجهي قدر الإمكان، متجنبةً الكشف عن ملامحي المتضررة بالكامل.