معلمة الروضة الإستقراطية تواجهُ يومًا عصيبًا - 9
كان صوته مليئًا بالارتباك.
ولا عجب في ذلك، فقد التقى بمعلمته في مكان غير متوقع.
كان جميع الأطفال الذين تجمعوا هناك طلابًا سابقين في روضة “لوينديل”، وقد تخرجوا منها العام الماضي.
“لماذا يتصرف صغير عائلة جوفين بهذه الطريقة؟”
“هل هذه المعلمة؟ هل هي إحدى أساتذة الأكاديمية؟”
“أوه، أليست معلمة في روضة لوينديل؟”
“أليست تلك المعلمة التي أدخلت وريث عائلة مركيز جوفين إلى الأكاديمية؟ يا إلهي!”
بدأ النبلاء يتهامسون بصخب. في تلك الأثناء، جلست “إيفينا” على ركبتيها لتكون في مستوى أعين الأطفال.
“هاهاها، أيها الصغار اللطفاء، هل نسيتموني بالفعل بعد كل هذا الوقت؟”
نادَت أسماءهم بألطف صوت ممكن.
“دانيان، هاتشيل، رايبول.”
لكن لماذا يتعرقون بهذا الشكل؟
لو كان الأمر طبيعيًا، لكانت قد مسحت عرقهم، لكن الوضع مختلف الآن.
فما زالت هناك دروس في الآداب يجب تعليمها.
تحدثت “إيفينا” بصوت لطيف ولكن حازم.
“ألم تتعلموا أنه يجب عليكم تحية معلمتكم عندما تراها؟”
“هييك!”
“وفوق ذلك، أنتم تحاصرون شخصًا واحدًا كجماعة! لم أعلمكم ذلك أبدًا… يبدو أنني سأضطر لشرح موضوع ‘المتغيرات الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على التنمر الجماعي’ مرة أخرى.”
لماذا شحبت وجوهكم بهذا الشكل؟ هل أنتم سعداء برؤيتي بعد وقت طويل؟
ربّتت على أكتافهم بلطف، وفي تلك اللحظة، جاء صوت هادئ ومسترخٍ من خلفها.
“بانتايد.”
كان رجلاً يرتدي بدلة رمادية داكنة وقناعًا أسود، يتجه نحوهم.
في الوقت نفسه، ركض الصبي صغير يبلغ من العمر خمس سنوات نحوه وتعلق بساقه.
ثم فتح شفتيه الصغيرتين وقال بصوت بريء وبسيط:
“…أخي.”
قالها… بتلك النبرة الطفولية البريئة.
أخي!
“بانتايد، ماذا كنت تفعل هنا؟”
مدّ “بانتايد”، الذي كان في حضن أخيه الأكبر، ذراعيه القصيرتين، وأشار بإصبعه الصغير نحو الأطفال الذين كانت “إيفينا” توبّخهم.
“…تقاتلنا.”
كانت قنبلة من ثلاث كلمات فقط، لكنها أخرست كل النبلاء الثرثارين.
أفهمكم تمامًا. يبدو أنكم أيضاً شعرتم بجو الأخ الأكبر المهيب.
حتى “إيفينا” شعرت بذلك.
كان هذا الرجل… وكأنه وحشٌ مُختبئ.
أضفى حضوره وحده جوًا مشحونًا على المكان. وبعد لحظة من الصمت، تحدث بصوت خافت.
“تقاتلتم؟”
“أوهـ.”
رمش عينيه ببطء، ثم تبع بصره إصبع الطفل الصغير.
بدت عيناه، التي يمكن رؤيتهما من خلال فتحات القناع، باردة وهو يمسح بنظره الأطفال.
“المشكلة أنهم أطفال.”
“سيجعلهم يبكون هكذا.”
نهضت “إيفنا” من جلستها وسارت نحوه.
“مرحبًا.”
وفقًا لدليل التعامل مع أولياء الأمور في مثل هذه المواقف:
أولاً، يجب أن تبتسم “ابتسامة العمل” لخفض التوتر. ثم يجب أن تهتم بالطفل المتضرر…
“هل أنت الوصي على هذا الطفل؟”
“ماذا؟”
“سألتكُ إن كنتَ الوصي.”
اللعنة. نعم، لا بد أنه يعتقد ذلك.
لم يكن دليلها الخاص بالمعلمين مفيدًا في هذه الحالة.
“تشرفت بلقائك. أنا المعلمة التي درّست هؤلاء الأطفال. من المفترض أن يكون آباؤهم في طريقهم إلى هنا الآن.”
“يزحفون إلى هنا إذن.”
‘البشر يسيرون على أقدامهم، لكن شكرًا لك.’
“بصفتي معلمة الأطفال، أود أن أعتذر عما حدث. أنا آسفة جدًا.”
رغم أن “بانتايد” قال ببساطة إنهم تشاجروا، كان من الواضح أنه لم يكن مجرد شجار بل تنمر.
بعدما انحنت “إيفينا” تعبيرًا عن أسفها، التفتت نحو الأطفال وتحدثت بصوت منخفض.
“دانيان، هاتشيل، رايبول.”
“ن-نعم، معلمتنا.”
“لا داعي لأن أخبركم أن ما فعلتموه ليس مجرد خطأ. إنه خطؤكم بالكامل. انظروا، آباؤكم قادمون الآن.”
كان ماركيز “جوفين” يركضُ وقد خلع قناعهُ، كان وجهه متوهجً بغضب .
لم تكن “إيفينا” تعرف بالضبط ما الذي قيل له، لكنه بدا مستاءً للغاية.
كان يركض وهو يحدق في الأخ الأكبر “بانتايد” وكأنه يريد أن يقتله. لكن عندما رأى “إيفينا”، توقف فجأة.
“لقد تفاجأ.”
ظهر على وجهه المحمر ابتسامة محرجة.
“هاها، معلمة إيفينا، لم أكن أتوقع رؤيتك هنا.”
“سيدي، مضى وقت طويلٌ. كيف حالكَ؟”
“أنا بخير، بالطبع. ولكن ما الذي يحدث هنا؟”
“كما ترى، كان هناك شجار بين الأطفال، لذلك كنت أوقفه.”
رغم أنها أسمته “شجارًا”، كان في الواقع تنمرًا، لكنها لم تستطع قول ذلك مباشرة لأحد الوالدين.
لكن مركيز “جوفين” فهم ما قصدته فورًا، لأنه واجه مشكلة مماثلة عندما كان “دانيان” في الروضة.
“ما … ماذا بحق…”
لم يستطع العثور على الكلمات المناسبة، ونظر حوله بتوتر.
كان النبلاء يراقبون المشهد باهتمام وهم يتهامسون.
مسح جبهته بإحراج. وفي تلك اللحظة، تحدث الأخ الأكبر “بانتايد” لأول مرة منذ بداية الحادثة.
“إليهاد جوفين، ماركيز جوفين.”
بتلك الكلمات وحدها، انتقل انتباه الجميع إليه.
“هل قال لتوه ‘ماركيز غوفين’؟”
“هل أقول ، ‘أيها الأحمق الحقير، جوفين’ بدلاً من ذلك؟”
“ماذا؟ ماذا؟”
‘هل سمعتُ خطأً؟ شعرتُ وكأنني سمعتُ كلمة ‘أحمق’ منذ لحظات.’
قامت “إيفنا” بضرب أذنها بخفة مرتين.
لكن لسوء الحظ، كان سمعها في أفضل حالاته.
كان الأمر حقيقيًا بالفعل. ولم تكن الوحيدة التي تفاجأت، فقد وقف جميع النبلاء الآخرين بفم مفتوح في ذهول.
صرخ ماركيز “جوفين”، الذي كان يحدق بذهول، بوجه متجهم غاضب.
“هل جننت؟! هل فقدت عقلك؟! هل تعلم من أنا لتتفوه بهذه التفاهات؟!”
“سمعتُ أن ابنك، أيها الماركيز، تحدى أخي الصغير في معركة لم يكن بإمكانه الفوز بها.”
“يبدو أنه لديكَ من يسندكَ، أجعلهُ يستعد جيدًا. هذا الجيل الجديد ليس عديم الأدب فحسب، بل أصبح مجنونًا أيضًا!”
“هذا ليس شجاعة، بل تهور. يجب أن تعلّمه الفرق بينهما.”
هل هناك جدار غير مرئي بين الاثنين؟
وإلا، لماذا لا يحاول أي منهما الاستماع إلى الآخر؟
قام الأخ الأكبر لـ”بانتايد” بتعديل وضعية “بانتايد”، الذي كان ينزلق من بين ذراعيه، وحمله بإحكام أكثر.
“قلتُ إنني اعتمد على شيء….”
” كان بسبب الهراء الذي تتفوه به منذ لحظات؟!”
“هذا بالضبط ما أردتُ قوله. أنت من يجب أن تعتمد على شيء ما، يا ماركيز. أيًّا كان ذلك الشيء.”
حتى من خلف القناع، كان من السهل الشعور بنظرته المتعجرفة.
كانت هالته أرستقراطية، لكنها حملت شيئًا غامضًا وخطيرًا في الوقت ذاته.
‘من يكون هذا الرجل بحق الجحيم؟’
وكأن الإجابة جاءت ردًا على تساؤلها الداخلي، ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة.
“سمعتي ليست جيدة أبدًا.”
رفع ذراعه.
تحت أساور بدلته المصممة بعناية، برزت عروق واضحة على ظهر يده.
كانت يده الطويلة البيضاء تمسك بالقناع الأسود.
وبحركة خفيفة، سقط القناع، ليكشف عن عينين ضيقتين بكسل.
“يقولون عني إنني أطلق النار عندما أغضب. وأعتقد أن هذه الشائعة ليست بعيدة عن الحقيقة.”
“هذا الرجل هو…”
اضطرت “إيفينا” إلى فرك عينيها من شدة الصدمة.
لكن بصرها، مثل سمعها، كان طبيعيًا تمامًا.
وكأن أحدهم ترجم صدمتها إلى كلمات، صدح صوت مرتعش من داخل القاعة.
“هـ… هيلديبورن دوق الإمبراطورية!”
كان الرجل هو “كايدن هيلديبورن”، الدوق الوحيد في الإمبراطورية.
“كيف يمكن لدوق هيلديبورن أن يكون هنا؟!”
“أليس من النادر أن يحضر أي حدث خارج حفلات القصر الملكي والمناسبات الرسمية؟!”
“يا للعجب… إنه أكثر رجولة بكثير من صورته الأخيرة المنتشرة!”
غطّت إحدى الشابات النبيلات وجهها بكلتا يديها في نشوة.
كان وجهها محمرًا بالكامل، حتى أنه بدا واضحًا من أسفل قناعها الأصفر الفاتح.
أما النبيلة بجانبها، فقد فتحت مروحتها برشاقة وهمست لها.
“آنسة سيرين، عليكِ أن تنتبهي لأقوالكِ.”
“لكن، آنسة هينا، ألا تفكرين بنفس الشيء؟ توقفي عن التظاهر!”
” إن دوق هيلديبورن كان دائمًا… شديد الرجولة.”
“أوه، كم أنتِ متعلمة! لا بد أنني قلتُ كلامًا ساذجًا.”
حقًا، هكذا يبدو حديث النبلاء المثقفين؟
لكن المؤسف أن معظم الحاضرين كانوا متجمدين في أماكنهم من الرعب.
ومن بين هؤلاء، كانت “إيفينا” بالطبع.
“ماركيز جوفين.”
تقدّم “كايدن”، الأخ الأكبر لـ”بانتايد”، بخطوة هادئة.
“أنا لا أهتم لذلك الشيء الذي تعتمد عليه يا ماركيز. الجميع متساوون أمام فوهة البندقية. خصوصًا في ساحة المعركة.”
لم يسبق لـ”إيفينا” أن رأت شخصًا يدعم إلغاء الطبقية والمساواة الإنسانية بطريقة مخيفة إلى هذا الحد.
“لذلك، بدلًا من التباهي بمنصبك أمامي، سيكون من الأفضل أن تهتم بابنك المرعوب هناك.”
“…!”
أغمض مركيز جوفين” عينيه بإحكام.
رغم أنه بدا كأحد رؤساء العصابات المتغطرسين، إلا أنه كان في الواقع سياسيًا بارعًا.
تحت ضوء الثريات الفاخرة، كان النبلاء يراقبونه عن كثب.
أضف إلى ذلك، أن خصمه الآن هو “دوق هيلديبورن”.
‘لا بد أنه أجرى حساباته بالفعل.’
خرج صوته، هذه المرة، أكثر رزانة.
“لقد كان ابني غير محترم للغاية. وبصفتي والده… قلتُ كلامًا غير لائق.”
“هل سمعت ذلك؟”
أمال “كايدن” رأسه قليلًا ونظر إلى “بانتايد”.
أجاب الطفل بوجه بريء وبنبرة غير مبالية.
“لا بأس.”
في هذه القاعة الهادئة للغاية، بدا صوت شهيقه الصغير واضحًا.
وهكذا، انتهى الموقف بسلاسة غير متوقعة.
بعد أن انحنى مركيز “جوفين” وزوجته بعمق، أمسكوا بـ”دانيان” وغادروا بسرعة.
لكن الشيء الأكثر إثارة للدهشة كان…
‘إذاً، إنه
دوق هيلديبورن؟ لا أزال مصدومة. الآن بعد أن فكرت في الأمر، في القصة الأصلية أيضاً…’
وفي اللحظة التي وصلت فيها إلى ذلك الجزء من أفكارها، تجمد تعبير “إيفنا”.
استدارت ببطء وحدّقت في الأخوين الواقفين بلا مبالاة.
‘اللعنة، ما هذا الجنون، إيفينا! كيف يمكن أن أنسى؟ عائلة دوق هيلديبورن…!’