معلمة الروضة الإستقراطية تواجهُ يومًا عصيبًا - 6
الوقت مر بسرعة.
في أوائل الربيع، دخلت إلى هذا العالم الروائي، والآن أصبحت أنظر إلى الخريف.
وهكذا، يبدو أنني قضيت وقتًا طويلًا هنا.
خلال هذه الفترة، لم يتغير حال “إيفينا” على الإطلاق.
بل، لو أردنا الدقة، فقد ساءت الأمور أكثر.
“آه، أنفي يؤلمني.”
في الغرفة، كان الماء القذر يتسرب باستمرار، مما أدى إلى إنتشار رائحةٍ كريهة.
هذه الرائحة التصقت بجسد “إيفينا”، لدرجة أن الخدم كانوا يغطون أنوفهم كلما رأوها.
مع الطعام الشحيح الذي كانت تتناوله، أصبح من الطبيعي أن يزداد جسدها نحافة وهزالًا.
كان الأمل الوحيد الذي تنفست منه قليلًا هو الوقت الذي تقضيه في منزل خطيبها، الماركيز “هاردينيس فيلتزين”، حيث كانت تتلقى دروس العروس.
في ذلك اليوم، بقيت “إيفينا” في منزل الماركيز تعمل على مراجعة الأوراق حتى ساعة متأخرة من الليل.
“هل تجاوزةُ الوقتَ لهذا الحد؟”
مدت ذراعيها الهزيلتين للأعلى وهي تتثاءب.
بعد أن انتهت من مراجعة الميزانية نصف السنوية بعناية، خرجت من الغرفة.
كان الجوع يعتصرها ولم تعد تتحمله.
بينما كانت تقاوم برودة الرياح في أواخر الخريف، سمعت ضحكات رقيقة قادمة من مكان قريب.
“ما هذا الصوت؟”
بخطوات شبه مسحورة، بدأت تسير نحو الصوت، رغم إحساس غريب يخبرها أنها لا ينبغي أن تذهب.
كان الصوت قادمًا من غرفة “هاردينيس”، التي كان بابها مفتوحًا قليلًا.
“هيا، هاردينيس. كفى. سوف تتلف شفتيك.”
“آسف، ليليان. أنت جميلة للغاية ولا أستطيع مقاومة ذلك.”
كانت كلمات تقليدية ومبتذلة.
المشكلة، إن وجدت، هي أن الأسماء التي ذكرت كانت مألوفة للغاية.
حبست “إيفينا” أنفاسها واقتربت بعينيها نحو فتحة الباب.
رأت شخصين يتبادلان القبلات بعمق في رؤيتها الضبابية.
كانا “ليليان” و”هاردينيس”.
“……!”
وضعت “إيفيتا” يديها على فمها دون وعي.
كانت يداها النحيلتان ترتعشان بشكل واضح.
“كيف يمكن أن تكون ليليان وهاردينيس……؟”
كانا قريبين من بعضهما بشكل لا يصدق، دون أن يدركا أن الباب مفتوح قليلًا.
سقط شعر “ليليان” الوردي برقة على كتف “هاردينيس”.
“هل أنا جميلة؟ حقًا؟”
“بالطبع. لا يوجد شخص أجمل منك في هذا العالم.”
“أجمل من أختي إيفيتا؟”
“كيف يمكن لشخص مثل إفنا أن يقارن بك؟”
لم تكن “إيفينا” تتصور أن “هاردينيس” يستطيع الضحك بهذا الشكل الحقير.
كان يتحدث عنها بسوء، بينما يقبل شفتي “ليليان”.
“لقد قلت لك من قبل. خطبتي من إيفينا ليست سوى وسيلة للزواج منك.”
“أعلم ذلك. بسبب أصلي، لا يمكننا أن نتخطب الآن. لكنني بالكاد أستطيع التحمل. أشعر بالغيرة حقًا.”
“لا تقلقي. لقد وعد الكونت برفعك قريبًا كابنة رسمية له. عندما يحدث ذلك، سأفسخ خطبتي من إيفينا ونعقد زواجنا فورًا.”
كان عقل “إيفينا” المتجمد بسبب عبء العمل يحاول استيعاب الموقف ببطء.
فهمت “إيفينا” حقيقة الوضع.
كانت صورة “هاردينيس” الطيبة كلها كذبًا.
في الممر، كان الهواء البارد يلف عباءتها، مما جعلها تقف جامدة.
في المقابل، كم كان الجو دافئًا داخل الغرفة؟
كانا يخلعان ملابس المنزل الفاخرة دون أي تردد.
ظهرت عينا “ليليان” الورديتان مفعمتين بالحيوية وهي تبتسم بسعادة.
“أريد أن يكون زفافنا الأكبر والأفخم.”
“بالطبع. أنا أؤجل زواجي من إيفيا قدر الإمكان. إنها مزعجة، لكنها ليست عديمة الفائدة تمامًا. إنها تجيد عملها نوعًا ما.”
“أختي بلا موهبة، أليس كذلك؟ لهذا السبب يجب عليها أن تبذل جهدًا كبيرًا. هذا ما يقوله والدي دائمًا. إنها مسكينة. حتى لو كانت ابنة الزوجة الشرعية، فإنها بلا موهبة.”
كان في كلمات “ليليان” مزيج من الغطرسة والشعور بالنقص بسبب أصلها.
كانت “ليليان” تقلل من شأن “إيفينا” لتُعزّز من احترامها لذاتها.
لكنها لم تكن تحب “إيفينا” كأخت، ولم تحب “هاردينيس” أيضًا.
ومع ذلك، كانت “إيفينا” تحترمهما وتثق بهما إلى حد ما.
لم تتوقع أن تتعرض لهذه الخيانة.
“آه…….”
شعرت بالغثيان.
بدأ القيء يصعد من معدتها.
أمسكت عباءتها المتساقطة وخرجت من المكان وكأنها تهرب.
“لأجل ماذا كنت أتحمل؟ كيف تحملت كل تلك الإهانات……؟”
كانت قدماها تهتزّان وهي تركض خارج القصر.
تصاعدت أنفاسها إلى حنجرتها، وكان قلبها ينبض كأنه سينفجر.
“هاه، هاه……!”
شعرت بالألم في ذراعها التي تعرضت للضرب من والدها قبل أيام قليلة.
تذكرت نفسها عندما دخلت هذا العالم لأول مرة، وهي مليئة بالثقة.
تذكرت أشهرًا من الضرب والإهمال.
تذكرت الغرفة المظلمة ذات القضبان الحديدية.
تذكرت دروس العروس الصارمة التي كانت مثل أمواج عاتية تضربها بلا رحمة.
تذكرت حريتها المفقودة……
فجأة، شعرت بالدوار.
كان ذلك بسبب فقر الدم المزمن الناتج عن سوء التغذية.
سقطت على الأرض، وسمعت صوت شخص يصرخ بلهفة.
“آنسة! انتبهي! تحركي!”
بدأ الصوت يتردد في أذنيها.
رفعت “إيفينا” رأسها ببطء.
أول ما رأته كان الحصان وهو يرفع ساقه الأمامية.
“بووم!”
داست حوافر الحصان على جسدها دون رحمة.
“إيفينا ويندستر”
ماتت تحت عجلات العربة.
* * *
“آه……!”
“يا إلهي! إذا استيقظتِ، قولي شيئًا! لقد أفزعتني!”
“…….”
“لماذا لا تتكلمين؟ على أي حال، بما أنك استيقظتِ، سأذهب الآن. حاولي أن تتوقفي عن الإغماء دائمًا. هذا مزعج.”
خرجت الخادمة من الغرفة بوجه ممتعض.
كل ما تبقى في الغرفة كان طبق حساء بارد يحتوي على بروكلي ذابل.
تنهّدت “إيفينا” بعمق بدأ حتى التنفس صعبًا عليها الآن وهي تنهض بتعب، ثم تمتمت بصوت شارد:
“ما هذا…؟ هل أنا في حلم؟”
كانت عيناها الخضراوان الباهتتان تمسحان الغرفة ببطء.
رأت عنكبوتًا صغيرًا يتحرك على السقف، ومياهًا متجمعة على الأرض نتيجة تسرب من السقف.
إنها بلا شك غرفتها في منزل عائلة الكونت.
“لماذا أنا هنا؟…”
حاولت استعادة آخر ذكرياتها ببطء.
تذكرت جسدها يُدهس تحت حوافر حصان، ووميضًا أبيض يملأ رؤيتها.
نعم، لقد ماتت.
رغم شعورها بالأسى لأنها ماتت مرتين بطريقة مأساوية، إلا أنها لم تستطع إنكار الحقيقة.
ماتت فور رؤيتها خيانة أختها وخطيبها.
كانت يدها التي تمسك بالغطاء ترتجف بعصبية.
وقعت عيناها القلقتان على تقويم قديم في الغرفة.
“اليوم هو الرابع من شهر الإمبراطورية…”
عقدت “إيفينا” حاجبيها.
لقد ماتت في التاسع والعشرين من الشهر.
لكن التقويم يشير إلى الرابع.
قبل أن تتمكن من استيعاب الوضع بالكامل، فتح الباب.
دخل “هاردينيس” وعلى وجهه تعبير قلق.
“إيفينا، هل أنت بخير؟ لقد أغمي عليك فجأة وكنت قلقًا.”
“هاردينيس؟ لماذا أنت هنا…؟”
“ماذا تعنين؟ تناولنا الطعام معًا اليوم، هل نسيتي؟”
رغم محاولاته إظهار القلق، لاحظت “إيفينا” تلك النبرة المزعجة قليلاً في صوته.
‘لماذا هذا الأحمق هنا؟’
ثم توقفت قليلاً للتفكير. إذا كان اليوم الرابع من الشهر الإمبراطوري…
“نعم، هذا يتوافق مع الوقت الذي جاء فيه هاردينيس إلى منزل الكونت.”
هل يعقل أنها عادت إلى الماضي؟
بينما كانت تحاول تحليل الوضع، استمر “هاردينيس” بالحديث بلا توقف.
فقدت “إيفينا” صبرها ورفعت الغطاء.
“هاردينيس، لدي صداع. هل يمكنك المغادرة؟ أرجوك.”
“ماذا؟ ماذا؟”
“قلت اغرب عن وجهي. صوتك يجعلني أشعر بأنني حمقاء.”
احمر وجه “هاردينيس” خجلاً من الإهانة.
الرجل الذي ظنته يومًا مهذبًا لم يكن سوى أحمق لا يعرف الخجل.
“أغلق الباب خلفك، من فضلك.”
“إيغينا! أهذا ضروري؟”
أخرجته “إيفينا” من الغرفة وأغلقت الباب، وقلبها ينبض بسرعة.
“إذا كنت قد تجسدت من قبل، فلا شيء يمنعني من العودة إلى الماضي أيضاً…”
لقد جربت هذا من قبل، فهي ليست مبتدئة في هذه الأمور.
“ليس لدي وقت لأضيعه. قد أموت مجددًا في أي لحظة.”
بعد أن ماتت مرتين، تغيرت طريقة تفكيرها.
قررت أنها ستغادر هذا المنزل الكئيب وتعيش حياتها كما تريد.
أخذت بعض الأوراق التي أخفتها في درج عميق، وسارت باتجاه غرفة الاستقبال.
بدأت تسمع همسات الخدم خلفها.
“هل رأيت وجه الآنسة إيفينا للتو؟”
“نعم، رأيته. كان وكأن…”
ترددت في إكمال الجملة وكأن الحديث كان مرعبًا.
كانت يد الخادمة التي تمسك بالمكنسة ترتعش كما لو أنها واجهت كابوسًا.
بدأ الخدم الذين طالما استخفوا بـ”إيفينا” يتجمعون في مجموعات صغيرة، يهمسون حولها.
في هذه الأثناء، كانت خادمة أخرى تنظف النافذة بوجه شاحب.
“إنها تشبه ما حدث قبل بضعة أشهر. عندما بدأت الشائعات تدور بأنها أصبحت مجنونة أو تغيرت.”
“آه! توقفي! لا تذكري ذلك! الأمر مرعب!”
“اعتقدت أنها هدأت منذ ذلك الوقت. لماذا عادت لتتصرف هكذا الآن؟”
بدت الخادمات مذعورات، وكأن “إيفينا” أصبحت كارثة تمشي على الأرض.
لكن “إيفينا” لم تكن تأبه بما يحدث حولها.
كانت تراجع الأوراق التي تحملها وهي تفتح باب غرفة الاستقبال.
“ها أنتم هنا، يا أبي. وأنت أيضًا، هاردينيس.”
“إيفينا، من سمح لك بالدخول إلى هنا؟”
“لا أحد. لكن لم يقل أحد إنه ممنوع.”
“ماذا؟”
عقد الكونت “وينديستر”
حاجبيه بغضب.
لكن “إيفينا” تجاهلت نظراته الحادة وجلست بثقة على المقعد الرئيسي.
عقدت ساقيها الهزيلتين، مما أثار دهشة الخدم الذين كانوا يراقبون الموقف بدهشة.
“الآنسة إيفينا فقدت عقلها بالكامل!”
أخيرًا، خرج صوتها الناعم لتعلن بهدوء:
“سأختصر الكلام. أرجوكَ، يا أبي، احذف اسمي من السجل العائلة.”